المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(11) باب ما يجتنبه المحرم - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٦

[الطيبي]

الفصل: ‌(11) باب ما يجتنبه المحرم

2675 -

وفي رواية أحمد، والنسائي عن ابن عباس قال:((إذا رمي الجمرة فقد حل له كل شيء إلا النساء)). [2675]

2676 -

وعنها، قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلي الظهر، ثم رجع إلي منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويفق عند الأولي والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة فلا يقف عندها. رواه أبو داود. [2676]

2677 -

وعن أبي البداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه، قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة: أن يرموا يوم النحر، ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر فيرموه في أحدهما. رواه مالك، والترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.2677]

(11) باب ما يجتنبه المحرم

الفصل الأول

2678 -

عن عبد الله بن عمر: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: ((لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس،

ــ

الحديث السادس عن أبي البداح: قوله: ((رخص)) ((مظ)): رخص لهم أن يتركوا المبيت بمنى في ليالي أيام التشريق لاشتغالهم بالرعي، يعنى رخص لهم أن يرموا يوم النحر جمرة العقبة، ثم لم يرموا اليوم الأول من أيام التشريق، ثم يرموا في الثاني منها رمي يوم القضاء والأداء. وإن قدموا رمي اليوم الثاني إلي الأول هل يجوز أم لا؟ فلا يجوزه الشافعي ومالك؛ لأن ما لم يجب لم يجز، لأنه لا يجوز أداء الفرض قبل وجوبه، وأجازه بعضهم.

باب ما يجتنبه المحرم

الفصل الأول

الحديث الأول عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((سأل)) يتعدى بنفسه إلي المفعول الأول، وبعن إلي الثاني، وقد يجوز تعديته إلي الأول بعن وإلي الثاني بنفسه، فيكون تقديره: سأل رسول الله عن هذه المسألة أو عنه إياها، و ((ما)) استفهامية، وكونه مفعولا علي التأويل. ويجوز أن لا تكون استفهامية أي: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشيء الذي يلبسه المحرم.

ص: 2023

ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فيلبس خفين ولقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه زعفران ولا ورس)) متفق عليه. وزاد البخاري في رواية ((ولا تنتقب المرأة المحرمة، وال تلبس القفازين)).

قوله: ((فقال: لا تلبسوا)) ((قض)): سأل الرجل عما يجوز لبسه، فأجاب عنه بعد ما لا يجوز له لبسه؛ ليدل بالالتزام من طريق المفهوم علي ما يجوز. وإنما عدل عن الجواب المطابق إلي هذا الجواب؛ لأنه أخصر وأحضر؛ فإن ما يحرم أقل وأضبط مما يحل؛ أو لأنه لو قال: يلبس كذا وكذا، فربما أوهم أن لبس شيء مما عدده من المناسك، وليس كذلك؛ فعدل إلي ما لا يوهم ذلك؛ أو لأن السؤال كان من حقه أن يكون عما لا يلبس؛ لأن الحكم العارض المحتاج إلي البيان هو الحرمة، وأما جواز ما يلبس فئابت بالأصل معلوم بالاستصحاب؛ فلذلك أتى بالجواب علي وفقه تنبيها علي ذلك. وفي عطف البرانس علي العمامة دليل علي أن المحرم ينبغي أن لا يغطي رأسه بمعتاد اللباس وغيره. وحاصل الحديث أنه يحرم علي الرجل المحرم لبس المخيط والمطيب وستر الرأس بالعمائم ونحوها. والدليل علي اختصاص الحكم بالرجال توجيه الخطاب نحوهم، فإن واو الضمير وإن استعمل متناولا للقبيلين علي التغليب، فإن الظاهر فيه اختصاصه بالمذكرين. وعطف قوله:((ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين)) عليه.

((نه)): البرنس كل ثوب رأسه منه يلتزق من ذراعه أو جبة. وقال الجوهري: هو قلنسوة طويلة كان النساء يلبسونها في صدر الإسلام، وهو من البرس- بكسر الباء- القطن، والنون زائدة، و ((الورس)) نبت أصفر يصبغ به. و ((القفاز)) - بالضم والتشديد- شيء تلبسه نساء العرب في أيديهن؛ يغطي الأصابع والكف والساعد من البرد. ويكون فيه قطن محشو.

((مح)): الجواب من بديع الكلام وجزيله؛ فإنه صلى الله عليه وسلم سئل عما يلبسه المحرم فقال: لا يلبس كذا وكذا، وكان التصريح بما لا يلبس أولي؛ لأنه منحصر، ودليله أنه نبه بالقميص والسراويل علي جميع ما في معناهما، وهو ما كان مخيطاً أو معمولا علي قدر البدن أو العضو كالجوشن والران والبتان وغيرها. ونبه صلي الله عليه والسلام بالعمائم والبرإنيس علي كل ساتر للرأس مخيطاً كان أو غيره، حتى العصابة فإنها حرام. ونبه صلى الله عليه وسلم بالخفاف علي كل سائر للرجل من مداس وجمجم وجورب وغيرها. وهذا كله حكم الرجال. وأما المرأة فيباح لها ستر جميع بدنها بكل ساتر إلا وجهها؛ فإنه حرام. وفي ستر يديها بالقفازين خلاف، والأصح عند الشافعي تحريمه. ونبه، بالورس والزعفران علي ما في معناهما مما يقصد به الطيب فهو حرام علي القبيلين، فيكره للمحرم لبس الثواب المصبوغ بغير طيب. وأما الفواكه كالأترج والتفاح وأزهار البراري كالشيح

ص: 2024

2679 -

وعن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول: ((إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفين، وإذا لم يجد إزاراً لبس سراويل)). متفق عليه.

ــ

والقيصوم ونحوهما فليس بحرام. ولا يجوز أكل طعام فيه طيب، فإن فعل فعليه فدية، وللمحرم أن يكتحل بكحل لا طيب فيه إذا احتاج إليه ولا فدية. والاكتحال للزينة مكروه، ومنه أحمد وإسحاق، وفي مذهب مالك قولان.

واعلم أن محرمات الإحرام ستة: اللباس بالتفصيل، والطيب، وإزالة الشعر والظفر، وحلق الرأس، وعقد النكاح، والجماع وسائر الاستمتاع، والسابع إتلاف الصيد. وإذا تطيب أو لبس ما نهي عنه وجبت الفدية، إن كان عامداً بالإجماع، وإن كان ناسياً فلا يلزمه عند الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق، وأوجبها أبو حنيفة ومالك.

والحكمة في تحريم اللباس المذكور وإباحة الإزار والرداء هي أن يبعد عن الترفيه ويتصف بصفة الخاشع الذليل؛ وليكون علي ذكره دائماً أنه محرم؛ فيكثر من الدعاء ولا يفتر عن الأذكار، ويصون نفسه عن ارتكاب المحظورات؛ وليتذكر به الموت ولبس الأكفان والبعث يوم القيامة حفاة عراة مهطعين إلي الداعي. والحكمة في تحريم الطيب والنساء أن يبعد عن التنعم وزينة الدنيا وملاذها؛ ولأنه ينافي تذلل الحاج؛ فإن حقه أن يكون أشعث أغبر وأن يجمع همه لمقاصد الآخرة. والحكمة في تحريم الصيد تعظيم بيت الله وحرمه من قتل صيده وقطع شجره.

واختلف العلماء في هذا الحديث والحديث الآتي. فقال أحمد: يجوز لبس الخفين بحالهما ولا يجب قطعهما لحديث ابن عباس، وكان أصحابه يزعمون نسخ حديث ابن عمر المصرح بقطعهما، وزعموا أن قطعهما إضاعة مال. وقال جماهير العلماء: لا يجوز لبسهما إلا بعد قطعهما أسفل من الكعبين؛ لحديث ابن عمر. قالوا: وحديث ابن عباس مطلق وحديث ابن عمر مقيد، والمطلق محمول علي المقيد، والزيادة من الثقة مقبولة. وولهم: إنه إضاعة مال لبس بشيء؛ لأن الإضاعة إنما تكون فيما نهي عنه، وأما ما أمر به فليس بإضاعة بل حق يجب الإذعان له.

ثم اختلفوا في لابس الخفين لعدم النعلين هل يجب عليه فدية أم لا؟ فقال مالك والشافعي ومن وافقهما: لا شيء عليه؛ لأنه لو وجب فدية بينها صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه الفدية، كما إذا احتاج إلي حلق الرأس يحلقه ويفدي، والله أعلم.

الحديث الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((لأبس سراويل)) ((حس)): لا يجوز للحرم لبس السراويل مع وجود الإزار، فإن فعل فعليه الفدية، فإن لم يجد الإزار جاز له لبس السراويل عند أكثرهم ولا فدية عليه. وهو قول الشافعي وأحمد؛ لأن مطلق الإذن في السراويل بوجب الإباحة بلا فدية. وقال مالك وأبو حنيفة: ليس له لبس السراويل، ويحكى عن أبي حنيفة أنه قال: يفتقه ويزر به، ورد بأن مطلق السراويل محمول علي اللباس المعهود.

ص: 2025

2680 -

وعن يعلي بن أمية، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، إذا جاءه رجل أعرابي عليه جبة، وهو متضمخ بالخلوق، فقال: يا رسول الله! إني أحرمت بالعمرة، وهذه علي. فقال:((أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك)). متفق عليه.

2681 -

وعن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينكح المحرم ولا ينكح، ولا يخطب)). رواه مسلم.

2682 -

وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم. متفق عليه.

ــ

الحديث الثالث عن يعلي: قوله: ((متضمخ)) التضمح التلطخ بالطيب والإكثار منه حتى يكاد يقطر. و ((الخلوق)) ضرب من الطيب يتخذونه من الزعفران وغيره. ((حس)): فيه دليل علي أن من أحرم في قميص أو جبة لا يمزق عليه، كما يقول الشعبي، بل إن نزعه في الحال فلا شيء عليه، وعلي أن المحرم إذا لبس أو تطيب ناسيا أو جاهلا فلا فديه عليه؛ لأن السائل كان قريب العهد بالإسلام، ولم يأمره بالفدية، والناسي في معنى الجاهل، وبه قال الشافعي. وأما ما كان من باب الإتلافات من محظورات الإحرام كالحلق والقلم وقتل الصيد، فلا فرق فيها بين العامد والناسي والجاهل في لزوم الفدية. وقد احتج بهذا الحديث من لم يجوز للمحرم أن يتطيب قبل إحرامه بما يبقى أثره بعد الإحرام؛ لأنه أمره بغسل الطيب ثلاث مرات للمبالغة.

وأجيب عنه بأنه إنما أمره بالغسل؛ لأن التضمخ بالزعفران ونحوه مما له صبغ حرام علي الرجال حالتي إحرامه وحله.

قوله: ((ثم اصنع في عمرك)) ((مح)): أي اصنع فيها ما تصنع في الحج من اجتناب المحرمات، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد مع ذلك الطواف والسعي والحلق بصفاتها وهيأتها، وإظهار التلبية وغير ذلك مما يشترك فيه الحج والعمرة. ويخص بعمومه ما لا يدخل في العمرة من أفعال الحج، كالوقوف والرمي والمبيت بمنى والمزدلفة وغير ذلك. وفي الحديث إشعار بأن الرجل كان عالما بصفة الحج دون العمرة.

الحديث الرابع إلي السادس عن عثمان رضي الله عنه: قوله: ((لا ينكح)) ((تو)): يروى من وجهين علي صيغة الخبر وتكون ((لا)) للنفي، وعلي صيغة النهي و ((لا)) هي الجازمة، والكلمات الثلاثة مجزومة بها، وذكر الخطابي أنها علي صيغة النهي أصح.

قلت: قد أخرج هذا الحديث مسلم وأبو داود وأبو عيسى وأبو عبد الرحمن في كتبهم،

ص: 2026

2683 -

وعن يزيد بن الأصم، ابن أخت ميمونة، عن ميمونة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال. رواه المسلم.

قال الشيخ الإمام محيي السنة رحمه الله: والأكثرون علي أنه تزوجها حلالاً.

وظهر أمر تزويجها وهو محرم، ثم بنى بها وهو حلال بسرف في طريق مكة.

ــ

والذي وجدناه الأكثر فيما يعتمد عليه من روايات الأثبات هو الرفع في تلك الكلمات، وقد ذهب الأكثرون من فقهاء الأمصار لاسيما من أصحاب الحديث إلي أن المراد منه النهي، وإن روى علي صيغة الخبر.

((مح)): اختلف العلماء لحديث عثمان رضي الله عنه هذا وحديث ابن عباس الذي يليه في نكاح المحرم، فقال مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة ومن بعدهم: لا يصح نكاح المحرم، واعتمدوا علي أحاديث، وقال أبو حنيفة والكوفيون: يصح نكاحه، لحديث ميمونة. ((تو)): وأصحاب أبي حنيفة رأوا حديث ابن عباس أقوى الحديثين؛ لما بين راويية أعنى ابن عباس ويزيد بن الأصم من الفضل والعلم. ثم إن القوم يرون حديث عثمان رضي الله عنه محتملا للتأويل، لاسيما وقد روي علي صيغة الإخبار؛ فيكون المراد منه أن النكاح والإنكاح ليسا من شأن المحرم؛ فإنه في شغل شاغل عن ذلك، وقصد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كف المحرم، وتقتير رغبته عن النكاح والإنكاح والخطبة؛ لكونها مدعاة إلي هيجان الشهوة، ولم يقصد تحريمه، وعلي هذا الوجه يخرج أيضاً معناه في صيغة النهي. وإذ قد بينا أن حديث يزيد ابن الأصم لا يقاوم حديث ابن عباس؛ لتفاوت ما بين الراويين من الفضل والعلم، فنقول: إن الصحة بل يزيد عليه، ثم إن حديث ابن عباس ليس للتأويل فيه مجال، وحديث عثمان محتمل للتأويل علي ما ذكرنا؛ فليس لنا أن نعدل عن التوفيق بين الحديثين إلي غير ذلك. ولسنا نسعى في نصرة المذهب والقيام بحكم العصبية، بل نجتهد في نفي التضاد عن سنن الرسول ما أمكننا؛ فإن التوفيق بين المختلف أحق وأولي من أن يرد أحدهما بالآخر، والذي ذكرناه من أحسن ما يتوصل به إلي ذلك، والله أعلم.

أقول: كما أنه- رحمه الله رجع حديث ابن عباس علي حديث يزيد؛ لفضله عليه، كذلك نرجع عثمان رضي الله عنه علي ابن عباس؛ لما لا ينكر تفضيله عليه، وكما رجع حديث ابن عباس، وقال: لأنه لا يقصر عنه في درجة الصحة، كذلك نرجح حديث عثمان لاعتضاده بحديث يزيد وبحديث أبي رافع في آخر الفصل الثالث، وحسنه الترمذي.

وأما قوله: حديث عثمان محتمل للتأويل، فتقول به لكن علي غير ما أوله؛ لأن استعمال

ص: 2027

2684 -

وعن أبي أيوب: أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يغسل رأسه وهو محرم. متفق عليه.

ــ

الإخباري في موضع الإنشائي إنما يكون للمبالغة والتأكيد، فيكون المعنى: لا يصح ولا يستقيم نكاح المحرم ولا إنكاحه؛ لأنه مناف لحال المحرم الذي من حقه الاتصاف بصفة الذلة والخشوع والتجانف عن الملاذ وقضاء الشهوات، بل شأنه بذكر الموت ولبس الأكفان والوقوف بالمحشر بين يدي الملك الديان، فإني يليق بحالة التزوج والتزويج! ومن ثم كرر صل الله عليه وسلم المنهيات بقول:((لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب)).

وأما قوله: حديث ابن عباس ليس للتأويل فيه مجال؛ فليس بذاك. ((مح)): فيه وجوه: أحدهما: أنه مر أن جمهور العلماء من الصحابة ومن بعدهم قالوا: لا يصح نكاح المحرم؛ فيكون قد رأوا أنه صلى الله عليه وسلم إنما تزوجها حلالا وهم أعرف بالقضية لتعلقهم بها، وثإنيها: أن قوله: ((وهو محرم)) محمول علي أنه في الحرم وهو حلال، وهي لغة شائعة، ومنه البيت المشهور: قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً. أي في حرم المدينة. وثالثها: أنه إذا تعارض القول والفعل، فالصحيح عن الأصوليين ترجيح القول؛ لأنه يتعدى إلي الغير والفعل قد يكون مقصورا عليه، يريد أن عثمان رضي لله عنه ينقل قول الرسول وابن عباس يبين حاله، ويستدل بالفعل علي ما يدعيه، والقول راجح. ورابعها: قول أصحابنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يتزوج في حال الإحرام، وهو مما خص به دون الأمة، وهذا أصح الوجوه.

أقول: ويمكن وجه آخر وهو أن يقال إن قوله: ((وهو محرم)) حال يجوز حمله علي الحال المقدرة، أي تزوج وهو مقدر الإحرام، وعليه ينزل قول الأكثرين، وهو أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا، وظهر أمر تزويجها وهو محرم، كما في المتن. والله أعلم.

قوله: ((لا ينكح)) ((مح)) معناه [لا يتزوج] امرأة بولاية ولا وكالة، قال العلماء: سببه أنه لما منع في مدة الإحرام من العقد لنفسه صار كالمرأة؛ فلا يعقد لغيره. وظاهر هذا العموم أنه لا فرق بين أن يزوج بولاية خاصة كالأب والأخ، أو عامة كالسلطان والقاضي ونائبه، هذا هو الصحيح عندنا. وقال بعض أصحابنا: يجوز أن يزوج المحرم بالولاية العامة؛ لأنها يستفاد بها ما لايستفاد بالخاصة.

واعلم أن النهي عن النكاح والإنكاح للمحرم نهي تحريم، فلو فعل لم ينعقد. وأما قوله صلى الله عليه وسلم:((ولا يخطب)) فهو نهي تنزيه. وكذا لا يكره للمحرم أن يكون شاهدا في نكاح عقد الحلال. وقال بعض أصحابنا: لا ينقعد بشهادته، لأن الشاهد ركن في عقد النكاح كالولي.

الحديث السابع عن أبي أيوب: قوله: ((يغسل رأسه)) ((مح)): يجوز للمحرم غسل رأسه، وإمرار اليد علي شعره بحيث لا ينتف شعراً، واتفق العلماء علي جواز غسل المحرم رأسه وحده.

ص: 2028

2685 -

وعن ابن عباس قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم. متفق عليه.

2686 -

وعن عثمان، حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل إذا اشتكى عينيه وهو محرم ضمدهما بالصبر. رواه مسلم

2687 -

وعن أم الحصين، قالت: رأيت أسامة وبلالاً، وأحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة. رواه مسلم.

2688 -

وعن كعب بن عجرة [رضي الله عنه] أن النبي صلى الله عليه وسلم، مر به وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكة، وهو محرم، وهو يوقد تحت قدري، والقمل تتهافت

ــ

وعن الجنابة واجب عليه، وأما غسله تبرداً فمذهبنا جوازه بلا كراهة. ويجوز عندنا غسل رأسه بالسدر و [الخطمى]، ولا فدية عليه مالم ينتف شعراً، وقال أبو حنيفة ومالك: هو حرام، فوجب الفدية.

الحديث الثامن عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((احتجم)) ((حس)): قد رخص عامة العلماء في الحجامة للمحرم من غير أن يقطع شعراً، فإن قطع فعليه دم، ولا بأس بأن [ينفط] الجروح ويفقاً الدمل ويقطع العروق إذا احتجا إليه. وسئلت عائشة رضي الله عنها عن المحرم، أيحك جسده؟ قالت:((ليحك وليسدد)).

الحديث التاسع عن عثمان رضي الله عنه: قوله: ((في الرجل)) أي في حق الرجل أو في فتيا الرجل. وقوله: ((إذ اشتكى)) شرط ((وضمدها)) جوابه، وهو المحدث به، يعني إذا اشتكى الرجل من عينيه ضمد. قوله:((ضمدها)) ((نه)): أصل الضمد الشد، يقال: ضمد رأسه وجرحه، إذا شدهما بالضماء، وهي خرقة يشد بها العضو [المؤوف]، ثم قيل لوضع الدواء علي الجرح وغيره وإن لم يشد.

الحديث العاشر عن أم الحصين: قوله: ((رافع ثوبه يستره)) ((حس)): فيه دليل علي أنه لا بأس للمحرم أن يستظل، وهو قول عامة أهل العلم، وكرهه مالك وأحمد.

الحديث الحادي عشر عن كعب: قوله: ((تتهافت)) ((حس)): أي يتساقط من الهفت، وهو السقوط قطعة قطعة، وأكثر ما يستعمل التهافت في الشر. و ((الفرق)) بالتحريك مكيال يسع ستة عشر رطلا، وهو اثنا عشر مداً، وهي ثلاثة أصوع. وقيلأ: الفرق خمسة أقساط، والقط نصف صاع. قوله:((ثلاث آصع)) كذا في صحيح مسلم وكتاب الحميدى وجامع الأصوال وشرح السنة،

ص: 2029

علي وجهه، فقال:((أتؤذيك هوامك؟)) قال: نعم. قال: ((فاحلق رأسك وأطعم فرقا بين ستة مساكين)) والفرق: ثلاثة آصع ((أو صم ثلاثة أيام أو انسك نسيكة)). متفق عليه.

الفصل الثاني

2689 -

عن ابن عمر: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي النساء في إحرامهن عن القفازين، والنقاب ومامس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف. رواه أبو داود. [2689]

ــ

وفي نسخ المصابيح: ((أصوع)). ((مح)): الأصوع جمع صاع يذكر ويؤنث، وهو مكيال يسع خمسة أرطال وثلثاً بالبغدادي. وقد ثبت استعمال الآصع في الحديث الصحيح من رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين. وأما ما ذكره ابن المكي في كتابة المسمى بـ ((تثقيف اللسان)) أن هذا الجمع لحن وهو من خطأ العوام، وصوابه أصوع. فغلط منه؛ لأنه من باب المقلوب، قالوا: يجوز في جمع صاع آصع وفي دار آدر؛ لأن فاء آصع صاد وعينها واو قلبت الواو همزة ونقلت إلي موضع الفاء، ثم قلبت الهمزة ألفاً فصار آصعاً، ووزنه أعفل.

قوله: ((نسيكه)) ((مح)): هي شاة تجزئ في الأضحية، ((حس)): أراد بالهوام القمل، وسماها هوام؛ لأنها تهم في الرأس وتدب. وفيه دليل علي أن فدية الأذى بتخيير الرجل بين الهدى والإطعام والصيام علي ما نطق به القرآن، ولا فرق في التخيير بين أن يحلق رأسه بعذر أو بغير عذر عند أكثر أهل العلم. وذهب قوم إلي أنه حلق بغير عذر فعليه دم إن قدر عليه لا غير، وفي أنه إذا اختار الإطعام يطعم كل مسكين نصف صاع/ سواء أطعم حنطة أو شعيراً أو تمراً أو زبيباً.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((ولتلبس)) أمر عطف علي قوله: ((نهي)) من حيث المعنى، كأنه قيل: لا تلبس المرأة القفازين، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت.

والأوجه أن يؤول الثاني بأن يقال: نهي عن كذا وأمر بكذا؛ لأن ((ينهي)) حال من مفعول ((سمع)). والمراد من ألوان الثياب أصنافها، لا اللون المعروف، لأن ((معصفر)) أو ما عطف عليه بيان للألوان. قوله:((أوحلي)) جعل الحلي من جنس الثياب تغليباً، وفسره المظهر بالحلل، وقال: هي جمع حلة وهي إزار أو رداء من قطن.

ص: 2030

2790 -

وعن عائشة [رضي الله عنها] قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا جاوزوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها علي وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. رواه أبو داود، ولابن ماجه معناه [2690].

2691 -

وعن ابن عمر [رضي الله عنهما] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدهن بالزيت وهو محرم غير المقتت يعني غير المطيب. رواه الترمذي. [2691]

الفصل الثالث

2692 -

عن نافع، أن ابن عمر وجد القر، فقال: ألف علي ثوباً يا نافع! فألقيت عليه برنسا. فقال: تلقي علي هذا وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسه المحرم؟. رواه أبو داود [2692].

2693 -

وعن عبد الله بن مالك بن بحينة، قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم بلحي جمل. من طريق مكة في وسط رأسه. متفق عليه.

ــ

الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((فإذا جاوزوا بنا سدلت)) وبعده ((فإذا جاوزونا كشفناه)). وقال المؤلف: هذا لفظ أبي داود وكذا في جامع الأصول عنه، وفي المصابيح ((فإذا حاذونا سدلت)) وليس عند ابن ماجه بهذا اللفظ ولا بلفظ أبي داود. أقول قوله:((محرمات)) خبر بعد خبر، أي نحن مصاحبات محرمات، والفاء في ((فإذا جاوزوا بنا)) تفصيل لقوله:((الركبان يمرون بنا)) فالأولي أن يكون التفصيل مطابقاً للمفصل، فمعنى قوله:((إذا جازوا بنا)) جاوزوا مارين بنا. ((حس)): ممن قال بالسدل مالك والشافعي وأحمد. فلو وضع المحرم يده علي رأسه أو المحرمة علي وجهها لاشيء عليهما؛ إذ لا بد لهما منه في الوضوء.

الحديث الثالث عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((غير المقتت)) بالقاف والتائين المنقوطتين من فوق بنقطتين. ((نه)): المقتت هو ما يطبخ فيه الرياحين حتى يطيب ريحه.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن نافع: قوله: ((وجد القر)) أي البرد. ((نه)): يقال: قر يومنا يقر قرة ويوم قر بالفتح أي بارد، وليلة قرة.

الحديث الثاني عن عبد الله: قوله: ((بلحي جمل)) ((نه)): هو- بفتح اللام- موضع بين مكة

ص: 2031