الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم! تألف الناس وارفق بهم فقال لي: أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام؟ إنه قد انقطع الوحي وتم الدين أينقص وأنا حي؟. رواه رزين.
(4) باب مناقب عمر
الفصل الأول
6035 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر)) متفق عليه.
ــ
ومن الثاني: حديث عمر رضي الله عنه أنه أخر الصدقة عام الرمادة، فلما أحيا الناس بعث عامله فقال: اعقل عنهم عقالين فاقسم فيهم عقالا وائتني بالآخر، يريد صدقة عامين.
قوله: ((وخوار في الإسلام)) نه: هو من خار يخور إذا ضعفت قوته ووهنت.
أقول: أنكر عليه ضعفه ووهنه في أمر الدين، ولم يرد أن يكون جباراً بل أراد به التصلب والشدة في الدين، ولكن لما ذكر الجاهلية قرنه بذكر الجبار، ومن العجب أن أبا بكر كان منسوباً إلى الرفق والأناة وعمر رضي الله عنه إلى الشدة والصلابة فعكس الأمر في هذه القضية.
باب مناقب عمر رضي الله عنه
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي عنه:
قوله: ((محدثون)) ((نه)): المحدث في كلامهم هو الرجل الصادق الظن، وهو في الحقيقة من ألقى في روعة شيء من قبل الملأ الأعلى، فيكون كالذي حدث به.
وفي قوله: ((وإن يك في أمتي أحد فهو عمر)) لم يرد هذا القول مورد التردد، فإن أمته أفضل الأمم، وإذ كانوا موجودين في غيرهم من الأمم فالبحري أن يكونوا موجودين في هذه الأمة أكثر عدداً وأعلى رتبة، وإنما ورد مورود التأكيد والقطع به، ولا يخفى على ذي الفهم محله من المبالغة كما في قول الرجل: إن يكن لي صديق فإنه فلان، يريد بذلك اختصاصه بالكمال في صداقته لا نفي الأصدقاء.
أقول: هذا الشرط من باب قول الأجير: إن كنت عملت لك فوفني حقي، وهو عالم بذلك، ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق مع وضوحه.
6036 -
وعن سعد بن أبي وقاص، قال: استأذن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن فبادرن الحجاب، فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال: أضحك الله سنك يا رسول الله! فقال الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب)) قال عمر: يا عدوات أنفسهن! أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلن: نعم؛ أنت أفظ وأغلظ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إيه يا بن
ــ
فالمراد بالمحدث: الملهم المبالغ فيه الذي انتهى إلى درجة الأنبياء في الإلهاء فالمعنى: لقد كان فيما قبلكم من الأمم أنبياء ملهمون من قبل الملأ الأعلى، فإن يكن في أمتي أحد هذا شأنه فهو عمر، جعله لانقطاع قرينه وتفوقه على أقرانه في هذا كأنه تردد هل هو نبي أم لا؟ فاستعمل إن، يؤيده ما ورد في الفصل الثاني:((لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب)) فلو في هذا الحديث بمنزلة إن على سبيل الفرض والتقدير كما في قول عمر رضي الله عنه: ((نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه)).
الحديث الثاني عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
قوله: ((ويستكثرونه)) مح: أي يطلبن منه النفقات الكثيرة.
قال القاضي عياض في قوله: ((عالية أصواتهن)) يحتمل أن هذا قبل النهي عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل أن علو أصواتهن إنما كان لاجتماعهن في الصوت لا أن كلام كل واحدة بانفراده أعلى من صوته صلى الله عليه وسلم.
قوله: ((أنت أفظ وأغلظ)) لم يرد بذلك مزيد الفظاظة والغلظة لعمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان حليماً مواسياً رقيق القلب في الغاية، بل المبالغة في فظاظة عمر رضي الله عنه مطلقاً.
قوله: ((إيه)) تو: هو اسم يسمى به الفعل، لأن معناه الأمر، تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل:((إيه)) بكسر الهاء، فإن وصلت نونت وقلت:((إيه حدثنا))، وإذا أسكته وكففته قلت:((إيها عنا)) ومن حقه في هذا الحديث أن يكون: ((إيها)) أي اكفف يا بن الخطاب عن هذا الحديث، ورواه البخاري في كتابه مجروراً منوناً والصواب:((إيها)) وروى مسلم هذا الحديث في جامعة وليس لهذه الكلمة في روايته ذكر.
أقول: معنى قول عمر: ((أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟)) أي أتوقرنني ولا توقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
الخطاب! والذي نفسي بيده ما لقيت الشيطان سالكاً فجا قط إلا سلك فجاً غير فجك)) متفق عليه. وقال الحميدي: زاد البرقاني بعد قوله: يا رسول الله: ما أضحك.
6037 -
وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصراً بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك)) فقال [عمر]: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أعليك أغار؟. متفق عليه.
ــ
حس: هو من قولهم: هبت الرجل إذا وقرته وعظمته، يقال: هب الناس يهابوك، أي وقرهم يوقروك- انتهى كلامه-.
ولا شك أن الأمر بتوقير رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلوب لذاته يجب الاستزادة منه فكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إيه) استزادة منه في طلب توقيره وتعظيم جانبه، ولذلك عقبه بقوله:((والذي نفسي بيده .. الخ)) فإنه يدل على استرضاء ليس بعده استرضاء، إحماداً منه صلى الله عليه وسلم لفعاله كلها لاسيما هذه الفعلة.
قوله: ((ما لقيك الشيطان سالكاً)) تو: فيه تنبيه على صلابته في الدين واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض، حتى كان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كالسيف الصارم والحسام القاطع إن أمضاه مضى وإن كفه كف، فلم يكن له على الشيطان سلطان إلا من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان هو كالوازع بين يدي الملك فلهذا كان الشيطان ينحرف عن الفجر الذي سلكه، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة إلى العالمين مأموراً بالعفو عن المذنبين، معنياً بالصفح عن الجاهلين لم يكن ليواجههم فيما لا يحمده من فعل مكروه أو سوء أدب بالفظاظة والغلظة والزجر البليغ، إذ لا يتصور الصفح والعفو مع تلك الخلال، فلهذا تسامح هو فيها واستحسن استشعارهن الهيبة من عمر رضي الله عنه.
مح: هذا الحديث محمول على ظاهره وأن الشيطان متى رآه سالكاً فجا هرب لرهبته من عمر رضي الله عنه، وفارق ذلك الفج لشدة بأسه.
قال القاضي عياض: ويحتمل أنه ضرب مثلاً بالشيطان وإغوائه وأن عمر رضي الله عنه فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد وخالف ما يأمره به.
والصحيح الأول.
6038 -
وعن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي، وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره) قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: ((الدين)) متفق عليه.
6039 -
وعن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت حتى إني لأرى الري يخرج [في] أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر ابن الخطاب)) قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: ((العلم)) متفق عليه.
6040 -
وعن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليه دلو؟ فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعه ضعف، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غرباً
ــ
الحديث الثالث والرابع عن ابن عمر رضي الله عنهما:
قوله: ((قميص)) ((مح)) القميص الدين، وجره يدل على بقاء آثاره الجميلة وسنته الحميدة في المسلمين بعد وفاته ليقتدي به.
وأما تفسير اللبن بالعلم فلكثرة الانتفاع بهما، وفي أنهما سبباً الصلاح، فاللبن غذاء الإنسان وسبب صلاحهم وقوة أبدانهم، والعلم سبب في صلاح الدنيا والآخرة وغذاء للأرواح.
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه:
قوله: ((رأيتني على قليب)) قض: لعل القليب إشارة إلى الدين الذي هو منبع ما به تحي النفوس، وهو أمر المعاش.
ونزع الماء منها إشارة إلى إشاعة أمره وإجراء حكمه والقيام لمراسمه وسياساته.
وتناوبهم في ذلك إشارة إلى أن هذا الأمر ينتهي من الرسول صلوات الله عليه إلى أبي بكر، ومنه إلى عمر.
ونزع أبي بكر ذنوباً أو ذنوبين إشارة إلى قصر مدة خلافته وأن الأمر إنما يكون بيده سنة أو سنتين ثم ينتقل إلى عمر، وكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر.
وضعفه: فيه إشارة إلى ما كان فيه أيامه من الاضطراب والارتداد واختلاف الكلمة، أو إلى ما كان له من لين الجانب وقلة السياسة والمداراة مع الناس، ويدل على هذا قوله:((غفر الله ضعفه)) وهو اعتراض ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم ليعلم أن ذلك موضع ومغفور عنه غير قادح في منصبه.
فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن)).
6041 -
وفي رواية ابن عمر، قال:((ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر، فاستحالت في يده غرباً، فلم أر عبقرياً يفري فريه، حتى روي الناس وضربوا بعطن)) متفق عليه.
ــ
ومصير الدلو في نوبة عمر غرباً- وهو الدلو الكبير الذي يستقي به البعير- إشارة إلى ما كان في أيامه من تعظيم الدين وإعلاء كلمته وتوسيع خططه وقوته، وجده في النزع إشارة إلى ما اجتهد في إعلاء أمر الدين وإفشائه في مشارق الأرض ومغاربها اجتهاداً لم يتفق لأحد قبله ولا بعده.
والعبقري: القوي، قيل: العبقر اسم واد يزعم العرب أن الجن تسكنه فنسبوا إليه كل من تعجبوا منه أمراً كقوة أو غيرها، فكأنهم وجدوا ما وجدوا منه خارجاً عن وسع الإنسان فحسبوا أنه جني من العبقر، ثم قالوا لكل شيء نفيس.
وقوله: ((حتى ضرب الناس بعطن)) أي حتى رووا إبلهم فأبركوها وضربوا لها عطناً وهو مبروك الإبل.
مح: في قوله: ((وفي نزعه ضعف)) ليس فيه حط لمنزلته ولا إثبات فضيلة لعمر عليه رضي الله عنهما، وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما، وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها، ولاتساع الإسلام وفتح البلاد وحصول الأموال والغنائم.
وأما قوله: ((والله يغفر له صعفه)) فليس فيه نقص له، ولا إشارة إلى ذنب وإنما هي كلمة كان المسلمون يزينون بها كلامهم، وقد جاء في صحيح مسلم أنها كلمة كان المسلمون يقولونها: افعل كذا والله يغفر لك.
أقول: أراد أنه من باب التتميم وهو أن يقيد بكلام فيه نوع إيهام للنقص بما بصونه عنه، مثاله قول أبي الطيب:
وتحتقر الدنيا احتقار مجرب ترى كل ما فيها وحاشاك فانيا
((مح)) وقوله: ((فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة)) إشارة إلى نيابة أبي بكر رضي الله عنه وخلافته بعده، وراحته صلى الله عليه وسلم بوفاته من نصب الدنيا ومشاقها.
وفي قوله: ((ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر .. إلى قوله: وضربوا بعطن)) إشارة إلى أن أبا بكر رضي الله عنه قمع أهل الردة وجمع شمل المسلمين وابتدأ الفتوح، ومهد الأمور، وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر رضي الله عنه.
الفصل الثاني
6042 -
عن ابن عمر، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه)). رواه الترمذي. [6042]
6043 -
وفي رواية أبي دواد، عن أبي ذر، قال:[سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول][((إن))] الله وضع الحق على لسان عمر يقول به)). [6043]
6044 -
وعنه علي [رضي الله عنه] قال: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. رواه البيهقي في ((دلائل النبوة)) [6044].
ــ
وفريه: تروى بإسكان الراء وتخفيف الياء، وكسر الراء وتشديد الياء، وهما لغتان صحيحتان، وأنكر الخليل التشديد، ومعناه: لم أر شيئاً يعمل عمله ويقع قطعه.
وأصل ((الفري)) بالإسكان القطع تقول العرب: تركته يفري الفري إذا عمل العمل فأجاد.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن ابن عمرو رضي الله عنهما:
قوله: ((جعل الحق على لسان عمر)) ضمن جعل معنى أجرى فعداه بعلى، وفيه معنى ظهور الحق واستعلائه على لسانه، وفي وضع الجعل والوضع موضع أجرى إشعار بأن ذلك كان خلقياً ثابتاً مستقراً.
الحديث الثاني عن علي رضي الله عنه:
قوله: ((إن السكينة تنطق)) تو: أي لم يكن يبعد أنه ينطلق بما يستحق أن تسكن إليها النفوس وتطمئن به القلوب، وأنه أمر غيبي ألقي على لسانه، ويحتمل أنه أراد بالسكينة الملك الذي يلهمه ذلك القول.
نه: قيل: أراد بها السكينة التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز، قيل في تفسيرها، إنها حيوان له وجه كوجه الإنسان مجتمع وسائرها خلق رقيق كالريح والهواء.
وقيل: هي صورة كالهرة كانت معهم في جيوشهم فإذا ظهرت انهزم أعداؤهم.
6045 -
وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((اللهم أعز الإسلام بأبي جهل ابن هشام، أو بعمر بن الخطاب)) فأصبح عمر، فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، ثم صلى في المسجد ظاهرا. رواه أحمد، والترمذي [6045].
ــ
وقيل: هي ما كانوا يسكنون إليه من الآيات التي أعطيها موسى عليه السلام، والأشبه بحديث عمر أنه تكون هي الصورة المذكورة.
أقول: لعله إنما حمله على هذا القول لما أثبت للسكينة النطق، لكن ما ذهب إليه الشيخ التوربشتي أولاً أولى فهو يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون إسناداً مجازياً وذلك أن نزول السكينة لما كان سبباً لنطقه بالحق أسنده إليها.
وثانيهما: أن يكون استعارة مكنية، شبه السكينة بمتكلم يفصح عن الحق تشبيهاً بليغاً كما تقرر في موضعه، ثم خيل لها ما به قوام المتكلم في الإفصاح من النطق ونسب إليه لتكون قرينة بالغة لإرادة الحقيقة.
ونظيره في الوجهين قوله تعالى: {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم} الكشاف: الذكر الحكيم القرآن، وصف بوصفه من هو بسببه أو كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه. انتهى كلامه. يعني الضمير في الحكم راجع إلى القرآن. فإسناد الحكيم إليه مجازي وذلك أن قائله لما كان حكيماً وصف بصفته، أو شبه القرآن بالشخص الذي ينطق بالحكمة فأثبت له النطق على الاستعارة المكنية، فإن قلت: ما محل قوله على لسان عمر وما موقعه؟. قلت: محله الحال، وموقعه موقع الترشيح من الاستعارة كما في قول من قال:
جلالك يا خير الملوك مساعياً على منبر المجد المؤثل خاطب
وقول الآخر:
على منبر العلياء جدك يخطب وللبلدة العذراء سيفك يخطب
الحديث الثالث عن ابن عباس رضي الله عنهما:
قوله: ((اللهم أعز الإسلام)) أي قوه وانصره كقوله تعالى: {فعززنا بثالث} أي فقويناه، يقال: المطر يعزز الأرض إذا لبدها وشدها، وتعزز لحم الناقة.
6046 -
وعن جابر، قال: قال عمر لأبي يكر: يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو بكر: أما إنك إن قلت ذلك، فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب [6046].
ــ
قوله: ((على النبي صلى الله عليه وسلم) إما خبر، أي غدا مقبلاً على النبي صلى الله عليه وسلم، أو ضمن ((غدا)) معنى ((أقبل)) نحو قوله تعالى:{وغدوا على حرد قادرين} روى الحاكم أبو عبد الله في دلائل النبوة عن ابن عباس أن أبا جهل قال: إن من يقتل محمدً فله على مائة ناقة وألف أوقية من فضة، فقال عمر: الضمان صحيح؟ قال: نعم عاجلاً غير آجل، فخرج عمر فلقيه رجل فقال: أين تريد؟ قال: أريد محمداً لأقتله، قال: كيف تأمن من بني هاشم؟ قال: إن لأظنك قد صبأت؟ قال: ألا أخبرك بأعجب من هذا؟ إن أختك وخنتك قد صبئا مع محمد.
فأقبل عمر إلى منزل أخته وكانت تقرأ سورة طه، فوقف يستمع ثم قرع الباب فأخفوها، فقال عمر: ما هذه الهيمنة، فأظهت الإسلام، فبقي عمر حزيناً كئيباً فباتوا كذلك إلى أن قامت الأخت وزوجها يقرآن {طه ما أنزلنا
…
} فلما سمع قال: ناوليني الكتاب حتى أنظر فيه، فلما قرأ إلى قوله:{الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} قال: اللهم إن هذا أهل أن لا يعبد سواه، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فبات ساهر العين ينادي كل ساعة: واشوقاه إلى محمد حتى أصبح، فدخل عليه خباب بن الأرت فقال: يا عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات الليلة ساهراً يناجي الله عز وجل أن يعز الإسلام بك أو بأبي جهل، وأنا أرجو أن تكون دعوته قد سبقت فيك.
فخرج متقلداً سيفه، فلما وصل إلى منزل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((يا عمر أسلم أو لينزلن الله فيك ما أنزل بوليد بن المغيرة))، فارتعدت فرائص عمر ووقع السيف من يده فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: إن اللات والعزى تعبد على رءوس الجبال وفي بطون الأودية ودين الله يعبد سراً، والله لا يعبد سراً بعد يومنا هذا.
الحديث الرابع عن جابر رضي الله عنه:
قوله: ((فلقد سمعت)) جواب قسم محذوف وقع جواباً للشرط على سبيل الإخبار، كأنه أنكر عليه قوله:((يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم)((ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر)) ونحوه في الإخبار والإنكار قوله تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} .
6047 -
وعن عقبة بن عامر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب)) رواه الترمذي. قال: [هذا] حديث غريب [6047].
6048 -
وعن بريدة، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء. فقالت: يا رسول الله! إني كنت نذرت إن ردك الله صالحاً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن كنت نذرت فاضربني، وإلا فلا)) فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت إستها ثم قعدت عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن الشيطان ليخاف منك يا عمر! إني كنت جالساً وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر! ألقت الدف)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب [6048].
ــ
الحديث الخامس عن بريدة رضي الله عنه:
قوله: ((إني كنت نذرت)) تو: النبي صلى الله عليه وسلم إنما مكانها من ضرب الدف بين يديه لأنها نذرت، فدل نذرها على أنها عدت انصرافه على حال السلامة نعمة من نعم الله عليه، فانقلب الأمر فيه من صفة اللهو إلى صفة الحق، ومن المكروه إلى المستحب، ثم إنه لم يكره من ذلك ما يقع به الوفاء بالنذر، وقد حصل ذلك بأدنى ضرب، ثم عاد الأمر في الزيادة إلى حد المكروه ولم ير أن يمنعها لأنه لو منعه صلى الله عليه وسلم كان يرجع إلى حد التحريم فلهذا سكت عنها وحمد انتهاءها عما كانت فيه بمجيء عمر رضي الله عنه.
فإن قلت: كيف قرر إمساكها عن ضرب الدف هاهنا بمجيء عمر ووصفه بقوله ((إن الشيطان ليخاف منك يا عمر)) ولم يقرر انتهاء أبي بكر رضي الله عنه الجاريتين اللتين كانتا تدففان أيام منى؟.
قلت: منع أبا بكر بقوله: ((دعهما)) وعلله بقول: ((فإنها أيام عيد)) وقرر ذلك هنا فدل ذلك على أن الحالات والمقامات متفاوتة، فمن حال تقتضي الاستمرار، ومن حالة لا تقتضيه.
6049 -
وعن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، فسمعنا لغطاً وصوت صيبان. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن والصبيان حولها فقال:((يا عائشة! تعالي فانظري)) فجئت فوضعت لحيي على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه. فقال لي:((أما شبعت؟ أما شبعت؟)) فجعلت أقول: لاأ لأنظر منزلتي عنده، إذا طلع عمر فارفض الناس عنها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر)) قالت: فرجعت. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب [6049].
الفصل الثالث
6050 -
عن أنس. وابن عمر، أن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله! لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت (واتخذوا من مقام إبراهيم
ــ
الحديث السادس عن عائشة رضي الله عنها:
قوله: ((لغطاً)) قض: اللغط الصوت الشديد الذي لا يفهم.
و ((تزفن)) أي ترقص، والزفن: الرقص.
((فارفض الناس عنها)) أي تفرق النظارة الذين كانوا حول الحبشية الراقصة عنها لمهابة عمر رضي الله عنه والخوف من إنكاره عليهم.
قوله: ((ما بين المنكب)) ظرف لأنظر، أي فيما بين، فحذف ((في)) كما في قوله: كما عسل الطريق الثعلب.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه:
قوله: ((وافقت ربي في ثلاث)) ما أحسن هذه العبارة وما ألطفها حيث راعى فيها الأدب الحسن، ولم يقل: وافقني ربي في ثلاث، لأن الآيات إنما نزلت موافقة لرأيه واجتهاده.
مصلى}. وقلت: يا رسول الله! يدخل على نسائك البر والفاجر، فلو أمرتهن يحتجبن؟ فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة، فقلت:{عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن} فنزلت كذلك.
6051 -
وفي رواية لابن عمر قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر. متفق عليه.
6052 -
وعن ابن مسعود، قال: فضل الناس عمر بن الخطاب بأربع: بذكر الأسارى يوم بدر، أمر بقتلهم، فأنزل الله تعالى {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيا أخذتم عذاب أليم} وبذكر الحجاب، أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتجبن، فقالت له زينب: وإنك علينا يا بن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا؟ فأنزل الله تعالى {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب} وبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أيد الإسلام بعمر)) وبرأيه في أبي بكر [رضي الله عنه] كان أول ناس بايعه. رواه أحمد. [6052]
ــ
قوله: ((في الغيرة)) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلو، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فغرت فسألت عن ذلك فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل، فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: أما والله لنحتالن له
…
الحديث، فنزل: {لم تحرم ما أحل الله لك
…
}.
الحديث الثاني عن ابن مسعود رضي الله عنه:
قوله: ((لولا كتاب من الله سبق لمسكم)) أي لولا حكم منه سبق إثباته في اللوح المحفوظ، وهو أنه لا يعاقب أحد بخطأ، وكان أخذهم الفدية يوم بدر من الكفار خطأ في الاجتهاد، وقيل: إن أهل بدر مغفور لهم.
قوله: ((وبرأيه في أبي بكر)) أي باجتهاده حين قال أبو بكر للأنصار: الأئمة من قريش، ثم بايعه أول الناس.
6053 -
وعن أبي سعيد. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذاك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة)) قال أبو سعيد: والله ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله. رواه ابن ماجه [6053].
6054 -
وعن أسلم، قال سألني ابن عمر بعض شأنه- يعني عمر- فأخبرته، فقال: ما رأيت أحداً قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض كان أجد وأجود حتى انتهى من عمر. رواه البخاري.
6055 -
وعن المسور بن مخرمة، قال: لما طعن عمر جعل يألم، فقال له ابن عباس وكأنه يجزعه: يا أمر المؤمنين! ولا كل ذلك؟! لقد حصبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم فارقك وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقك وهو عنك راض، ثم صحبت المسلمين فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه
ــ
الحديث الثالث عن أبي سعيد رضي الله عنه:
قوله: ((إلا عمر بن الخطاب)) فإن قلت فيلزم من هذا أنه أفضل من أبي بكر. قلت صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم: ((ذلك الرجل)) إشارة إلى مبهم والقصد فيه أن يجتهد ويتحرى كل واحد من أمته أن ينال تلك الدرجة، وإنما ينال بتوخي العمل وتحري الأصوب من الأخلاق الفاضلة والاجتهاد في الدين، والمواظبة على المبرات، ولم تشاهد هذه الخلال في أحد كما شوهدت منه رضي الله ليلة القدر في الليالي فلا يلزم من هذا أن يكون هو أفضل من أبي بكر، وأيضاً يجوز أن يحمل على الخصوص، ويؤيد التقرير الأول الحديث الذي يتلوه.
الحديث الرابع عن أسلم رضي الله عنه:
قوله: ((بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل وجهين: أي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذه الخلال وتعقيبه بقوله من حين قبض أي رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على الأول لأن المراد بيان ابتداء استمراره على تلك الحالات وثباته عليها حتى مضى لسبيله، وتنازع في قوله: أجد وأجود.
الحديث الخامس عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه:
قوله: ((وكان يجزعه)) أي ينسبه إلى الجزع ويلومه عليه، ويقول له ما يسليه، يدل عليه قوله:((ولا كل ذلك)) أي لا تبالغ فيما أنت فيه من الجزع.