المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(12) باب المحرم يجتنب الصيد - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٦

[الطيبي]

الفصل: ‌(12) باب المحرم يجتنب الصيد

2694 -

وعن أنس [رضي الله عنه] قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم علي ظهر القدم من وجع كان به. رواه أبو داود، والنسائي. [2694]

2695 -

وعن أبي رافع، قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما. رواه أحمد، والترمذي وقال: هذا حديث حسن. [2695]

(12) باب المحرم يجتنب الصيد

الفصل الأول

2696 -

عن الصعب بن جثامة أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً وهو بالأبواء أو بودان، فرد عليه، فلما رأي ما في وجهه قال:((إنا لم نره عليك إلا أنا حرم)) متفق عليه.

ــ

والمدينة، وقيل: عقبة، وقيل: ماء. قوله: ((في وسط رأسه)) ((مح)): بفتح السين قال أهل اللغة: كل ما كان مبينا بعضه من بعض كوسط الصف والقلادة وحلقة الناس ونحو ذلك، فهو وسط بالإسكان، وما كان منضما غير مبين بعضه من بعض كالدار والساحة فهو وسط بفتح السين. وهذا محمول علي أنه صلى الله عليه وسلم كان معذوراً؛ لأنه لا ينفك عن قطع شعر. والمحرم إذا أراد الحجامة لغير حاجة، فإن تضمنت قلع شعر فهي حرام، وإن لم تتضمن بأن كان في موضع لا شيء فيه فهي جائزة، ولا فدية فيها، وعن ابن عمر ومالك كراهتها، وعن الحسن البصري فيها الفدية.

باب المحرم يجتنب الصيد

الفصل الأول

الحديث الأول عن الصعب: قوله: ((بالأبواء)) ((مح)):- بفتح الهمزة والمد- و ((ودان)) - بفتح الواو وتشديد الدال المهملة- مكانان بين مكة والمدينة. ((نه)): ودان قرية جامعة قريبة من الجحفة. قوله: ((أنا حرم)) ((مح)) هو بفتح الهمزة و ((حرم)) بضم الحاء والراء، أي محرمون، أقول: لام التعليل محذوف والمستثنى منه مقدر، أي إنا لا نرده لعلة منا لعلل إلا لأنا حرم.

((قض)) بهذا تشبث من رأي تحريم لحم الصيد علي المحرم مطلقاً، سواء صيد له أو لغيره، كابن عباس وطاووس والثوري. وأوله من فرق بين ما صاده أو صيد له حلال، لا له وهم أكثر علماء الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة- بأنه صلى الله عليه وسلم إنما رده عليه؛ لما ظن أنه صيد من أجله، ويدل عليه ما رواه في الحسان عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لحم الصيد لكم في الإحرام

ص: 2032

2697 -

وعن أبي قتادة، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلف مع بعض أصحابه وهم محرمون، وهو غير محرم، فرأوا حماراً وحشياً قبل أن يراه، فلما رأوه تركوه حتى رآه أبو قتادة فركب فرساً له، فسألهم أن يناولوه سوطه، فأبوا، فتناوله فحمل عليه، فعقرة، ثم أكل فأكلوا، فندموا، فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه.

قال: ((هل معكم منه شيء؟)) قالوا: معنا رجله. فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فأكلها. متفق عليه.

وفي رواية لهما: فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها؟ أو أشار إليها؟)) قالوا: لا. قال: ((فكلوا ما بقي من لحمها)).

ــ

حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم))، وحديث أبي قتادة التالي لهذا الحديث نحن فيه. لا يقال: إنه منسوخ بهذا؛ لأن حديث أبي قتادة كان عام الحديبية، وحديث الصعب كان في حجة الوداع؛ لأن النسخ إنما يصار إليه إذا تعذر الجمع، كيف والحديث المتأخر محتمل، لا دلالة له علي الحرمة العامة صريحاً ولا ظاهراً حتى يعارض الأول فينسخه؟.

قوله: ((أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً)) ((مح)) لابد في قوله: ((أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً)) من تقدير مضاف؛ لأنه جاء في رواية لمسلم ((لحم حمار وحش)) وفي أخرى ((رجل حمار وحش)) وأخرى ((عجز حمار وحش)) وأخرى ((شق حمار وحش)) وفي أخرى ((عضو من لحم صيد)) فهذه الطرق التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح، وأنه إنما أهدى بعض لحم صيد ليأكله. وفيه جواز قبول الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الصدقة. وفيه أنه يستحب لمن أمتنح من قبول الهدية، أن يعتذر بذلك إلي المهدي تطييباً لقلبه، والله أعلم.

الحديث الثاني عن أبي قتادة: قوله: ((وهم محرمون)) حال وذو الحال ((بعض أصحابه)) وقوله: ((وهو غير محرم)) يجوز أن يكون عطفاً علي ((وهم محرمون))، وأن يكون حالا من الضمير في ((محرمون)) فيكون حالا متداخلة.

وفي أصل المالكي ((أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم)). قال: ((أبو قتادة)) مبتدأ و ((لم يحرم)) خبره و ((إلا)) بمعنى لكن، ونظيره من كتاب الله تعالي قراءة ابن كثير وأبي عمرو:} ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم {. فـ ((امرأتك)) مبتدأ والجملة بعده خبره، ولا يصح أن يجعل ((امرأتك)) بدلا من ((أحد))؛ لأنها لم تسر معه فيتضمنها ضمير المخاطبين. ودل علي أنها لم تسر معه قراءة النصب؛ فإنها أخرجتها من أهله الذين أمر أن يسري بهم. وإذا لم تكن في الذين سرى بهم لم يصح أن تبدل من فاعل ((يلتفت))؛ لأنه بعض

ص: 2033

2698 -

وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خمس لاجناح علي من قتلهن في الحرم والإحرام: الفأرة، والغراب، والحدأة، والعقرب، والكلب العقور)). متفق عليه.

2699 -

وعن عائشة، عن النبي صل الله عليه وسلم، قال:((خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحديا)) متفق عليه.

ــ

ما دل عليه الضمير المجرور بـ ((من)). وتكلف بعض النحويين الإجابة عن هذا، بأن قال: لم يسر بها، ولكن شعرت بالعذاب فتبعتهم، ثم التفتت وهلكت. وعلي تقدير صحة هذا فلا يوجب ذلك دخولها في المخاطبين، بقوله:

{لا يلتفت منكم أحد} وهذا والحمد لله بين، والاعتراف بصحته متعين. ويجوز أن يحذف في هذا النوع من الاستثناء خبر المبتدأ، كما ورد:((كل أمتي معافي إلا المجاهرون))، أي لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون. ومنه قوله تعالي:{فشربوا منه إلا قليل منهم} أي لكن قليل منهم لم يشربوا.

الحديث لثإني عن أبي قتادة: قوله: ((فعقره)) أي فقتله، وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم.

الحديث الثالث والرابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((خمس)) ((مح)): روى بالتنوين وبالإضافة. أقول: إن روى منونا و ((فواسق)) مرفوعاً يكون مبتدأ موصوفاً و ((يقتلن)) خبره، وإن روى منصوباً يكون ((خمس)) صفة موصوف محذوف، و ((يقتلن)) خبره، و ((فواسق)) معترضة نصباً علي الذم. ((نه)): أصل الفسوق الخروج عن الاستقامة والجور، وبه سمى العاصي فاسقاً، وإنما سميت فواسق علي الاستعارة؛ لخبثهن، وقيل: لخروجهن من الحرمة في الحل والحرم، أي لا حرمة لهن بحال. و ((الأبقع)) ما خالط بياضه لون آخر، و ((العقور)) من أبنية المبالغة، وهو كل سبع يعقر أي يجرح ويقتل ويفترس كالأسد والنمر والذئب، سماها كلباً لاشتراكها في السبعية، و ((الحديا)) هي تصغير الحدأة واحد الحدأ، وهو الطائر المعروف من الجوارح.

((مح)): اتفق العلماء علي أنه يجوز للمحرم قتلهن وما في معناهن، ثم اختلفوا فيما يكون في معناهن، فقال الشافعي: المعنى في جواز قتلهن كونهن مؤذيات، فكل مؤذ يجوز للمحرم قتله وما لا فلا، ويجوز أن يقتل في الحرم كل من وجب عليه قتل بقصاص، أو رجم بالزنا أو قتل بالمحاربة، ويجوز إقامة كل الحدود فيه، سواء [أحرم في الحج] أو خارجه ثم ألجئ إليه، وهو مذهب مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة: ما ارتكبه في الحرم يقام عليه، وما فعله خارجه ثم لجأ إليه إن كان إتلاف نفس لم يقم عليه في الحرم، بل يضيق عليه ولا يكلم ولا يجالس ولا يبايع، حتى يضطر إلي الخروج منه، وما كان دون النفس يقام فيه.

ص: 2034

الفصل الثاني

2700 -

عن جابر [رضي الله عنه]، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لحم الصيد لكم في الإحرام حلال، مالم تصيدوه أو يصاد لكم)). رواه أبو داود، والترمذي والنسائي. [2700]

2701 -

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((الجراد من صيد البحر)) رواه أبو داود، والترمذي. [2701]

2702 -

وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((يقتل المحرم السبع العادي)). رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. [2702]

2703 -

وعن عبد الرحمن بن أبي عمار، قال: سألت جابر بن عبد الله عن الضبع أصيد هي؟ فقال: نعم. فقلت: أيؤكل؟ فقال: نعم. فقلت: سمعته من

ــ

((حس)): قاس الشافعي رضي الله عنه عليها كل حيوان لا يؤكل لحمه فقال: لا فدية علي من قتلها في الإحرام والحرم؛ لأن الحديث يشتمل علي أعيان، بعضها سباع ضارية وبضعها هوام قاتلة، وبعضها طير لا يدخل في معنى السباع ولا هي من جملة الهوام، وإنما هي حيوان مستخبث اللحم، وتحريم الأكل يجمع الكل، فاعتبره ورتب الحكم عليه، إلا المتولد من المأكول من الصيد، وغير المأكول لا يحل أكله ويجب الجزاء بقتله؛ لأن فيه جزاء من المأكول.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((أو يصاد لكم)) بعد قوله ((ما لم تصيدوه)) فيه إشكال؛ لأن الظاهر يقتضي الجزم. وغاية ما يتكلف فيه أن يقال: إنه عطف علي المعنى؛ فإنه لو قيل: ما لا تصيدونه أو يصاد لكم لكان ظاهراً، فيقدر هذا المعنى.

الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((الجراد من صيد البحر)) ((قض)): إنما عده من صيد البحر؛ إما لأنه يشبه صيد البحر من حيث إنه تحل ميتته ولا يفتقر إلي التذكية؛ أو لما قيل من أن الجراد متولد من الحيتان كالديدان.

الحديث الثالث والرابع: عن عبد الرحمن: قوله: ((عن الضبع)) ((حس)): اختلفوا في إباحة لحم الضبع، فروي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه كان يأكله، وروى عن ابن عباس إباحته. وذهب إليه الشافعي وأحمد، وكرهه جماعة، منهم مالك وأصحاب أبي حنيفة، واحتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم نهي عن أكل كل ذي ناب من السباع. قلنا: هو عام خصصه حديث جابر.

ورووا حديثاً في كراهة لحم الضبع. قلنا: إسناده ليس بالقوى.

ص: 2035