الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا عَظُمَ شَأْنُ السَّلْجُوقِيَّةِ، وَارْتَفَعَ شَأْنُ مَلِكِهِمْ طُغْرُلْبَكَ مُحَمَّدٍ وَأَخِيهِ جَغْرِيبَكَ دَاوُدَ، وَهُمَا ابْنَا مِيكَائِيلَ بْنِ سَلْجُوقَ بْنِ دُقَاقَ، وَقَدْ كَانَ جَدُّهُمْ دُقَاقُ هَذَا مِنْ مَشَايِخِ التُّرْكِ الْقُدَمَاءِ الَّذِينَ لَهُمُ الرَّأْيُ وَالْمَكِيدَةُ وَالْمَكَانَةُ عِنْدَ مَلِكِهِمُ الْأَعْظَمِ، وَنَشَأَ وَلَدُهُ سَلْجُوقُ نَجِيبًا شَهْمًا، فَقَدَّمَهُ الْمَلِكُ وَلَقَّبَهُ سُبَاشَى، فَأَطَاعَتْهُ الْجُيُوشُ، وَانْقَادَتْ لَهُ النَّاسُ بِحَيْثُ تَخَوَّفَ مِنْهُ الْمَلِكُ، وَأَرَادَ قَتْلَهُ، فَهَرَبَ مِنْهُ إِلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَسْلَمَ فَازْدَادَ عِزًّا وَعُلُوًّا، ثُمَّ تُوُفِّيَ عَنْ مِائَةٍ وَسَبْعِ سِنِينَ، وَخَلَّفَ أَرْسَلَانَ وَمِيكَائِيلَ وَمُوسَى، فَأَمَّا مِيكَائِيلُ فَإِنَّهُ اعْتَنَى بِقِتَالِ الْكُفَّارِ مِنَ الْأَتْرَاكِ، حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، وَخَلَّفَ وَلَدَيْهِ طُغْرُلْبَكَ مُحَمَّدًا، وَجَغْرِيبَكَ دَاوُدَ، فَعَظُمَ شَأْنُهُمَا فِي بَنِي عَمِّهِمَا، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِمَا التُّرْكُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمْ تُرْكُ الْإِيمَانِ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمُ الْيَوْمَ: تَرْكُمَانُ. وَهُمُ السَّلَاجِقَةُ بَنُو سَلْجُوقَ جَدِّهِمْ هَذَا، فَفَتَحُوا بِلَادَ خُرَاسَانَ بِكَمَالِهَا بَعْدَ مَوْتِ مَحْمُودِ بْنِ
سُبُكْتِكِينَ، فَقَدْ كَانَ يَتَخَوَّفُ مِنْهُمُ الْمَلِكُ مَحْمُودٌ بَعْضَ التَّخَوُّفِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَقَامَ وَلَدُهُ مَسْعُودٌ مِنْ بَعْدِهِ قَاتَلَهُمْ وَقَاتَلُوهُ مِرَارًا، فَيَهْزِمُونَهُ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاقِفِ، وَاسْتُكْمِلَ لَهُمْ مُلْكُ خُرَاسَانَ بِأَسَرِهَا، ثُمَّ قَصَدَهُمْ مَسْعُودٌ فِي جُنُودٍ يَضِيقُ بِهِمُ الْفَضَاءُ فَكَسَرُوهُ فِيهَا، وَكَبَسَهُ مَرَّةً دَاوُدُ، فَانْهَزَمَ مِنْهُ مَسْعُودٌ، فَاسْتَحْوَذَ عَلَى حَوَاصِلِهِ وَخِيَامِهِ، وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَفَرَّقَ الْغَنَائِمَ، وَمَكَثَ جَيْشُهُ عَلَى خُيُولِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لَا يَنْزِلُونَ عَنْهَا ; خَوْفًا مِنْ دُهْمَةِ الْعَدُوِّ، وَبِمِثْلِ هَذَا الِاحْتِرَاسِ تَمَّ لَهُمْ مَا رَامُوهُ، وَكَمَلَ جَمِيعُ مَا أَمَّلُوهُ، ثُمَّ كَانَ مِنْ سَعَادَتِهِمْ أَنَّ الْمَلِكَ مَسْعُودًا تَوَجَّهَ نَحْوَ بِلَادِ الْهِنْدِ لِيُشَتِّيَ بِهَا، وَتَرَكَ مَعَ وَلَدِهِ مَوْدُودٍ جَيْشًا كَثِيفًا بِسَبَبِ قِتَالِ السَّلَاجِقَةِ، فَلَمَّا عَبَرَ الْجِسْرَ الَّذِي عَلَى سَيَحْوُنَ نَهَبَتْ جُنُودُهُ حَوَاصِلَهُ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى أَخِيهِ مُحَمَّدٍ، وَخَلَعُوا مَسْعُودًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ مَسْعُودٌ، فَقَاتَلَهُمْ، فَهَزَمُوهُ وَأَسَرُوهُ، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّكَ عَلَى سُوءِ صَنِيعِكَ إِلَيَّ، وَلَكِنِ اخْتَرْ لِنَفْسِكَ أَيَّ بَلَدٍ تَكُونُ فِيهِ أَنْتَ وَعِيَالُكَ. فَاخْتَارَ قَلْعَةً كُبْرَى فَكَانَ بِهَا، ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ مُحَمَّدًا جَعَلَ لِوَلَدِهِ أَحْمَدَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ، وَبَايَعَ الْجَيْشُ لَهُ، وَقَدْ كَانَ فِي أَحْمَدَ هَوَجٌ وَقِلَّةُ عَقْلٍ، فَاتَّفَقَ هُوَ وَعَمُّهُمْ يُوسُفُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ عَلَى قَتْلِ مَسْعُودٍ لِيَصْفُوَ لَهُمُ الْأَمْرُ، وَيَتِمَّ لَهُمُ الْمُلْكُ، فَسَارَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ مِنْ أَبِيهِ فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا عَلِمَ أَبُوهُ غَاظَهُ ذَلِكَ وَعَتَبَ عَلَى ابْنِهِ عَتْبًا شَدِيدًا، وَبَعَثَ إِلَى ابْنِ أَخِيهِ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ، وَيُقْسِمُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى كَانَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَوْدُودُ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: رَزَقَ اللَّهُ وَلَدَكَ الْمَعْتُوهَ عَقْلًا يَعِيشُ بِهِ، فَقَدِ ارْتَكَبَ أَمْرًا عَظِيمًا، وَأَقْدَمَ عَلَى إِرَاقَةِ دَمِ مَلِكٍ مِثْلِ وَالِدِي، لَقَّبَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِسَيِّدِ الْمُلُوكِ وَالسَّلَاطِينِ، وَسَتَعْلَمُونَ أَيَّ حَتْفٍ تَوَرَّطْتُمْ وَأَيَّ شَرِّ تَأَبَّطْتُمْ:{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبِ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]