المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(8) باب الحلق - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٦

[الطيبي]

الفصل: ‌(8) باب الحلق

2645 -

وعن نبيشة [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنا كنا نهيناكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم. جاء الله بالسعة، فكلوا، وادخروا، وأتجروا. ألا وإن هذه الأيام، أيام أكل وشرب، وذكر الله)). رواه أبو داود. [2645]

(8) باب الحلق

الفصل الأول

2646 -

عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع وأناس من أصحابه، وقصر بعضهم. متفق عليه.

ــ

تعالي:} وأصلح لي في ذريتي {. ولعل هذا ليس بنسخ؛ لإمكان الجميع بين الأمرين، فيكون الثاني رخصة.

الحديث الثاني عن نبيشة: قوله: ((أن تأكلوها)) بدل اشتمال من ((لحومها)). قوله: ((لكي تسعكم)) ((نه)): وسعه الشيء يسعه سعة فهو واسع، والوسع والسعة الجدة والطاقة، ومنه الحديث ((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم)) أي لا تتسع أموالكم لعطائهم فوسعوا أخلاقكم لصحبتهم. أقول: فالضمير المرفوع في ((تسعكم)) للحوم، أي نهيتكم عن أكلها ليتسع عليكم فتؤتوها المحتاجين، يدل عليه قوله:((جاء الله بالسعة)) أي علي المحتاجين، فوافق هذا التأويل معنى الحديث السابق. قوله:((وأتجروا)) أمر من الأجر، أي اطلبوا به الأجر والثواب، ولو كان من التجارة لكان بتشديد التاء، والتجارة في الضحايا لا تصح؛ لأن بيعها فاسد، إنما تؤكل ويتصدق منها. قوله:((أيام أكل وشرب وذكر الله)) التنكير فيهما للنوع، أي سعة وإباحة فيهما، ثم أتبعهما بذكر الله صيانة عن التلهي والتشهي كالبهائم، بل يكونان إعانة علي ذكر الله وطاعته، والله أعلم بالصواب.

باب الحلق

الفصل الأول

الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((قصرت من رأس النبي صلى الله عليه وسلم)((قض)): كان هذا في عمرة؛ لأن الحاج يحلق بمنى، فلا يعارض ما روى ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع، ولعل ذلك كان في عمرة الجعرانة، اعتمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح

ص: 2008

2647 -

وعن ابن عباس، قال: قال لي معاوية: إني قصرت من رأس النبي صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص. متفق عليه

2648 -

وعن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في حجة الوداع:((اللهم ارحم المحلقين)). قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟! قال: ((اللهم ارحم المحلقين)).

قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟! قال: ((والمقصرين)). متفق عليه.

ــ

مكة، وأراد الرجوع منها في السنة الثامنة من الهجرة، أو عمرة القضاء، إن صح ما روى عنه: إنى أسلمت عام القضية، والأصح أنه أسلم عام الفتح. قوله:((المشقص)) ((نه)): المشقص نصل طويل ليس بالعريض، وقيل: هو سهم له نصل عريض وقيل: أراد هاهنا به الحلم، وهو الذي يجز به الشعر والصوف، وهو أشبه بهذا الحديث. ((مح)): يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة، ويحلق في الحج؛ ليقع الحلق في أكمل العبادتين.

الحديث الثاني والثالث والرابع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((قالوا: والمقصرين)) هو من العطف التلقيني، يعني يا رسول الله! ضم المقصرين إليهم، وقل اللهم ارحم المحلقين والمقصرين، نحو قوله تعالي:} إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي {((الكشاف)): ((ومن ذريتي)) عطف علي الكاف، كأنه قال: وجاعل بعض ذريتي كما يقال لك: سأكرمك فتقول: وزيداً. ((نه)): إنما خص المحلقين أولاً بالدعاء دون المقصرين، وهم الذين أخذوا من أطراف شعورهم ولم يحلقوا-؛ لأن أكثر من أحرم مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن معهم هدى؛- وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ساق الهدى، ومن معه هدى فإنه لا يحلق حتى ينحر هديه، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم من ليس معه هدى أن يحلق ويحل، ووجدوا في أنفسهم من ذلك، وأحبوا أن يأذن لهم في المقام علي إحرامهم حتى يكملوا الحج،- وكانت طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أولي بهم-، فلما لم يكن لهم بد من الإحلال كان التقصير في نفوسهم أخف من الحلق، فمال أكثرهم، وكان فيهم من بادر إلي الطاعة، وحلق ولم يراجع؛ فلذلك قدم المحلقين وأخر المقصرين.

((مح)): هذا في حجة الوداع، وهو الصحيح المشهور، وحكى القاضي عياض عن بعضهم: أن هذا كان يوم الحديبية حين أمرهم بالحلق، فلم يفعلوا طمعاً دخول مكة يومئذ. وعن ابن عباس قال: حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء. قيل:

ص: 2009

2649 -

وعن يحى بن الحصين، عن جدته، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثاً، وللمقصرين مرة واحدة. رواه مسلم.

2650 -

وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى، ونحر نسكه، ثم دعا بالحلاق، وناول الحالق شقه الأيمن، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري، فأعطاه إياه، ثم ناول الشق الأيسر، فقال:((احلق)) فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، فقال:((اقسمه بين الناس)). متفق علية.

ــ

يا رسول الله! ما بال المحلقين، ظاهرت لهم بالترحم؟ قال:((لأنهم لم يشكوا)). ووجه فضيلة الحلق علي التقصير أن المقصر مبق علي نفسه الزينة من الشعر، والحاج مأمور بترك الزينة؛ ولأنه أدل علي صدق النية في التذلل لله تعالي. والمذهب المشهور أن الحلق أو التقصير نسك من مناسك الحج والعمرة، وركن من أركانهما لا يحصل واحد منهما إلا به، وعليه اتفقت الجمهور. وللشافعي قول شاذ ضعيف: أنه استباحة محظور كالطيب واللباس وليس بنسك، والصواب الأول، والمشروع في حق النساء التقصير، وأقله ثلاث شعرات، ويكره لهن الحلق والأفضل في الحلق والتقصير أن يكون بعد رمي جمرة العقبة، وقد ذبح الهدي عن كان معه سواء كان قارناً أو مفرداً.

الحديث الخامس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((نحر نسكه)) ((تو)): نسك جميع نسيكة، وقيل: مصدر، والمصادر تقام مقام الأسماء المشتقة منها، فتطلق علي الواحد والجمع، وأكثر ما نجده في الحديث بتخفيف السين، وفي الحديث يجوز أن يحمل علي الواحد؛ لأنه كان ينحر الواحد بعد الواحد، ويجوز أن يحمل علي الجمع؛ لأنه تحر يومئذ بيده ثلاثاً وستين بدنة، وكأنه راعي بهذه العدة سني عمره صلى الله عليه وسلم. وإنما قسم الشعر في أصحابه؛ ليكون بركة باقية بين أظهرهم وتذكره لهم، وكأنه أشار بذلك إلي اقتراب الأجل وانقضاء زمان الصحبة، وأرى أنه خص أبا طلحة بالقسمة التفاتاً إلي هذا المعنى؛ لأنه هو الذي حفر قبره ولحد له وبنى فيه اللبن. ((مح)): اختلفوا في اسم الحلاق، والصحيح المشهور أنه معمر بن عبد الله العدوى.

وقيل: اسمه فراس بن أمية بن ربيعة الكلبي بضم الكاف. وفيه استحباب بدئه الحلق بالجانب الأيمن، وقال أبو حنيفة: يبدأ بالجانب الأيسر. وفيه أن شعر الآدمي طاهر، وهو الصحيح.

وفيه جواز التبرك بشعره واقتنائه، ومواساة الإمام والكبير بين أصحابه وأتباعه فيما يفرقه عليهم من عطائه. قوله:((شقه الأيمن [فحلقة] *)) أي قال: احلق فحلقه، تدل علي المحذوف القرينة الآتية. فإن قلت: لم حذف في الأولي وذكر في الثانية؟ قلت: ليدل علي سرعة امتثال الحالق،

ص: 2010