المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب الإحرام والتلبية - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٦

[الطيبي]

الفصل: ‌(1) باب الإحرام والتلبية

2538 -

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا لقيت الحاج فسلم عليه، وصافحه، ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته، فإنه مغفور له)). رواه أحمد. [2538]

2539 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خرج حاجاً أو معتمراً أو غازياً ثم مات في طريقه؛ كتب الله له أجر الغازي والحاج والمعتمر)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [2539]

(1) باب الإحرام والتلبية

الفصل الأول

2540 -

عن عائشة [رضي الله عنها]، قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك، كإني أنظر إلي وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم. متفق عليه.

ــ

الحديث الخامس والسادس عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((قبل أن يدخل بيته)) وذلك أنه وفد الله قدم إلي أهله، ولم يشتغل بخويصة نفسه. قال:

تضوع أرواح نجد من ثيابهم

عند القدوم لقرب العهد بالدار

الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((من خرج حاجاً)) الحديث من قوله تعالي: {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلي الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره علي الله} . ومن قال: إن من أجر الحج بعد أن وجب عليه، ثم قصد الحج بعد زمان فمات في الطريق فقد عصى، خالف هذا النص. والله أعلم.

باب الإحرام التلبية

الفصل الأول

الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ولحله)) ((نه)): وفي حديث آخر ((لإحلاله،

حين أحل)) يقال: حل المحرم يحل به حلالاً، وأحل يحل به إحلالاً، إذا حل له ما حرم عليه

من محظورات الحج، ورجل حل من الإجرام أي حلال، ورجل حلال، أي غير محرم.

ص: 1950

2541 -

وعن ابن عمر [رضي الله عنهما]، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدًا يقول: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)). لا يزيد علي هؤلاء الكلمات. متفق عليه.

ــ

و ((الوبيص)): -بالصاد المهملة- البريق، وقد وبص الشيء وبيصاً. ((خط)): وفيه من الفقه أن المحرم إذا تطيب قبل إحرامه بطيب يبقى أثره عليه بعد الإحرام وإن بقى عليه بعد الإحرام لا يضره، ولا يوجب فدية، وهو مذهب أكثر الصحابة. ((قض)):((المفارق)) جمع مفرق، وهو وسط الرأس. وإنما ذكرت بلفظ الجمع تعميماً لجوانب الرأس التي يفرق فيها. والمراد بوبيص الطيب فيها وهو محرم، أن فتات الطيب كان يبقى عليها بعد الإحرام بحيث تلمح فيها. وفي هذا الحديث: أن التطيب للإحرام والإحلال سنة لمداومة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن لا كراهية، ولا فدية في التطيب قبل الإحرام عند الشافعي، وكرهه مالك، وأوجب أبو حنيفة الفدية بما يبقى من أثره بعد الإحرام قياساً علي ما لو استدام لبس المخيط، وهو ضعيف؛ لأن استدامة اللبس لبس، واستدامة الطيب ليس بتطيب، ولذلك لو حلف أن لا يلبس وعليه ثوب، فاستدام لبسه حنث، ولو حلف لا يتطيب وعليه طيب فاستدامه لم يحنث. ثم إنه إن سلم عن القدح فلا يعارض الحديث المتفق علي صحته، وتأويل الحديث بأن المعنى بالطيب الدهن المطيب، أو الطيب الذي يبقى جرمه، ولا تبقى رائحته تعسف، لا يخفي ضعفه. ((مح)): ثبت في رواية مسلم أن ذلك الطيب كان ذريرة، وهو مما يذهبه الغسل، والمراد بالطواف طواف الإفاضة، ففيه دلالة لاستحبابة الطيب بعد رمي جمرة العقبة، والحلق قبل الطواف.

الحديث الثاني عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((ملبداً)) ((مح)): التلبيد ضفر الرأس بالصمغ، والخطمي؛ ليضم الشعر ويلزقه بعضه ببعض، لئلا يشعث، ولا يقع فيه الهوام. والتلبية مثناة للتكثير والمبالغة، أي إجابة بعد إجابة، ولزوماً لطاعتك. قال سيبويه: ودليل قوله مثنى قلب الألف ياء مع المظهر، قال القاضي عياض: قيل: هذه الإجابة لقوله تعالي لإبراهيم: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً} . و ((إن الحمد)) يروى بكسر الهمزة وفتحها، وهما مشهوران عند أهل الحديث. قال الخطابي: الفتح رواية العامة. وقال: ثعلب: الكسر أجود؛ لأن معناه أن الحمد والنعمة لك علي كل حال. ومعنى الفتح لبيك؛ لذلك السبب.

قال الشافعي: التلبية سنة، وليست بشرط لصحة الحج، ولا واجبة، ولو تركها لا دم،

ولكن فاتته الفضيلة، وقال بعض أصحابنا: هي واجبة تجبر بالدم، وقال بعضهم: هي شرط

لصحة الإحرام، وقال مالك: ليست بواجبة، ومن تركها لزمه دم. قال الشافعي ومالك: ينعقد

ص: 1951

2542 -

وعنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أدخل رجله في الغرز، واستوت به ناقته قائمة، أهل من عند مسجد ذي الحليفة. متفق عليه.

2543 -

وعن أبي سعيد الخدري، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخاً. رواه مسلم.

2544 -

وعن أنس [رضي الله عنه]، قال: كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بهما جميعاً: الحج والعمرة. رواه البخاري.

2545 -

وعن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع،

فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول

ــ

الحج بالنية بالقلب من غير لفظ، وقال أبو حنيفة: لا ينعقد إلا بانضمام التلبية، أو سوق الهدي إلي النية وقال: ويجزئ عن التلبية ما في معناها.

وقال أصحابنا: يستحب رفع الصوت بالتلبية بحيث لا يشق عليه إلا المرة، والإكثار منها، لاسيما عند تغير الأحوال، كإقبال الليل والنهار، والصعود والهبوط، واجتماع الرفقاء، والقيام والقعود، والركوب والنزول، وأدبار الصلوات، والتوالي فيها، فلا يقطعها بكلام، وإن سلم عليه رد، ويكره السلام عليه في هذا الحال، والصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم بعدها، وسؤال الرضوان والجنة، والاستعاذة من النار لجميع المسلمين. ويلبي إلي أن يشرع في جمرة العقبة أو في طواف الإفاضة إن قدم عليها. ويستحب للمحرم مطلقاً، سواء كان محدثاً أو جنباً أو حائضاً، لقوله صلى الله عليه وسلم:((اصنعي ما نصنع غير أن لا تطوفي)).

الحديث الثالث عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((في الغرز)) ((نه)): الغرز ركاب كور الحمل إذا كان من جلد أو خشب. وقيل: هو للكور مطلقاً مثل الركاب للسرج. قوله: ((واستوت به ناقته)) ((تو)): أي استوت ناقته قائمة ملتبسة برسول الله صلى الله عليه وسلم، نحوه قوله تعالي:{وإذ فرقنا بكم البحر} ((الكشاف)): ((بكم)) في موضع الحال بمعنى فرقناه ملتبساً بكم، كقوله:((تدوس بنا الجماجم والتريبا. ((مح)): فيه دليل لمالك والشافعي علي أن الأفضل أن يهل إذا انبعث به راحلته، وأبو حنيفة: عقيب الصلاة وهو جالس، وهو قول ضعيف للشافعي. وفيه حديث ضعيف، وفيه أن التلبية لا تقدم علي الإحرام.

الحديث الرابع إلي الحديث السادس عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ومنا من أهل بالحج)) فإن

ص: 1952

الله صلى الله عليه وسلم بالحج؛ فأما من أهل بعمرة فحل، وأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر. متفق عليه.

ــ

قلت: ما فائدة التعرف فيه والتنكير في قرينته؟ قلت: التعرف فيه للعهد، والمعهود هو الحج الواقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والمتعارف فيما بين الصحابة من كونه مفرداً، وهو دليل قاطع للشافعي. ((خط)) و ((تو)): في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفرداً، وفي حديث أنس أنه كان قارناً، وذلك قوله:((وإنه ليصرخون بهما جميعاً الحج والعمرة)) وأراد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أهل معه بما هو به، وقد بين ذلك في حديث آخر، وهو حديث صحيح قال: سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لبيك عمرة وحجاً معاً)). وفي الصحاح أن بكر بن عبد الله المزني- وهو الراوي عن أنس- حدث بهذا الحديث ابن عمر فقال: ((لبى بالحج وحده)) قال: فلقيت أنساً، فحدثته بقول ابن عمر، فقال: ما يعدونا إلا صبيانا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((لبيك عمرة وحجاً معاً)).

والتوفيق بين هذه الروايات مشكل، ولابد منه، فإن ترك هذه الروايات علي حالها من الاختلاف من غير بيان جامع بينها مجلبة للشك في أخبار الصادق، وقد طعن فيها طائفة من الفئة الزائغة عن منهج الحق، فقالوا: اتفقتم أيتها الرواة علي أن نبيكم لم يحج من المدينة غير حجة واحدة، ثم رويتم أنه كان مفرداً، ورويتم أنه كان قارناً، ورويتم أنه كان متمتعاً، وصيغة هذه الأنساك متباينة، وأحكامها مختلفة، وتزعمون أن كل هذه الروايات مقبولة لصحة أسإنيدها، وعدالة رواتها.

فأجاب بذلك جمع من العلماء- شكر الله سعيهم- وقد اخترنا من ذلك جواباً نقل عن الشافعي- رحمة الله عليه- وزبدته: أن من المعلوم في لغة العرب جواز إضافة الفعل إلي الأمر كجواز إضافته إلي الفاعل له، كقولك: بنى فلان داراً، إذا أمر ببنائها، وضرب الأمير فلاناً إذا أمر بضربه. ومن هذا الباب رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزاً، وقطع يد سارق رداء صفوان ابن أمية. وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم المفرد، ومنهم القارن، ومنهم المتمتع، وكل منهم يصدر عن أمره وتعليمه، فجاز أن يضاف كل ذلك إليه. وقولاً ذكره الخطابي، فقال بعضهم: يحتمل أن يكون بعضهم سمعه يقول: ((لبيك بحجة)). وخفي عليه قوله: ((وعمرة)) فحكى أنه كان مفرداً، ولم يحك إلا ما سمع، وسمعه آخر يول:((لبيك بحجة وعمرة)) فقال: كان قارناً، ولا ينكر الزيادات في الأخبار كما لا ينكر في الشهادات.

قال النواوي في شرح مسلم: اعلم أن أحاديث هذا الباب متظاهرة علي جواز إفراد الحج عن

العمرة، وجواز التمتع والقرآن، وقد أجمع العلماء علي جواز الأنواع الثلاثة، فالإفراد: أن يحرم

بالحج في أشهره، يفرغ منه، ثم يعتمر. والتمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ

ص: 1953

ــ

منها، ثم يحج من عامه. والقران: أن يحرم بهما جميعاً، وكذا لو أحرم بالعمرة، ثم أحرم بالحج قبل طوافها صح قارناً. فلو أحرم بالحج، ثم أحرم بالعمرة، فقولان للشافعي، أصحهما لا يصح إحرامه بالعمرة، والثاني يصح ويصير قارناً، بشرط أن يكون قبل الشروع في أسباب التحلل من الحج.

واختلف العلماء في هذه الأنواع الثلاثة أيها أفضل؟ فقال الشافعي، ومالك، وكثيرون: أفضلها الإفراد، ثم التمتع، ثم القران. وقال أحمد، وآخرون: أفضلها التمتع. وقال أبو حنيفة، وآخرون: أفضلها القران. وأما حجة النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا فيها، هل كان مفرداً، أو متمتعاً، أو قارناً؟ وهي ثلاثة أقوال للعلماء بحسب مذاهبهم السابقة، فكل طائفة رجحت نوعاً، وادعت أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت كذلك. والصحيح أنه كان أولاً مفرداً، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك، وأدخلها علي الحج، فصار قارناً. وقد اختلفت روايات الصحابة في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، هل كان قارناً، أو مفرداً، أو متمتعاً؟ وقد ذكر البخاري ومسلم روايتهم لذلك، وطريق الجمع بينها ما ذكرته أنه صلى الله عليه وسلم كان أولاً مفرداً، ثم صار قارناً. فمن روى القران اعتبر آخر الأمر، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي، وهو الانتفاع والارتفاق، وقد ارتفق بالقران كارتفاق التمتع وزيادة، وهي الاقتصار علي فعل واحد، وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث فيها.

وقد جمع بينها أبو محمد بن حزم الظاهري في كتاب صنفه في حجة الوداع خاصة، وادعى أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً، وتأول باقي الأحاديث، والصحيح ما سبق، وقد أوضحت ذلك في شرح المهذب بأدلته، وجمع طرق الأحاديث، وكلام العلماء المتعلق بها. واحتج الشافعي وأصحابه في ترجيح الإفراد بأنه صح ذلك من رواية جابر، وابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وهؤلاء لهم مزية في حجة الوداع علي غيرهم؛ فأما جابر فإنه كان أحسن الصحابة سياقة لرواية حديث حجة الوداع، فإنه ذكرها من حين خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلي آخرها، فهو أضب لها من غيره. وأما ابن عمر رضي الله عنهما فصح عنه أنه كان آخذاً بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمسني لعابها، أسمعه يلبي بالحج. وأما عائشة فقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف، وكذلك اطلاعها علي باطن أمره، وظاهر فعله في خلوته وعلإنيته مع كثرة فقهها وفطنتها؛ وأما ابن عباس فمحله في العلم، والفهم، والفقه في الدين معروف.

ومن دلائل ترجيح الإفراد، أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم

أفردوا الحج، وواظبوا علي إفراده، كذلك فعل أبو بكر، وعمر، وعثمان. واختلف فعل علي رضي الله عنه،

ولو لم يكن الإفراد أفضل، وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم حج مفرداً، لم يواظبوا عليه مع أنهم

الأئمة الأعلام، وقادة الإسلام، ويقتدى بهم في عصرهم وبعدهم، فكيف يظن بهم المواظبة

علي خلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأما الخلاف عن علي رضي الله عنه وغيره، فإنما فعلوه لبيان

ص: 1954

2546 -

وعن ابن عمر [رضي الله عنهما]، قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلي الحج، بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج. متفق عليه.

الفصل الثاني

2547 -

عن زيد بن ثابت، أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل. رواه الترمذي، والدارمي. [2547]

2548 -

وعن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لبد رأسه بالغسل. رواه أبو داود.

2549 -

وعن خلاد بن السائب، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتإني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال أو التلبية)). رواه مالك، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي. [2549]

ــ

الجواز، وقد ثبت في الصحيحين ما يوضح ذلك. ومنها أن الإفراد لا يجب فيه دم بالإجماع وذلك لكماله، ويجب الدم في التمتع والقران، فكان الإفراد أفضل. والله أعلم.

الحديث السابع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((إلي الحج)) حال من ((العمرة))، أي استمتع بالعمرة منضمة إلي الحج فإن الاستمتاع بالعمرة إلي وقت الحج انتفاعه بالتقرب بها إلي الله تعالي قبل الانتفاع بتقربه بالحج. وقيل: إذا حل من عمرته، انتفع باستباحة ما كان محرماً عليه إلي أن يحرم بالحج. ((حس)): كان عمر وعثمان ينهيان عن التمتع نهي تنزيه، وإنما نهيا؛ لأن الإفراد أفضل. وقال علي رضي الله عنه: إنا قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كنا خالفين.

الفصل الثاني:

الحديث الأول عن زيد رضي الله عنه: قوله: ((تجرد لإهلاله)) هكذا رواه الترمذي، والدارمي، وفي جميع نسخ المصابيح ((لإحرامه))

الحديث الثاني عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((بالغسل)) ((نه)) الغسل- بالكسر- ما يغسل به من خطمى وغيره.

الحديث الثالث عن خلاد: قوله: ((بالإهلال)) هكذا في السنن كلها. ((تو)): قد وجدنا لفظاً

من هذا الحديث في كتاب المصابيح محرفاً من وجهه، وهو ((بالإحرم، والتلبية)) ولفظ الحديث

ص: 1955

2550 -

وعن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه وشماله: من حجر، أو شجر، أو مدر، حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا)). رواه الترمذي، وابن ماجه [2550].

2551 -

وعن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين، ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل بهؤلاء الكلمات ويقول:((لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك، لبيك والرغباء إليك والعمل)). متفق عليه. ولفظه لمسلم.

2552 -

وعن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله رضوانه والجنة، واستعفاه برحمته من النار. رواه الشافعي.

ــ

((بالإهلال أو التلبية))

الحديث الرابع عن سهل رضي الله عنه: قوله: ((من عن يمينه)) ((تو)): لما أضاف التلبية إلي تلك الأعيان، والتلبية إنما توجد ممن يعقل، ذكرها بلفظ ((من)) دون ((ما)) ذهاباً بها من حيز المجاهدات إلي جملة ذويي العقول؛ ليكون أدل علي المعنى الذي أراده. قوله:((تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا)) ((مظ)): يعني إلي منتهي الأرض من جانب الشرق، وإلي منتهي الغرب، أي يوافقه في التلبية كل شيء في الأرض كلها.

الحديث الخامس عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((وسعديك)) هو من الألفاظ المقرونة بلبيك، ومعناه: أي إسعاداً بعد إسعاد، والمعنى ساعدت علي طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وهما منصوبان علي المصدر. قوله:((والرغباء إليك)) ((مح)): قال القاضي عياض: قال المازري: يروى بفتح الراء والمد، وبضم الراء مع القصر، ونظيره العلي والعلياء، والنعمى والنعماء. وعن أبي علي: الفتح مع القصر مثل سكرى. ومعناه هنا الطلب والمسألة إلي من بيده الخير، وهو المقصود بالعمل المستحق للعبادة. أقول: يريد أن ((العمل)) عطف علي ((الرغباء))، وخبره محذوف يدل عليه المذكور، معناه العمل منتهي إليك، وأنت المقصود في العمل. وفيه معنى قوله تعالي:{إياك نعبد} كما أن ((الرغباء إليك)) معناه إياك نستعين.

الحديث السادس ظاهر.

ص: 1956