الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6281 -
وعن أبي الدرداء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة، إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام)). رواه أبو داود [6281].
6282 -
وعن عبد الرحمن بن سليمان، قال: سيأتي ملك من ملوك العجم، فيظهر على المدائن كلها إلا دمشق. رواه أبو داود [6282].
(14) باب ثواب هذه الأمة
الفصل الأول
6283 -
عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مثلكم ومثل اليهود
ــ
باب ثواب هذه الأمة
الفصل الأول
الحديث الأول عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
قوله: ((إنما أجلكم في أجل من خلا)) الأجل المدة المضروبة للشيء، قال تعالى:{لتبلغوني أجلا مسمى} ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان: أجل، فيقال: دنا أجله، عبارة عن دنو الموت، وأصله استيفاء الأجل، أي مدة الحياة، ومعناه: ما أجلكم في أجل من مضى من الأم السالفة في الطول والقصر إلا مقدار ما بين صلاة العصر إلى صلاة المغرب من الزمان.
قوله: ((إنما مثلكم ومثل اليهود)) وفي أصل المالكي: ((إنما مثلكم واليهود)) قال: عطف على الضمير المجرور بغير إعادة الجار، وهو ممنوع عند البصرين إلا يونس وقطب والأخفش، والجواز أصح من المنع لضعف احتجاج المانعين، وصحة استعماله نظماً ونثراً، واحتجوا بأن الضمير المجرور شبيه بالتنوين [ومعاقب] فلم يجز العطف عليه كما لا يعطف على التنوين، وبأن حق المعطوف والمعطوف عليه أن يصح حلول كل منهما محل الآخر، وضمير الجر لا يصح حلوله محل ما يعطف عليه إلا بإعادة الجار نحو {فقال لها وللأرض} والحجتان ضعيفتان.
والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال: من يعمل إلى نصف النهار على قيراط قيرط؟، فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟، فعملت النصارى من نصف النهار
ــ
أما الأولى: فإن شبه الضمير بالتنوين ضعيف فلا يترتب عليه إيجاب ولا منع، ولو منع من العطف عليه لمنع من توكيده والإبدال منه، لأن التنوين لا يؤكد ولا يبدل منه بخلاف الضمير، فالعطف عليه أسوة بهما.
وكذا الثانية: ضعيفة لجواز قوله: رب رجل وأخيه، وقوله: أي فتى هيجاء أنت وجارها، وقولك: زيد وأخوك منطلقان.
ومن مؤيدات الجواز قراءة حمزة: {واتقوا الله الذي يتساءلون به والأرحام} بالخفض.
وجعل الزمخشري ((أشد)) معطوفاً على الكاف والميم من: {فاذكروا الله كذكركم} ولم يجز عطفه على الذكر. والذي ذهب إليه هو الصحيح يعرف بالتأمل.
((حس)): قال الخطابي: يروى هذا الحديث على وجوه مختلفة في توقيت العمل من النهار، وتقدير الأجرة، ففي هذه الرواية قطع الأجرة لكل فريق قيراطاً قيراطاً، وتوقيت العمل عليهم زماناً زماناً، واستيفاؤه منهم، وإيفاؤهم الأجرة.
وفيه قطع الخصومة، وزوال العنت عنهم، وإبراؤهم من الذنب.
وهذا الحديث مختصر، وإنما اكتفى الراوي منه بذكر مآل العاقبة فيما أصاب كل واحدة من الفرق، وقد روى محمد بن إسماعيل هذا الحديث بإسناده عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال:((أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر [ثم عجزوا] فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين)) الحديث.
فهذه الرواية تدل على أن مبلغ الأجرة لليهود لعمل النهار كله قيرطان، وأجرة النصارى للنصف الثاني قيرطان، فلما عجزوا عن العمل قل تمامه لم يصيبوا إلا قدر عملهم وهو قيراط، ثم إنهم لما رأوا المسلمين قد استوفوا قدر أجرة الفريقين حاسدوهم فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً.
قوله: ((فعملت اليهود إلى نصف النهار)) حالة من حالات المشبه أدخلها في المشبه به وجعلت من حالاته اختصاراً، إذ الأصل، قال الرجل: من يعمل إلى نصف النهار على قيراط قيراط، فعمل قوم إلى نصف النهار
…
الخ.
إلى صلاة العصر على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، ألا لكم الأجر مرتين، فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: نحن أكثر عملاً، وأقل عطاءً! قال الله تعالى: فهل ظلمتكم من حقكم شيئاً، قالوا: لا. قال الله تعالى: فإنه فضلي، أعطيه من شئت)). رواه البخاري.
6284 -
وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله)) رواه مسلم.
ــ
وكذلك قال الله تعالى للأمم من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود
…
إلى آخره ونظيره قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً
…
} إلى قوله {
…
ذهب الله بنورهم} فقوله: ((ذهب الله بنورهم)) وصف للمنافقين وضع موضع وصف المستوقد اختصاراً- كذا عن الواحدي.
قوله: ((ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار)) قال المالكي: تضمن هذا الحديث ((من)) في ابتداء غاية الزمان مراراً وهو مما خفي على أكثر النحويين، فمنعوه تقليداً لسيبويه في قوله: وأما ((من)) فتكون لابتداء الغاية في الأماكن، وأما ((مذ)) فتكون لابتداء غاية الأيام والأحيان، ولا تدخل واحدة منهما على صاحبتها. يعني أن ((مذ)) لا تدخل على الأمكنة ولا ((من)) على الأزمنة، فالأول مسلم بالإجماع، والثاني ممنوع لمخالفته النقل الصحيح والاستعمال الفصيح، ومن الشواهد قوله تعالى:{لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه} .
قوله: ((فغضبت اليهود والنصارى)) لعل هذا تخييل وتصوير لا أن ثمة مقاولة ومكالمة حقيقة، اللهم إلا أن يحمل ذلك على حصولها عند أخراج الذر فتكون حقيقة.
وقوله: ((فإنه)) الضمير واقع موقع اسم الإشارة، والمشار إليه قوله:((الأجر مرتين)) إنما لم يكن ظلماً لأنه تعالى شرط معهم شرطاً وقبلوا أن يعملوا به، وكان فضله مع النصارى على اليهود شرطاً في زمان أقل من زمانهم مع أنهما في الأجرة متساويان، وأما المسلمون فمدة عملهم أقل مع ضعف الأجرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه:
قوله: ((لو رآني بأهله وماله)) ((مظ)): الباء في ((بأهله)) باء التعدية، كما في قولهم: بأبي أنت وأمي، يعني يتمنى أحدهم أن يكون مفدياً بأهله وماله لو اتفق رؤيتهم إياي ووصلوهم إلي.
6285 -
وعن معاوية، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)). متفق عليه.
وذكر حديث أنس ((إن من عباد الله)) في: ((كتاب القصاص)).
الفصل الثاني
6286 -
عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل أمتي مثل المطر، لا يدري أوله خير أم آخره)) رواه الترمذي [6286].
ــ
أقول: ((لو)) هنا كما في قوله تعالى: {ربما يود الذين كفورا لو كانوا مسلمين} فلابد لقوله: ((يود)) من مفعول، فلو مع ما بعده نزل منزلته، كأنه قيل: يود أحدهم ويحب أحدهم ما يلازم قوله: لو رآني بأهله أن يفدي أهله وماله ليراني.
الحديث الثالث عن معاوية رضي الله عنه:
قوله: ((لا يزال من أمتي أمة قائمة)) تو: الأمة القائمة بأمر الله وإن اختلف فيها فإن المعتد به من الأقاويل: أنها الفئة المرابطة بثغور الشام نضر الله بهم وجه الإسلام، لما في بعض طرق هذا الحديث:((وهم بالشام)) وفي بعضها: ((حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال)) وفي بعضها: قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس)).
فإن قيل: ما وجه هذا الحديث وما في معناه من الأحاديث التي وردت في الشام، وقد عاثت الذئاب في القطيع، وعبرت الجنود العاتية على الفرات، واستباحت ما وراءه من البلاد كنبيح وسروج وحلب وما حولها؟
قلت: إنما أراد بقوله: لا يضرهم كل الضرر، وقد أضر الكفار يوم أحد بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، ولما كانت العاقبة للتقوى لم يعد ذلك ضرراً عليهم، مع أن الفئة الموعود لهم بالنصرة على عدوهم هم الجيوش الغازية بها، ولم يصبهم بحمد الله إلى اليوم غضاضة ولا هوان.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه:
قوله: ((لا يدري أوله خير)) ((تو)) لا يحمل هذا الحديث على التردد في فضل الأول على الآخر، فإن القرن الأول هم المفضلون على سائر القرون من غير [مثنوية]، ثم الذين يلونهم، ثم الذين
ــ
يلونهم، وفي الرابع اشتباه من قبل الراوي، وإنما المراد منه نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحققة.
((قض)): نفى تعلق العلم بتفاوت طبقات الأمة في الخيرية، وأراد نفي التفاوت، كما قال الله تعالى:{قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض} أي بما ليس فيهن، كأنه قيل: لو كان يعلم لأنه أمر لا يخفى، ولكن لا يعلم لاختصاص كل طبقة منهم بخاصية وفضيلة توجب خيرتها، كما أن كل نوبة من نوب المطر لها فائدة في النشوء والنماء، لا يمكنك إنكارها والحكم بعدم نفعها، فإن الأولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات، وتلقوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بالإجابة والإيمان، والآخرين آمنوا بالغيب لما تواتر عندهم من الآيات، واتبعوا من قبلهم بالإحسان.
وكما أن الأولين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد، فالمتأخرون بذلوا وسعهم في التفحيص والتجريد، وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد، فكل مغفور وسعيهم مشكور، وأجرهم موفور.
أقول: تمثيل الأمة بالمطر إنما يكون بالهدى والعلم، كما أن تمثيله صلى الله عليه وسلم بالغيث والهدى والعلم، فتختص هذه الأمة المشبهة بالمطر بالعلماء الكاملين منهم والمكملين لغيرهم، فيستدعي بهذا التفسير أن يراد بالخير النفع، فلا يلزم من هذا المساواة في الأفضلية، ولو ذهب إلى الخيرية، فالمراد وصف الأمة كلها سابقها ولاحقها، أولها وآخرها بالخيرية وأنها ملتحمة مع بعض، مرصوصة كالبنيان، مفرغة كالحلقة التي لا يدري أين طرفها، على منوال قوله تعالى:{آلمر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق} .
الكشاف: أي تلك الآيات آيات السورة الكاملة العجيبة في بابها، ثم قال:{والذي أنزل إليك} من القرآن كله {هو الحق} الذي لا مزيد عليه لا هذه السورة وحدها.
وفي أسلوب هذا الكلام قول الأنمارية: هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها. تريد المكملة.
ويلمح إلى هذا المعنى قول الشاعر:
إن الخيار من القبائل واحد وبنو حنيفة كلهم أخيار.
فالحاصل أن الأمة بأسرها مرتبطاً بعضها مع بعض في الخيرية، بحيث أبهم أمرها، وارتفع التمييز بينها، وإن كان بعضها أفضل من بعض وفي نفس الأمر، وهو قريب من باب سوق المعلوم مساق غيره، وفي معناه أنشد مروان بن أبي حفصة:
الفصل الثالث
6287 -
عن جعفر، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبشروا وأبشروا، إنما مثل أمتي كمثل الغيث، لا يدري آخره خير أم أوله، أو كحديقة أطعم منها فوج عاماً، ثم أطعم منها فوج عاماً، لعل آخرها فوجاً أن يكون أعرضها عرضاً وأعمقها
ــ
تشابه يوماه علينا فأشكلا فما نحن ندري أي يوميه أفضل؟
أيوم بداءة العمر أم يوم يأسه؟ وما منهما إلا أغر محجل
ومعلوم أن يوم بداءة العمر أفضل من يوم يأسه، لكن البدء لما لم يكن يكمل ويستتب إلا باليأس أشكل عليه الأمر فقال ما قال، وكذلك أمر المطر والأمة.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن جعفر الصادق:
قوله: ((أو كحديقة)) ((أو)) هذه مثلها في قوله تعالى: {أو كصيب من السماء} في أنها مستعارة للتساوي في غير الشك، كقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، يريد أنهما سيان في استصواب أن يجالسا.
معناه: إن كيفية صورة أمتي مشتبهة بكيفية المطر والحديقة، وأنهما سواء في استقلال كل واحدة منهما بوجه التمثيل، فأيتهما مثلتها فأنت مصيب، وإن مثلتها بهما جميعاً فكذلك.
فإن قلت: أي فرق بين التمثيلين؟
قلت: شبهت الأمة في التمثيل الأول بالمطر في نفع الناس بالهدى والعلم.
وبالثاني بالاستنفاع من علم الرسول صلى الله عليه وسلم وهداه، وإنباته الكلأ والعشب الكثير، وحصول [الإخاذات] ثم انتفاع الناس منهما بالرعي والسقي، وهو المعنى بالفوج الذي أطعم من الحديقة عاماً.
والحديقة: كل ما أحاط به البناء من البساتين وغيرها.
وقوله: ((أن يكون)) خبر لعل، وأدخل فيه ((أن)) تشبيها لـ ((لعل)) بـ ((عسى))، واسم ((يكون)) يحتمل أن يكون ضميراً عائداً إلى آخرها، وأعرضها خبره.
ووصف الأمة بالطول والعرض والعمق باعتبار ملابستها بالحديقة، وأن يكون:((أعرضها)) صفة موصوف محذوف واسم ((يكون)) والخبر مقدر، أي: تكون الحديقة أعرضها عرضاً له، إن روي مرفوعاً.
عمقاً، وأحسنها حسناً، كيف تهلك أمة أنا أولها والمهدي وسطها، والمسيح آخرها؟ ولكن بين ذلك فيج أعوج، ليسوا مني ولا أنا منهم)) رواه رزين.
6288 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي الخلق أعجب إليكم إيماناً؟)) قالوا: الملائكة قال: ((ومالهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟)). قالوا: فالنبيون. قال: ((وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟)) قالوا: فنحن. قال: ((ومالكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟)) قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أعجب الخلق إلي إيماناً لقوم يكونون من بعدي يجدون صحفاً فيها كتاب يؤمنون بما فيها)).
ــ
وأعرض وأعمق وأحسن جيء بها مبالغة، أي أبلغها عرضاً وعمقاً وحسناً، نحو قولك: العسل أحلى من الخل، والصيف أحر من الشتاء.
وقوله: ((أحسنها حسناً)) كقوله: جد جده، وجن جنونه.
وعرضاً: يحتمل أن يكون اسم عين، بدليل قوله: وأعمقها عمقاً.
وأن يكون اسم معنى بدليل: وأحسنها حسناً.
والفوج والفيج: الجماعة من الناس، فأما الفوج فإنه مخفف من الفيج، تقول: فياج يفوج فهو فيج، كما يقال: هان يهون فهو هين، ثم تخففه فتقول: هين، هكذا قال الأزهري.
وأما ((الفوج)) فهو على أصله من الواو بغير تخفيف، وإنما أحتاج إلى التقدير المذكور في الفيج لأجل الياء.
وقوله: ((أعوج)) وصف للفيج باعتبار اللفظ.
و ((ليسوا)) أيضاً وصف له باعتبار المعنى.
الحديث الثاني عن عمرو بن شعيب. ..
وقوله: ((أي الخلق أعجب إليكم إيماناً)) يحتمل أن يراد به: أعظم إيماناً على سبيل المجاز، لأن من تعجب من شيء عظمه، فجوابهم مبني على المجاز، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبني على إرادة الحقيقة.
قوله: ((فالنبيون)) الفاء فيه وفي قوله: ((فنحن)) كما في قولك: الأمثل فالأمثل، والأفضل فالأفضل، وقوله تعالى:{والصافات صفا فالزاجرات زجرا} في وجه.
6289 -
وعن عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي، قال: حدثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيكون في آخر هذه الأمة قوم لهم مثل أجر أولهم، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقاتلون أهل الفتن)) رواهما البيهقي في ((دلائل النبوة)) [6289].
6290 -
وعن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((طوبى لمن رآني [وآمن بي]، وطوبى سبع مرات لمن لم يراني وآمن بي)) رواه أحمد [6290].
6291 -
وعن أبي محيريز، قال: قلت لأبي جمعة رجل من الصحابة: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: نعم أحدثكم حديثاً جيداً، تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله! أحد خير منا؟ أسلمنا،
ــ
ولا يلزم من هذا أفضلية الملائكة على الأنبياء لأن القول في كون إيمانهم متعجباً منه بحسب الشهود والغيبة.
قيل في تفسير قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب} أي يؤمنون غائبين عن المؤمن به وحقيقته، متلبسين بالغيب كقوله تعالى:{يخشون ربهم بالغيب} ويعضده ما روي أن أصحاب عبد الله بن مسعود ذكروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيمانهم، فقال ابن مسعود: إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بيناً، والذي لا إله غيره ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ هذه الآية.
الحديث الثالث والرابع عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه:
قوله: ((وطوبى سبع مرات)) جملة معطوفة على السابقة، أي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((طوبى لمن لم يرني وآمن بي- سبع مرات)) فعلى هذا ((سبع مرات)) ظرف لقال مقدراً، تخلل بين ((طوبى)) وما يتعلق به.
ويحتمل أن يكون ((سبع مرات)) مصدراً لطوبى ومقولا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد به التكثير لا التحديد.
الحديث الخامس عن أبي محيريز:
قوله: ((وجاهدنا معك)) كقوله تعالى: {رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله} وحرف الاستفهام محذوف.
وجاهدنا معك. قال: ((نعم، قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني)) رواه أحمد، والدارمي [6291].
وروى رزين عن أبي عبيدة من قوله: قال: يا رسول الله! أحد خير منا إلى آخره.
6292 -
وعن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم. ولا يزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)) قال ابن المديني. هم أصحاب الحديث. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح [6292].
6293 -
وعن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) رواه ابن ماجه والبيهقي [6293].
6294 -
وعن بهز بن حكيم، عن أبيه عن جده، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
ــ
ويحتمل أن يكون لمجرد الاستفهام، وأسلمنا استئناف وجاهدنا حال، و ((نعم)) على هذا وقعت موقعها.
وأن يكون الاستفهام للإنكار، وأسلمنا استئناف لبيان نفي خيرية الغير عنه، وعلى هذا وقعت ((نعم)) موقع ((بلى)) فالخيرية بحسب الغيبة والشهود، كما سبق بيانه آنفاً والله أعلم.
الحديث السادس عن معاوية بن قرة رضي الله عنه:
قوله: ((هم أصحاب الحديث)) لا منافاة بين هذا الحديث وبين قوله في الحديث السابق: ((لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله)) على ما مر، فإن المراد منها الفئة المرابطة بثغور الشام، لأن اللفظ يحتمل كلا المعنيين.
وأما قوله: ((لا يضرهم من خذلهم)) فيحمل الخذلان على ترك المعاونة لهم على المبتدعة، فيكون هنا مجازاً وهنالك حقيقة.
الحديث السابع والثامن عن بهز بن حكيم:
قوله: ((يقول في قوله تعالى)) أي في تفسير قوله تعالى.
في قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال: ((أنتم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى)) رواه الترمذي، وابن ماجه، والدارمي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن [6294].
ــ
فالمراد بالسبعين التكثير لا التحديد ليناسب إضافة الخير إلى المفرد والنكرة لأنه لاستغراق الأمم الفائتة للحصر باعتبار أفرادها، أي: إذا تقصيت أمة أمة من الأمم كنتم خيرها.
وتتمون: علة للخيرية، لأن المراد به الختم، يعني كما أن نبيكم خاتم الأنبياء، أنتم خاتم الأمم، وكما أن نبيكم صلى الله عليه وسلم حاز ما تفرق في الأنبياء السالفة من الكمالات والخصال الفاضلة، كذلك حكمكم مع الأمم السالفة، قال تعالى:{أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتداه} .
والله أعلم بالصواب
وإليه المرجع والمآب