الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) باب ما يقال عند الصباح والمساء والمنام
الفصل الأول
2381 -
وعن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: ((أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وما فيها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما فيها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، وسوء الكبر،
ــ
من السابقين المقربين، وقوله:((كلهم في الجنة)) إيذان بأن قوله:} جنات عدن يدخلونها {استئناف علي تقدير سؤال سائل: ما لهؤلاء المصطفين الحائزين للفضل الكثير علي الثواب؟ فأجيب:} جنات عدن يدخلونها {.ويطابق هذا التفسير قولهم:} إن ربنا لغفور شكور {أي كثير الغفران للظالم لنفسه، وكثير الشكر للإثابة للسابق، وليس ببدل من} الفضل الكبير {المعني به السبق بالخيرات، كما زعم صاحب الكشاف، وأخرج الظالم والمقتصد من هذا العام، ومن ((الفضل الكبير والجنات))،وقد استقصينا القول فيه في فتوح الغيب.
باب ما يقول عن الصباح والمساء والمنام
الفصل الأول
الحديث الأول عن عبد الله: قوله: ((والحمدلله)) ((مظ)): عطف علي ((أمسينا وأمسى الملك لله)) وأمسى إذا دخل في المساء، وأمسى إذا صار، يعني دخلنا في المساء، وصرنا نحن، وجميع الملك، وجميع الحمدلله. أقول: الظاهر أنه عطف علي قوله: ((الملك لله)) ويدل عليه قوله بعد: ((له الملك وله الحمد))، وقوله:((وأمسى الملك لله)) حال من ((أمسينا)) إذا قلنا: أنه فعل تام، ومعطوف علي ((أمسينا)) إذا قلنا: إنه ناقص، والخبر محذوف لدلالة الثاني عليه، والواو فيه كما في قول الحماسي: فأمسى وهو عريان. قال أبو البقاء: ((أمسى)) هاهنا الناقصة، والجملة بعدها خبر لها. فإن قلت: خبر كان مثل خبر المبتدأ لا يجوز أن تدخل عليه الواو، قيل: الواو إنما دخلت في خبر كان؛ لأن اسم كان يشبه الفاعل، وخبرها يشبه الحال. وقوله:((ولا إله إلا الله)) عطف علي ((الحمدلله)) علي تأويل، و ((أمسى)) الفردإنية والوحدإنية مختصين بالله.
فإن قلت: ما معنى ((أمسى الملك لله)) والملك له أبدا، وكذلك الحمد؟ قلت هو بيان حال القائل، أي عرفنا أن الملك والحمد لله لا لغيره. فالتجأنا إليه، واستعنا به، وخصصناه بالعبادة
وفتنة الدنيا، وعذاب القبر)) وإذا أصبح قال أيضا:((أصبحنا، وأصبح الملك لله))،وفي رواية:((ربي إني أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر)) رواه مسلم.
2382 -
وعن حذيفة، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده، ثم يقول:((اللهم باسمك أموت وأحيا)).وإذا استيقظ قال: ((الحمدلله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور)) رواه البخاري.
2383 -
وعن مسلم عن البراء.
ــ
والثناء عليه، والشكر له، ثم طلب استمرار ذلك في بدخوله في الليل، واستعاذ مما يمنعه مما كان فيه في اليوم قائلا:((أسألك من خير هذه الليلة)) إلي آخره. قوله: ((من خير هذه الليلة)) أي من خير ما ينشأ فيها، و ((خير ما فيها))، أي خير ما سكن فيها، قال الله تعالي:} وله ما سكن في الليل والنهار {.
قوله: ((من الكسل)) ((تو)):الكسل التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه، ويكون ذلك لعدم انبعاث النفس للخير مع ظهور الاستطاعة. و ((الهرم)) كبر السن الذي يؤدي إلي تماذق الأعضاء، وتساقط القوى، وإنما استعاذ منه؛ لكونه من الأدواء التي لا دواء لها، والمراد بسوء الكبر ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل، والتخابط في الرأي، وغير ذلك مما يسوء به الحال. أقول: يمكن أن يراد بالفقرات كلها معنى الترقي، استعاذ أولا من الكسل، أي أعوذ أن أتثاقل في الطاعة مع استطاعتي، ثم من الهرم الذي فيه سقوط بعض الاستطاعة، فيقوم ببعض وظائف العبادات، ثم من سوء الكبر الذي يصير فيه كالحلس الملقى علي الأرض، لا يصدر منه شيء من الخيرات، فيطابق هذا تفسيرنا قوله:((أمسينا وأمسى الملك لله)).
قوله: ((سوء الكبر)) ((نه)): ((الكبر)) يروى بسكون الباء وفتحها، فالسكون بمعنى البطر، والفتح بمعنى الهرم. ((خط)):والفتح أصح. أقول: والدراية أيضا تساعد الرواية؛ لأن الجمع بين البطر والهرم بالعطف، كالجمع بين الضب والنون، والتنكير في ((عذاب)) للتهويل والتفخيم. قوله:((ذلك)) المشار ما سبق بإبدال ((أمسينا))، و ((أمسى)) بـ ((أصبحنا))،و ((أصبح)).
الحديث الثاني عن حذيفة رضي الله عنه: قوله: ((من الليل)) صلة لـ ((أخذ)) علي طريق الاستعارة، فإن لكل أحد حظا منه، وهو السكون والنوم فيه، فكأنه يأخذ منه حظه ونصيبه، قال الله تعالي:} جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه {فالمضجع علي هذا يكون مصدرا.
2384 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أوى أحدكم إلي فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره؛ فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)) وفي رواية: ((ثم ليضطجع علي شقه الأيمن ثم ليقل: باسمك)) متفق عليه.
ــ
قوله: ((أحيانا بعد ما أماتنا)) ((مظ)):سمي النوم موتا؛ لأنه يزول معه العقل والحركة، تمثيلا وتشبيها، وقيل: الموت في كلام العرب يطلق علي السكون، يقال: ماتت الريح إذا سكنت، ويستعمل في زوال القوة العاقلة، وهي الجهالة في قوله تعالي:} أو من كان ميتا فأحييناه {،وقوله تعالي:} إنك لا تسمع الموتى {،وقد يستعار الموت للأحوال الشاقة، كالفقر والذل والسؤال والهرم والمعصية، وغير ذلك.
أقول: ولا ارتياب في أن انتفاع الإنسان بالحياة إنما هو بتحري رضي الله وتوخي طاعته، والاجتناب عن سخطه وعقابه، فمن زال عنه هذا الانتفاع، ولم يأخذ نصيب حياته، فكان كالميت، وكان قوله:((الحمدلله)) شكرا لنيل هذه النعمة، وزوال ذلك المانع. وهذا التأويل موافق للحديث السابق واللاحق من قوله:((أمسينا وأمسى الملك لله))، ومن قوله:((وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ عبادك الصالحين به))،وينتظم معه قوله:((وإليه النشور)) أي إليه المرجع في نيل الثواب مما نكتسبه في حياتنا هذه.
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((بداخلة إزاره)) ((قض)):هي الحاشية اللي تلي الجسم وتماسه، وإنما أمر بالنفض بها؛ لأن المتحول إلي فراشه يحل بيمنه خارجة الإزار، وتبقى الداخلة معلقة فينفض بها. قوله:((ما خلفه)) ((فا)): ((ما)) مبتدأ و ((يدري)) معلق عنه لتضمنه معنى الاستفهام. ((مظ)): ((خلفه)) أي أقام مقامه بعده علي الفراش، يعني لا يدري ما وقع في فراشه بعد ما خرج هو منه من تراب، أو قذاة، أو هوام.
قوله: ((إن أمسكت نفسي)) هو من قوله تعالي:} الله يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلي أجل مسمى {جمع النفسين في حكم التوفي، ثم فرق بين جهتي التوفي بالحكم بالإمساك وهو قبض الروح، والإرسال وهو رد الحياة، أي الله يتوفي الأنفس، النفس التي تقبض، والنفس التي لم تقبض فيمسك الأولي ويرسل الأخرى. قوله:((بما تحفظ به)) ((الباء)) مثلها في كتبت بالقلم، و ((ما)) موصولة مبهمة،
وفي رواية: ((فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات، وإن أمسكت نفسي فاغفر لها))
2385 -
وعن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلي فراشه نام علي شقه الأيمن ثم قال: ((اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك. آمنت بكتابك الذين أنزلت، ونبيك الذي أرسلت)).وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قالهن ثم مات تحت ليلته مات علي الفطرة)).
ــ
وبيانها ما دل عليه صلتها؛ لأن الله تعالي إنما يحفظ عباده الصالحين من المعاصي، ومن أن لا يهنوا في طاعته وعبادته، بتوفيقه ولطفه. قوله:((بصنفة ثوبه)) ((فا)):هي حاشية الإزار التي تلي جسده.
الحديث الرابع عن البراء: قوله: ((أسلمت نفسي إليك)) في هذا النظم غرائب وعجائب، لا يعرفها إلا الثقات من أهل البيان؛ فقوله:((أسلمت نفسي)) إشارة إلا أن جوارحه منقادة لله تعالي في أوامره ونواهيه، وقوله:((وجهت وجهي)) إلي أن ذاته وحقيقته مخلصة له بريئة من النفاق، وقوله:((فوضت)) إلي أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه، لا مدبر لها غيره، وقوله:((ألجأت ظهري إليك)) بعد قوله: ((فوضت أمري)) إلي أن بعد تفويض أموره- التي هو مفتقر إليها وبها معاشه، وعليها مدار أمره- يلتجئ إليه مما يضره، ويؤذيه من الأسباب الداخلة والخارجة، ثم قوله:((رغبة ورهبة)) منصوبان علي المفعول له علي طريقة اللف والنشر، أي فوضت أمري إليك رغبة، وألجأت ظهري من المكاره والشدائد إليك رهبة منك؛ لأنه لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك. ((ملجأ)) مهموز، و ((منجأ)) مقصور همز للازدواج. وقوله:((نبيك الذي أرسلت)) تخصيص من التخصيص، فعلي هذه قوله:((رغبة ورهبة إليك)) من باب قوله: متقلدا سيفا ورمحا. ومعنى قوله: ((تحت ليلته)) أنه لم يتجاوز عنه إلا النهار؛ لأن يسلخ من النهار، فهو تحته، أو يكون المعنى: إن مت تحت نازلة تنزل عليك في ليلتك، وكذا معنى ((من)) الرواية الأخرى ((مت من ليلتك)) أي من أجل ما يحدث في ليلتك. وقوله:((مات علي الفطرة)) أي مات علي الدين القويم ملة إبراهيم، فإنه عليه السلام أسلم واستسلم، وقال: أسلمت لرب العالمين، وجاء بقلب سليم.
قوله: ((ونبيك الذي أرسلت)) ((تو)):في بعض طرق هذا الحديث عن البراء قال: قلت: ((وبرسولك الذي أرسلت)) قال: ((نبيك))،قيل: إنما رد عليه قوله؛ لأن البيان صار مكررا من غير إفادة زيادة في المعنى، وذلك مما يأبه البليغ، ثم لأنه كان نبيا قبل أن يكون رسولا،
وفي رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: ((يا فلان! إذا أويت إلي فراشك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع علي شقك الأيمن، ثم قلت: اللهم أسلمت نفسي إليك، إلي قوله: أرسلت)) وقال: ((فإن مت من ليلتك مت علي الفطرة، وإن أصبحت أصبحت خيرا)).متفق عليه.
2386 -
وعن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلي فراشه قال:((الحمدلله الذي أطعمنا، وسقانا، وكفانا، وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي)).رواه مسلم.
ــ
ولأنه اختار أن يثني عليه بالجمع بين الاسمين، ويعد نعمة الله في الحليين تعظيما لما عظم موقعه عنده من منة الله عليه وإحسانه إليه.
((نه)):النبي فعيل بمعنى فاعل للمبالغة من النبأ للخبر؛ لأنه أنبأ عن الله تعالي، أي أخبر، ويجوز فيه تحقيق الهمز وتخفيفه، وقيل: إن النبي مشتق من النباوة وهو الشيء المرتفع. ورد النبي صلى الله عليه وسلم علي البراء حين قال: ((ورسولك الذي أرسلت)) بما رد عليه ليختلف اللفظان، ويجمع الثنائين معنى الارتفاع والإرسال، ويكون تعديدا للنعمة في الحالين، وتعظيما للمنة علي الوجهين. قوله:((لرجل يا فلان)) وهو أسيد بن حضير. وقوله: ((إذا أويت إلي فراشك فتوضأ)) مثل قوله تعالي:} إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا {أي إذا أردت أن تجعل فراشك مكان نومك فتوضأ.
الحديث الخامس عن أنس رضي الله عنه: ((فكم ممن لا كافي)) ((مظ)):الكافي والمؤوي، هو الله تعالي، يكفي شر بعض الخلق عن بعض، ويهيء لهم المأوى والسكن، فالحمد لله الذي جعلنا منهم، فكم من خلق لا يكفيهم الله شر الأشرار، بل تركهم وشرهم، وكم من خلق لم يجعل الله لهم مأوى، بل تركهم يهيمون في البوادي.
أقول: ((كم)) تقتضي الكثرة، ولا يرى ممن حاله هذا إلا قليلا نادرا، علي أنه افتتح بقوله:((أطعمنا وسقانا)).ويمكن أن ينزل هذا المعنى علي قوله تعالي:} ذلك بأن الله مولي الذين آمنوا والذين كفروا لا مولي لهم {. فالمعنى إنا نحمد الله تعالي علي أن عرفنا نعمته، ووفقنا لأداء شكرها، فكم من منعم عليه لم يعرفها فكفر بها. وكذلك الله مولي الخلق كلهم بمعنى أنه ربهم ومالكهم، لكنه ناصر للمؤمنين ومحب لهم، فالفاء في ((فكم)) لتعليل الحمد. ((مح)):قيل معنى ((آوانا)) هنا رحمنا، فقوله:((كم ممن لا مؤرى له)) أي لا راحم ولا عاطف عليه.
2387 -
وعن علي: أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق، فلم تصادفه. فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته عائشة. قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: علي مكانكما، فجاء وقعد بيني وبينها، حتى وجدت برد قدمه علي بطني. فقال:((ألا أدلكما علي خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضجعكما؛ فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين؛ فهو خير لكما من خادم)).متفق عليه.
2388 -
وعن أبي هريرة، قال: جاءت فاطمة إلي النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما. فقال: ((ألا أدلك علي ما هو خير من خادم؟ تسبحين الله ثلاثا وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثا وثلاثين، وتكبرين الله أربعا وثلاثين عن كل صلاة، وعند منامك)).رواه مسلم.
ــ
الحديث السادس عن علي رضي الله عنه: قوله: ((تشكو)) يجوز أن يكون مفعولا له، أي أتت إليه إرادة أن تشكو، فحذف ((أن))،ويجوز أن يكون حالا مقدرة، أي مقدرة الشكوى، وقوله:((فلم تصادفه)) عطف علي قوله: ((أتت النبي)) أي بيته، حتى يصح هذا العطف. وقوله:((من الرحى)) أي من أثر إدارة الرحى. وقوله: ((وبلغها)) حال من الضمير ((أتت)). ((نه)):الرقيق المملوك، فعيل بمعنى مفعول، وقد يطلق علي الجماعة كالرفيق، يقال: أرق العبد وأرقه واسترقه.
قوله: ((قال)) من كلام الراوي وهو علي رضي الله عنه، و ((ذهبنا)) أي طفقنا و ((نقوم)) خبره. وقوله:((علي مكانكما)) أي دوما واثبتا علي ما أنتما عليه، وفي الحديث دلالة علي مكان أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحبته إياها حيث خصتها فاطمة رضي الله عنها بالسفارة بينها وبين أبيها، دون سائر الأزواج. وفيه أيضا بيان إظهار غاية التعطف والشفقة علي ابنته وصهره، ونهاية الاتحاد برفع الحشمة والحجاب، حيث لم يزعجهما عن مكانهما، وتركهما علي ما هما عليه من الاضطجاع، بل أدخل رجله بينهما ومكث حتى وجدا برد قدمه علي بطنهما، ثم علمها ما هو الأهم بحالها من التسبيح والتحميد والتكبير من طلبها الرقيق، فهو من باب تلقي المخاطب بغير ما يتطلب، إيذانا بأن الأهم من المطلوب هو التزود للمعاد، والتجافي من دار الغرور، والصبر علي مشاقها ومتاعبها.
الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((خادما)) ((نه)):الخادم واحد الخدم، ويقع علي الذكر والأنثى لإجرائه مجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال، كحائض وعانق.
الفصل الثاني
2389 -
وعن أبي هريرة، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: ((اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير)).وإذا أمسى قال: ((اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور)) رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. [2389].
2390 -
وعنه، قال: قال أبو بكر: قلت يا رسول الله! مرني بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت. قال: ((قل: اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السموات والأرض، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه. قله إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك)) رواه الترمذي، وأبو داود، والدرامي.
…
[2390]
2391 -
وعن أبان بن عثمان، قال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
..
الفصل الثاني
الحديث الأول والثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((بك أصبحنا)) الباء متعلق بمحذوف، وهو خبر ((أصبح)) ولا بد من تقدير مضاف، أي أصبحنا متلبسن بنعمتك، أو بحياطتك وكلاءتك، أو بذكر اسمك، وهو قوله:((بك نحيا وبك نموت)) حكاية عن الحال الآتية يعني يستمر حالنا علي هذا في جميع الأوقات وسائر الأحوال ومثله حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم باسمك أموت وأحيا)) أي لا أنفك عنه، ولا أهجر. ((مح)):((باسمك أحيا وأموت)) معناه أنت تحييني، وأنت تميتني، فالاسم هنا المسمى.
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ومليكه)) فعيل بمعنى فاعل للمبالغة، كالقدير بمعنى القادر. قوله:((وشركه)) ((نه)):يروى بكسر الشين وسكون الراء، وهو ما يدعو إليه من الإشراك بالله عز وجل، ويوسوس، وبفتح الشين والراء أي ما يفتن به الناس من حبائله، والشرك حبالة الصائد، الواحد شركه. أقول: فالإضافة علي الثاني محضة، وعلي الأول إضافة المصدر إلي فاعله.
الحديث الثالث عن أبان ((مح)):في ((أبان)) وجهان الصرف وعدمه، والصحيح الأشهر
((ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات فيضره شيء)).فكان أبان قد أصابه فالج، فجعل الرجل ينظر إليه، فقال له أبان: ما تنظر إلي؟ أما أن الحديث كما حدثتك، ولكني لم أقله يومئذ ليمضي الله علي قدره. رواه الترمذي، وابن ماجه، وأبو داود وفي روايته:((لم تصبه فجاءة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح لم تصبه فجاءة بلاء حتى يمسي)). [2391]
2392 -
وعن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أمسى:((أمسينا وأامسى الملك لله، والحمدلله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو علي كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة، وشر مابعدها، رب! أعوذ بك من الكسل، ومن سوء الكبر أو الكفر)).وفي رواية: ((من سوء الكبر والكبر، رب! أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر)) وإذا أصبح قال ذلك أيضا: ((أصبحنا وأصبح الملك لله)).رواه أبو داود، والترمذي وفي روايته لم يذكر:((من سوء الكفر)) [2392]
2393 -
وعن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعلمها فيقول:
ــ
الصرف؛ لأن وزنه فعال، ومن لم يصرفه قال: وزنه أفعل. قوله: ((فيضره)) الفاء مثلها في قوله: ((لا يموت لمؤمن ثلاثة أولاد فتمسه النار)) المعنى لا يجتمع هذا القول مع المضرة واللام في قوله ((ليمضي الله)) علة لعدم القول، وليس بفرض له، كقولهم: قعدت من الحرب جبنا. ((مح)) قوله: ((ما تنظر إلي)) ((ما)) هي الاستفهامية، وصلتها محذوفة، و ((تنظر إلي)) حال، أي مالك تنظر إلي.
قوله: ((ليمضي الله)) ((اللام)) للعاقبة، كما في قوله: لدوا للموت. قوله: ((فجاءة البلاء)) ((نه)):فجئه الأمر وفجأه فجاءة وفجأة بالضم والمد، فاجأه ومفاجأة إذا جاءه بغتة من غير تقدم سبب، وقيده بعضهم بفتح الفاء وسكون الجيم من غير مد علي المرة.
الحديث الرابع والخامس عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم: قوله: ((كان يعلمها فيقول)) ((الفاء)) مثلها
((قولي حين تصبحين: سبحان الله وبحمده، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله علي كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، فإنه من قالها حين يصبح حفظ حتى يمسي، ومن قالها حين ينسي حفظ حتى يصبح)) رواه أبو داود. [2393].
2394 -
وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح:} فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحيت تظهرون {إلي قوله:} وكذلك تخرجون {أدرك ما فاته في يومه ذلك. ومن قالهن حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته)) رواه أبو داود. [2394]
..
في قوله تعالي:} فتوبوا إلي بارئكم فاقتلوا {علي وجه؛ لأن القول عين التعليم. قوله: ((أعلم)) فائدة تخصيص ذكره في هذا المقام الإيذان بأن هذين الوصفين أعني القدرة الكاملة والعلم الشامل، هما أساس أصول الدين، وبهما يتم إثبات الحشر والنشر، ورد الملاحدة في إنكارهم البعث وحشر أجسادهم؛ لأن الله تعالي إذا علم الجزئيات والكليات علي الإحاطة يعلم الأجزاء المتفرقة المتلاشية في أقطار الأرض، وإذا قدر علي كل المقدورات قدر علي جمعها وإحيائها لا محالة.
الحديث السادس عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله:} فسبحان الله {الآية سئل ابن عباس: هل نجد ذكر الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم، وتلا هذه الآية، ((تمسون)) صلاتا المغرب والعشاء، و ((تصبحون)) صلاة الفجر، و ((عشيا)) صلاة العصر، و ((تظهرون)) صلاة الظهر. –الكشاف-:قوله: ((وعشيا)) متصل بقوله: ((حين تمسون))،وقوله:((وله الحمد في السموات والأرض)) اعتراض بينهما، والمعنى أن علي المميزين كلهم من أهل السموات والأرضين أن يحمدوه، تم كلامه.
فإن قلت: كان من مقتضى الظاهر أن يعقب قوله: ((وله الحمد)) بقوله: ((فسبحان الله)) كما جاء ((سبحان الله، والحمد لله))،وقوله:((وعشيا)) بقوله: ((وحين تصبحون)) فما فائدة الفصل؟ ولم خص التسبيح بظرف الزمان، والتحميد بالمكان؟ قلت- والله أعلم-:قد مر أن الحمد
2395 -
وعن أبي عياش، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو علي كل شيء قدير؛ كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل، وكتب له عشر حسنات، وحطت عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي. وإن قالها إذا أمسى؛ كان له مثل ذلك حتى يصبح)) ((قال حماد بن سلمة)):فرأي رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم. فقال: يارسول الله! إن أبا عياش يحدث عنك بكذا وكذا. قال: ((صدق أبو عياش)).رواه أبو داود، وابن ماجه. [2395]
2396 -
وعن الحارث بن مسلم التميمي. عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسر إليه فقال: ((إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل قبل أن تكلم أحدا: اللهم أجرني
ــ
أشمل من التسبيح، فقدم التسبيح، وعلق به الإمساء والإصباح، وأخر التحميد وعلق به ((في السموات والأرض))،وإنما أدخله بين المعطوف والمعطوف عليه، ليجمع في الحمد بين ظرفي الزمان والمكان، إذ لاقتران الشيء بالشيء تعلق معنوي وإن لم يكن لفظيا، ولو قدم الحمد لاشتركا في الظرفين، ولو أخر لخص الحمد بالمكان، ونظير هذا ما ذكره صاحب الكشاف في عطف قوله:} وأرجلكم {علي قوله:} برءوسكم {قوله: ((أدرك)) ((مظ)):أي حصل له ثواب ما فات منه من ورد وخير.
الحديث السابع عن أبي عياش: عياش بالعين والياء تحته نقطتان، والشين المعجمة، كذا في سنن أبي دواد وابن ماجه وجامع الأصول، ووقع في بعض نسخ المصابيح: ابن عباس، وهو سهو من الناسخ. قوله:((عدل رقبة)) ((نه)):العدل بالكسر والفتح، في الحديث هما بمعنى المثل، وقيل: الفتح ما عدله من جنسه، وبالكسر ما ليس من جنسه، وقيل العكس. والحرز الحفظ والصون، والضم إلي الشيء.
قوله: ((من ولد إسماعيل)) صفة ((رقبة)) المعنى حصل له من الثواب مثل ما لو اشترى ولدا من أولاد إسماعيل عليه السلام، وأعتقه. وإنما خصه، لأنه أشرف الناس.
قوله: ((فيما يرى النائم)) وضع موضع ((النوم)) ليؤذن باعتبار هذه الرؤيا وتحققها، فإنها جزء من أجزاء النبوة، والتعريف في ((النائم)) للعهد، أي النائم الصادق الرؤيا. ولو قيل:((في النوم)) لاحتمل أن يكون من أضغاث الأحلام.
الحديث الثامن عن الحارث: قوله: ((فقال)) عطف علي ((أسر)) كما سبق في قوله: ((يعلمها
من النار سبع مرات؛ فإنك إذا قلت ذلك، ثم مت في ليلتك كتب لك جواز منها. وإذا صليت الصبح فقل كذلك؛ فإنك إذا مت في يومك كتب لك جواز منها)) رواه أبو داود. [2396]
2397 -
وعن ابن عمر، قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: ((اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة. اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي. اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي. اللهم احفظني من بين يديك ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي. وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)) ((قال وكيع)):يعني الخسف. رواه أبو داود. [2397]
ــ
فيقول))،وإنما أسر إليه؛ ليتلقاه بشراشره، ويتمكن في قلبه تمكن السر المكنون، لا أنه صلى الله عليه وسلم ضن به عن الغير، قوله:((كتب له)) أي قدر له خلاص من النار.
الحديث التاسع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء)) أي لا يتأتى منه ذلك، ولا يليق بحاله أن يدعها- الكشاف- في قوله:} فلم يك ينفعهم إيمانهم {:فإن قلت: ما الفرق بين قوله:} فلم يك ينفعهم إيمانهم {وبينه لو قيل: فلم ينفعهم إيمانهم؟)) قلت هو من كان في نحو قوله تعالي:} ما كان الله أن يتخذ ولدا {والمعنى لم يصح ولم يستقم وارد من جهة تسليط النفي علي الكون المتضمن للفعل المنفي كأنه قيل: ((إن ينفعهم إيمانهم)))). أقول: تفسيره بـ ((لا يصح، ولا يستقيم)) وارد من جهة تسليط النفي علي الكون المتضمن للفعل المنفي، كأنه قيل: هذا الفعل من الشؤون التي عدمها راجح علي الوجود، وأنها من قبيل المحال.
قوله: ((العفو والعافية)) ((تو)):العفو هو التجاوز عن الذنب ومحوه، والعافية هي دفاع الله عن العبد الأسقام والبلايا، ويندرج تحت قوله:} في الدنيا والآخرة {كل مشنوء ومكروه. و ((عورات)) ساكنة الواو، جمع عورة، وأراد كل ما يستحيي منه، ويسوء صاحبه أن يرى ذلك منه، والروعات جمع روعة، وهي الفزعة.
قوله: ((من بين يدي ومن خلفي)) استوعب الجهات الست بحذافيرها؛ لأن ما يلحق الإنسان
2398 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح: اللهم أصبحنا نشهدك، ونشهد حملة عرشك وملائكتك، وجميع خلقك، أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك، إلا غفر الله له ما أصابه من يومه ذلك من ذنب. وإن قالها حين يمسي غفر الله له ما أصابه في تلك الليلة من ذنب)) رواه الترمذي، وأبو داود، وقال الترمذي: هذا حديث غريب. [2398]
2399 -
وعن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد مسلم يقول إذا أمسى وإذا أصبح ثلاثا: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا؛ إلا كان حقا علي الله أن يرضيه يوم القيامة)) رواه أحمد، والترمذي. [2399]
..
من نكبة وفتنة، فإنه يحيق به، ويصل إليه من إحدى هذه الجهات، والفرق بين استعمال ((من)) مع قوله:((من بين يدي ومن خلفي)) وحروف المجاورة مع ((عن يميني وعن شمالي)) قد مضى. وأما تخصيص جهة السفل بقوله: ((وأعوذ بعظمتك أن اغتال)) فليدمج قوله تعالي:} ولو شيءنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلي الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب)) وما أحسن موقع قوله: ((بعظمتك)) في هذا المقام! فليتدبر. قوله: ((أن أغتال)) ((غب)):الغول إهلاك الشيء من حيث لا يحس به، يقال: غال يغوله غولا، واغتاله اغتيالا، ومنه سمي السعلاة غولا.
الحديث العاشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((نشهدك)) أداء الشهادة يوم أشهدهم بها علي أنفسهم، وتجديد لها في كل صباح ومساء، وعرض من أنفسهم أنهم ليسوا عنها غافلين، والاستثناء في قوله:((إلا غفر الله له)) مفرغ، وقد سبق أن المستثنى منه جواب الشرط المحذوف.
الحديث الحادي عشر عن ثوبان: قوله: ((ما من عبد مسلم)) التنكير فيه للتعظيم، أي كامل في إسلامه، راض بقضاء ربه، وبنبوة حبيبه، وبدين الإسلام، وأظهر هذا الاعتقاد من نفسه قولا وفعلا، كان حقا علي الله أن يرضيه. ولعلو شأن هذه المرتبة التي هي الرضي من الجانبين، خص الله عز وجل كرام الصحابة بها حيث قال عز من قائل:} رضي الله عنهم وضوا عنه {.والحق بمعنى الواجب، إما بحسب الوعد أو الإخبار، وهو خبر ((كان)) واسمه ((أن يرضيه))، وهذه الجملة خبر ((ما))،والاستثناء مفرغ.
2400 -
وعن حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام، وضع يده تحت رأسه ثم قال:((اللهم قني عذابك يوم تجمع عبادك- أو تبعث عبادك)) رواه الترمذي. [2400]
2401 -
ورواه أحمد عن البراء. [2401]
2402 -
وعن حفصة (رضي الله عنها) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول:((اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك)).ثلاث مرات. رواه أبو داود. [2402]
2403 -
وعن علي (رضي الله عنه)،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند مضجعه:((اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم، وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم، اللهم لا يهزم جندك، ولا يخلف وعدك، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحانك وبحمدك)) رواه أبو داود. [2403]
ــ
الحديث الثاني عشر إلي الرابع عشر عن علي رضي الله عنه: قوله: ((بوجهك الكريم)) ((قض)):وجه الله مجاز عن ذاته عز وجل، تقول العرب: أكرم الله وجهك، بمعنى أكرمك، وقال تعالي:} كل شيء هالك إلا وجه {أي ذاته. والكريم يطلق علي الشريف النافع الذي يدوم نفعه، ويسهل تناوله. و ((الكلمات التامات)) مر تفسيرها، والاستعاذة بها بعد الاستعاذ بذاته تعالي إشارة إلي أنها لا توجد نابضة حركة ولا قابضة سكون من خير أو شر إلا بأمره التابع لمشيئته، قال تعالي:} إنما أمرنا لشيء إذا أردنا أن نقول له كن فيكون {. ((ما أنت آخذ بناصيته)) أي ما هو في ملكك، وتحت سلطانك، وأنت متمكن من التصرف فيه ما تشاء، والأخذ بالناصية كناية عن الاستيلاء، والتمكن من التصرف في الشيء. وإنما عدل إلي هذه العبارة، ولم يقل: من شر كل شيء، إشعارا بأنه المسبب لكل ما يضر وينفع، والمرسل له لا أحد يقدر علي منعه، ولا شيء ينفع في دفعه، وإليه أشار بقوله:((لا يهزم جندك))،فإذن لا مفر منه إلا إليه. أقول: وكنى بالأخذ بالناصية عن فظاعة شأن ما تعوذ من شره.
قوله: ((المغرم والمأثم)) ((نه)):المغرم مصدر وضع موضع الاسم، ويريد به مغرم الذنوب والمعاصي، وقيل: المغرم كالغرم، وهو الدين، ويريد به ما استدين فيما يكرهه الله تعالي، أو
2404 -
وعن أبي سعيد، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من قال حين يأوي إلي فراشه: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه ثلاث مرات؛ غفر الله له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر، أو عدد رمل عالج، أو عدد أوراق الشجر، أو عدد أيام الدنيا)) رواه الترمذي وقال: حديث غريب. [2404]
2405 -
وعن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يأخذ مضجعه بقراءة سورة من كتاب الله؛ إلا وكل الله به ملكا فلا يقربه شيء يؤذيه، حتى يهب متى هب)) رواه الترمذي. [2405]
ــ
فيما يجوز، ثم عجز عن أدائه، فأما دين احتاج إليه وهو قادر علي أدائه فلا يستعاذ منه. و ((المأثم)) الأمر الذي يأثم به الإنسان، أو هو الإثم نفسه وضعا للمصدر موضع الاسم.
قوله: ((ذا الجد)) ((تو)):قد فسر الجد بالغنى، وهو أكثر الأقاويل، وهو في المعنى بمعنى قوله سبحانه:} وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفي {.وقيل: المراد منه الحظ والبخت، وروى أن جمعا من المسلمين تذاكروا فيما بينهم الجدود، فقال بعضهم: جدي في النخل، وقال آخر: جدي في الإبل، وقال آخر: جدي في كذا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بدعائه هذا. فإن صح فهو الوجه لا معدل عنه. ورواه بعضهم بكسر الجيم، ورد عليهم أبو عبيد فقال: الجد الانكماش، والله تعالي دعا الناس إلي طاعته، ومدحهم بالإسراع فيها، فكيف يدعوهم إليه، ثم يقول:((لا ينفعهم))؟ وقال ابن الأنباري: ما أظن القوم ذهبوا إلي الذي قاله أبو عبيد، بل ذهبوا إلي أن صاحب الجد إلي حيازة الدنيا الحريص عليها، لا ينفعه ذلك، وإنما ينفعه عمل الآخرة.
الحديث الخامس عشر عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((عالج)) ((نه)).وهو ما تراكم من الرمل. ودخل بعضه في بعض، والعوالج جمعه وفي حديث الدعاء وما تحتويه عوالج الرمال)) أقول: فعلي هذا لا يضاف الرمل إلي عالج؛ لأنه وصف له. وذهب المظهر إلي أن ((عالج)) موضع، فأضاف.
الحديث السادس عشر عن شداد قوله: ((بقراءة سورة)) حال، أي مفتتحا بقراءة سورة. قوله:((هب)) ((نه)):هب النائم هبا هبوبا استيقظ.
2406 -
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما)،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، ألا وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا، ويكبره عشرا)).قال: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده. قال: ((فتلك خمسون ومائة في اللسان، وألف وخمسمائة في الميزان. وإذا أخذ مضجعه يسبحه، ويكبره، ويحمده مائة، فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان، فأيكم يعمل في الليلة ألفين وخمسمائة سيئة؟)). قالوا: وكيف لا نحصيها؟ قال: ((يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته فيقول: اذكر كذا اذكر كذا، حتى ينفتل فلعله لا يفعل، ويأتيه في مضجعه فلا يزال ينومه حتى ينام)) رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي. [2406]
ــ
الحديث السابع عشر عن عبد الله: قوله: ((خلتان)) ((قض)):الخلة الخصلة، ((لا يحصيهما)) لا يأتي بهما، ولا يحافظ عليهما، لما كان المأتي به من جنس المعدودات، عبر عن الإتيان بها بالإحصاء. و ((ألا)) حرف تنبيه، وهي بالجملة المصدرة بها اعتراض أكد بها التحضيض والتحريض عليهما. وقوله:((يسبح الله- إلي قوله- ويكبره عشرا)) بيان إحدى الخلتين، وقوله:((فتلك خمسون ومائة)) فذلكة الكلمات المذكورة في دبر الصلوات، وجملة تعدادها في اليوم والليلة، والمحصيات خلف كل صلاة ثلاثون، وعدد الصلوات المفروضة في اليوم والليلة خمس. قوله:((وألف وخمسمائة من الميزان)) لأن الحسنة بعشر أمثالها. وقوله: ((وإذا أخذ مضجعه)) إلي آخره بيان للخلة الأخرى.
قوله: ((فأياكم)) ((مظ)):يعني إذا أتى بهؤلاء الكلمات خلف الصلوات، وعند الاضطجاع يحصل له ألف حسنة وخمسمائة حسنة، فيعفي عنه بعدد كل حسنة وسيئة، فأيكم يأتي في كل يوم وليلة ألفين وخمسمائة سيئة؟ يعني يصير غفورا. أقول: ويمكن أن يقال: إن ((الفاء)) في ((فأيكم)) جواب شرط محذوف، وفي الاستفهام نوع إنكار، يعني إذا تقرر ما ذكرت، فأيكم يأتي بألفين وخمسمائة سيئة، حتى تكون مكفرة بها، فما لكم لا تأتوت بها، وأي مانع يمنعكم؟ فينطبق علي هذا إنكار قولهم:((كيف لا نحصيها))،إذ لا يصرفنا عن ذلك شيء؟ فأجيبوا بقوله:((يأتي أحدكم الشيطان)) يعني يوقع الشيطان في قلوبكم الوساوس والنسيان، حتى ينصرف عن الصلاة، وينام وقد نسي الذكر. و ((الفاء)) في ((فعلعل)) جزاء شرط محذوف، أي إذا كان الشيطان يفعل ذلك، فعسى الرجل أن لايحصيها. وهذا الكلام رد لإنكارهم المستفاد من الاستفهام، وجزمهم علي وجوب الإحصاء، والدليل علي أن ((لعل)) بمعنى ((عسى)) إدخال ((أن)) في خبره.
وفي رواية أبي داود قال: ((خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم)).وكذا في روايته بعد قوله: ((وألف وخمسائة في الميزان)) قال: ((ويكبر أربعا وثلاثين إذا أخذ مضجعه ((ويحمد ثلاثا وثلاثين، ويسبح ثلاثا وثلاثين)).
وفي أكثر نسخ ((المصابيح)) عن: عبد الله بن عمر.
2407 -
وعن عبد الله بن غنام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته)).رواه أبو داود [2407]
2408 -
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كان يقول إذا أوى إلي فراشه: ((اللهم رب السموات، والأرض، ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل
ــ
الحديث الثامن عشر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: قوله: ((فمنك)) الفاء جواب الشرط كما في قوله تعالي:} وما بكم من نعمة فمن الله {.ومن شرط الجزاء أن يكون مسببا عن الشرط، ولا يستقيم هذا في الآية إلا بتقدير الإخبار، والتنبيه علي الخطأ، وهو أنهم كانوا لا يقومون بشكر نعم الله تعالي بل يكفرونها بالمعاصي، فقيل لهم: إني أخبركم إنما التبس بكم من نعم الله، وأنتم لا تشكرونها سبب لأن أخبركم بأنها من الله، حتى تقوموا بشكرها، والحديث بعكسها، أي إني أقر وأعترف بأن كل النعم الحاصلة من ابتداء خلق العالم إلي انتهاء دخول الجنة، فمنك وحدك، فأوزعني أن أقوم بشكرها، ولا أشكر غيرك. وقوله:((وحدك)) حال من المتصل في قوله: ((فمنك)) أي فحاصل منك منفردا، وقوله:((فلك الحمد)) تقرير للمطلوب، ولذلك قدم الخبر علي المبتدأ ليفيد الحصر، يعني إذا كانت النعمة مختصة بك، فها أنا أتقدم إليك، وأخص الحمد والشكر بك قائلا: لك الحمد لا لغيرك، ولك الشكر لا لأحد سواك.
الحديث التاسع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((اللهم رب السموات والأرض)) الحديث. فإن قلت: ما وجه النظم بين هذه القرائن؟ قلت: وجهه أنه صلى الله عليه وسلم لما ذكر أنه تعالي: ((رب السموات والأرض)) أي مالكهما ومدبر أمرهما، عقبه بقوله:((فالق الحب والنوى)) ليضم معنى الخالقية مع المالكية؛ لأن قوله تعالي:} يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي {بيان لـ ((فالق الحب والنوى))،ومعناه يخرج الحيوان والنامي من النطفة، والحب
التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر ذي شر، أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر)) رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، ورواه مسلم مع اختلاف يسير. [2408]
2409 -
وعن أبي الأزهر الأنماري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال: ((بسم الله، وضعت جنبي لله، اللهم اغفر لي ذنبي، واخسأ شيطإني، وفك رهإني، واجعلني في الندى الأعلي)) رواه أبو داود. [2409]
ــ
والنوى، ويخرج الميت من الحي، أي يخرج هذه الأشياء من الحيوان والنامي، ثم عقب ذلك كله بقوله:((منزل التوراة))؛ ليؤذن بأن لم يكن إخراج الأشياء من كتم العدم إلي فضاء الوجود، إلا بتعلم وتعبد، ولا يحصل ذلك إلا بكتاب ينزله، ورسول يبعثه، كأنه قيل: يا مالك، يا مدبر، يا خالق، يا هادي.
قوله: ((فليس قبلك شيء)) تقرير للمعنى السابق، وذلك أن قوله:((أنت الأول)) مفيد للحصر لتعريف الخبر باللام، فكأنه قيل: أنت مختص بالأولية، فليس قبلك شيء، وعلي هذا قوله:((فليس فوقك شيء)).وقوله: ((فليس دونك شيء)) بمعنى الإحاطة بالكائنات، فينبغي أن يحمل الظاهر والباطن علي معنى تقرر الإحاطة. نعم! الظاهر والباطن لهما معان لا تنحصر لكن باقتضاء المقام. ((مح)):قال الباقلإني: تمسكت المعتزلة بقوله: ((ليس بعدك شيء)) علي أن الأجسام تفنى بعد الموت، وتذهب بالكلية، ومذهب أهل السنة بخلافه، والمراد أن الفإني هو الصفات، والأجزاء المتلاشية باقية، ولهذا يقال: آخر من بقي من بني فلان، يراد حياته، ولا يراد فناء أحيائهم وموتاهم.
الحديث العشرون عن أبي الأزهر: قوله: ((واخسأ)) وهو زجر الكلب. ((نه)):يقال: خسأته فخسئ، وخسأ وانخسأ، والخاسئ المبعد. ((تو)):معنى قوله: ((واخسأ شيطإني)) اجعله مطرودا عني كالكلب المهين، وأضافه إلي نفسه؛ لأنه أراد قرينه من الجن، أو الذي يبغي غوايته. وفك الرهن تخليص ما يوضع وثيقة للدين، وأراد بالرهان ها هنا نفس الإنسان؛ لأنها مرهونة بعملها، قال الله تعالي:} كل نفس بما كسبت رهينة {.و ((الندى)) أصله المجلس؛ لأن القوم يجتمون فيه، فإذا تفرقوا لم يكن نديا، ويقال أيضا للقوم، تقول: ندوت القوم أندوهم، أي
2410 -
وعن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال: ((الحمد لله الذي كفإني، وآوإني، وأطعمني، وسقإني، والذي من علي فأفضل، والذي أعطإني فأجزل، الحمد لله علي كل حال، اللهم رب كل شيء ومليكه، وإله كل شيء، أعوذ بك من النار)) رواه أبو داود. [2410]
2411 -
وعن بريدة، قال: شكا خالد بن الوليد إلي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((يا رسول الله! ما أنام الليل من الأرق فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أويت إلي فراشك فقل: اللهم رب السماوات السبع وما أظلت، ورب الأرضين وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت، كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا، أن يفرط علي أحد منهم، أو أن يبغي، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك، لا إله إلا أنت)).
ــ
جمعتهم، والمعنى اجعلني من القوم المجتمعين، ويريد بـ ((الأعلي)) الملأ الأعلي وهم الملائكة، ومن أهل الندي إذا أريد به المجلس، ويقال: لا يكون الندي إلا الجماعة من أهل الندي والكرم، ويروى ((في النداء الأعلي)) وهو الأكثر، والنداء مصدر ناديته، ومعناه أن ينادي به للتنويه، والرفع به، ويحتمل أن يراد به نداء أهل الجنة- وهم الأعلون رتبة ومكانا- أهل النار، كم في القرآن:} ونادلا أصحاب الجنة أصحاب النار {.
أقول: قوله: ((اللهم اغفر لي)) دعاء بمنزلة الحكم الذي رتب علي الوصف المناسب، فإنه لما جعل النوم والاستراحه لله تعالي، ليتسعين بها علي طاعته ويجتنب معاصيه، طلب أن يعينه تعالي علي طلبته من فك الرهان، وخذلان من يحجره عنه من الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، ثم طلب ما هو المنحة الأسنى، والمقامة الزلفي، والندي الأعلي، فأعجب بقوم هذا نومهم، فكيق يقظتهم؟
الحديث الحاي والعشرون عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((من علي فأفضل)) أي أنعم فزاد، ((الفاء)) فيه لترتبها في التفاوت من بعض الوجوه، كقولك: خذ الأفضل فالأكمل، واعمل الأحسن فالأجمل، فالإعطاء حسن، وكونه جزيلا أحسن، وهكذا المنون. وقدم الامتنان علي الإعطاء؛ لأنه غير مسبوق بعمل للعبد، كالإعطاء فإنه قد يكون بإزاء عمل من العبد.
الحديث الثاني والعشرون عن بريدة: قوله: ((من الأرق)) ((نه)):الأرق هو السهر، ورجل أرق، إذا سهر لعلة، فإن كان السهر من عادته، قيل: أرق- بضم الهمزة والراء-،فـ ((من)) ابتدائية للتعليل، أي لأجل هذه العلة، و ((ما أقلت)) أي ما رفعته الأرضون من المخلوقات،
رواه الترمذي وقال: هذا حديث ليس إسناده بالقوي، والحكم بن ظهير الراوي قد ترك حديثه بعض أهل الحديث. [2411]
الفصل الثالث
2412 -
وعن أبي مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبح أحدكم فليقل: أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين، اللهم إني أسألك خير هذا اليوم: فتحه، ونصره، ونوره، وبركته، وهداه. وأعوذ بك من شر ما فيه، ومن شر ما بعده. ثم أمسى فليقل مثل ذلك. رواه أبو داود. [2412]
2413 -
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: قلت لأبي: يا أبت! أسمعك تقول كل غداة: ((اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت)) تكررها ثلاث حين تصبح، وثلاثا حين تمسي. فقال: يا بني! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهن، فأنا أحب أن أستن بسنته. رواه أبو داود. [2413]
و ((العزة)) في الأصل القوة والشدة والغلبة، يقول: عز يعز- بالكسر- إذا صار عزيزا، وعز يعز- بالفتح- إذا اشتد. قوله:((جارك)) الجار هو المستجير، كقول الشاعر:
هم المانعون كالجار حتى كأنما
…
لجارهم فوق السماكين منزل
والجار الأول بمعنى المجير. ((غب)):يقال: استجرت فلان، فأجارني، قال تعالي:} إني جار لكم {} وهو يجير ولا يجار عليه {. أقول: فقوله ((عز جارك)) كالتعليل لقوله: ((كن لي جارا)) فإذا حمل علي الغلبة يكون معناه: اجعلني غالبا علي من يريد شرى من خلقك حتى أدفعهم عني، وإذا حمل علي الشدة يكون معناه اجعل لي شدة لا أكون بها مغلوبا لهم.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن أبي مالك: قوله: ((فتحه ونصره)) وما بعده بيان لقوله: ((خير هذا اليوم)) والفتح الظفر بالبلد قهرا أو صلحا؛ لأنه متعلق ما لم يظفر به، والنصرة الإعانة والإظهار علي العدو. وهذا أصل لمعناهما، ويمكن التعميم فيهما.
الحديث الثاني عن عبد الرحمن رضي الله عنه: قوله: ((اللهم عافني في سمعي)) خصهما بالذكر بعد ذكر البدن؛ لأن العين تجلو آيات الله المثبتة في الآفاق، والسمع هي الآيات المنزلة، فهما جامعان لدرك الآيات العقلية والنقلية، وإليه ينظر قوله صلى الله عليه وسلم:((اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا)).