المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) باب ((سعة رحمة الله)) - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٦

[الطيبي]

الفصل: ‌(5) باب ((سعة رحمة الله))

روى الأحاديث الثلاثة أحمد، وروى البيهقي الأخير في كتاب ((البعث والنشور)). [2361]

2362 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لقى الله لا يعدل به شيئا في الدنيا، ثم كان عليه مثل جبال ذنوب غفر الله له)) رواه البيهقي في كتاب ((البعث والنشور)).

2363 -

وعن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((التائب من الذنب كم لا ذنب له)).رواه ابن ماجه، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) وقال: تفرد به النهرإني وهو مجهول. [2363]

وفي ((شرح السنة)) روى عنه موقوفا، قال: الندم توبة، والتائب كم لا ذنب له.

(5) باب ((سعة رحمة الله))

الفصل الأول

2364 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما قضى الله الخلق كتب كتابا، فهو عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي)) وفي رواية: ((غلبت غضبي)).متفق عليه.

ــ

الحديث الثامن والتاسع عن أبي ذر رضي الله عنه قوله: ((لا يعدل به)) يحتمل معنيين، أحدهما أن لا يوازي ولا يساوي بالله شيئا، وثإنيهما أنه لا يتجاوز إلي غيره، فعلي هذا ((شيئا)) نصب علي نزع الخافض.

الحديث العاشر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: ((كمن لا ذنب له)) هذا من باب إلحاق الناقص بالكامل مبالغة، كما تقول زيد كالأسد، وإلا أنى يكون المشرك التائب معادلا بالنبي المعصوم؟.

باب ((سعة رحمة الله))

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لما قضى الله الخلق)) ((قض)):القضاء فصل الأمر، سواء كان بقول أو فعل، والمراد به هاهنا الخلق كما في قوله تعالي:} فقضاهن {أي لما خلق الله الخلق، حكم حكما جازما، ووعد وعدا لازما لا خلف فيه،

ص: 1859

2365 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله مائة رحمة، أنزل منها

ــ

بـ ((أن رحمتي سبقت غضبي))،شبه حكمه الجازم الذي لا يعتريه نسخ، ولا يتطرق إليه تغيير بحكم الحاكم، إذا قضى أمرا وأراد إحكامه، عقد عليه سجلا، وحفظ عنده ليكون ذلك حجة باقية، محفوظة من التبديل والتحريف. وقوله:((فوق العرش)) تنبيه علي تعظيم الأمر، وجلالة القدر، فإن اللوح المحفوظ ((تحت)) العرش، والكتاب المشتمل علي هذا الحكم فوق العرش، ولعل السبب في ذلك- والعلم عن الله تعالي- أن ما تحت العرش عالم الأسباب والمسببات، واللوح يشتمل علي تفاصيل ذلك، وقضية هذا العالم- وهو عالم العدل، وإليه أشار بقوله:((ووبالعدل قامت السموات والأرض)) –إثابة المطيع وعقاب العاصي حسب ما يقتضيه العمل، من خير أو شر، وذلك يستدعي غلبة الغضب علي الرحمة، لكثرة موجبه ومقتضيه، كما قال تعالي:} ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك علي ظهرها من دابة {فتكون سعة الرحمة وشمولها علي البرية، وقبول إنابة التائب والعفو عن المشتغل بذنبه المنهمك به، كما في قوله تعالي:} وإن ربك لذو مغفرة للناس علي ظلمهم {أمرا خارجا عنه، مترقيا منه إلي عالم الفضل الذي هو فوق العرش. وفي أمثال هذا الحديث أسرار، إفشاؤها بدعة، فكن من الواصلين إلي العين دون السامعين للخبر.

فإن قلت: ما المناسبة بين قضاء الخلق، وسبق الرحمة علي الغضب؟ قلت: لم يكن قضاء الخلق إلا للعبادة، قضاء لشكر تلك النعمة، قال تعالي:} وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون {فمن الخلق من قام بالشكر علي قدر استطاعته لا بموجبه؛ لأن أحد لم يقدر علي أن يشكره حق شكره، ومنهم من قصر فيه، فسبقت رحمة الله تعالي في حق الشاكر، بأن وفي جزاءه، وزاد عليه بسعة رحمته ما لا يدخل تحت الحصر، وفي حق المقصر إذا تاب ورجع أن يغفره، ويتجاوز، وبدلها حسنات، ولم يغضب عليه، نحو قوله تعالي:} كتب علي نفسه الرحمة {ثم تعليله بقوله:} أنه من عمل منكم بسوء بجهالة ثم تاب من بعده {الآية. وعلي هذا ((قضى)) بمعنى فصل، أي فصل أمر الخلق، فمن منعم عليهم بالرحمة، ومغضوب عليهم بالسخط. ومعنى ((سبقت رحمتي)) تمثيل لكثرتها وغلبتها علي الغضب بفرسي رهان تسابقتا، فسبقت إحداهما علي الأخرى، وهذا التوجيه أنسب بالباب.

الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إن لله مائة رحمة)) الحديث ((تو)):رحمة الله تعالي غير متناهية، فلا تعتورها التجزئة والتقسيم، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب

ص: 1860

رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش علي ولدها، وأخر الله تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة)) متفق عليه.

2366 -

وفي رواية لمسلم عن سلمان نحوه. وفي آخره قال: ((فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة)).

2367 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة؛ ما طمع بجنته أحد. ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة؛ ما قنط من جنته أحد)) متفق عليه.

2368 -

وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجنة أقرب من أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك)) رواه البخاري.

ــ

للأمة مثلا، فيعرفوا التناسب الذي بين الجزئين، ويجعل لهم مثالا فيفهموا به التفاوت بين القسطين، قسط أهل الإيمان منها في الآخرة، وقسط كافة المربوبين في الأولي، فجعل مقدار حظ الفئتين من الرحمتين الدارين علي الأقسام المذكورة، تنبيها علي المستعجم، وتوفيقا علي المستبهم، ولم يرد به تحديد ما قد جل عن الحد، أو تعديد ما تجاوز عن العد. قوله:((وأخر الله)) عطف علي ((أنزل منها الرحمة))،وأظهر المستكن بيانا لشدة العناية برحمة الله الأخروية.

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لو يعلم المؤمن)) سياق الحديث في بيان صفتي القهر والرحمة لله تعالي، كما أن صفات الله تعالي غير متناهية، لا يبلغ كنه معرفتها أحد، كذلك عقوبته ورحمته، فلو فرض أن المؤمن وقف علي كنه صفة القهارية، أظهر منها ما يقنط من ذلك الخلق طرا، فلا يطمع بجنته أحد، هذا معنى وضع ((أحد)) موضع ضمير ((المؤمن)).ويجوز أن يراد بالمؤمن الجنس علي سبيل الاستغراق، فالتقدير: أحد منه. ويجوز أن يكون المعنى علي وجه آخر، وهو أن المؤمن قد اختص بأن يطمع بالجنة، فإذا انتفي الطمع منه، فقد انتفي عن الكل وكذلك الكافر مختص بالقنوط، فإذا انتفي القنوط عنه فقد انتفي عن الكل. ((مظ)):ورد الحديث في بيان كثرة عقوبته ورحمته، كيلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن عذابه، ولا ييأس كافر من رحمته.

الحديث الرابع عن ابن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((من شراك نعله)) ((نه)):الشراك أحد سيور النعل التي يكون علي وجهها. أقول: ضرب القرب مثلا بالشراك؛ لأن سبب حصول الثواب والعقاب، إنما هو يسعى العبد، وتحري السعي بالأقدام، وكل من خيرا استحق

ص: 1861

2369 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال رجل لم يعمل خيرا قط لأهله- وفي رواية- أسرف رجل علي نفسه، فلما حضره الموت أوصى بنيه: إذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحد من العالمين، فلما مات فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البحر، فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال له: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يارب! وأنت أعلم، فغفر له)) متفق عليه.

ــ

الجنة بوعده، ومن عمل شر استحق النار بوعيده، وما وعد وأوعد منجزان، فكأنهما حاصلان. وقوله:((ذلك)) إشارة إلي المذكور، أي النار مثل الجنة في كونها أقرب من شراك النعل.

الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لم يعمل خيرا قط)) صفة رجل، والمقول قوله:((إذا مات)) إلي آخره، وقد تنازع فيه ((قال وأوصى)) في الروايتين. قوله:((أسرف)) ((مح)):أي بالغ وغلا في المعاصي، والسرف مجاوزة الحد في الشيء. قوله:((ثم اذروا)) ((نه)):يقال: ذرته الريح، وأذرته، تذروه، وتذريه إذا أطارته، ومنه تذرية الطعام. قوله:((إذا مات فاحرقوه)) لو حكى ما تلفظ به الرجل، لكان ينبغي أن يقال: إذا مت فاحرقوني، ثم اذروا نصفي، ولو نقل معنى ما تلفظ به، لينبغي أن يقال: إذا مات فليحرقه قومه، ثم ليذروه، فعدل عن ضمير المتكلم إلي الغائب تحاشيا عن وصمة نسبة التحريق، وتوهم الشك في قدرة الله تعالي إلي نفسه.

قوله: ((فوالله لئن قدر الله)) ((اللام)) موطئة للقسم، وقوله:((ليعذبنه)) جواب القسم. سدت مسد جواب الشرط. ((مح)): اختلفوا في تأويله علي وجوه، أولها قيل: لا يصلح حمله علي أنه أراد به نفي قدرة الله تعالي، فإن الشك فيها كفر، وقد قال في آخر الحديث: إنه إنما فعل هذا من خشية الله تعالي، فغفر له، والكافر لا يخشاه ولا يغفر له، فله تأويلان: أحدهما: لئن قدر علي العذاب، أي قضاه، يقال منه: قدر- بالتخفيف والتشديد- بمعنى واحد، والثاني: أن ((قدر)) بمعنى ضيق، قال تعالي:} فقدر عليه رزقه {وقال:} فظن أن لن نقدر عليه أحد {.

وثإنيهما: قيل: هو علي ظاهره، ولكن قاله وهو غير ضابط لكلامه، ولا قاصد حقيقة معناه، بل قاله في حالة غلب فيها الدهش، والخوف، والجزع، ولم يتدبر ما قاله، كالغافل والناسي، فلا يؤاخذ فيما قال. ونحوه قوله من قال حين وجد راحلته فرحا:((أنت عبدي وأنا ربك)) ولم يكفر بذلك، وقد جاء في هذا الحديث من غير رواية مسلم ((فلعلي أضل الله)) أي أغيب عنه، وهذا يدل علي قوله:((لئن قدر علي)) محمول علي ظاهره.

ص: 1862

وثالثهما: قيل: هذا من جملة العرب، وبديع استعمالها، يسمونه مزج الشك باليقين، كقوله تعالي:} وإنا أو إياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين {صورته صورة الشك، والمراد به اليقين.

ورابعها: قيل: إنه جهل صفة من صفات الله تعالي، وقد اختلفوا في تكفير جاهل صفة من صفات الله تعالي، قال القاضي عياض: وممن كفره ابن جرير الطبري، وقال به أبو الحسن الأشعري أولا، وقال آخرون: لا يكفر به، بخلاف جحدها، وإليه رجع أبو الحسن، وعليه استقر مذهبه. قال: لأنه لم يعتقد ذلك اعتقادا يقطع بصوابه ويراه دينا شرعا، وإنما يكفر من اعتقد أن مقالته حق. وقالوا: لو سئل الناس عن الصفات، لوجد العارف بها قليلا.

وخامسها: قيل: هذا الرجل كان في زمان فترة حين ينفع مجرد التوحيد، ولا تكليف قبل ورود الشرع علي المذهب الصحيح؛ لقوله تعالي:} وما كنا معذبين حتى نبعث فيهم رسولا {.

وسادسها: قيل: إنما وصى بذلك تحقيرا لنفسه، وعقوبة لها بعصيانها وإسرافها، رجاء أن يرحمه الله تعالي.

((قض)):يحتمل أن يكون قوله: ((لئن قدر الله عليه)) من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون معناه: أنه تعالي لو وجده علي ما كان عليه، ولم يفعل به مافعل، فترحم عليه بسببه، ورفع عنه أعباء ذنبه، لعذبه عذابا لا يعذبه أحد من العالمين، أو لو ضيق عليه، وناقشه في الحساب، لعذبه أشد العذاب ويحتمل أن يكون من تتمة كلام الموصي علي غير لفظه.

أقول: وفي صحيح مسلم علي ما رواه الشيخ محيي الدين، وبنى عليه الشرح لفظة ((علي)) فلا يكون محتملا للوجه الأول، وعلي ما هو في أكثر السنة، وهو لفظة ((عليه)) إما الراوي حكى معنى لفظة لا ما تلفظه، أو قاله الرجل دهشا. والشيخ التوربشتي استشهد بالوجه الثالث، وهو مزج الشك باليقين لقوله تعالي:} فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب {وسماه بتجاهل العارف.

وتحريره: أن الله تعالي أراد أن يحقق ما أنزل عليه من أمر أهل الكتاب، ويقرره عنده، وعلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يشك فيه قطعا، وإنما قاله تهييجا وإلهابا له، ليحصل له مزيد ثبات، ورسوخ قدم فيه، كذلك هذا الرجل علم أن الله تعالي قادر علي أن ينشره، ويبعثه، ويعذبه بعد ذلك، ويؤيده ما ورد في رواية آخرى ((وإن الله يقدر علي أن يعذبني)) فأراد أن يحرض القوم علي إنفاذ وصيته، فأخرج الكلام في معرض التشكيك لهم لئلا يتهاونوا في وصيته، فيقوموا بها حق القيام.

ص: 1863

2370 -

وعن عمر بن الخطاب، قال: قدم علي النبي صلى الله عليه وسلم سبي فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسعى، إذا وجدت صبي في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم:((أترون هذه طارحة ولدها في النار؟)) فقلنا: لا، هي تقدر علي أن لا تطرحه. فقال:((لله أرحم بعباده من هذه بولدها)).متفق عليه.

ــ

وأما تنزيله علي ما استشهد به الشيخ محيي الديث بقوله:} وإنا وإياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين {هو أن هذا من الكلام المصنف، وإرخاء العنان، فإن قوله صلى الله عليه وسلم هذا وارد علي التنزل، وبعث الخصم علي التفكر لينظر في حال نفسه من الزيغ والضلال، وحاله صلى الله عليه وسلم من الهدى والصلاح، فيقف علي ما هو عليه وما عليه رسول الله، فيذعن للحق ولا يغضب، وكذلكم هذا الرجل أوصى أهله فيما أوصى، ثم عقبه بهذا الكلام، فيتفكروا في ذلك، وما كانوا عليه من الفساد، وعرفوا أن ما قاله حق، فينفذوا وصيته، ويبذلوا جهدهم فيه.

وينصر الوجه الرابع- وهو أن الجاهل بصفة من صفات الله تعالي لا يكفر- قول الحواريين لعيسى عليه السلام وهم خلصاؤه-:} هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء {.

الحديث السادس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قوله: ((سبي)) ((نه)):السبي النهب، وأخذ الناس عبيدا وإماءا، والسبية المرأة المنهوبة، فعيلة بمعنى مفعولة، وجمعها السبايا. قوله:((قد تحلب)) ((تو)):أي سال. وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: رأيت عمرا يتحلب فوه، أي يتهيأ رضابه للسيلان. و ((تسعى)) أي تعدو، وروى في كتاب مسلم ((تبتغي)) أي طالبة لابنها، وفي كتاب البخاري ((تسقي)) وليس بشيء. ((مح)):قال القاضي: الصواب ما في رواية البخاري ((تسعى)) بالسين من السعى.

أقول: قوله: ((وفي كتاب البخاري تسقي كما في بعض نسخ المصابيح)) إن كان ردا للرواية، فلا كلام فيه، وإن كان الرد من حيث الدراية، فغير مستقيم؛ لأن ((تسقي)) إذا جعل حالا مقدرة من ضمير المرأة بمعنى قد تحلب ثديها مقدرة السقي، ففاجأت صبيا من الصبيان، فأي بعد فيه؟.

قوله: ((وهي تقدر)) ((الواو)) للحال، وصاحبها مقدر، أي لا تكون طارحة حال قدرتها علي أن لا تطرح، وفائدة الحال أن هذه المرأة استطاعت أن تحفظ الولد، ولا اضطرت إلي طرحه، بذلت جهدها فيه، والله تعالي منزه عن الاضطرار، فلا يطرح عبده في النار ألبتة.

ص: 1864

2371 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن ينجي أحد منكم عمله)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمته؛ فسددوا، وقاربوا، واغدوا، وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا)) متفق عليه.

ــ

الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ولا أنت يا رسول الله؟)) عدل عن مقتضى الظاهر، وهو ((ولا إياك)) انتقالا عن الجملة الفعلية إلي الجملة الاسمية، فيكون التقدير ((ولا أنت ممن ينجيه عمله)) استبعادا هن هذه النسبة إليه صلى الله عليه وسلم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:((ولا أنا)) فليكون مطابقا لقولهم: ((ولا أنت)).قوله: ((إلا أن يتغمدني الله)) الاستثناء مقطع. ((نه)):يلبسنيها، ويسترني بها، مأخوذ من غمد السيف وهي غلافه يقال: غمدت السيف وأغمدته. والغدو سير أول النهار، نقيض الرواح، يقال: غدا يغدو غدوا.

قوله: ((فسددوا)) ((نه)):سدد الرجل إذا صار ذا سداد، وسدد في رميته، إذا بالغ في تصويبها وإصابتها. وقارب الإبل، أي جمعها حتى لا تتبدد، والمقاربة أيضا القصد في الأمور التي لا غلو فيها، ولا تقصير. و ((الدلجة)) سير الليل. وقوله:((وشيء من الدلجة)) مجرور بالعطف علي قوله: ((بالغدو والروحة)) ((مظ)):تقديره: وليكن في مشيتكم شيء من الدلجة، ((شغف)):وارتفع ((شيء)) علي الابتداء، وخبره محذوف، أي شيء من الدلجة اعملوا فيه علي تقدير مطلوب فيه عملكم. قوله:((والقصد القصد)) ((نه)):أي عليكم بالقصد في الأمور في القول والفعل، وهو الوسط بين الطرفين من الإفراط والتفريط.

((قض)):النجاة من العذاب والفوز بالثواب بفضل الله ورحمته، والعمل غير مؤثر فيهما علي سبيل الإيجاب، بل غايته أنه يعد العامل لأن يتفضل عليه وتقرب إليه الرحمة. ومعنى قوله:((إلا أن يتغمدني الله برحمته)) يحفظني بها كما يحفظ السيف في غمده، ويجعل رحمته محيطة بي إحاطة الغلاف بما يحفظ فيه. وقوله:((فسددوا)) بالغوا في التصويب، واقربوا إلي الله بكثرة القربات، والمواظبة علي الطاعات، واعبدوا الله طرفي النهار وزلفا من الليل. شبه العبادة في هذه الأوقات من حيث أنها توجه إلي مقصد وسعى للوصول إليه، بالسلوك والسير، وقطع المسافة في هذه الأوقات، أو معنى ((قاربوا)) اقتصدوا في الأمور، واجتنبوا طرفي الإفراط والتفريط، فلا تترهبوا فتسأم نفوسكم، ويختل معاشكم، ولا تنهمكوا في أمر الدنيا، فتعرضوا عن الطاعة رأسا.

((تو)):ليس المراد بهذا الحديث نفي العمل، وتوهين أمره، بل توقيف العباد علي أن العمل إنما يتم بفضل الله ورحمته، لئلا يتكلوا اغترارا بها، فإن الإنسان ذو السهو والنسيان، وعرضة

ص: 1865

2372 -

وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل أحد منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار، ولا أنا إلا برحمة الله)).رواه مسلم.

2373 -

وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أسلم العبد وحسن إسلامه، يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها، وكان بعد القصاص: الحسنة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف إلي أضعاف كثيرة، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها)).رواه البخاري.

ــ

للآفات، قلما يخلص له من عمل من شائبة رياء، أو فساد نية، ثم إن سلم له العمل عن ذلك، فلا يسلم إلا برحمة من الله، ثم إن أرجى عمل من أعماله لا يفي بشكر أدنى نعمة من نعم الله، فأنى له أن يستظهر بعمل لم يهتد إليه إلا برحمة من الله وفضل منه! ((شف)):لما بنى النبي صلى الله عليه وسلم أول الكلام علي أن العمل لا ينجي، ولا يوجب الخلاص، لئلا يتكلوا علي أعمالهم، عقبه بفاء التعقيب للحث علي الأعمال، والأمر بالمواظبة علي وظائف الطاعات، والاقتصاد في الأمور، لئلا يتوهموا أن العمل ملغي، وجوده وعدمه سواء، بل العمل أدعى للخلاص، وأقرب إلي النجاة، فقال:((فسددوا وقاربوا)).

أقول الفاء في قوله: ((فسددوا)) جزاء شرط محذوف، يدل عليه الكلام السابق، فقوله:((لن ينجي أحد منكم)) أي من بني آدم يقتضي رد المخاطبين فيما اعتقدوه من أن النجاة في العمل، فيجب الاتكال عليه، والاستقصاء فيه، والمواظبة عليه ليلا ونهارا فردهم صلى الله عليه وسلم بقوله:((لن ينجي أحد منكم))،وأجاب عن سؤالهم بما أجاب، وقد علم من شرعه صلى الله عليه وسلم، أن الأعمال غير مرفوعة أيضا، فعقبه بقوله:((فسددوا)).وإنما قلنا: إن ((لن)) تقتضي رد المخاطبين فيما اعتقدوه؛ لأن ((لن)) تأكيدا وتشديدا، تقول لصاحبك: لا أقيم غدا، فإن أنكر عليك، قلت: لن أقيم غدا، كما تفعل في إني مقيم وإني مقيم.

الحديث الثامن والتاسع عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((زلفها)) ((نه)):زلفها أي قدمها وأسلفها، والأصل فيه القرب والتقديم، قوله:((القصاص)) ((تو)):القصاص هاهنا المجازاة، واتباع كل عمل بمثله، وأخذ من القصص الذي هو تتبع الأثر، وهو رجوع الرجل من حيث جاء، وجاء قوله:((الحسنة بعشر أمثالها بسبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها)) مجيء التفسير للقصاص. أقول: الفاء في قوله: ((فحسن)) وقع موقع ((ثم)) في قوله: ((قل آمنت بالله ثم استقم)) أي أسلم واستقام علي الإسلام، بأن أدى حقه، وأخلص في عمله، ولم يرغ روغان الثعلب، ومضاف إليه بعد ما يعلم من المجموع، أي كان بعد حكم محو السيئات وتكفيرها بالإسلام والإخلاص فيه القصاص، أي المجازاة بمثله، فيكون قوله:((السيئة بمثلها)) هو المراد

ص: 1866

2374 -

وعن ابن عباس (رضي الله عنه)،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات: فمن هم بحسنة فلم يعملها؛ كتبها الله عنده حسنة كاملة. فإن هم بها فعملها؛ كتبها الله عنده عشر حسنات إلي سبعمائة ضعف إلي أضعاف، كثيرة. ومن هم بسيئة فلم يعملها؛ كتبها الله عنده حسنة كاملة. فإن هو هم بها فعملها؛ كتبها الله بها سيئة واحدة)) متفق عليه.

الفصل الثاني

2375 -

عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مثل الذي يعمل

ــ

بالقصاص؛ لأن المثلية معتبرة فيه، وإن السيئة هي التي تقص لا الحسنة، فيكون قوله:((الحسنة بعشر أمثالها)) مستطردا. وكالتوطئة لذكر السيئة. وهذا التأويل أنسب؛ لأن القصاص في الشرع مجازاة بمثل ما فعله من الجرح والقتل. فيؤخذ الجإني في سبيل الذي جاء منه من غير زيادة، فيجرح مثل جرحه، ويقتل كقتله صاحبه. والمراد بـ ((ضعف)) في قوله:((سبعمائة ضعف)) المثل، وعليه قوله تعالي:} يضاعف لها العذاب ضعفين {.

((المغرب)) قال أبو عبيدة: معناه جعل الواحد ثلاثة، أي يعذب ثلاثة أعذبة، وأنكره الأزهري، وقال: هذا الذي يستعمله الناس في كلامهم، وإنما الذي قال الحذاق: إنها تعذب مثلي عذاب غيرها؛ لأن الضعف في كلام العرب المثل.

الحديث العاشر عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((فمن هم)) ((الفاء)) فيه تفصيلية؛ لأن قوله: ((كتب الحسنات والسيئات)) مجمل لم يفهم منه كيفية الكتابة، ففصله بقوله:((فمن هم)) إلي آخره. وإنما جوزي من هم بسيئة ولم يعملها بحسنة كاملة؛ لأنه خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوى، و ((حسنة كاملة)) مفعول ثان لـ ((كتبها)) بمعنى صيرها. ((مح)):ذكر في الأربعين: فانظر يا أخي- وفقني الله وإياك- إلي عظم لطفه، وتأمل هذه الألفاظ. وقوله:((عنده)) إشارة إلي الاعتناء به، وقوله:((كاملة)) للتوكيد، وشدة الاعتناء في السيئة التي هم بها ثم تركها، كتبها الله حسنة كاملة، فأكدها الله بـ ((كاملة))،وإن عملها كتبها سيئة واحدة، فأكدا تقليلا لها بـ ((واحدة)) ولم يؤكدها بـ ((كاملة)) ولله الحمد والمنة سبحانه لا نحصي ثناء عليه، وبالله التوفيق.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: قوله: ((إن مثل الذي)) الحديث ((مظ)):

ص: 1867

السيئات ثم يعمل الحسنات، كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة، قد خنقته ثم عمل حسنة، فانفكت حلقة ثم عمل حلقة أخرى فانفكت أخرى، حتى تخرج إلي الأرض)) رواه في ((شرح السنة)) [2375].

2376 -

وعن أبي الدرداء: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقص علي المنبر وهو يقول:} ولمن خاف مقام ربه جنتان {قلت: وإنى زنى وإن سرق؟ يا رسول الله! فقال الثانية:} ولمن خاف مقام ربه جنتان {فقلت الثانية: وإن زنى وإن سرق؟ يا رسول الله! فقال الثالثة:} ولمن خاف مقام ربه جنتان {فقلت الثالثة: وإن زنى وإن سرق؟ يا رسول الله! قال: ((وإن رغم أنف أبي الدرداء)).رواه أحمد. [2376]

2377 -

وعن عامر الرام، قال: بينا نحن عنده، يعني عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل عليه كساء وفي يده شيء قد التف عليه، فقال: يا رسول الله! مررت بغيضة

ــ

يعني عمل السيئات يضيق صدر عامله ورزقه، ويحيره في أمره، فلا تتيسر له أموره، ويبغضه عند الناس، فإذا عمل الحسنات تزيل حسناته سيئاته، فإذا زالت انشرح صدره، وتوسع رزقه، وتيسر له أموره، وصار محبوبا في قلوب الناس. و ((خنقته)) أي عصر حلقه وترقوته من ضيق تلك الدرع، ومعنى قوله:((حتى تخرج إلي الأرض)) انحلت وانفكت حتى تسقط تلك الدرع، ويخرج صاحبها من ضيقها، فقوله:((تخرج إلي الأرض)) كناية عن سقوطها.

الحديث الثاني عن أبي الدرداء رضي الله عنه: قوله: ((مقام ربه)) موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب يوم القيامة، قال تعالي:} يوم يقوم الناس لرب العالمين {ويجوز أن يراد به أن الله قائم عليه، أي حافظ ومهيمن، من قوله:} أفمن هو قائم علي كل نفس بما كسبت {فهو يراقب ذلك، ولا يجسر علي معصية. ومعنى التثنية في ((جنتان)) أن له جنة لفعل الطاعات، وجنة لترك المعاصي، أو جنة يثاب بها وأخرى تضم إليها علي وجه التفضيل.

الحديث الثالث عن عامر: قوله: ((بغيضة شجر)) الغيضة هي الشجر الملتف، وإضافتها إلي

ص: 1868

شجر، فسمعت فيها أصوات فراخ طائر، فأخذتهن، فوضعتهن في كسائي، فجاءت أمهن، فاستدرت علي رأسي، فكشفت لها عنهن، فوقعت عليهن فلففتهن بكسائي، فهن أولاء معي. قال:((ضعهن)).فوضعتهن وأبت أمهن إلا لزومهن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتعجبون لرحم أم الأفراخ فراخها؟ فو الذي بعثني بالحق: لله أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها. ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن وأمهن معهن)) فرجع بهن. رواه أبو داود. [2377].

الفصل الثالث

2378 -

عن عبد الله بن عمر، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فمر بقوم، فقال:((من القوم؟)).قالوا: نحن المسلمون وامرأة تحضب بقدرها، ومعها ابن لها، فإذا ارتفع وهج تنحت به، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أنت رسول الله؟ قال: ((نعم)) قالت: بأبي أنت وأمي، أليس الله أرحم الراحمين؟ قال:((بلي)) قالت: أليس الله أرحم بعباده من الأم بولدها؟ قال: ((بلي)) قالت: إن الأم لا تلقي ولدها في

ــ

الشجر إما لمزيد البيان، أيراد بالشجر المرعى، كما جاء في الحديث ((ونأي بي الشجر)) أي بعد بي المرعى في الشجر. و ((الفرخ)) ولد الطير، وجمع القلة أفراخ، والكثرة فراخ، وجمع بينهما في الحديث إما اتساعا واستعمالا لكل من الجمعين مكان لآخر؛ لاشتراكهما في الجمعية، كقوله تعالي:} والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء {وإما الإشعار بأن تلك القلة كانت خارجة عن العادة، وبالغة إلي حد الكثرة، ويشهد له الضمائر المتعاقبة في ((أخذتهن، فوضعتهن، فجاءت أمهن)).و ((أمهن معهن)) مبتدأ وخبر، و ((الواو)) للحال، و ((من)) في ((من حيث أخذتهن)) إما ابتدائية، أي حتى تجعل ابتداء وضعهن مكانا أخذتهن منه، بأن لا تضعهن مكانا آخر، أو زائدة علي مذهب الأخفش. و ((إلا لزومهن)) استثناء مفرغ لما في ((أبت)) من معنى النفي، و ((الرحم)) بالضم مصدر كالرحمة، ويجوز تحريكه مثل عسر وعسر.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن عبد الله: قوله: ((نحن المسلمون)) كان من الظاهر أن يقال في الجواب: نحن مضريون، أو قرشيون، أو طائيون، فعدلوا من الظاهر وعرفوا الخبر حصرا، أي نحن قوم

ص: 1869

النار، فأكب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، ثم رفع رأسه إليها، فقال:((إن الله لا يعذب من عباده إلا المارد المتمرد الذي يتمرد علي الله، وأبي أن يقول: لا إله إلا الله)).رواه ابن ماجه. [2378]

2379 -

وعن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن العبد ليلتمس مرضاة الله، فلا يزال بذلك؛ فيقول الله عز وجل لجبريل: إن فلانا عبدي يلتمس أن يرضيني، ألا وإن رحمتي عليه، فيقول جبريل: رحمة الله علي فلان، ويقولها حملة العرش، ويقولها من حولهم، حتى يقولها أهل السموات السبع، ثم تهبط له إلي الأرض)).رواه أحمد. [2379]

2380 -

وعن أسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل:} فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات {قال: كلهم في الجنة)).رواه البيهقي في كتاب ((البعث والنشور)).

ــ

لا نتجاوز الإسلا، توهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أنهم غير مسلمين. و ((تحضب)) بالحاء المهملة والضاد المعجمة، أي توقد، الجوهري: الحضب في لغة أهل اليمن الحطب، وكل ما هيجت به النار، وأوقدتها به، والوهج- بالتحريك- حر النار، وبالسكون مصدر. قوله:((إلا المارد)) ((غب)):المارد والمريد من شياطين الجن والإنس المتعري من الخيرات، من قولهم: شجر أمرد، إذا تعرى من الورق، وتعقيب المارد بالمتمرد وتكريره للمبالغة، وبلوغه غاية المرود. وقوله:((أبي أن يكون)) عطف تفسيري علي قوله: ((إلا المارد المتمرد)) والكلام في هذا الحديث وأمثاله سبق مستوفي في باب الإيمان.

الحديث الثاني عن ثوبان: قوله: ((يلتمس)) أي يطلب، واللمس إدراك بظاهر البشرة كالمس، ويعبر به عن الطلب، والمراد به هاهنا التقرب إلي الله بأصناف الطاعات. وقوله:((بذلك)) خبر ((لا يزال)) أي ملتبسا بالالتباس. قوله: ((ثم تهبط له)) أي الرحمة لأجله ((إلي الأرض))،يعني محبة الله إياه، ثم يضع له القبول فيها، فمعنى هذا الحديث، ومعنى الحديث المشهور في المحبة متقاربان.

الحديث الثالث عن أسامة رضي الله عنه: قوله:} فمنهم ظالم لنفسه {((الفاء)) تفصيلية، فصلت قوله تعالي:} الذين اصطفينا من عبادنا {بالأصناف الثلاثة علي سبيل الحصر، فالظالم لنفسه، هو المجرم المرجئ لأمر الله، والمقتصد هو الذي خلط عملا صالحا آخر سيئا، والسابق

ص: 1870