الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2480 -
وعن مسلم بن أبي بكرة، قال: كان أبي يقول في دبر الصلاة: اللهم إن أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر. فكنت أقولهن. فقال: أي بني! عمن أخذت هذا؟ قلت: عنك. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولهن في دبر الصلاة. رواه النسائي، والترمذي، إلا أنه لم يذكر: في دبر الصلاة. [2480]
وروى أحمد لفظ الحديث، وعنده: في دبر كل صلاة.
2481 -
وعن أبي سعيد، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أعوذ بالله من الكفر والدَّين)) فقال رجل: يا رسول الله! أتعدل الكفر بالدين؟ قال: ((نعم)). وفي رواية ((اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر)). قال رجل: ويعدلان؟ قال: ((نعم)). رواه النسائي. [2481]
(9) باب جامع الدعاء
الفصل الأول
2482 -
عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يدعو بهذا الدعاء:
((اللهم اغفر لي خطيئتي، وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني. اللهم
ــ
الحديث الثاني والثالث عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((قال: نعم)) أي أساوي الدائن بالمنافق؛ لأن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها ((والفقير الذي لم يصبر علي فقره أسوء حالاً من الدائن)) وقد يرى ((كاد الفقر أن يكون كفراً)) والله أعلم.
باب جامع الدعاء
إضافة الجامع إلي الدعاء إضافة الصفة إلي الموصوف، أي الدعاء الجامع لمعان كثيرة في ألفاظ قليلة.
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي موسى رضي الله عنه: قوله: ((كل ذلك عندي)) كالتذييل للسابق.
((مح)): أي متصف بهذه الأشياء فاغفرها لي، قالها تواضعاً وهضماً لنفسه. عن علي رضي الله
عنه: عد فوات الكمال، وترك الأولي ذنوباً. وقيل: أراد ما كان عن سهو وقيل: ما كان قبل
اغفر لي جدي، وهزلي، وخطئي، وعمدي، وكل ذلك عندي. اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أنت به أعلم به مني. أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت علي كل شيء قدير)). متفق عليه.
2483 -
وعن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري. وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، واجعل الموت راحةً لي من كل شر)). رواه مسلم.
2484 -
وعن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:((اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف والغنى)). رواه مسلم.
2485 -
وعن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قل: اللهم اهدني، وسددني، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، وبالسداد سداد السهم)). رواه مسلم.
ــ
النبوة. وقوله: ((أنت المقدم)) أي تقدم من تشاء من خلقك بتوفيقك إلي رحمتك، وتؤخر من تشاء عن ذلك.
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((عصمة أمري)) هو من قوله تعالي: {واعتصموا بحبل الله جميعاً} أي بعهد الله، وهو الدين، وإصلاح المعاد اللطف والتوفيق علي طاعة الله وعبادته. وطلب الراحة بالموت إشارة إلي قوله صلى الله عليه وسلم،:((إذا أردت فتنة قوم فتوفني غير مفتون)) هذا هو الذي يقابله الزيادة في القرينة السابقة، وهذا الدعاء من الجوامع.
الحديث الثالث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((أسألك الهدى)) أطلق ((الهدى والتقى))؛ ليتناول كل ما ينبغي أن يهتدي إليه من أمر المعاش والمعاد، ومكارم الأخلاق، وكل ما يجب أن يتقي منه من الشرك والمعاصي، ورذائل الأخلاق. وطلب العفاف والغنى تخصيص بعد تعميم، وهذا أيضاً من الجوامع.
الحديث الرابع عن علي رضي الله عنه: قوله: ((اللهم اهدني)) ((قض)): أمره بأن يسأل الله
تعالي الهداية والسداد، وأن يكون في ذكره مخطراً بباله أن المطلوب هداية، كهداية من ركب
2486 -
وعن أبي مالك الأشجعي، عن أبيه، قال: كان الرجل إذا أسلم، علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات:((اللهم اغفر لي وارحمني، واهدني وعافني، وارزقني)). رواه مسلم.
2487 -
وعن أنس، قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار)) متفق عليه.
الفصل الثاني
2488 -
عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: ((رب أعني ولا
تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي،
ــ
متن الطريق، وأخذ في المنهج المستقيم، وسداد يشبه سداد السهم نحو الغرض، والمعنى أن يكون في سؤاله طالباً غاية الهدى، ونهاية السداد. أقول: وفيه معنى قوله تعالي: {فاستقم كما أمرت} {اهدنا الصراط المستقيم} أي هداية لا أميل بها إلي أحد طرفي الإفراط والتفريط.
الحديث الخامس والسادس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم) لعله صلوات الله عليه إنما كان يكثر هذا الدعاء؛ لأنه من الجوامع التي تحوز جميع الخيرات الدنيوية والأخروية. وبيانه أنه صلى الله عليه وسلم كرر الحسنة ونكرها تنويعاً، وقد تقرر في علم المعإني أن النكرة إذا أعيدت كانت الثانية غير الأول، فالمطلوب في الأولي الحسنات الدنيوية، من الاستغاثة والتوفيق والوسائل إلي اكتساب الطاعات والمبرات، بحيث تكون مقبولة عند الله تعالي، وفي الثانية ما يترتب عليها من الثواب والرضوان في العقبى. وقوله:((وقنا عذاب النار)) تتمة، أي إن صدر منا ما يوجبها من التقصير والعصيان، فاعف عنا وقنا عذاب النار، فحق لذلك أن يكثر من هذا الدعاء.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((وامكر لي)) قيل: المكر الخداع،
وهو من الله تعالي إيقاع بلائه بأعدائه من حيث لا يشعرون، وقيل: هو استدراج العبد
وانصرني علي من بغى علي، رب اجعلني لك شاكراً، لك ذاكراً، لك راهباً، لك مطواعاً، لك مخبتاً، إليك أواها منيباً، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، وسدد لسإني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري)). رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه [2488].
2489 -
وعن أبي بكر، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم علي المنبر، ثم بكى، فقال:((سلوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية)). رواه الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ إسناداً [2489].
ــ
بالطاعات، فيتوهم أنها مقبولة، وهي مردودة. قوله:((لك شاكراً)) ((قض)): قدم الصلاة علي متعلقاتها تقديماً للأهم، وإرادة للاختصاص. ((والمخبت)) الخاشع المتواضع من الخبت وهو المطمئن إلي ذكر ربه الواثق به، قال تعالي:{وأخبتوا إلي ربهم} أي اطمأنوا، وسكنت نفوسهم إلي أمره، وأقيمت ((اللام)) مقام ((إلي)) ليفيد معنى الاختصاص. ((والأواه)) فعال بني للمبالغة من أوه، يقال: أوه تأويهاً وتأوه تأوهاً إذا قال: آه، وهو صوت الحزين المتفجع، والمعنى اجعلني لك أواها متفجعاً علي التفريط، منيباً راجعاً إليك، تائباً عما اقترفت من الذنوب. والحوبة الإثم، وكذا الحوب والحوب، وغسله كناية عن إزالته بالكلية بحيث لا يبقى منه أثر. وسداد اللسان أن لا يتحرك إلا بالحق، ولا ينطق إلا بالصدق. وسخيمة الصدر الضغينة، من السخمة وهي السواد، ومنه سخام القدر. وإضافتها إلي الصدر؛ لأن مبدأها القوة الغضبية المنبعثة من القلب الذي هو في الصدر، وسلها إخراجها، وتنقية الصدر منها، من سل السيف إذا أخرجه من الغمد. ((نه)):((ثبت حجتي)) أي قولي وتصديقي في الدنيا، وعند جواب الملكين في القبر.
أقول: فإن قلت: ما الفائدة من ترك العاطف في القرائن السابقة من قوله: ((رب اجعلني)) إلي قوله: ((منيباً)) وفي الإتيان به في القرائن اللاحقة؟ قلت: أما الترك فللتعداد والإحصاء؛ ليدل علي أن ما كان لله غير معدود، ولا داخل تحت الضبط، فينعطف بعضها علي بعض، ولهذا قدم الصلاة علي متعلقاتها. وأما الإتيان بالعاطف فيما كان للعبد، فلانضباطه وإنما اكتفي في قوله إليك ((أواهاً منيب)) بصلة واحدة لكون الإنابة لازمة للتأوه ورديفاً له))، فكأنهما شيء واحد، ومنه قوله تعالي:{إن إبراهيم لحليم أواه منيب} .
2490 -
وعن أنس، أن رجلاً جاء إلي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أي الدعاء أفضل؟ قال: ((سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة)). ثم أتاه في اليوم الثاني، فقال: يا رسول الله! أي الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك. ثم أتاه في اليوم الثالث، فقال له مثل ذلك، قال:((فإذا أعطيت العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة فقد أفلحت)). رواه الترمذي، وابن ماجه وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ إسناداً. [2490]
2491 -
وعن عبد الله بن يزيد الخطمي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه:((اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوةً لي فيما تحب، اللهم ما زويت عني مما أحب فاجعله فراغاً ي فيما تحب)). رواه الترمذي. [2491]
2492 -
وعن ابن عمر، قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى
يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: ((اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين
ــ
الحديث الثاني والثالث عن أبي بكر رضي الله عنه: قوله: ((خيراً من العافية)) فإن قلت: كيف أفرد العافية بعد جمعها؟ قلت: لأن معنى ((العفو)) محو الذنب، ومعنى ((العافية)) السلامة عن الأسقام والبلايا، فاستغنى عن ذكر العفو بها؛ لشمولها، يؤيده قوله في الحديث الثالث:((فإذا أعطيت العافية فقد أفلحت)). ((مظ)): وبكاؤه صلى الله عليه وسلم لما علم وقوع أمته في الفتن، وغلبة الشهوة عليهم، وحرصهم علي جمع المال والجاه، أمرهم أن يلتجئوا إلي الله، ويسألوا العفو والعافية من الله تعالي.
قوله: ((والمعافاة)) هي أن يعافيك الله تعالي من الناس، ويعافيهم منك، أي يغنيك عنهم ويغنيهم عنك، ويصرف أذاهم عنك وأذاك عنهم. وقيل: هي مفاعلة من العفو وهو أن يعفو عن الناس ويعفو هم عنه. وقوله: ((إسناداً)) تمييز عن ((الحسن والغريب)) معاً، كما سبق بيانه.
الحديث الرابع عن عبد الله رضي الله عنه: ((قوله: ((ما زويت عني)) ((قض)): أصل الزوي الجمع والقبض، يقال: زوى فلان المال عن وارثه زوياً، وفي الحديث قال عمر رضي الله عنه:((عجبت لما زوى الله عنك من الدنيا)) أي لما نحى عنك، المعنى اجعل ما نحيته عني من محابي عوناً لي علي شغلي بمحابك، وذلك أن الفراغ خلاف الشغل، فإذا زوى عنه الدنيا ليتفرغ لمحاب ربه، كان ذلك الفراغ عوناً له علي الاشتغال بطاعة الله تعالي.
الحديث الخامس عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((اللهم اقسم لنا)) ((قض)): أي اجعل لنا
معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا علي من ظلمنا، وانصرنا علي من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريب. [2492]
ــ
قسماً ونصيباً تحول به وتحجب وتمنع، من حال الشيء حيلولة، وارزقنا يقيناً بك، وبأن لا مرد لقضائك وقدرك، وأن لا يصيبنا إلا ما كتبته علينا، وأن ما قدرته لا يخلو عن حكمة، ومصلحة، واستجلاب مثوبة تهز نبه مصيبات الدنيا. و ((اجعله)) الضمير فيه للمصدر، كما في قولك: زيد أظنه منطلق، أي اجعل الجعل، و ((الوارث)) هو المفعول الأول و ((منا)) في موضع المفعول الثاني علي معنى واجعل الوارث من نسلنا، لا كلالة خارجة عنا، كما قال تعالي حكاية عن دعوة زكريا:{فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب} ، وقيل: الضمير للتمتع الذي دل عليه التمتيع، ومعناه اجعل تمتعنا بها باقياً عنا، موروثاً فيمن بعدنا، أو محفوظاً لنا إلي يوم الحاجة، وهو المفعول الأول، و ((الوارث)) مفعول ثان، و ((منا)) صلة له، وقيل: الضمير لما سبق من الأسماع والأبصار والقوة، وإفراده وتذكيره علي تأويل المذكور، كما في قول رؤية:
فيها خطوط من سواد وبلق
…
كأنه في الجلد توليع البهق
والمعني بوراثتها لزومها له عند موته لزوم الوارث له. واجعل ثأرنا مقصوراً علي من ظلمنا، ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره، فأخذ به غير الجإني، كما كان معهوداً في الجاهلية، أو اجعل إدراك ثأرنا علي من ظلمنا، فندرك منه ثأرنا، وأصل الثأر الحقد والغضب، من الثوران، يقال: ثار ثائره إذا هاج غضبه.
قوله: ((ولا تجعل مصيبتنا في ديننا)) [((نه))]: ولا تصيبنا بما ينقص ديننا من أكل الحرام واعتقاد سوء، أو فترة في العبادة. قوله:((أكبر همنا)) فيه أن قليلاً من الهم لابد منه في أمر المعاش المرخص، بل مستحب. قوله:((لا تسلط علينا)) يعني لا تجعنا مغلوبين للكفار والظلمة، ويحتمل أن يراد لا تجعل الظالمين علينا حاكمين، فإن الظالم لا يرحم الرعية.
فإن قلت: بين لي تأليف هذا النظم، وأي وجه من الوجوه المذكورة أولي، قلت: أن نجعل
الضمير للتمتع، ومعنى اجعل ثأرنا مقصوراً علي من ظلمنا، ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب
ثأره، ويحمل ((من لا يرحمنا)) علي ملائكة العذاب في القبر، وفي النار؛ لئلا يلزم التكرار،
2493 -
وعن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً، الحمد لله علي كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار)). رواه الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديثٌ غريبٌ إسناداً. [2493]
ــ
فنقول: وإنما خص السمع والبصر بالتمتع من الحواس؛ لأن الدلائل الموصلة إلي معرفة الله تعالي وتوحيده إنما تحصل من طريقهما؛ لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات المنزلة، وذلك بطريق السمع، أو من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس، وذلك بطريق البصر، فسأل التمتع بهما حذراً من الانخراط في سلك الذين ((ختم الله علي قلوبهم وعلي سمعهم، وعلي أبصارهم غشاوة)) ولما حصلت المعرفة ترتب عليها العبادة، فسأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه، ثم إنه أراد أن لا ينقطع هذا الفيض الإلهي عنه لكونه رحمة للعالمين، فسأل بقاءه ليستن بسنته بعده فقال: واجعل ذلك التمتع وارثاً باقياً منا.
ولما كانت القرينتان أعني ((واجعل ثأرنا علي من ظلمنا وانصرنا علي من عادانا)) علي وزان قوله: ((أعوذ بك من أن أظلم وأظلم)) وجب تأويل القرينة الأولي بما سبق، والثانية ظاهرة، ولما كان مفهوم ((وانصرنا علي من عادانا)) لا تسلط علينا من ظلمنا، وجب أن يحمل ((ولا تسلط علينا من لا يرحمنا)) علي ما حملنا عليه. ويلوح من قوله:((ولا تجعل الدنيا مبلغ علمنا)) معنى قوله تعالي: {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون} .
الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((اللهم انفعني)) إلي هذا المعنى ينظر ما ورد ((من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم)) طلب أولاً النفع بما رزق من العلم، وهو العمل بمقتضاه، ثم توخي علماً زائداً عليه ليترقى منه إلي عمل زائد علي ذلك، ثم قال:((رب زدني علماً)) ليشير إلي طلب الزيادة في السير والسلوك إلي أن يوصله إلي مخدع الوصال، وظهر من هذا أن العلم وسيلة العمل، وهما متلازمان، ومن ثم قيل: ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم، وما أحسن موقع الحمد في هذا المقام، ومعنى المزيد فيه {لئن شكرتم لأزيدنكم} وموقع الاستعاذة من الحال المضاف إلي النار تلميحاً إلي الفظيعة والبعد، وهذا من جامع الدعاء الذي لا مطمح وراءه.
2494 -
وعن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه]، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه دويٌ كدوي النحل، فأنزل عليه يوماً، فمكثنا ساعةً، فسري عنه، فاستقبل القبلة، ورفع يديه وقال:((اللهم زدنا ولا تنقضنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا)). ثم قال: أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة)) ثم قرأ: {قد أفلح المؤمنون} حتى ختم عشر آيات. رواه أحمد، والترمذي [2494].
الفصل الثالث
2495 -
عن عثمان بن حنيف، قال: إن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم،
ــ
الحديث السابع عن عمر رضي الله عنه: قوله: ((سمع عند وجهه)) ((قض)): أي سمع من جانب وجهه، وجهته صوت خفي، كدوي النحل كأن الوحي كان يؤثر فيهم وينكشف لهم انكشافاً غير تام، فصاروا كمن يسمع دوي صوت ولا يفهمه، أو سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم من غطيطه، وشدة تنفسه عند نزول الوحي، وقوله:((فسري عنه)) أي كشف عنه، وزال ما اعتراه من برحاء الوحي.
قوله: ((زدنا ولا تنقصنا)) عطف النواهي علي الأوامر للتأكيد، وقد حذف ثوإني المفعولات في بعض الألفاظ إرادة لإجرائها مجرى فلان يعطي ويمنع، مبالغة وتعميماً. ويلوح من صفحات هذا الدعاء تباشير البشارة والاستبشار، والفوز بالمباغي، ونيل الفلاح في الدنيا والعقبى، ولعمري إنه من مجازه ومواقعه، وذلك أن ((أولئك)) في قوله تعالي {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس} مشعر بأن وراثتهم الفردوس الأعلي إنما كان لاتصافهم بتلك الخصال الفاضلة من الخشوع في الصلاة، والإعراض عما لا يعنيهم في الدين، وإنفاقهم في سبيل الله إلي غير ذلك، قوله:((ولا تهنا)) ((مظ)): أصله ولا تهوننا فنقلت كسرة الواو إلي الهاء، وحذفت الواو لسكونها وسكون الأولي، ثم أدغمت النون الأولي في الثانية. ((ولا تؤثر علينا)) أي ولا تختر غيرنا، فتعززه وتذللنا، يعني لا تغلب علينا أعداءنا. قوله:((من أقامهن)) أي حافظ وداوم عليهن.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن عثمان رضي الله عنه: قوله: ((فهو خير لي)) يشير إلي ما ورد قال تعالي:
فقال: ادع الله أن يعافيني. فقال: ((إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خيرٌ لك)). قال: فادعه. قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويدعو بهذا الدعاء: ((اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلي ربي ليقضي لي في حاجتي هذه، اللهم فشفعه في)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب [2495].
ــ
((إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر، عوضته منهما الجنة)). قوله: ((ويدعو بهذا الدعاء)) قال صلى الله عليه وسلم: ((إن شئت دعوت)) فأسند الدعاء إلي نفسه، وكذا طلب الرجل أن يدعو هو له، ثم أمره صلى الله عليه وسلم أن يدعو هو، كأنه لم يرض منه اختياره الدعاء لما قال:((الصبر خير لك)) لكن في جعله شفيعاً له ووسيلة في استجابة الدعاء، ما يفهم أنه صلى الله عليه وسلم شريك فيه. قوله:((إني توجهت بك)) بعد قوله: ((أتوجه إليك)) فيه معنى قوله تعالي: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} سأل أولاً أن يأذن الله نبيه ليشفع له، ثم أقبل علي النبي ملتمساً لأن يشفع له، ثم كر مقبلاً علي الله أن يقبل شفاعته قائلاً:((فشفعه)). ((والباء)) في ((بنبيك)) للتعدية، وفي ((بك)) للاستعانة.
قوله: ((ليقضي لي في حاجتي)) فإن قلت: ما معنى ((لي)) و ((في))؟ قلت: معنى ((لي)) كما في قوله: {رب اشرح لي صدري} أجمل أولاً، ثم فصل ليكون أوقع، ومعنى ((في)) كما في قول الشاعر.
يجرح في عراقيبها نصلي
أي أوقع القضاء في حاجتي، واجعلها مكاناً له. ونظير الحديث قوله تعالي:{وأصلح لي في ذريتي} . وقوله: ((فشفعه في)) أي اقبل شفاعته في حقي، و ((الفاء)) عطف علي قوله:((أتوجه إليك بنبيك)) أي اجعله شفيعاً لي فشفعه، وقوله:((اللهم)) معترضة. قوله: ((حسن صحيح غريب)) قد سبق أن الصحيح قد يكون غريباً، وأن الحسن يكون في طريق والصحيح في طريق آخر.
2496 -
وعن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان من دعاء داود يقول: ((اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي ومالي وأهلي، ومن الماء البارد)). قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر داود يحدث عنه؛ يقول: ((كان أعبد البشر)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب.
2497 -
وعن عطاء بن السائب، عن أبيه، قال: صلي بنا عمار بن ياسر صلاةً، فأوجز فيها. فقال له بعض القوم: لقد خففت وأوجزت الصلاة. فقال أما علي ذلك، لقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله
صلى الله عليه وسلم. فلما قام تبعه رجل من القوم -هو أبي- غير أنه كنى عن نفسه، فسأله عن الدعاء
ثم جاء فأخبر به القوم: ((اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك علي الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا
ــ
الحديث الثاني عن أبي الدرداء: قوله: ((يقول: اللهم)) اسم ((كان حذف ((أن)) كما في قوله: احضر الوغى، وإنما قال:((اجعل حبك أحب إلي من نفسي)) بدل اجعل نفسك، مراعاة للأدب حيث لم يرد أن يقابل بنفسه نفسه عز وجل، فإذا قيل: لعله إنما عدل؛ لأن النفس لا تطلق علي الله تعالي، قلت: بل إطلاقه صحيح، وقد ورد في التنزيل مشاكلة؛ قال تعالي:{تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} . وقوله: ((ومن الماء البارد)) أعاد ((من)) هنا ليدل بذلك علي استقلال الماء البارد في كونه محبوباً، وذلك في بعض الأحيان، فإنه يعدل بالروح، وعن بعض الفضلاء: ليس للماء قيمة؛ لأنه لا يباع إذا وجد، ولا يباع إذا فقد.
قوله: ((يحدث)) يروى مرفوعاً جزاء للشرط؛ لأن الشرط إذا كان ماضياً والجزاء مضارعاً، يسوغ فيه الوجهان، و ((يقول)) بدل من الجزاء. قوله:((كان أعبد البشر)) يحتمل أن يراد به في عصره وزمانه، وأن يراد أنه كان أشكر الناس، قال تعالي له:{اعملوا آل داود شكراً} أي بالغ في شكري، وابذل وسعك فيه. قيل: إن داود جزأ ساعات الليل والنهار علي أهله، فلم يكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي.
الحديث الثالث عن عطاء رضي الله عنه: قوله: ((أما علي ذلك)) الهمزة في ((أما)) يحتمل أن
تكون للإنكار أي أنكر، وما علي ضرر من ذلك، أو للنداء؟ والمنادى بعض القوم، أي يا
فلان ليس علي من ذلك ضرر، ويحتمل التنبيه أي علي بيان ذلك. قوله: ((فلما قام تبعه رجل
علمت الوفاة خيراً لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضي والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضي بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلي وجهك، والشوق إلي لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهديين)). رواه النسائي. [2497]
ــ
من القوم)) إلي هاهنا قول السائل، وقوله:((هو أي)) إلي آخره قول عطاء، أي قال السائب: لما قام عمار تبعه رجل، والرجل هو السائب، كنى عن نفسه بالرجل، وهذا الرجل هو المراد من قول عطاء ((هو أبي)) وتقدير الاستثناء أنه لم يصرح السائب باسمه إلا أنه كنى عن نفسه بالرجل. وقوله:((فسأله)) أي فسأل عماراً، ثم جاء الرجل وهو السائب، فأخبر بالدعاء القوم.
قوله: ((بعلمك)) الباء للاستعطاف، أي أنشدك بحق علمك. وقوله:((وأسألك خشيتك)) عطف علي هذا المحذوف، و ((اللهم)) معترضة. والمراد بـ ((الخشية)) في الغيب والشهادة إظهارها في السر والعلإنية، وكذلك معنى الرضي، أي في حالة رضي الخلق وغضبهم. قوله:((قرة عين لا تنقطع)) يحتمل أنه طلب نسلاً لا ينقطع بعده، قال تعالي:{هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} أو طلب محافظة الصلوات والإدامة عليها، كما ورد ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)). قوله ((لذة النظر)) قيد ((النظر)) باللذة؛ لأن النظر إلي الله إما هيبة وجلال في عرصات القيامة، وإما نظر لطف وجمال في الجنة؛ ليؤذن بأن المطلوب هذا. قوله ((في غير ضراء مضرة)) متعلق الظرف مشكل، ولعله متصل بالقرينة الأخيرة، وهي قوله:((والشوق إلي لقائك)) سأل شوقاً إلي الله تعالي في الدنيا بحيث يكون ضراء غير مضرة أي شوقاً لا يؤثر في سيري وسلوكي وإن ضرني مضرة ما، قال:
إذا قلت: أهدي الهجر لي حلل البلاء
…
تقولين: لولا الهجر لم يطلب الحب
وإن قلت: كربي دائم، قلت: إنما
…
يعد محباً من يدوم له كرب
ويجوز أن يتصل بقوله ((أحيني ما علمت الحياة خيراً لي)). ومعنى ((ضراء مضرة)) الضر الذي لم يصبر عليه، كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم:((عجباً لأمر المؤمن -إلي قوله- إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له)). قوله: ((هداة مهديين)) وصف الهداة بالمهديين؛ لأن الهادي إذا لم يكن مهتدياً في نفسه لم يصلح أن يكون هادياً لغيره؛ لأنه يوقع الخلق في الضلال من حيث لا يشعر.
2498 -
وعن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر صلاة الفجر:((اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وعملاً متقبلاً، ورزقاً طيباً)). رواه أحمد، وابن ماجه، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)).
2499 -
وعن أبي هريرة، قال: دعاء حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أدعه: ((اللهم اجعلني أعظم شكرك، وأكثر ذكرك، وأتبع نصحك، وأحفظ وصيتك)). رواه الترمذي. [2499]
2500 -
وعن عبد الله بن عمرو، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أسألك الصحة، والعفة، والأمانة، وحسن الخلق، والرضي بالقدر)). [2500]
2501 -
وعن أم معبد. قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم طهر قلبي من النفاق، وعملي من الرياء، ولسإني من الكذب، وعيني من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)). رواهما البيهقي في ((الدعوات الكبير)). [2501]
ــ
الحديث الرابع عن أم سلمة رضي الله عنها: قوله: ((علماً نافعاً)) كان من الظاهر أن يقدم الرزق الحلال علي العلم؛ لأن الرزق إا لم يكن حلالاً لم يكن العلم نافعاً، والعمل إذا لم يكن من علم نافع لم يكن متقبلاً. قلت: أخره ليؤذن بأن العلم والعمل إنما يعتد بهما ويقعان موقعهما، إذا كانا مؤسسين علي الرزق الحلال، وهي المرتبة العليا والمطلوب الأسنى، ولو قدم لم يكن بذلك، كما إذا سألت عن رجل قيل لك: هو عالم عامل، فقلت: من أين معاشه؟ فقيل لك: من إدرار السلطان، استنكفت منه، ولم تعتبر علمه وعمله، وجعلتهما هباء منثوراً.
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((دعاء)) مبتدأ موصوف، خبره ((لا أدعه)) وفي هذا التركيب من اللطف ما لا يخفي علي الذكي. قوله:((اجعلني)) بمعنى صيرني، ولذلك أتى بالمفعول الثاني فعلاً؛ لأنه صار من دواخل المبتدأ والخبر، نحوه قوله تعالي:{وتركهم في ظلمات} إذا جعل ((ترك)) بمعنى صار، و ((النصح)) يجري في فعل أو قول فيه صلاح صاحبه، قال تعالي:{لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم} والنصح والوصية في الحديث متقاربان.
الحديث السادس والسابع عن أم معبد: قوله: ((خائنة الأعين)) -الكشاف-: (الخائنة)) صفة
2502 -
وعن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين قد خفت، فصار مثل الفرخ. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه؟)). قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبحان الله! لا تطيقه ولا تستطيعه؛ أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار؟)). قال: فدعا الله به، فشفاه الله. رواه مسلم.
2503 -
وعن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه)). قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: ((يتعرض من البلاء لما لا يطيق)). رواه الترمذي، وابن ماجه، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. [2503]
ــ
لـ ((النظرة))، أو مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة، والمراد استراق النظر إلي مت لا يحل كما يفعل أهل الريب، ولا يحسن أن يراد الخائنة من الأعين؛ لأن قوله:((وما تخفي الصدور)) لا يساعد عليه. أقول: يريد أنه لا يجوز أن يجعل الإضافة محضة، بل يكون إضافة محضة، بل يكون إضافة العامل إلي معموله؛ ليناسب قرينته في العمل، كأنه قيل: تعلم نظرة الأعين وخيانتها، وما تخفي الصدور. وفيه بحث؛ لأن تقلب القلب أكثر تجدداً واستمراراً من خيانة العين، فوجب الاختلاف، نحوه قوله تعالي:{الله يستهزئ بهم} رداً لقولهم: {إنما نحن مستهزؤن} حيث قوبلت الجملة الاسمية المحضة بما يشتمل علي الفعل المضارع.
الحديث الثامن عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((قد خفت)) أي ضعف، خفت الصوت إذا ضعف وسكن. قوله:((أو تسأله إياه)) الظاهر أن ((أو)) ليس من شك الراوي، بل هو من قوله صلى الله عليه وسلم، سأله أولاً هل دعوت الله بشيء من الأدعية التي تسأل فيها مكروه؟ أو هل سألت الله البلاء الذي أنت فيه؟ وعلي هذا تعين عود الضمير المنصوب إلي البلاء المفهوم من قوله:((قد خفت)) فيكون قد عم أولاً وخص ثإنياً. قوله: ((ما كنت)) ((ما)) يجوز أن تكون شرطية، و ((فجعله)) جزاؤه، أو موصولة. وقوله:((فعجله)) خبره و ((الفاء)) لتضمنها معنى الشرط. وقوله: ((لا تطيقه)) بعد ما صار الرجل كالفرج، وبعد قوله ((كنت أقول)) لحكاية الحال الماضية المستمرة إلي الحال والاستقبال.
الحديث التاسع عن حذيفة رضي الله عنه: قوله: ((لما يطيق)) متعلق بقوله: ((يتعرض)) و ((من البلاء)) بيان ((ما)).