الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
دُخُولُ الرُّومِ إِلَى حَلَبَ
فِيهَا دَخَلَ الدُّمُسْتُقُ مَلِكُ الرُّومِ - لَعَنَهُ اللَّهُ - إِلَى حَلَبَ فِي مِائَتَيْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَيْهَا بَغْتَةً، فَنَهَضَ إِلَيْهِ سَيْفُ الدَّوْلَةِ بْنُ حَمْدَانَ بِمَنْ حَضَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَاتَلَهُ فَلَمْ يَقْوَ بِهِ لِكَثْرَةِ جُنُودِهِ، وَقَتَلَ مِنْ أَصْحَابِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ خَلْقًا كَثِيرًا، وَكَانَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ قَلِيلَ الصَّبْرِ، فَفَرَّ مُنْهَزِمًا فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا اسْتَفْتَحَ بِهِ أَنِ اسْتَحْوَذَ عَلَى دَارِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ ظَاهِرَ الْبَلَدِ، فَأَخَذَ مِنْهَا أَمْوَالًا عَظِيمَةً وَحَوَاصِلَ، وَعُدَدًا لِلْحَرْبِ لَا تُحْصَى كَثْرَةً، ثُمَّ تَدَنَّى فَحَاصَرَ السُّورَ، فَقَاتَلَ أَهْلَ الْبَلَدِ دُونَهُ قِتَالًا عَظِيمًا، وَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الرُّومِ، وَثَلَمَتِ الرُّومُ فِي السُّورِ ثُلْمَةً عَظِيمَةً، فَوَقَفَ فِيهَا الرُّومُ، فَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ، فَأَزَاحُوهُمْ عَنْهَا، فَلَمَّا جَنَّ اللَّيْلُ جَدَّ الْمُسْلِمُونَ فِي عِمَارَتِهَا، فَمَا أَصْبَحَ الصَّبَاحُ إِلَّا وَهِيَ كَمَا كَانَتْ، وَحَفِظُوا السُّورَ حِفْظًا عَظِيمًا، ثُمَّ بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ رَجَّالَةَ الشُّرَطِ قَدْ عَاثُوا فِي الْبَلَدِ يَنْهَبُونَ الدُّورَ، فَرَجَعَ النَّاسُ إِلَى مَنَازِلِهِمْ يَمْنَعُونَهَا مِنْهُمْ، وَغَلَبَتِ الرُّومُ عَلَى السُّورِ، فَعَلَوْهُ وَدَخَلُوا الْبَلَدَ يَقْتُلُونَ مَنْ لَقُوهُ، فَقَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَلْقًا كَثِيرًا، وَانْتَهَبُوا الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ وَالنِّسَاءَ، وَخَلَّصُوا مَنْ كَانَ
بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ أُسَارَى الرُّومِ، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، فَأَخَذُوا السُّيُوفَ فَقَاتَلُوا مَعَ قَوْمِهِمْ، وَكَانُوا أَضْرَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَسَرُوا نَحْوًا مِنْ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مَا بَيْنَ صَبِيٍّ وَصَبِيَّةٍ، وَمِنَ النِّسَاءِ شَيْئًا كَثِيرًا، وَمِنَ الرِّجَالِ أَلْفَيْنِ، وَخَرَّبُوا الْمَسَاجِدَ وَأَحْرَقُوهَا، وَصَبُّوا فِي جِبَابِ الزَّيْتِ الْمَاءَ حَتَّى فَاضَ الزَّيْتُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَهَلَكَ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى حَمْلِهِ أَحْرَقُوهُ، وَأَقَامُوا فِي الْبَلَدِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ يَفْعَلُونَ هَذِهِ الْمَفَاسِدَ الْعَظِيمَةَ، ثُمَّ عَزَمَ الدُّمُسْتُقُ عَلَى الِانْصِرَافِ خَوْفًا مِنْ رُجُوعِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أُخْتِهِ: أَتَذْهَبُ وَتَتْرُكُ الْقَلْعَةَ وَرَاءَكَ؟ فَقَالَ لَهُ: إِنَّا قَدْ بَلَغْنَا فَوْقَ مَا كُنَّا نُؤَمِّلُهُ، وَإِنَّ بِهَا مُقَاتِلَةً وَرِجَالًا غُزَاةً، فَقَالَ: لَا بُدَّ لَنَا مِنْهَا. فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ إِلَيْهَا. فَصَمَدَ إِلَيْهَا لِيُحَاصِرَهَا فَرَمَوْهُ بِحَجَرٍ، فَقَتَلَهُ فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ مِنْ بَيْنِ الْجَيْشِ كُلِّهِ، فَغَضِبَ الدُّمُسْتُقُ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِإِحْضَارِ مَنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ أَلْفَيْنِ، فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا، قَبَّحَهُ اللَّهُ وَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ دَخَلُوا عَيْنَ زَرْبَةَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَاسْتَأْمَنَهُمْ أَهْلُهَا فَأَمَّنَهُمُ الْمَلِكُ، وَأَمَرَ بِأَنْ يَدْخُلُوا كُلُّهُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَمَنْ بَقِيَ فِي مَنْزِلِهِ قُتِلَ، فَصَارَ أَهْلُهَا كُلُّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ مِنْهُمْ قُتِلَ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَبْقَيْنَ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْيَوْمَ إِلَّا ذَهَبَ حَيْثُ شَاءَ، وَمَنْ تَأَخَّرَ قُتِلَ، فَازْدَحَمُوا فِي خُرُوجِهِمْ مِنَ
الْمَسْجِدِ، فَمَاتَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَخَرَجُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ لَا يَدْرُونَ أَيْنَ يَذْهَبُونَ، فَمَاتَ فِي الطُّرُقَاتِ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ هَدَمَ الْجَامِعَ، وَكَسَرَ الْمِنْبَرَ، وَقَطَعَ مِنْ حَوْلِ الْبَلَدِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ نَخْلَةٍ، وَهَدَمَ سُورَ الْبَلَدِ وَالْمَنَازِلَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا مِنْهَا، وَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً، وَفَتَحَ حَوْلَهَا أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ حِصْنًا، بَعْضُهَا بِالسَّيْفِ وَبَعْضُهَا بِالْأَمَانِ، وَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا، وَأَسَرَتِ الرُّومُ أَبَا فِرَاسِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَمْدَانَ نَائِبَ مَنْبِجَ مِنْ جِهَةِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ شَاعِرًا مُطْبِقًا، لَهُ دِيوَانٌ حَسَنٌ. وَكَانَ مُدَّةُ مُقَامِهِ بِعَيْنِ زَرْبَةَ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ سَارَ إِلَى قَيْسَارِيَّةَ فَلَقِيَهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ طَرَسُوسَ مَعَ نَائِبِهَا ابْنِ الزَّيَّاتِ فَقَتَلَ أَكْثَرَهُمْ، وَأَدْرَكَهُ صَوْمُ النَّصَارَى فَاشْتَغَلَ بِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ، ثُمَّ هَجَمَ عَلَى حَلَبَ بَغْتَةً، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَتَبَتِ الْعَامَّةُ مِنَ الرَّوَافِضِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ بِبَغْدَادَ: لَعَنَ اللَّهُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَلَعَنَ مَنْ غَصَبَ فَاطِمَةَ فَدَكَ - يَعْنُونَ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه وَمَنْ أَخْرَجَ الْعَبَّاسَ مِنَ الشُّورَى - يَعْنُونَ عُمَرَ، رضي الله عنه وَمَنْ نَفَى أَبَا ذَرٍّ - يَعْنُونَ عُثْمَانَ رضي الله عنه وَمَنْ مَنَعَ دَفْنَ الْحَسَنِ عِنْدَ جَدِّهِ - يَعْنُونَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ -، وَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ مُعِزَّ الدَّوْلَةِ لَمْ يُنْكِرْهُ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ، ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مَحَوْا ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِأَنْ يُكْتَبَ: لَعَنَ اللَّهُ الظَّالِمِينَ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، وَالتَّصْرِيحِ بِاسْمِ مُعَاوِيَةَ فِي اللَّعْنِ، فَكُتِبَ ذَلِكَ. قَبَّحَ اللَّهُ مُعِزَّ الدَّوْلَةِ وَشِيعَتَهُ مِنَ الرَّوَافِضِ، وَكَذَلِكَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ بْنُ حَمْدَانَ بِحَلَبَ فِيهِ تَشَيُّعٌ وَمَيْلٌ إِلَى الرَّوَافِضِ، وَلَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَنْصُرُ أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ، وَيُدِيلُ عَلَيْهِمْ أَعْدَاءَهُمْ ; لِمُتَابَعَتِهِمْ أَهْوَاءَهُمْ، وَتَقْلِيدِهِمْ سَادَتَهُمْ وَكُبَرَاءَهُمْ وَآبَاءَهُمْ، وَتَرْكِ