المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(10) باب خطبة يوم النحر ورمي أيام التشريق والتوديع - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٦

[الطيبي]

الفصل: ‌(10) باب خطبة يوم النحر ورمي أيام التشريق والتوديع

الفصل الثاني

2657 -

عن علي، قال: أتاه رجل، فقال: يا رسول الله! إني أفضت قبل أن أحلق: فقال: ((احلق أو قصر ولا حرج)). وجاء آخر، فقال: ذبحت قبل أن أرمي قال: ((ارم ولا حرج)) رواه الترمذي. [2657]

الفصل الثالث

2658 -

عن أسامة بن شريك، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجاً، فكان الناس يأتونه، فمن قائل: يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف، أو أخرت شيئاً أو قدمت شيئاً، فكان يقول:((لا حرج إلا علي رجل اقترض عرض مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حرج وهلك)) رواه أبو داود. [2658]

(10) باب خطبة يوم النحر ورمي أيام التشريق والتوديع

ــ

غروب الشمس من يومه، فإذا غربت فات، ولزمه دم في قول، وأول وقت رمي هذا اليوم بعد نصف ليلة النحر عند الشافعي، وبعد طلوع فجر يوم النحر عند أبي حنيفة ومالك وأحمد.

الفصل الثاني والفصل الثالث

الحديث الأول عن أسامة: قوله: ((فكان الناس)) الفاء تقتضي مقتدرات شتى، أي خرجت حاجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان كيت وكيت، وقضينا مناسكنا فكان الناس يأتونه فيسألونه، فالفاء في ((فمن قائل)) تفصيلية، والأولي فصيحة، و ((من)) تبعيضيه. قوله:((إلا علي رجل)) استثناء منقطع بمعنى لكن. قوله: ((اقترض)) ((نه)): أي نال منه وقطعه بالغيبة، وهو افتعال من القرض القطع. أقول: انظر أيها المتأمل في تشديد أمر الغيبة واختصاصه في هذا المقام دون سائر الآثام. وتقييده بقوله: ((وهو ظالم)) إشارة إلي ما أبيح فيه من الذنب بالجرح، عما روى من الأحاديث ومن الشهادات في القضايا وغير ذلك. وقوله:((وهو ظالم)) يحتمل وجهين أن يكون حالا مؤكدة، وأن تكون مستقلة. وذلك علي تقدير أن يكون بعض المقترضين غير ظالم، مثل جرح غير المعدلين، و ((فذلك)) فذلكة للتفصيل السابق.

باب خطبة يوم النحر، ورمي أيام التشريق، والتوديع

قوله: ((التوديع)) عطف علي التشريق، أي أيام النفر التي تستتبع طواف الوداع وأنشد:

ص: 2013

الفصل الأول

2659 -

عن أبي بكرة [رضي الله عنه] قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال:((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)). وقال: ((أي شهر هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم.

ــ

فلما قضينا من منى كل حاجة

ومسح بالأركان من هو ماسح

أخدنا بأطراف الأحاديث بيننا

وسالت بأعناق المطي الأباطح

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي بكرة: قوله: ((خطبنا)) ((غب)): الخطب والمخاطبة والتخاطب، المراجعة في الكلام، ومنه الخطبة والخطبة، لكن الخطبة مختصة بالموعظة، والخطبة بطلب المرأة. ((تو)): والزمان اسم لقليل الوقت وكثيره، وأراد به هاهنا السنة- انتهي كلامه. وذلك أن قوله:((السنة اثنا عشر شهرا ً)) إلي آخرة جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولي، فالمعنى: أن الزمان في انقسامه إلي الأعوام، والأعوام إلي الأشعر عاد إلي أصل الحساب والوضع. الذي اختاره الله ووضعه يوم خلق السموات والأرض. والهيئة صورة الشيء وشكله وحالته، والكاف صفة مصدر محذوف، أي استدار استدارة مثل حالته يوم خلق الله. ((نه)): يقال: دار يدور واستدار يستدير، بمعنى إذا طاف حول الشيء، وإذا عاد إلي الموضع الذي ابتدأ منه. ومعنى الحديث أن العرب كانوا يؤخرون المحرم إلي صفر، وهو النسيء المذكور في القرآن في قوله تعالي:} إنما النسيء زيادة في الكفر {ليقاتلوا فيه، ويفعلون ذلك كل سنة بعد سنة، فينتقل المحرم من شهر إلي شهر حتى جعلوه في جميع شهور السنة، فلما كانت تلك السنة قد عاد إلي زمنه المخصوص به قبل، ودارت السنة كهيئتها الأولي. ((حس)): قال بعضهم: إنما أخر النبي صلى الله عليه وسلم الحج مع الإمكان ليوافق أهل الحساب، فحج معه حجة الوداع. قوله:((ثلاث متواليات)) إنما حذف التاء من العدد باعتبار أن الشهر الذي هو واحد الأشهر بمعنى الليالي، فاعتبر لذلك تإنيثه. قوله:((ووجب مضر)) عطف علي قوله ((ثلاث)) ((حس)): إنما أضافه إلي مضر؛ لأنها كانت تحافظ علي تحريمه أسد من محافظة سائر العرب، ولم يكن يستحله أحد من العرب. وقوله:((الذي بين جمادى وشعبان)) ذكره تأكيداً وإزاحة للريب الحادث فيه من النسيء، وهذا معنى كلام الخطابي.

قوله: ((أي شهر هذا)) ((قض)): يريد به تذكارهم حرمة الشهر وتقريرها في نفوسهم ليبنى

ص: 2014

فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. فقال: ((أليس ذا الحجة؟)) قلنا: بلي. قال: ((أي بلد هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فكست حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال:((أليس البلدة؟)) قلنا: بلي! قال: ((فأي يوم هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال:((أليس يوم النحر؟)) قلنا: بلي. قال: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في

ــ

عليه ما أراد تقريره، وقولهم في الجواب:((الله ورسوله أعلم)) مراعاة للأدب وتحرزاً عن التقدم بين يدي الله ورسوله، وتوقفاً فيما لا يعلم الغرض من السؤال عنه. أقول: في قولهم: ((سيسميه)) إشارة إلي تفويق الأمور بالكلية إلي الشارع، وعزل لما ألفوه من المتعارف المشهور.

قوله: ((أليس ذا الحجة؟)) بالنصب، وفي أصل المالكي بالرفع، وقال: الأصل أليسه ذو الحجة؟، ومن حذف الضمير المتصل خبرا لكان وأخواته قول الشاعر:

فأطعنا من لحمها وسديفها شواء وخير الخير ما كان عاجله

أراد خير الخير الذي كأنه عاجله وقال:

شهدت دلائل جمة لم أحصها أن المفضل لن يزال عتيق

أراد لن يزاله. ((مح)): في هذا التمثيل دليل علي استحباب ضرب الأمثال وإلحاق النظير بالنظير قياساً. وفي قوله: ((فليبلع الشاهد الغائب)) تصريح بوجوب نقل العلم وإشاعة السنن والأحكام. ((تو)): وإنما شبهها في الحرمة بهذه الأشياء؛ لأنهم كانوا لا يرون استباحة تلك الأشياء وانتهاك حرمتها بحال.

قوله: ((البلدة)) ((تو)): وجه تسميتها بالبلدة- وهي تقع علي سائر البلدان- أنها البلدة الجامعة للخير المستحقة أن تسمى بهذا الاسم؛ لتفوقها سائر مسميات أجناسها تفوق الكعبة في تسميتها بالبيت سائر مسميات أجناسها، حتى كأنها هي المحل المستحق للإقامة بها. قال ابن جنى: من عادة العرب أن يوقعوا علي الشيء الذي يختصونه بالمدح اسم الجنس، ألا تراهم كيف سموا الكعبة بالبيت، وكتاب سيبويه بالكتاب!

قوله: ((وأعراضكم)) ((تو)): أي أنفسكم وأحسابكم، فإن العرض يقال للنفس وللحسب، يقال: فلان نقى العرض، أي بريء أن يشتم أو يعاب. والعرض رائحة الجسد وغيره طيبة كانت أو خبيثة. ((حس)): لو كان المراد من الأعراض النفوس لكان تكراراً، لأن ذكر الدماء كاف، إذ المراد به النفوس. أقول: الظاهر أن يراد بالأعراض الأخلاق النفسإنية، والكلام فيه يحتاج إلي فضل تأمل، فالمراد بالعرض هنا الخلق، كما سبق، وفي قول الحماسي: إذا المرء

ص: 2015

بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم. فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا، يضرب بعضكم رقاب بعض، ألاهل بلغت؟)) قالوا: نعم.

قال: ((اللهم اشهد؛ فليبلع الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامح)) متفق عليه.

2660 -

وعن وبرة، قال: سألت ابن عمر: متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارمه، فأعدت عليه المسألة. فقال: كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا.

رواه البخاري.

2661 -

وعن سالم، عن ابن عمر: أنه كان يرمي جمرة الدنيا بسبع حصيات،

ــ

لم يدنس من اللوم عرضه*. وفي قول أبي ضمضم: اللهم إني تصدقت بعرضي علي عبادك، ما يرجع عليه عيبه. والتحقيق ما ذكره صاحب النهاية: العرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه، ولما كان موضع العرض النفس قال من قال: العرض النفس إطلاقاً للمحل علي الحال، وحين كان المدح نسبة الشخص إلي الأخلاق الحميدة، والذم نسبته إلي الذميمة، سواء كانت فيه أو لا، قال من قال: العرض الخلق؛ إطلاقاً لاسم اللازم علي الملزوم.

قوله: ((ضلالا)) ((حس)): ويروى ((كفاراً)) أي لا تكن أفعالكم شبيهة أعمال الكفار في ضرب رقاب المسلمين. ((مظ)): يعني إذا فارقت الدنيا، فاثبتوا بعدي علي ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى، ولا تظلموا أحداً، ولا تحاربوا المسلمين، ولا تأخذوا أموالهم بالباطل؛ فإن هذه الأفعال من الضلالة والعدول من الحق إلي الباطل. قال النمالكى:((رجع)) هنا استعمل كصار معنى وعملا، أي لا تصيروا بعدي كفارا ومنه قول الشاعر:

قد يرجع المرء بعد المقت ذا مقة بالحلم فادرأ به بغضا ذا ** إحن

ويجوز في ((يضرب)) الرفع والجزم. أقول: علي الرفع جملة مستأنفة مبينة لقوله: ((فلا ترجعوا بعدي ضلالا)) فينبغي أن يحمل علي العموم، وأن يقال: لا يظلم بعضكم بعضا ً فلا تسفكوا دماءكم ولا تهتكوا أعراضكم ولا تستبيحوا أموالكم، ونحوه – أي في إطلاق الخاص وإرادة العموم – قوله تعالي:} الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما {.

الحديث الثاني عن وبرة: قوله: ((إذا رمى إمامك)) أي اقتد في الرمي بمن هو أعلم منك بوقت الرمي. و ((نتحين)) أي نطلب الوقت، أي ننتظر دخول وقت الرمي.

ص: 2016

يكبر علي إثر كل حصاة، ثم. يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبل القبلة طويلاً، ويدعوا، ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى بسبع حصيات، يكبر كلما رمى بحصاة، ثم يأخذ بذات الشمال فيهل ويقوم مستقبل القبلة، ثم يدعو ويرفع يديه، ويقوم طويلاً، ثم يرمى جمرة ذات العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات، يكبر عند كل حصاة، ولا يقف عندها، ثم ينصرف، فيقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله. رواه البخاري.

2662 -

وعن ابن عمر، قال استأذن العباس بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين بمكة ليالي منى، من أجل سقايته، فأذن له. متفق عليه.

ــ

الحديث الثالث عن سالم: قوله: ((جمرة الدنيا)) أ] جمرة العقبة الدنيا، ووصفها بالدنيا؛ لدنوها من منازل النازلين عند مسجد الخيف. قوله:((حتى يسهل)) ((نه)): أسهل يسهل إذا صار إلي السهل من الأرض وهو ضد الحزن، أراد أنه صار إلي بطن الوادي. [((حس))] *:((مستقبل القبلة)) حال و ((طويلا)) صفة مصدر محذوف، أي قياماً طويلا. ((حس)): علي الحاج أن يبين بمنى الليلة الأولي والثانية من ليالي أيام التشريف ويرمى كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة عند كل جمرة بسبع حصيات علي الترتيب، أخرها جمرة العقبة. فمن رمى اليوم الثاني وأراد أن ينفر قبل غروب الشمس ويترك بيتوتة الليلة الثالثة ورمى يومها، فله ذلك، ومن لم ينفر حتى غربت الشمس، فعليه أن يبيت ويرمى اليوم الثالث بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة، ومن ترك مبيت هذه الليالي ممن لم يرخص له فيه فعلية دم، ومن ترك مبيت ليلة فعلية ثلث دم وفي ليلتين ثلثا دم، علي أقيس قولي الشافعي رضي الله عنه. ولو ترك رمى يوم من أيام التشريق قضاه في اليوم الثاني والثالث أي وقت شاء من ليل أو نهار، فإن لم يقض حتى مضت أيام التشريق فلا قضاء عليه، وعليه لرمى كل يوم دم. وكذا من ترك ثلاث حصيات فعلية دم، وفي حصاة ثلث وفي حصاتين ثلثان. ((مح)): وفي قدر الواجب من هذا المبيت قولان للشافعي، أصحهما الواجب معظم الليل، والثانية ساعة.

الحديث الرابع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((من أجل سقايته)) أي بسبب ذلك وبعلية. وقيل: أصله ((من أجل شرا)) إذا جناه يأجله أجلا، كأنك إذا قلت: من أجلك فعلت كذا، أردت من أن جنيت فعله وأوجبته، ويدل عليه قولهم: من جراك فعلته، أي من جررته بمعنى جنيته. ((مح)): يجوز لأهل السقاية أن يتركوا المبيت ويذهبوا إلي مكة ليستسقوا بالليل الماء، ويجعلوه في الحياة مسلاً للسائرين وغيرهم ولا يختص ذلك عند الشافعي بآل عباس، بل كل من تولي السقاية كان له هذا، وكذا لو نشأ سقاية أخرى كان للقائم بشأنها ترك المبين.

واعلم أن السقاية حق لآل عباس، وكانت للعباس في الجاهلية؛ فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم له وهي لآل العباس أبداً.

ص: 2017

2663 -

وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء إلي السقاية فاستسقى. فقال العباس: يافضل! اذهب إلي أمك فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها. فقال: ((اسقني)) فقال يارسول الله! إنهم يجعلون أيديهم فيه. قال: ((اسقني)). فشرب منه، ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها. فقال:((اعملوا فإنكم علي عمل صالح)).

ثم قال ((لولا أن تغلبوا؛ لنزلت حتى أضح الحبل علي هذه)). وأشار إلي عاتقه. رواه البخاري.

2664 -

وعن أنس [رضي الله عنه] أن النبي صلى الله عليه وسلم صلي الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ثم رقد رقدة بالمحصب، ثم ركب إلي البيت، فطاف به. رواه البخاري.

2665 -

وعن عبد العزيز بن ريع، قال: سألت أنس بن مالك. قلت: أخبرني بشيء عقلته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين صلي الظهر يوم التروية؟ قال: بمنى. قلت: فأين

ــ

الحديث الخامس عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((يسقون ويعملون)) أي يسعون ويكدحون فيه. قوله: ((لولا أن تغلبوا)) ((تو)): أعلمهم أن الذي يكدحون فيه بمكان من العمل الصالح، يحب نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يشاركهم فيه، غير أنه لا يأمن عليهم إن فعل ذلك غائلة الولاة، وتنافسهم وتنازعهم فيه حرصا علي حيازة هذه المأثرة، فيغلبوا عليها وينتزعوا [عنهم].

الحديث السادس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((بالمحصب)) بفتح الصاد والتشديد، وقد تنازع فيه الفعلان، أي ((صل)) و ((رقد)). والمحصب في الأصل كل موضع كثر حصباؤه، والمراد به الشعب الذي أحد طرفه منى ويتصل الآخر بالأبطح. قيل: فعبر به عن المحصب المعروف إطلاقا لاسم المجاور علي المجاور. ((حس)): التحصيب هو أنه إذا نفر من منى إلي مكة للتوديع بعد الفراغ من الرمي، أن يقيم بالشعب الذي يخرج به إلي الأبطح حتى يرقد ساعة من الليل ثم دخل مكة. وكان ابن عمر يراه سنة/ وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما ينزلون بالأبطح. وقال ابن عباس: التحصيب ليس بشيء، وإنما هو منزل نزله النبي صلى الله عليه وسلم. قوله:((ليس بشيء)) يريد به ليس بنسك من مناسك الحج؛ إنما نزله للاستراحة.

الحديث السابع عن عبد العزيز: قوله: ((عقلته)) أي علمته وحفظته. قوله ((افعل كما يفعل أمراؤك)) يريد إنما ذكرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بنسك من المناسك وجب عليك فعله؛ فافعل ما يفعله أمراؤك.

ص: 2018

صلي العصر يوم النفر؟ قال: بالأبطح. ثم قال: افعل كما يفعل أمراؤك. متفق عليه.

2666 -

وعن عائشة [رضي الله عنها]، قالت:((نزول الأبطح ليس بسنة، إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج)). متفق عليه.

2667 -

وعنها، قالت:((أحرمت من التنعيم بعمرة، فدخلت فقضيت عمرتي، وانتظرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح حتى فرغت، فأمر الناس بالرحيل، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح، ثم خرج إلي المدينة)). هذا الحديث ما وجدته برواية الشيخين، بل برواية أبي داود مع اختلاف يسير في آخره. [2667].

2668 -

وعن ابن عباس، قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينفرن أحدكم، حتى يكون آخر عهده بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض)). متفق عليه.

2669 -

وعن عائشة، قالت: حاضت صفية ليلة النفر، فقالت: ما أرإني إلا حابستكم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عقرى حلقى، أطافت يوم النحر؟)) قيل: نعم. قال ((فانفري)). متفق عليه.

ــ

الحديث الثامن عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((أسمح)) أي أسهل [((حس))] *: معناه أنه صلى الله عليه وسلم كان ينزل بالأبطح فيترك به ثقله ومتاعه، ثم يدخل مكة؛ ليكون خروجه منها إلي المدينة أسهل.

الحديث التاسع والعاشر عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((آخر عهده بالبيت ** هذا عبارة عن وجوب طواف الوداع. ((حس)): الطواف ثلاث: طواف القدوم، وهو سنة لا شيء علي تاركه. وطواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة، وهو من أركان الحج لا يحصل التحلل دونه ولا يقوم الدم مقامه. وطواف الوداع، ولا رخصة في تركه لمن أراد مفارقة مكة إلي مسافة القصر مكيا كان أو آفاقيا، حج أو لم يحج، فإن خرج ولم يطف عاد إن كان قريبا، ومن مضى ولم يرجع فلا دم عليه عند مالك. وقال الشافعي: من ترك فعلية دم إلا الحائض والنفساء، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحاب أبي حنيفة رضي الله عنهم. والاستثناء فيه منقطع، أي لكنه خفف.

الحديث الحادي عشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ليلة النفر)) أي ليلة يوم النفر؛ لأن

ص: 2019

الفصل الثاني

2670 -

عن عمرو بن الأحوص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: ((أي يوم هذا؟)) قالوا: يوم الحج الأكبر. قال: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمه يومكم هذا في بلدكم هذا، إلا لا يجني جان علي

ــ

النفر لم يشرع في تلك الليلة. قوله: ((ما أرإني إلا حابستكم)) ((فا)): مفعولا ((أرى)) الضمير والمستثنى و ((إلا)) لغو. ((شف)): يحكى علي أن لا يجعل الاستثناء لغواً، والمعنى ما أرإني علي حالة أو صفة كوني حابستكم. أقول: لم يرد باللغو أن ((إلا)) زائدة، بل أن المستثنى معمول الفعل المذكور؛ ولذلك سمى مفرغاً. ((قض)): ظنت صفية أن طواف الوداع كطواف الزيارة في تمام الحج، وأنه لا يجوز تركها بالأعذار، فقالت:((ما أرإني)) أي ما أظنني (إلا حابستكم)) أي عن الرحلة إلي المدينة، فتوهم رسول الله، أنها قالت قولها؛ لأنها قصرت فلم تطف للزيارة، ولذلك دعا عليا، فسأل أنها هل طافت يوم النحر؟ فلما علم أنها طافت للزيارة أمرها بالنفار.

((شف)): عدل عن خطابها إلي غيرها، فقال:((أطافت)) فلما: ((فأنفرى)).

قوله: ((عقري حلقي)) ((خط)): هكذا روي علي وزن فعلي بفتح الفاء مقصور الألف، وحقها أن يكون منوناً، ليكون مصدراً، أي عقرها الله عقراً، وحلقها حلقاً، ومعنى العقر التجريح والقتل، وقطع عقب الرجل، والحلق إصابة وجع في الحلق، أو ضرب شيئ علي الحلق. وهذا دعاء لا يراد وقوعه، بل عادة العرب التكلم بمثل هذا في سبيل التلطف. ((فا)): هما صفتان للمرأة إذا وصفت بالشؤم، يعني أنها تحلق قومها وتقرهم أي تستأصلهم من شؤمها عليهم، ومحلها رفع أي هي عقري حلقي. قال أبو عبيدة: الصواب ((عقري حلقي)) أي عقر جسدها وأصيبت بداء في حلقها. قال سيبويه: عقرته إذا قلت له عقراً، وهذا نحو فديته.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن عمرو بن الأحوص: قوله: ((ألا لا يجني جان إلا علي نفسه)) ((قض)): ((لا يجني)) خبر في معنى النهي، وفيه مزيد تأكيد؛ لأنه كأنه نهاه فقصد أن ينتهي فأخبر عنه، وهو الداعي إلي العدول عن صيغة النهي إلي صيغة الخبر. ونظيره إطلاق لفظ الماضي في الدعاء، ولمزيد التأكيد والحث علي الانتهاء، أضاف الجناية إلي نفسه، والمراد به الجناية علي الغير، بيانه أن الجناية علي الغير لما كانت سبباً للجناية عليه اقتصاصاً ومجازاة، كانت كالجناية علي نفلسه، فأبرزها علي ذلك ليكون أدعى إلي الكف وأمكن في النفس؛ لتضمنه ما يدل علي المعنى الموجب للنهي. ودليل هذا التأويل: أنه روى في بعض طرق هذا الحديث: ((ألا لا يجني جان إلا علي نفسه)). أقول: يمكن أن ينزل علي حقيقته من الإخبار؛ كأنه صلى الله عليه وسلم

ص: 2020

نفسه، ولا يجني جان علي ولده، ولا مولود علي والده، ألا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبداً، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضي به)). رواه ابن ماجه، والترمذي وصححه. [2670]

بعد ما قال: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام)) مخاطباً لسائر الأمة، وله مزيد اختصاص بالأئمة والولاة والحكام، أتبع قوله:((ألا لا يجني جان إلا علي نفسه)) فأتى بنكرة في سياق النفي؛ ليفيد العموم، يعني من ارتكب هذا المحظور وجنى علي الغير بتمزيق عرضه وأخذ ماله وسفك دمه من حق ذلك أن لا يتجاوز بالاقتصاص إلي الغير، ولا يؤخذ غيره بتلك الجريمة كفعل الجاهلية، نحو قوله تعالي:} الزإني لا ينكح إلا زإنية {((الكشاف)): يجوز أن يكون خبراً محضاً علي معنى أن عادتهم جارية علي ذلك، وعلي المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة ويتصون عنها، وقال أيضاً في قوله تعالي:} ولكم في القصاص حيوة {: وهو خطاب له فضل اختصاص بالأئمة.

قوله: ((ولا مولود علي والده)) ((قض)): يحتمل أن يكون المراد النهي عن الجناية عليهما، وإنما أوردهما بالتصريح، والتنصيص لاختصاص الجناية عليهما بمزيد قبح وشناعة، وأن يكون المراد به تأكيد قوله:((لا يجني جان علي نفسه))؛ فإن العرب في جاهليتهم بأخذون بالجناية من يجدونه من الجإني وأقاربه الأقرب فالأقرب، ولعلهم سنوا القتل فيهم، فالمعنى علي هذا لا يجنى أحد علي غيره فيؤخذ به هو ووالده وولده، ويكون في الحقيقة جنايته علي الغير جنايته علي نفسه ووالده وولده.

قوله: ((أن يعبد في بلادكم)))) يعنى أنتم أيها العرب لن تعبدوا الطاغوت وغير الله من الأصنام بعد هذا، ولكن ستكون للشيطان طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم، وما يتجهن في خواطركم، وما تتفوهون به من هناتكم وصغائر ذنوبكم، فيؤدي ذلك إلي الفتن وهيج الحروب والفساد في الأرض من إهلاك الحرث والنسل، كما قال نصر بن سيار:

فإن النار بالعودين تزكى وإن الحرب أولها كلام

هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد أيس من أن يعبده المصلون في جزيزة العرب، ولكن في التحريش بينهم)) أي إيقاع الفتنة والعداوة والخصومة والقتل. وقوله: ((أبداً)) إذا كان بمعنى خالداً يكون ظرفا ً لـ ((أيس))، وإذا كان بمعنى قط يكون الكلام راجعاً إلي النفي، أي لا يعبد قط.

ص: 2021

2671 -

وعن رافع بن عمرو المزني، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى علي بغلة شهباء، وعلي يعبر عنه، والناس بين قائم وقاعد.

رواه أبو داود. [2671]

2672 -

وعن عائشة وابن عباس [رضي الله عنهم] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر طواف الزيارة يوم النحر إلي الليل. رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه.

2673 -

وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه. رواه أبو داود، وابن ماجه.

2674 -

وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا رمي أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء]] رواه في ((شرح السنة)) وقال: إسناده ضعيف. [2674]

ــ

الحديث الثاني عن رافع: قوله: ((شهباء)) ((نه)): الشهبة البياض، وفي حديث حليمة:((خرجت في سنة شهباء)) أي ذات قحط وجدب، والشهباء الأرض التي لا خضرة فيها، لقلة المطر، فسميت سنة الجدب بها. ((تو)): الشهباء البيضاء التي تخالط لون سواد. قوله: ((يعبر عنه)) ((غب)): أصل العبر التجاوز من حال إلي حال، عبر القوم إذا ماتوا، كأنهم عبروا قنطرة الدنيا، وأما العبارة فهي مختصة بالكلام العابر للهواء من لسان المتكلم إلي سمع السامع.

((تو)): عبرت عن فلان إذا تكلمت عنه، واللسان يعبر عما في الضمير، والصحيح في الحديث أن يحمل علي معنى التبليغ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ذلك الموسم بين أمة من الناس وجم غفير منهم بحيث لا يسعهم المكان، فمنهم قيام ومنهم قعود لا [يسمعهم] * الداعي؛ فأقيم له في كل جانب مبلغ يسمع صوته فيؤديه إلي من ع دمنه، ويحتمل أن يكون علي رضي الله عنه وقف موقفاً يبلغه صوت النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فهم الخطاب عبره لأخريات الناس بزيادة بيان.، قوله:((يخط)) و ((علي بغلة)) و ((علي رضي الله عنه) و ((الناس)) أحوال متداخلات.

الحديث الثالث عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((طواف الزيارة)) أي الإفاضة. [أقول] **:

أول وقته عند الشافعي بعد نصف ليلة العيد، وعند أبي حنيفة ومالك وأحمد بعد طلوع الفجر.

وأما آخره فأي وقت طاف جاز.

الحديث الرابع والخامس عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((حين صلي الظهر)) لابد من تقدير؛ ليستقيم معنى قوله: ((من آخر يومه)) فالمعنى، حين صلي الظهر والعصر معاً في يوم عرفة، ووقف ثم أفاض من آخر يومه، يدل عليه حديث حجة الوداع كما سبق.

ص: 2022