المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(7) باب الدعوات في الأوقات - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٦

[الطيبي]

الفصل: ‌(7) باب الدعوات في الأوقات

2414 -

وعن عبد الله بن أبي الأوفي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح يقول: ((أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله، والكبرياء والعظمة لله، والخلق والأمر والليل والنهار وما سكن فيهما لله، اللهم اجعل أول هذا النهار صلاحا، وأوسطه نجاحا، وآخره فلاحا، يا أرحم الراحمين)).ذكره النووي في كتاب ((الأذكار)) برواية ابن السني. [2414]

2415 -

وعن عبد الرحمن بن أبزي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أصبح: ((أصبحنا علي فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وعلي دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلي ملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)).رواه أحمد، والدرامي. [2415]

(7) باب الدعوات في الأوقات

الفصل الأول

2416 -

وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن أحدكم إذا أراد أن

ــ

الحديث الثالث عن عبد الله رضي الله عنه: قوله: ((أول هذا النهار صلاحا)) أي صلاحا في ديننا، بأن يصدر منا ما ننخرط به في زمرة الصالحين من عبادك، ثم إذا اشتغلنا بقضاء ربنا في دنيانا لما هو صلاح في ديننا، فأنجحها، واجعل خاتمة أمرنا بالفوز بمباغينا ونيل مطالبنا، مما هو سبب لدخول الجنة، فتتدرج في سلك من قيل فيهم:} أولئك علي هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون {.

الحديث الرابع عن عبد الرحمن رضي الله عنه: قوله: ((وما كان من المشركين)) من الأحوال المتداخلة، أتى بها تقريرا وصيانة للمعنى المراد، وتحقيقا عما يتوهم من أن يجوز أن يكون حالا منتقلة، فرد ذلك التوهم بأنه لم يزل موحدا، ومثبتة؛ لأنها حال مؤكدة.

باب الدعوات في الأوقات

الوقت الزمان المفروض للعمل، ولهذا لا يكاد يقلل إلا مقدرا، نحو قولهم: وقت كذا، جعلت وقتا، له قال الله تعالي:} إن الصلوة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا {.

الفصل الأول

الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((لو أن أحدكم)) ((لو)) هذه يجوز أن

ص: 1890

يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا)) متفق عليه.

2417 -

وعنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:((لا إله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم)) متفق عليه.

2418 -

وعن سليمان بن صرد، قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس أحدهما يسب صاحبه مغضبا، قد احمر وجهه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)).فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني لست بمجنون. متفق عليه. [2418]

تكون شرطيا، وجوابها محذوفا، وأن تكون للتمني. قوله:((إذا أراد)) يجوز أن يكون ((إذا)) ظرفا، و ((قال)) خبر ((أن)) أي قال ذلك حين أراد، وأن تكون شرطية، وجزاؤها ((قال))، والجملة خبر ((أن)). وقوله:((في ذلك)) أي في ذلك الوقت، وإنما نكر ((شيطان)) آخرا بعد تعريفه أولا؛ لأنه أراد في الأول الجنس، وفي الآخر أفراده علي سبيل الاستغراق والعموم.

الحديث الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((يقول عند الكرب)) ((مح)):فإن قيل: هذا ما ذكر، وليس فيه دعاء يزيل الكرب. فجوابه من وجهين: أحدهما أن هذا الذكر يستفتح به الدعاء، ثم يدعو بما شاء، والثاني هو كما ورد ((من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل مما أعطي السائلين)).

الحديث الثالث عن سليمان: قوله: ((لو قال: أعوذ بالله)) ((لو قال)) ليس في نسخ المصابيح، ووجدناه في البخاري وشرح السنة هكذا، فيكون جوابه محذوفا، وهو مع جوابه بدل من قوله:((قالها)) مع جوابه، وعليه رواية الجمع بين الصحيحين، وهي ((لو قالها، لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهب عنه ما يجد))

قوله: ((إني لست بمجنون)) وفي رواية أخرى ((فانطلق إليه رجل، فقال له: تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال: أترى بي بأس؟ أمجنون أنا؟ أذهب)) وفي رواية أبي داود ذلك الرجل

ص: 1891

2419 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله؛ فإنها رأت ملكا. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم؛ فإنها رأت شيطانا)).متفق عليه.

2420 -

وعن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا استوى علي بعيره خارجا إلي السفر كبر ثلاثا، ثم قال:((((سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلي ربنا لمنقلبون))،اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضي،

ــ

هو معاذ. هذا أيضا نشأ من غضب، وقلة احتمال منه، وسوء أدب. والحديث من قوله تعالي:} وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله {وذلك في حق من يتق الله، ولا يسيء الأدب، لقوله تعالي:} إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون {أي تذكروا ما أمر الله به ونهي عنه، فأبصروا السداد، ودفعوا ما وسوس به إليهم.

((مح)):قول الرجل هذا، قول من لم يتفقه في دين الله تعالي، ولم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة، وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالجنون، ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان، ولهذا يخرج به الإنسان عن اعتدال حاله، ويتكلم بالباطل، ويفعل المذموم، ومن ثمة قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي قال: أوصني، قال:((لا تغضب))،فردد مرارا، قال:((لا تغضب))،ولم يزد عليه في الوصية علي ((لا تغضب))، وفيه دليل علي عظم مفسدة الغضب، وما ينشأ منه، ويحتمل أن يكون القائل من المنافقين، أو جفاة العرب.

الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إذا سمعتم)) الحديث، لعل المعنى أن الديك أقرب الحيوانات صوتا إلي الذاكرين الله؛ لأنها تحفظ غالبا أوقات الصلوات، وأنكر الأصوات صوت الحمير، فهو أقربها صوتا إلي من هو أبعد من رحمة الله تعالي.

الحديث الخامس عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((استوى علي بعيره)) أي استقر علي ظهره. قوله: ((مقرنين)) ((قض)):مقرنين مطيقين مقتدرين، من أقرن له أطاقه وقوى عليه، وهو اعتراف بعجزه، وأن تمكنه من الركوب عليه بإقدار الله تعالي وتسخيره إياه. و ((منقلبون)) راجعون إليه. وفيه تنبيه علي أن السفر الأعظم الذي بصدده، وهو الرجوع إلي الله تعالي، فهو أهم بأن يهتم به، ويشتغل بالاستعداد له قبل نزوله. قوله:((واطو لنا بعده)) عبارة عن تيسير السير بمنح القوة له ولمركوبه، وأن لا يرى ما يزعجه ويوقعه في التعب والمشقة.

ص: 1892

اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو لنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل ((والمال))،اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل)) ،إذا رجع قالهن وزاد فيهن:((آيبون، تائبون، عائدون، لربنا حامدون)) متفق عليه.

2421 -

وعن عبد الرحمن بن سرجس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال. رواه مسلم.

ــ

قوله: ((أنت الصاحب)) ((تو)):الصاحب هو الملازم، وأراد ذلك مصاحبة الله إياه بالعناية والحفظ، والاستئناس بذكره، والدفاع لما ينوبه من النوائب. و ((الخليفة)) هو الذي ينوب عن المستخلف، يعني أنت الذي أرجوه وأعتمد عليه في سفري وفي غيبتي عن أهلي، بأن يكون معيني وحافظي، وأن يلم شعثهم ويداوي سقمهم، ويحفظ عليهم دينهم وأمانتهم. قوله:((وعثاء السفر)) ((نه)):أي شدته ومشقته. ((فا)):يقال: رمل وعث، ورملة وعثاء، لما يشتد فيه السير للينه، ثم قيل: للشدة والمشقة: وعثاء علي التمثيل.

قوله: ((وكآبة المنظر)) ((نه)):الكآبة تغير النفس بالانكسار من شدة الوهم والحزن، وقيل المراد منه الاستعاذة من كل منظر تعقبه الكآبة عند النظر إليه. قوله:((وسوء المنقلب)) ((فا)):أي ينقلب إلي وطنه فيلقى ما يكئب منه من أمر أصابه في سفره، أو ما تقدم عليه، مثل أن يعود غير مقضي الحاجة، أو أصابت ماله آفة، أو يقدم علي أهله فيجدهم مرضي، أو قد فقد بعضهم.

قوله: ((لربنا حامدون)) ((لربنا)) يجوز أن يعلق بقوله: ((عابدون))؛لأن عمل اسم الفاعل ضعيف فيقوى به، أو بـ ((حامدون))؛ليفيد التخصيص، أي بحمد ربنا لا بحمد غيره، وهذا أولي؛ لأنه كالخاتمة للدعاء، ومثله في التعليق قوله تعالي:} لاريب فيه هدى {يجوز أن يقف علي ((لاريب)) فيكون ((فيه هدى)) مبتدأ وخبر، فيقدر خبر ((لاريب)) مثله، ويجوز أن يعلق بـ ((لاريب)) ويقدر مبتدأ لـ ((هدى)).

الحديث السادس عن عبد الله رضي الله عنه: قوله: ((الحور بعد الكور)) ((نه)):أي من النقصان بعد الزيادة، وقيل: من فساد أمورنا بعد صلاحها، وقيل: من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا منهم، وأصله من نقض العمامة بعد لفها. ((فا)):((من الحور بعد الكون)) بالنون، وقال فيه:

ص: 1893

2422 -

وعن خولة بنت حكيم، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك)).رواه مسلم.

2423 -

وعن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة. قال: ((أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر من خلق، لم تضرك)).رواه مسلم.

2424 -

وعنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول:((سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا، وأفضل علينا عائذا بالله من النار)).رواه مسلم.

ــ

الحور الرجوع، والكون الحصول علي حالة جميلة، يريد التراجع بعد الإقبال، وهو في غير هذا لحديث بالراء من كور العمامة بعد لفها.

((تو)):وقيل: نعوذ بالله من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا في جماعة. وفيه نظر؛ لأن استعمال ((الكور)) في جماعة الإبل خاصة، وربما استعمل في البقر، والجواب:((أن باب الاستعارة غير مسدود، فإن العطن مختص بالإبل))،فيكنون عن ضيق الخلق بضيق العطن، علي أنهم يستعملون ألفاظا غير مقيدة بقيد فيما لا قيد له، كالمرسن لأنف الإنسان، والمشفر للشفة. فإن قلت: دعوة المظلوم محترز عنها سواء كانت في السفر أو الحضر، قلت: كذلك الحور بعد الكور، لكن السفر مظنة البلايا والمصائب، والمشقة فيه أكثر، فخصت به.

الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((التامات)) ((مح)):قيل: معناها الكاملات التي لا يدخلها نقص ولا عيب، وقيل: النافعة الشافية، وقيل: القرآن. ((مظ)):الكلمات التامات أسماؤه وصفاته؛ لأن كل واحدة منهما تامة لا نقص فيها؛ لأنها قديمة، والنقصان إنما يكون في المحدثات، وقيل: إنما يتعوذ بالقديم لا بالمحدث.

الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ما لقيت)) ((ما)) يحتمل أن تكون استفهامية، ومعناه أي شيء لقيت، أي لقيت وجعا شديدا، ويجوز أن تكون للتعجب، أي أمرا عظيما، وأن تكون موصولة، والخبر محذوف، أي الذي لقيت لم أصفه لشدته.

الحديث التاسع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((وأسحر)) ((تو)):أي دخل في وقت السحر، وقيل: إذا سار إلي وقت السحر، وعلي الأول معنى الحديث؛ لأنه أعم، ثم إنه كان

ص: 1894

يقصد بذلك الشكر علي انقضاء ليلته بالسلامة ويراقب فضيلة الوقت، فإنه من ساعات الذكر. ((قض)):كان الأولي عرفا مواظبته علي هذا القول في أسحار أسفاره.

قوله: ((سمع)) ((مح)):روي بوجهين- فتح الميم وتشديدها، وكسرها مع تخفيفها- واختار القاضي عياض هنا وفي المشارق، وصاحب المطالع التشديد، وأشار إلي أن رواية أكثر رواة مسلم، ومعناه بلغ سامع قولي هذا لغيره، وقال مثله تنبيها علي الذكر والدعاء في هذا الوقت، وضبطه الخطابي وآخرون بالكسر والتخفيف.

قال الخطابي: ومعناه شهد شاهد، وهو أمر بلفظ الخبر، وحقيقته ليسمع السامع، وليشهد الشاهد علي حمدنا لله تعالي علي نعمه، وحسن بلائه. ((تو)):البلاء النقمة أو الاختبار بالخير؛ ليتبين الشكر، وبالشر؛ ليظهر الصبر. أقول: إذا روى ((سمع)) بالتشديد فالواو في ((وحسن بلائه)) للعطف، وإذا روى بالتخفيف، يكون بمعنى مع؛ لأن حسن البلاء غير مسمع، بل هو مبلغ، وكلاهما قريب من خطاب العام، كقوله صلى الله عليه وسلم:((بشر المشائين)).يعني بلغ الأمر من فخامته وعظمة شأنه بحيث لا يختص سامع دون سامع أن يكون مأمورا بتبليغ هذا البشارة إلي صاحبه، وبتبليغ هاتين الخلتين، وهما حمدنا لله تعالي، وحسن بلائه علينا. وذلك أنه تعالي أنعم علينا فشكرناه، وابتلانا بالمحن فصبرناه؛ لأن كما ل الإيمان في الإنسان أن يكون صبارا شكورا، كما قال تعالي:} إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور {فيتوجه الثناء والشكر إلي الله تعالي علي حصول كمال الإيمان فيه. فظهر من هذا التقدير أن معنى الأمر أبلغ وأفخم من معنى الخبر؛ لأنه بشارة، والمطلوب بها التبليغ.

قوله: ((ربنا صاحبنا)) ((قض)):أي أعنا وحافظنا، وأفضل علينا بإدامة تلك النعمة ومزيدها، والتوفيق للقيام بحقوقها. قوله:((عائذا)) ((قض)):هو نصب علي المصدر أي أعوذ عياذا، أقيم اسم فاعل مقام المصدر، كما في قولهم: قم قائما، وقول الشاعر:

ولا خارجا من في زور كلام

أو علي الحال من الضمير المرفوع في ((يقول)) أو ((أسحر)) ويكون من كلام الراوي.

أقول: يريد أن ((عائذا)) إذا كان مصدرا كان من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا كان حالا كان من كلام الراوي. وجوز الشيخ محيي الدين أن يكون حالا، ويكون من كلام الرسول، حيث قال:

ص: 1895

2425 -

وعن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة، يكبر علي كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول:((لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو علي كل شيء قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)) متفق عليه.

2426 -

وعن عبد الله بن أبي الأوفي، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب علي المشركين، فقال:((اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم)).متفق عليه.

ــ

إني أقول هذا في حال استعاذتي، واستجارتي من النار. أقول: والأرجح هذا؛ لئلا ينخرم النظم، وأنه صلى الله عليه وسلم لما حمد الله تعالي علي تلك النعمة الخطيرة، وأمر بإسماعها إلي كل من يتأتي منه السماع لفخامته، وطلب الثبات والمزيد عليه، قال هضما لنفسه وتواضعا لله تعالي، وليضم الخوف مع الرجاء تعليما للأمة.

الحديث العاشر عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((علي كل شرف)) ((تو)):أي علي المكان العالي، ووجه التكبيرات علي الأماكن العالية، وهو استحباب الذكر عند تجديد الأحوال، والتقلب في التارات، وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الزمان والمكان؛ لأن ذكر الله تعالي ينبغي أن لا ينسى في كل الأحوال.

قوله: ((الأحزاب)) ((نه)):وهي الطوائف من الناس جمع حزب بالكسر، ومنه الحديث ذكر يوم الأحزاب، وهو غزوة الخندق، وحديث الأحزاب مشهور في التفاسير والمغازي. قوله:((وحده)) أي كفي الله تعالي المؤمنين يوم الخندق قتال تلك الأحزاب المجتمعة من قبائل شتى، بأن أرسل عليهم ريحا وجنودا لم تروها، فهزمهم.

الحديث الحادي عشر عن عبد الله: قوله: ((منزل الكتاب)) لعل تخصيص هذا الوصف بهذا المقام تلويح إلي معنى الاستنصار في قوله تعالي:} ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون {و} الله متم نوره {وأمثال ذلك. قوله: ((وزلزلهم)) ((نه)):الزلزلة في الأصل الحركة العظيمة، والإزعاج الشديد، ومنه زلزلة الأرض، وهو ها هنا كناية عن التخويف والتحذير، أي اجعل أمرهم مضطربا متقلقلا غير ثابت.

ص: 1896

2427 -

وعن عبد الله بن بسر، قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي أبي، فقربنا إليه طعاما ورطبة، فأكل منها، ثم أتى بتمر، فكان يأكله ويلقى النوى بين أصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى. وفي رواية: فجعل يلقي النوى علي ظهر أصبعيه السبابة والوسطى، ثم أتى بشراب، فشربه، فقال أبي وأخذ بلجام دابته: ادع الله لنا. فقال: ((اللهم بارك لهم في رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم)).رواه مسلم.

الفصل الثاني

2428 -

عن طلحة بين عبيد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا رأي الهلال، قال:((اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله)).رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب. [2428]

الحديث الثاني عشر عن عبد الله بن بسر: قوله: ((علي أبي)) أي نزل ضيفا عنده.

قوله: ((ووطبة)) ((مح)):رواية الأكثرين بالواو وإسكان الطاء وبعدها باء موحدة، وهكذا روى النضر بن شميل هذا الحديث عن شعيب، والنضر إمام من أئمة اللغة، وفسره بأنها الحيس يجمع التمر البرني والإقط المدقوق والسمن، وكذا ضبطه أبو مسعود الدمشقي وأبو بكر بكر البرقإني وآخرون، وهو كذا عندنا في معظم النسخ، وفي بعضها براء مضمومة وفتح الطاء، وكذا ذكره الحميدي، وقال: هكذا جاء فيما رأيناه من نسخ مسلم قال: وه تصجيف من الراوي وإنما هو بالواو هكذا، وهذا الذي ادعاه علي نسخ مسلم هو فيما رواه هو، وإلا فأكثرها بالواو، وكذا نقله أبو مسعود والبرقإني والأكثرون علي نسخ مسلم، ونقل القاضي عياض عن رواية بعضهم من مسلم ((ووطئة)) بفتح الواو وكسر الطاء وبعدها همزة، وادعى أنه الصواب، وهكذا ادعاه آخرون و ((الوطئة)) بالهمزة عند أهل اللغة طعام يتخذ من التمر كالحيس، هذا ما ذكروه، ولا منافاة بين هذا كله، فتقبل ما صحت به الروايات، وهو صحيح في اللغة.

((تو)):قيل: الوطب سقاء اللبن خاصة، وهو تصحيف، والصواب وطئ، وهي طعام كالحيس، ويدل علي صحتها قوله:((فأكل منها)) والوطبة لا تؤكل، وإنما يشرب منها، ويدل عليه أيضا قوله:((فأتى بشراب فشرب منه)).أقول: ويمكن أن يقال: إن الوطبة كانت للبن فغلب الأكل علي الشرب، ويراد بالشراب الماء، ولكن التعويل علي النقل.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن طلحة رضي الله عنه: قوله: ((أهله)) روى بالفك والإدغام، ((قض)):الإهلال في الأصل رفع الصوت، نقل منه إلي رؤية الهلال؛ لأن الناس يرفعون أصواتهم إذا

ص: 1897

2429 -

وعن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من رجلي رأي مبتلي، فقال: الحمد لله الذي عافني مما ابتلاك به، وفضلني علي كثير ممن خلق تفضيلا، إلا لم يصبه ذلك بلاء كائنا ما كان)).رواه الترمذي. [2429]

2430 -

ورواه ابن ماجه عن ابن عمر.

وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وعمرو بن دينار الراوي ليس بالقوي. [2430]

رأوه بالإخبار عنه ولذلك سمي الهلال هلالا، ثم نقل منه إلي طلوعه، لأنه سبب لرؤيته، ومنه إلي اطلاعه، وفي الحديث بهذا المعنى، أي أطلعه علينا، وأرنا إياه مقترنا بالأمن والإيمان. قوله:((ربي وربك الله)) ((تو)):وهو تنزيه للخالق أن يشاركه في تدبير ما خلق شيء، وفيه رد للأقاويل الداحضة في الآثار العلوية بأوجز ما يمكن، وفيه تنبيه علي أن الدعاء مستحب، لاسيما عند ظهور الآيات، وتقلب أحوال النيرات، وعلي أن التوجه فيه إلي الرب لا إلي المربوب، والالتفات في ذلك إلي صنع الصانع لا إلي المصنوع.

أقول: لما قدم في الدعاء قوله: ((الأمن، والإيمان، والسلامة، والإسلام)) طلب في كل من الفرقتين دفع ما يؤذيه من المضار، وجلب ما يرفقه من المنافع، وعبربـ ((الإيمان والإسلام)) عنها دلالة علي أن نعمة الإيمان والإسلام شاملة للنعم كلها، ومحتوية علي المنافع بأسرها، فدل ذلك علي عظم شأن الهلال حيث جعله وسيلة لهذا المطلوب، فالتفت إليه قائلا:((ربي وربك الله)) مقتديا بأبيه إبراهيم حيث قال:} لا أحب الآفلين {بعد قوله:} هذا ربي هذا أكبر {واللطف فيه أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين طلب دفع المضار وجلب المنافع في ألفاظ يجمعها معنى الاشتقاق.

الحديث الثاني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قوله: ((مما ابتلاك ربه)) هذا الخطاب فيه إشعار بأن المبتلي لم يكن مريضا، أو ناقصا في خلقه، بل كان عاصيا متخلعا خليع العذار، ولذلك خاطبه بقوله:((مما ابتلاك))،ولو كان المراد به المريض لم يحسن الخطاب، وينصره تعقيبه:((وفضلني علي كثير ممن خلق تفضيلا)).قوله: ((كائنا ما كان)) هو حال من الفاعل، والعامل ((لم يصبه)) هذا هو الوجه، وذهب المظهر أنه حال من المفعول، وقال: إن في حال ثباته وبقائه ما كان، أي ما دام باقيا في الدنيا، قال المرزوقي: الحال قد يكون فيها معنى الشرط، كما أن الشرط فيه معنى الحال، فالأول لأفعلنه كائنا ما كان، أي إن كان هذا وإن كان هذا. والثاني كقول عمرو بن معد يكرب:

ص: 1898

2431 -

وعن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو علي كل شيء قدير؛ كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبنى له بيتا في الجنة)).رواه الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث غريب. وفي ((شرح السنة)): ((من قال في سوق جامع يباع فيه)) بدل ((من دخل السوق)). [2431]

ليس الجمال بمئزر

فاعلم وإن رديت بردا

أي ليس جمالك بمئزر يتردي معه ((بردا)). وهذا المعنى لا يستقيم علي تأويل المظهر؛ لأن المعنى لم يصبه البلاء إن كان البلاء هذا وإن كان هذا.

الحديث الثالث عن عمر رضي الله عنه: قوله: ((من دخل السوق)) الحديث، إنما خص السوق بالذكر؛ لأنه مكان الاشتغال عن الله وعن ذكره بالبيع والشراء، فمن ذكر الله تعالي فيه دخل في زمرة من قيل في حقه:} رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله {.

قال الشيخ العارف أو عبد الله الحكيم الترمذي: إن أهل السوق قد افترض العدو منهم حرصهم، وشحهم، فنصب كرسيه وركز رايته، وبث جنوده، ورغبهم في هذا الفإني، فصيرها عدة وسلاحا لفتنته بين مططف في كيل، وطايش في ميزان، ومنفق السلعة بالحلف الكذب، وحمل عليهم حمله، فهزمهم إلي المكاسب الردية، وإضاعة الصلاة، ومنع الحقوق؛ فما داموا في هذه الغفلة، فهم علي خطر من نزول العذاب، فالذاكر فيما بينهم يرد غضب الله، ويهزم جند الشيطان، ويتدارك بدفع ما حث عليهم بتلك الأفعال، قال الله تعالي:} ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض {فيدفع بالذاكرين عن أهل الغفلة. وفي تلك الكلمات نسخ لأفعال أهل السوق، فبقوله: ((لا إله إلا الله)) ينسخ وله قلوبهم، لأن القلوب منهم ولهت بالهوى، قال تعالي:} أفرأيت من اتخذ إله هواه {،وبقوله:((وحده لا شريك له)) ينسخ ما تعلقت .... الخ ((وبقوله: ((له الملك)) ينسخ ما)) يرون من تداول أيدي المالكين، وبقوله:((وله الحمد)) تنسخ ما ترون من صنع أيديهم وتصرفهم في الأمور، وبقوله:((يحيي ويميت)) ينسخ حركاتهم وما يدخرون في أسواقهم للتبايع، فإن تلك حركات بملك واقتدار، وبقوله:((وهو حي لا يموت)) ينفي عن الله تعالي ما ينسب إلي المخلوقين، ثم قال:((بيده الخير)) أي أن هذه الأشياء التي يطلبونها من الخير في يده، وهو علي كل شيء قدير.

ص: 1899

2432 -

وعن معاذ بن جبل، قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو يقول: ((اللهم إني أسألك تمام النعمة. فقال: ((أي شيء تمام النعمة))؟ قال: دعوة أرجو بها خيرا. فقال: ((إن من تمام النعمة دخول الجنة، والفوز من النار)).وسمع رجلا يقول: يا ذا الجلال والإكرام! فقال: ((قد استجيب لك فسل)).وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وهو يقول: اللهم إني أسألك الصبر. فقال: ((سألت الله البلاء، فسأله العافية)).رواه الترمذي. [2432]

2433 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت،

ــ

فمثل أهل الغفلة في السوق كمثل الهمج والذبان يجتمعون علي مزبلة يتطايرون فيها علي الأقذار، فعمد هذ الذاكر إلي مكنسة عظيمة ذات شعوب وقوة، فكنس هذه المزبلة ونظفها من الأقذار، ورمى بها وجه العدو وهزمهم، وطهر الأسواق منهم، قال تعالي:} وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده {أي بالوحدإنية} ولوا علي أدبارهم نفورا {فجدير لهذا الناطق بأن يكتب له الحسنات، ويمحى عنه السيئات، ويرفع له الدرجات. والله أعلم.

((مح)):روى الحاكم أبو عبد الله في المستدرك علي الصحيحين، وفيه من الزيادة قال الراوي: قدمت خرسان، فأتيت قتيبة بن مسلم، فقلت: أتيتك بهدية، فحدثته بالحديث، فكان قتيبة يركب في مركبه حتى يأتي السوق، فيقولها ثم ينصرف، ذكره في كتاب الأذكار.

الحديث الرابع عن معاذ رضي الله عنه: قوله: ((دعوة أرجو بها خيرا)) فإن قلت: كيف طابق جوابا عن قوله صلى الله عليه وسلم: ((أي شيء تمام النعمة))، وأيضا كيف طابق جوابه قوله صلى الله عليه وسلم:((إن من تمام النعمة دخول الجنة)) جواب الرجل؟ قلت: جواب الرجل من باب الكناية، أي أسأله دعوة مستجابة فيحصل مطلوبي منها، ولما صرح بقوله:((خيرا)) وكان غرض الرجل المال الكثير، كما في قوله تعالي:} إن ترك خيرا {فرده صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن من تمام النعمة دخول الجنة، والفوز من النار)) وأشار إلي قوله تعالي:} فمن زحزح عن النار، وأدخل الجنة فقد فار {.ويلمح إلي هذا المعنى قول الشاعر:

تمام الحج أن تقف المطايا

علي خرقاء واضعة اللثام

الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لغطه)) ((تو)):اللغط بالتحريك

ص: 1900

أستغفرك وأتوب إليك؛ إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك)) رواه الترمذي، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)). [2433]

2434 -

وعن علي: أنه أتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى علي ظهرها، قال: الحمد لله، ثم قال:{سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلي ربنا منقلبون} . ثم قال: الحمد لله ثلاثاً، والله أكبر ثلاثاً، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك. فقيل: من أي شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟! قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت، ثم ضحك فقلت: من أي شيء ضحكت يا رسول الله؟ قال: ((إن ربك ليعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي يقول: يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري)). رواه أحمد والترمذي وأبو داود. [2434]

2435 -

وعن ابن عمر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ودع رجلاً، أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو يدع يد النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول:((أستودع الله دينك وأمانتك وآخر عملك)). وفي رواية: ((وخواتيم عملك)). رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، وفي روايتهما لم يذكر:((وآخر عملك)). [2435]

ــ

الصوت، وأراد به الهراء من القول، وما لا طائل تحته من الكلام، فأحل ذلك محل الصوت العرى عن المعنى.

الحديث السادس عن علي رضي الله عنه: ((قوله: ((ليعجب من عبده)) قد سبق أن التعجب من الله تعالي عبارة عن استعظام الشيء، ومن ضحك من أمر إنما يضحك منه إذا استعظمه، فكأن أمير المؤمنين وافق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم وافق الرب تعالي فيه.

الحديث السابع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((أستودع الله)) هو طلب حفظ

الوديعة، وفيه نوع مشاكلة للتوديع، جعل دينه وأمانته من الودائع؛ لأن السفر يصيب الإنسان

فيه المشقة والخوف، فيكون ذلك سبباً لإهمال بعض الدين، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالمعونة

والتوفيق، ولا يخلو الرجل في سفره ذلك من الاشتغال بما يحتاج فيه إلي الأخذ والإعطاء

ص: 1901

2436 -

وعن عبد الله الخطمي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يستودع الجيش قال: ((أستودع الله دينكم، وأمانتكم، وخواتيم أعمالكم)). رواه أبو داود. [2436]

2437 -

وعن أنس، قال: جاء رجل إلي النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله! إني أريد سفراً فزودني. فقال: ((زودك الله التقوى)). قال: زدني. قال: ((وغفر ذنبك)). قال: زدني بأبي أنت وأمي. قال: ((ويسر لك الخير حيثما كنت)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب. [2437]

2438 -

وعن أبي هريرة، قال: إن رجلاً قال: يا رسول الله! إني أريد أن أسافر فأوصني. قال: ((عليك بتقوى الله، والتكبير علي كل شرف)). قال: فلما ولي الرجل. قال: ((اللهم اطو له البعد، وهون عليه السفر)). رواه الترمذي. [2438]

2439 -

وعن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل الليل. قال:

((يا أرض! ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك وشر

ــ

والمعاشرة مع الناس، فدعا له بحفظ الأمانة والاجتناب عن الخيانة، ثم إذا انقلب إلي أهله يكون مأمون العاقبة عما يسوؤه في الدين والدنيا.

الحديث الثامن والتاسع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((فزودني)) ((غب)): الزاد المدخر الزايد عما يحتاج إليه في الوقت، والتزود أخذ الزاد، قال تعالي:{وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} أقول: يحتمل أن الرجل طلب الزاد المتعارف، فأجابه صلوات الله عليه بما أجاب علي الأسلوب الحكيم، إي زادك أن تتقي محارم الله، وتتجنب معاصيه، ومن ثم لما طلب الزيادة قيل:((وغفر ذنبك)) فإن الزيادة إنما تكون من جنس المزيد عليه، وربما زعم الرجل أنه يتقي الله، وفي الحقيقة لا تكون تقوى يترتب عليها المغفرة، فأشار بقوله:((وغفر ذنبك)) أن يكون ذلك الاتقاء بحيث يترتب عليه المغفرة، ثم ترقى منه إلي قوله:((ويسر لك الخير)) فإن التعريف في ((الخير)) للجنس، فيتناول خير الدنيا والآخرة.

الحديث العاشر والحادي عشر عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله ((يا أرض)) ((قض)):

خاطب الأرض وناداها علي الاتساع وإرادة الاختصاص، وشر الأرض الخسف، والسقوط عن

الطريق، والتحير في المهامة والفيافي، وما فيها من أحناش الأرض وحشراتها، وما يعيش في

ص: 1902

ما يدب عليك، وأعوذ بالله من أسد وأسود ومن الحية والعقرب، ومن شر ساكن البلد، ومن والد وما ولد)). رواه أبو داود. [2439]

2440 -

وعن أنس [رضي الله عنه] قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: ((اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول وبك أصول، وبك أقاتل)). رواه الترمذي، وأبو داود. [2440]

ــ

الثقب وأجوافها. قوله: ((من شرك)) أي من شر حصل من ذاتك، ((ومن شر ما فيك))، أي ما استقر فيك من الأوصاف والأحوال الخاصة بطباعك، ((وشر ما خلق فيك)) من الحيوانات وغيرها، ((وشر ما يدب عليك)) من الحيوانات، وهذا الأسلوب من عطف الكلام بعضها علي بعض إلي قوله:((من أسد وأسود)) من باب الترقي في البيان، وفيه دليل لمن يذهب إلي التخصيص بالعطف.

قوله: ((من أسد وأسود)) ((تو)): الأسود الحية العظيمة التي فيها سواد، وهي أخبث الحيات، وذكر أن من شأنها أن تعارض الركب، وتتبع الصوت، فلهذا خصها بالذكر، وجعلها جنساً آخر برأسها، ثم عطف عليها ((الحية))، و ((أسود)) ها هنا منصرف؛ لأنه اسم جنس، وليس بصفة، ولهذا يجمع علي أساود. وعن بعضهم: الوجه أن لا ينصرف؛ لأن وصفيته أصبية وإن غلب في الاسمية، وفي – الغريبين-: قال ابن الأعرابي في تفسيره: يعني جماعات، وهي جمع سواد [أي جماعة، ثم أسودة، ثم أسلود. و ((من)) في قوله: ((من الحية)) بيإنية علي تغليب ((أسود))] *.

قوله ((ومن ساكن البلد)) ((قض)): هم الإنس، سماهم بذلك؛ لأنهم يسكنون البلاد غالباً، أو لأنهم بنوا البلدان واستوطنوها، وقيل: الجن، والمراد ب ((البلد)) الأرض، يقال:

هذا بلدتنا، أي أرضنا. وقال تعالي:{والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه} .

قوله: ((والد وما ولد)) ((خط)): ((والد)) إبليس، ((وما)) ولد نسله وذريته. ((تو)): حمله علي العموم أمثل، لشموله لأصناف ما ولد ووُلِد، وما يتولد منهما، تخصيصاً للعياذ والالتجاء بمن لم يلد ولم يولد، وله الخلق والأمر، واعترافاً بأن لا استحقاق لغيره في ذلك، تبارك الله رب العالمين.

الحديث الثاني عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((عضدي)) ((قض)): العضد كناية عما

يعتمد عليه، ويثق المرء في الخيرات وغيره من القوة. ((وأحول)) من حال يحول حيله،

ص: 1903

2441 -

وعن أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا خاف قوما. قال:((اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم)). رواه أحمد، وأبو داود. [2441]

2442 -

وعن أم سلمة [رضي الله عنها] أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا خرج من بيته.

قال: ((بسم الله، توكلت علي الله، اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل أو نضل، أو نَظلم

أو نُظلم، أو نجهل أو يُجهل علينا)). رواه أحمد، والترمذي، والنسائي. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وفي رواية أبي داود، وابن ماجه، قالت أم سلمة: ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طرفه إلي السماء، فقال:((اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يُجهل علي)). [2442]

ــ

والمراد كيد العدو، وقيل: أكر وأتحرك. من حال إذا تحرك، والصول الحمل علي العدو، ومنه الصائل.

الحديث الثالث عشر عن أبي موسى رضي الله عنه: قوله: ((في نحورهم)) ((تو)): يقال: جعلت فلاناً في نحر العدو، أي قبالته وحذاءه، ليقاتل عنك ويحول بينك وبينه، وخص النحر بالذكر؛ لأن العدو به يستقبل عند المناهضة للقتال، أو للتفاؤل بنحرهم، أي قتلهم، والمعنى نسألك أن تصد صدورهم، وتدفع شرورهم، وتكفينا أمورهم، وتحول بيننا وبينهم.

الحديث الرابع عشر عن أم سلمة رضي الله عنها: قوله: ((من أن نزل)) ((غب)): الزلة في الأصل استرسال الرجل من غير قصد، يقال: زلت رجله تزل، والمزلة المكان الزلق، وقيل للذنب من غير قصد له: زلة تشبيهاً بزلة الرجل. أقول: والمناسب هنا أن يحمل علي الاسترسال إلي الذنب؛ ليزدوج مع قوله: ((أو نضل)) وتوافق الرواية الأخرى ((ضل وأضل)).

قوله: ((أو نجهل)) ((مظ)): أي نفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء، وإيصال الضرر إليهم، أو يفعل الناس بنا فعل الجهال من إيصال الضرر إلينا.

أقول: إن الإنسان إذا خرج من منزله، لابد أن يعاشر الناس ويزاول الأمور، فيخاف أن يعدل عن الطريق المستقيم، فإما أن يكون في أمر الدين، فلا يخلو من أن يَضل أو يُضل، وإما أن يكون في أمر الدنيا، فإما بسبب جريان المعاملة، بأن يظلم أو يُظلم، وإما بسبب الاختلاط والمصاحبة، فإما أن يجهل أو يُجهل عليه؛ فاستعيذ من هذه الأحوال كلها بلفظ سلس موجز، وروعى المطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية، كقول الشاعر:

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

ص: 1904

2443 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله، توكلت علي الله، لا حول ولا قوة إلا بالله؛ يقال له حينئذٍ: هُديت، وكُفيت، ووقيت، فيتنحى له الشيطان. ويقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي، وكُفي، ووقي)). رواه أبو داود. وروى الترمذي إلي قوله: ((الشيطان)). [2443]

2444 -

وعن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ولج الرجل بيته، فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج، بسم الله ولجنا وعلي الله ربنا توكلنا. ثم ليسلم علي أهله)). رواه أبو داود. [2444]

ــ

ويعضد هذا التأويل الحديث الآتي. فقوله: ((هديت)) مطابق لقوله: ((أن أَضل أو أُضل)) وقوله: ((كفيت)) لقوله: ((أظلم أو أُظلم)) وقوله: ((ووقيت)) لقوله: ((أو نجهل أو يُجهل علينا)).

الحديث الخامس عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((بسم الله)) الحديث، فيه لف ونشر، فإن قوله:((بسم الله، توكلت علي الله، لا حول ولا قوة إلا بالله)) لف، وقوله:((هُديت، وكُفيت، ووقيت)) نشره، فإنه إذا استعان العبد بالله، وباسمه المبارك، فإن الله تعالي يهديه، ويرشده، ويعينه في الأمور الدينية والدنياوية، وإذا توكل علي الله وفوض أمره إليه، كفاه الله فيكون هو حسبه، {ومن يتوكل علي الله فهو حسبه} ، ومن قال:((لا حول ولا قوة إلا بالله)) وقاه الله شر الشيطان، ولا يسلط عليه.

فإن قلت: ما معنى قوله: ((كيف لك برجل)) وما موقعه من قوله: ((فيتنحى له الشيطان))؟ قلت: معناه كيف يتيسر لك إغواء رجل قد هدي وكفي ووقي؟ قاله معزياً مسلياً للشيطان الذي تنحى لأجل القائل عن طريق إضلاله متحسراً آيساً، فقوله:((لك)) متعلق بقوله: ((يتيسر)) و ((برجل)) حال من فاعله.

الحديث السادس عشر عن أبي مالك: قوله: ((خير المولج)) ((تو)): يقال ولج يلج ولوجاً

ولجة، قال سيبويه: إنما مصدره ولوجاُ، وهو من مصادر غير المتعدي علي معنى ولجت فيه. و ((المولج)) بكسر

اللام، ومن الرواة من فتحها ولم يصب؛ لأن ما كان فاء الفعل منه واواً أو ياءً، ثم سقطتا في المستقبل، نحو يعد ويزن ويهب؛ فإن الفعل مكسور في الاسم والمصدر جميعاً، ولا يقال منصوباً كان بفعل منه،

أو مكسوراً بعد أن يكون الواو من ذاهبة إلا أحرفاً جاءت نوادر، فـ ((المولج)) مكسور اللام علي أي وجه قدر، ولعل المصدر منه جاء أيضاً علي المفعل، أو أخذ به مأخذ القياس، أو روعى فيه طريق الازدواج في المخرج، وإن أريد به

ص: 1905

2445 -

وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الإنسان، إذا تزوج، قال:((بارك الله لك، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير)). رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. [2445]

2446 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((إذا تزوج أحدكم امرأةً، أو اشترى خادماً، فليقل: اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها، وشر ما جبلتها عليه. وإذا اشترى بعيراً، فليأخذ بذروة سنامه، وليقل مثل ذلك)). [2446]

وفي رواية في المرأة والخادم: ((ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة)). رواه أبو داود، وابن ماجه.

ــ

الاسم، فإنه يريد خير الموضع الذي يلج فيه، وعلي هذا يراد أيضاً بـ ((المخرج)) موضع الخروج، يقال: خرج مخرجاً حسناً، وهذا مخرجه.

الحديث السابع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إذا رفأ)) ((إذا)) الأولي شرطية، والثانية ظرفية، وقوله:((قال: بارك الله)) جواب الشرط. وإنما أتى بقوله: ((رفأ)) وقيده بالظرف؛ ليؤذن بأن الترفية محترز عنها، وأنها منسوخة بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم. ((قض)): الترفية أن يقال للمتزوج: بالرفاء والبنين، و ((الرفاء)) بالكسر والمد الالتئام والاتفاق، من رفأت الثوب إذا أصلحته، وقيل السكون والطمإنينة من قولهم: رفوت الرجل، إذا أسكنته، ثم استعير للدعاء للمتزوج وإن لم يكن بهذا اللفظ، والمعنى أنه إذا أراد الدعاء للمتزوج دعا له بالبركة، ويدل قولهم في جاهليتهم:((بالرفاء والبنين)) بقوله هذا؛ لأنه أتم نفعاً وأكثر عائدة، ولما في الأول من التنفير عن البنات، والباعث علي وأدها.

أقول: قال: أولاً: ((بارك الله لك))؛ لأنه المدعو أصالة، أي بارك لك في هذا الأمر، ثم ترقى منه، دعا لهما، وعداه بـ ((علي)) لمعنى الدرور عليه بالذراري والنسل؛ لأنه المطلوب بالتزوج، وأخر حسن المعاشرة والموافقة والاستمتاع، تنبيهاً علي أن المطلوب الأولي هو النسل، وهذا تابع له.

الحديث الثامن عشر والتاسع عشر عن أبي بكرة: قوله: ((فلا تكلني)) الفاء فيه مرتب علي

قوله: ((ورحمتك أرجو)) فقدم المفعول ليفيد الاختصاص، والرحمة عامة فيلزم تفويض الأمور

كلها إلي الله تعالي، كأنه قيل: فإذا فوضت أمري إليك، فلا تكلني إلي نفسي طرفة عين؛

ص: 1906

2447 -

وعن أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلي نفسي طرفة عين، وأصلح لي شإني كله، لا إله إلا أنت)). رواه أبو داود. [2447]

2448 -

وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رجل: همومٌ لزمتني وديونٌ يا رسول الله! قال: ((أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك؟)). قال: قلت: بلي. قال: ((قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)). قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله همي، وقضى عن ديني. رواه أبو داود. [2448]

ــ

لإني لا أدري ما صلاح أمري وما فساده، فربما زاولت أمراً واعتقدت أن فيه صلاح أمري، فانقلب فساداً وبالعكس، ولما فرغ من خاصة نفسه، وأراد أن ينفي تفويض أمره إلي الغير، ويثبته لله تعال، قال:((وأصلح لي شإني)) وأكده بقوله: ((كله)) وعقبه بقوله: ((لا إله إلا أنت)). ولما اشتمل هذا الدعاء علي المعإني الجمة سماه بالدعوات.

الحديث العشرون عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((هموم لزمتني)) ((شف)): ((هموم)) مبتدأ وخصص بـ ((لزمتني)) و ((ديون)) عطف عليه، والخبر محذوف تقديره عليَّ هموم وديون، وحذف الخبر لدلالة ((لزمتني)) عليه. ((قض)): فرق بين الهم والحزن فإن الهم إنما يكون في الأمر المتوقع، والحزن فيما قد وقع، أو الهم هو الحزن الذي يذيب الإنسان، يقال: همني المرض بمعنى أذابني، وانهم الشحم والبرد، إذا ذابا، وسمى به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم؛ لأنه يذيبه أبلغ وأشد من الحزن، الذي أصله الخشونة.

والعجز أصله التأخر عن الشيء، مأخوذ من العجز، وهو مؤخر الشيء، وللزومه الضعف والقصور عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابلة القدرة، واشتهر فيها. والكسل التثاقل عن الشيء مع وجود القدرة والداعية عليه.

قوله: ((غلبة الدين))، وقهر الرجال)) ((تو)): غلبة الدين أن يقدحه ويثقله، وفي معناه حديث

أنس ((ضلع الدين)) يعني ثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء لثقله. و ((قهر الرجال)) هو الغلبة،

فإن القهر يراد به السلطان، ويراد به الغلبة، وأريد به ههنا الغلبة لما في غير هذه الرواية:

((وغلبة الرجال)) كأنه يريد به هيجان النفس من شدة الشبق، وإضافته إلي المفعول أي يغلبهم

ص: 1907

2449 -

وعن علي: أنه جاءه مُكاتب فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعني. قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل كبير ديناً أداه الله عنك. قل: ((اللهم اكفني

بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمَّن سواك)). رواه الترمذي، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)). [2449]

وسنذكر حديث جابر: ((إذا سمعتم نباح الكلاب)) في باب ((تغطية الأوإني)) إن شاء الله تعالي.

ــ

ذلك، إلي هذا المعنى يسبق فهمي، ولم أجد في تفسيره نقلاً، وعن بعضهم:((قهر الرجال)) هو جور السلطان.

أقول: قوله: ((هموم لزمتني)) مبتدأ وخبر، كما في قولهم: شر أهر ذا ناب، أي هموم عظيمة، لا يقدر قدرها، وعلي هذا ((ديون)) أي ديون جمة نهضتني وأثقلتني، والتنبيه علي التعظيم الاستغاثة بقوله:((يا رسول الله)). و ((الفاء)) في ((أفلا أعلمك)) عطف علي محذوف، أي أفلا أرشدك أفلا أعلمك، فأعاد به صلوات الله عليه قوله:((أذهب الله همك، وقضى عنك دينك)) لابتناء الدعاء علي مطلوبه من زوال الهم وقضاء الدين، فمن مستهل الدعاء إلي قوله:((والجبن)) يتعلق بإزالة الهم، والآخر بقضاء الدين، فعلي هذا قوله:((قهر الرجال)) إما أن يكون إضافته إلي الفاعل، أي قهر الداين إياه، وغلبتهم عليه بالتقاضي، وليس له ما يقضي دينه، أو إلي المفعول بأن لا يكون له أحد يعاونه علي قضاء ديونه من رجاله وأصحابه، ومن المسلمين من يزكى عليه.

وقوله: ((قال: قلت)) الظاهر يقتضي أن يقال: ((قال: قال: بلي))؛ لأن الراوي لم يرو عن ذلك الرجل، بل كان شاهداً لتلك الحالة، اللهم إلا أن يتعسف، ويقول: إن أبا سعيد رضي الله عنه يروي عن ذلك الرجل، وليس بمشاهد لتلك الحالة، فيحتاج أول الحديث إلي تأويل أن نقول: تقديره: قال أبو سعيد: قال لي رجل: قلت لرسول الله كذا، هذا ما سبق إلي فهمنا مع قلة البضاعة.

الحديث الحادي والعشرون عن علي رضي الله عنه: قوله: ((ديناً)) يحتمل أن يكون تمييزاً عن اسم ((كان))؛ لما فيه من الإبهام، و ((عليك)) خبره مقدماً عليه، وأن يكون ((ديناُ)) خبر ((كان)) و ((عليك)) حالاً من المستتر في الخبر، والعامل هو معنى الفعل المقدر في الخبر. ومن جوز إعمال ((كان)) في الحال، فظاهر علي مذهبه. قوله:((عجزت عن كتابتي)) ((مظ)): الكتابة المال الذي كاتب به السيد عبده، يعني بلغ وقت أداء مال الكتابة، وليس لي مال. أقول: طلب المكاتب المال، فعلمه رضي الله عنه الدعاء، إما لأنه لم يكن عنده شيء من المال ليعينه، فرده

ص: 1908

الفصل الثالث

2450 -

وعن عائشة، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا جلس مجلساً أو صلي تكلم بكلمات، فسألته عن الكلمات فقال: ((إن تكلم بخير كان طابعاً عليهن إلي يوم القيامة، وإن تكلم بشر كان كفارة

له: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)). رواه النسائي. [2450]

2451 -

وعن قتادة: بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا رأي الهلال قال: ((هلال خير

ورشد، هلال خير ورشد، هلال خير ورشد، آمنت بالذي خلقك)) ثلاث مرات، ثم يقول:((الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا، وجاء بشهر كذا)). رواه أبو داود. [2451]

ــ

أحسن رد، عملاً بقوله تعالي:{قول معروف ومغفرة} ، أو أرشده إلي أن الأولي والأصلح له أن يستعين بالله لأدائها، ولا يتكل علي الغير، وينصر هذا الوجه قوله:((وأغنني بفضلك عمن سواك)).

الفصل الثالث

الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((عن الكلمات)) التعريف للعهد، والمعهود قوله:((كلمات)) وهو يحتمل وجهين، إما أن لا يضمر شيء فتكون الكلمات هي الجملتان الشرطيتان، واسم ((كان)) فيهما مبهم، ويفسره قوله:((سبحانك اللهم))، وإما أن يقدر: فما فائدة الكلمات؟ فعلي هذا ((الكلمات)) هي قوله: ((سبحانك اللهم)) والمضمر في ((كان)) راجع إليه، ففي الكلام تقديم وتأخير، وهذا الوجه أحسن بحسب المعنى وإن كان اللفظ يساعد الأول. وقوله:((اللهم)) معترض؛ لأن قوله: ((وبحمدك)) متصل بقوله: ((سبحانك)) إما بالعطف، أي أسبح وأحمد، أو بالحال أي أسبح حامداً لك.

الحديث الثاني عن قتادة رضي الله عنه: قوله: ((الحمد لله)) إما أن يراد بـ ((الحمد)) الثناء علي

قدرته فإن مثل هذا الإذهاب العجيب وهذا المجيء لا يقدر عليه أحد إلا الله، أو يراد به الشكر،

فيشكر علي ما أولي العباد بسبب الانتقال من النعم الدينية والدنيوية ما لا يحصى. وينصر

هذا التأويل قوله: ((هلال خير)) أي بركة ورشد، أي هاد إلي القيام بعبادة الله تعالي من ميقات

الحج والصوم وغيرهما، قال تعالي:{يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} .

ص: 1909

2452 -

وعن ابن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من كثر همه، فليقل: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، وفي قبضتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو ألهمت عبادك، أو استأثرت به في مكنون الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، وجلاء همي وغمي. ما قالها عبدٌ قط إلا أذهب الله غمه، وأبدله فرحاً)). رواه رزين. [2452]

2453 -

وعن جابر، قال: كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا. رواه البخاري.

2454 -

وعن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كربه أمر يقول:((يا حي يا قيوم! برحمتك أستغيث)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب، وليس بمحفوظ. [2454]

ــ

الحديث الثالث عن ابن مسعود رضي الله عنه، ورواه الشيخ محيي الدين عن ابن السنى عن أبي موسى الأشعري، وزاد فيه زيادات وتغييرات، وفي آخره:((قال رجل: يا رسول الله! إن المغبون لمن غبن هؤلاء الكلمات، فقال: أجل، فقولوهن وعلموهن، فإن من قالهن التماس ما فيهن أذهب الله تعالي حزنه، وأطال فرحه)).

قوله: ((هو لك)) مجمل، ويفصله ما يعقبه منسوقاً بـ ((أو)) التنويعية علي سبيل التقسيم الحاصر، فينبغي أن يحمل قوله:((سميت به نفسك)) علي أنك وضعت ألفاظاً مخصوصة، وسميت بها نفسك، وألهمت عبادك بغير واسطة، فيكون من سماه الأمم المختلفة الفائتة للحصر بلغات مختلفة من هذا النوع. وقوله:((أو أنزلته في كتابك)) علي جميع ما سمى به في الكتب المنزلة، وأفرد الكتاب، وأراد به الجنس، وقد تقرر في موضعه أنه أشمل من الجمع. وقوله:((أو استأثرت)) به أي انفردت، محمول علي أنه انفرد به بنفسه، ولا ألهم أحداً ولا أنزل في كتاب.

قوله: ((أن تجعل القرآن ربيع قلبي)) هذا هو المطلوب، والسابق وسائل إليه، فانظر أولاً غاية ذلته وصغاره، ونهاية افتقاره وعجزه، وثإنياً بين عظمة شأنه وجلالة أسمه سبحانه وتعالي بحيث لم يبق فيه بقية، وألطف في المطلوب حيث جعل المطلوب وسيلة إزالة الهم المطلوب أولاً. قوله:((ربيع قلبي)) ((نه)): جعل القرآن ربيعاً له؛ لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان، ويميل إليه. أقول: كما أن الربيع زمان إظهار آثار رحمة الله تعالي، وإحياء الأرض بعد موتها، كذلك القرآن يظهر منه تباشير لطف الله من الإيمان والمعارف، وتزول به ظلمات الكفر والجهالة والهموم.

ص: 1910