الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
عَمِلَتِ الرَّوَافِضُ بِدْعَتَهُمْ فِي عَاشُورَاءَ مِنَ النِّيَاحَةِ وَتَعْلِيقِ الْمُسُوحِ وَغَلْقِ الْأَسْوَاقِ.
وَفِيهَا اجْتَمَعَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ الْحَنَفِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرُّمَّانِيُّ وَابْنُ الدَّقَّاقِ الْحَنْبَلِيُّ بِعِزِّ الدَّوْلَةِ بَخْتِيَارَ بْنِ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ، وَحَرَّضُوهُ عَلَى غَزْوِ الرُّومِ، فَبَعَثَ جَيْشًا لِقِتَالِهِمْ، فَأَظْفَرَهُ اللَّهُ بِهِمْ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَبَعَثُوا بِرُءُوسِهِمْ إِلَى بَغْدَادَ فَسَكَنَتْ أَنْفُسُ النَّاسِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَفِيهَا سَارَتِ الرُّومُ مَعَ الدُّمُسْتُقِ - لَعَنَهُ اللَّهُ - إِلَى حِصَارِ آمِدَ وَعَلَيْهَا هَزَارِمَرْدُ غُلَامُ أَبِي الْهَيْجَاءِ بْنِ حَمْدَانَ، فَكَتَبَ إِلَى أَبِي تَغْلِبَ يَسْتَصْرِخُهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَخَاهُ أَبَا الْقَاسِمِ هِبَةَ اللَّهِ بْنَ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ، فَاجْتَمَعَا لِقِتَالِهِ، فَلَقِيَاهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ لَا مَجَالَ لِلْخَيْلِ فِيهِ، فَاقْتَتَلُوا مَعَ الرُّومِ قِتَالًا شَدِيدًا، فَعَزَمَتِ الرُّومُ عَلَى الْفِرَارِ، فَلَمْ تَقْدِرْ، فَاسْتَحَرَّ فِيهِمُ الْقَتْلُ، وَأُخِذَ الدُّمُسْتُقُ أَسِيرًا، فَأُودِعَ فِي السِّجْنِ، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِ حَتَّى مَرِضَ، وَمَاتَ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، وَقَدْ جَمَعَ لَهُ أَبُو تَغْلِبَ الْأَطِبَّاءَ، فَلَمْ يَنْفَعْهُ شَيْءٌ.
وَفِيهَا احْتَرَقَ الْكَرْخُ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمَعُونَةِ ضَرَبَ رَجُلًا مِنَ الْعَامَّةِ فَمَاتَ، فَثَارَ بِهِ الْعَامَّةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَتْرَاكِ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ فَدَخَلَ دَارًا، فَأَخْرَجُوهُ مَسْحُوبًا، وَقَتَلُوهُ وَحَرَقُوهُ، فَرَكِبَ الْوَزِيرُ أَبُو الْفَضْلِ الشِّيرَازِيُّ - وَكَانَ شَدِيدَ التَّعَصُّبِ لِلسُّنَّةِ - وَبَعَثَ حَاجِبَهُ إِلَى أَهْلِ الْكَرْخِ، فَأَلْقَى فِي دُورِهِمُ النَّارَ، فَاحْتَرَقَتْ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الدُّورِ وَالْأَمْوَالِ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةِ دُكَّانٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ مَسْجِدًا، وَسَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ إِنْسَانٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عَزَلَ عِزُّ الدَّوْلَةِ بَخْتِيَارُ بْنُ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ وَزِيرَهُ هَذَا عَنِ الْوِزَارَةِ، وَوَلَّاهَا مُحَمَّدَ بْنَ بَقِيَّةَ، فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ وَضِيعًا عِنْدَ النَّاسِ لَا حُرْمَةَ لَهُ، كَانَ أَبُوهُ فَلَّاحًا بِقَرْيَةِ أَوَانَا وَكَانَ هُوَ مِمَّنْ يَخْدِمُ عِزَّ الدَّوْلَةِ، يُقَدِّمُ لَهُ الطَّعَامَ، وَيَحْمِلُ مِنْدِيلَ الزَّفَرِ عَلَى كَتِفِهِ إِلَى أَنْ وَلِيَ الْوِزَارَةَ، وَمَعَ هَذَا كَانَ أَشَدَّ ظُلْمًا لِلرَّعِيَّةِ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَكَثُرَ فِي زَمَانِهِ الْعَيَّارُونَ بِبَغْدَادَ، وَفَسَدَتِ الْأُمُورُ بِبَغْدَادَ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ عِزِّ الدَّوْلَةِ وَبَيْنَ حَاجِبِهِ سُبُكْتِكِينَ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى دَخَنٍ.
وَفِيهَا كَانَ دُخُولُ الْمُعِزِّ الْفَاطِمِيِّ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَصَحِبَتْهُ تَوَابِيتُ آبَائِهِ فَوَصَلَ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فِي شَعْبَانَ مِنْهَا، وَقَدْ تَلَقَّاهُ أَعْيَانُ مِصْرَ إِلَيْهَا، فَخَطَبَ النَّاسَ هُنَالِكَ خُطْبَةً بَلِيغَةً ارْتِجَالًا، ذَكَرَ فِيهَا فَضْلَهُمْ وَشَرَفَهُمْ، وَقَدْ كَذَبَ فَقَالَ فِيهَا: إِنَّ اللَّهَ أَغَاثَ الرَّعَايَا بِهِمْ وَبِدَوْلَتِهِمْ، وَحَكَى ذَلِكَ عَنْهُ قَاضِي
بِلَادِ مِصْرَ، وَكَانَ جَالِسًا إِلَى جَنْبِهِ، فَسَأَلَهُ: هَلْ رَأَيْتَ خَلِيفَةً أَفْضَلَ مِنِّي؟ فَقَالَ لَهُ: لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنَ الْخَلَائِفِ سِوَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ: أَحَجَجْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَزُرْتَ قَبْرَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ قَالَ: فَتَحَيَّرْتُ مَاذَا أَقُولُ، ثُمَّ نَظَرْتُ فَإِذَا ابْنُهُ قَائِمٌ مَعَ كِبَارِ الْأُمَرَاءِ، فَقُلْتُ: شَغَلَنِي عَنْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا شَغَلَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ السَّلَامِ عَلَى وَلِيِّ الْعَهْدِ، وَنَهَضْتُ إِلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَرَجَعْتُ، فَانْفَسَحَ الْمَجْلِسُ إِلَى غَيْرِي.
ثُمَّ سَارَ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى مِصْرَ، فَدَخَلَهَا فِي الْخَامِسِ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَنَزَلَ الْقَصْرَيْنِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَا دَخَلَ إِلَى مَحَلِّ مُلْكِهِ خَرَّ سَاجِدًا شُكْرًا لِلَّهِ عز وجل.
ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ حُكُومَةٍ انْتَهَتْ إِلَيْهِ أَنَّ امْرَأَةَ كَافُورٍ الْإِخْشِيدِيِّ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ أَوْدَعَتْ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ الصُّوَّاغِ قَبَاءً مِنْ لُؤْلُؤٍ مَنْسُوجٍ بِالذَّهَبِ، وَأَنَّهُ جَحَدَ ذَلِكَ، فَاسْتَحْضَرَهُ وَقَرَّرَهُ، فَجَحَدَ الْيَهُودِيُّ ذَلِكَ وَأَنْكَرَهُ، فَأَمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُعِزُّ، بِأَنْ تُحْفَرَ دَارُهُ، وَيُسْتَخْرَجُ مَا فِيهَا، فَوَجَدُوا الْقَبَاءَ بِعَيْنِهِ قَدْ جَعَلَهُ فِي جَرَّةٍ وَدَفَنَهَا فِيهَا، فَسَلَّمَهُ الْمُعِزُّ إِلَيْهَا، فَقَدَّمَتْهُ إِلَيْهِ وَعَرَضَتْهُ عَلَيْهِ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهَا وَرَدَّهُ عَلَيْهَا، فَاسْتَحْسَنَ مِنْهُ ذَلِكَ الْحَاضِرُونَ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» .