الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَتَّى بِيعَ الْكُرُّ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ دِينَارًا، وَوَقَعَ الْفَنَاءُ فِي النَّاسِ حَتَّى كَانَ الْجَمَاعَةُ يُدْفَنُونَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ وَلَا صَلَاةٍ، وَبِيعَ الْعَقَارُ وَالْأَثَاثُ بِأَرْخَصِ الْأَسْعَارِ، وَاشْتُرِيَ بِالدِّرْهَمِ مَا كَانَ يُسَاوِي الدِّينَارَ، وَرَأَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَنَامِهَا، وَهُوَ يَأْمُرُهَا بِخُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِامْتِثَالِ ذَلِكَ، فَصَلَّى النَّاسُ وَاسْتَسْقَوْا، فَجَاءَتِ الْأَمْطَارُ، فَزَادَتِ الْفُرَاتَ شَيْئًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، وَغَرِقَتِ الْعَبَّاسِيَّةُ، وَدَخَلَ الْمَاءُ شَوَارِعَ بِبَغْدَادَ، فَسَقَطَتِ الْقَنْطَرَةُ الْعَتِيقَةُ وَالْجَدِيدَةُ، وَقَطَعَتِ الْأَكْرَادُ عَلَى قَافِلَةٍ مَنْ خُرَاسَانَ الطَّرِيقَ، فَأَخَذُوا مِنْهُمْ مَا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِينَارٍ، وَكَانَ أَكْثَرُ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ بَجْكَمَ التُّرْكِيِّ.
وَخَرَجَ النَّاسُ لِلْحَجِّ، فِي هَذِهِ السَّنَةِ، ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، بِسَبَبِ رَجُلٍ مِنَ الْعَلَوِيِّينَ قَدْ ظَهَرَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَخَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَوْمَرْدَ
الْفَقِيهُ، أَحَدُ أَصْحَابِ ابْنِ سُرَيْجٍ، خَرَجَ مِنَ الْحَمَّامِ، فَسَقَطَ عَلَيْهِ، فَمَاتَ مِنْ فَوْرِهِ، رحمه الله.
بَجْكَمُ التُّرْكِيُّ
الَّذِي تَوَلَّى إِمْرَةَ الْأُمَرَاءِ بِبَغْدَادَ قَبْلَ بَنِي بُوَيْهِ، وَكَانَ عَاقِلًا يَفْهَمُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَتَكَلَّمُ بِهَا، يَقُولُ: أَخَافُ أَنْ أُخْطِئَ، وَالْخَطَأُ مِنَ الرَّئِيسِ قَبِيحٌ.
وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يُحِبُّ الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ، وَكَانَ كَثِيرَ الْأَمْوَالِ وَالصَّدَقَاتِ، ابْتَدَأَ بِعَمَلِ مَارَسْتَانَ بِبَغْدَادَ فَلَمْ يَتِمَّ، فَجَدَّدَهُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ بْنُ بُوَيْهِ.
وَكَانَ يَقُولُ: الْعَدْلُ أَرْبَحُ لِلسُّلْطَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَكَانَ يَدْفِنُ أَمْوَالًا كَثِيرَةً فِي الصَّحَارِي، فَلَمَّا مَاتَ لَمْ يُدْرَ أَيْنَ هِيَ.
وَكَانَ نُدَمَاءُ الرَّاضِي قَدِ انْحَدَرُوا إِلَى بَجْكَمَ وَهُوَ بِوَاسِطٍ، وَكَانَ قَدْ ضَمِنَهَا بِثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَكَانُوا يُسَامِرُونَهُ كَالْخَلِيفَةِ، فَكَانَ لَا يَفْهَمُ أَكْثَرَ مَا يَقُولُونَ، وَرَاضَ لَهُ مِزَاجَهُ الطَّبِيبُ سِنَانُ بْنُ ثَابِتٍ الصَّابِئُ حَتَّى لَانَ خُلُقُهُ، وَحَسُنَتْ سِيرَتُهُ، وَقَلَّتْ سَطْوَتُهُ، وَلَكِنْ لَمْ يُعَمَّرْ إِلَّا قَلِيلًا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرَّةً رَجُلٌ فَوَعَظَهُ فَأَبْكَاهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَلَحِقَهُ بِهَا الْغُلَامُ، فَقَالَ بَجْكَمُ لِجُلَسَائِهِ: مَا أَظُنُّهُ يَقْبَلُهَا وَلَا يُرِيدُهَا، وَمَا يَصْنَعُ هَذَا بِالدُّنْيَا؟ هَذَا مُحَرَّقٌ بِالْعِبَادَةِ. فَرَجَعَ الْغُلَامُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، فَقَالَ: قَبِلَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ بَجْكَمُ: كُلُّنَا صَيَّادُونَ وَلَكِنَّ الشِّبَاكَ تَخْتَلِفُ.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَسَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّهُ خَرَجَ يَتَصَيَّدُ، فَلَقِيَ طَائِفَةً مِنَ الْأَكْرَادِ، فَاسْتَهَانَ بِهِمْ، فَقَاتَلُوهُ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَتَلَهُ. وَكَانَتْ إِمْرَتُهُ عَلَى بَغْدَادَ سَنَتَيْنِ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَتِسْعَةَ أَيَّامٍ، وَخَلَّفَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْحَوَاصِلِ مَا يُنَيِّفُ عَلَى أَلْفَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، أَخَذَهَا الْمُتَّقِي لِلَّهِ كُلَّهَا.
أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ الْوَاعِظُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ
الْعَالَمُ الزَّاهِدُ الْفَقِيهُ الْحَنْبَلِيُّ الْوَاعِظُ، صَاحَبُ الْمَرُّوذِيَّ وَسَهْلًا التُّسْتَرِيَّ، وَتَنَزَّهَ عَنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ - وَكَانَ سَبْعِينَ أَلْفًا - لِأَمَرٍ كَرِهَهُ. وَكَانَ شَدِيدًا عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي، وَكَانَ كَبِيرَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَقَدْ عَطَسَ يَوْمًا وَهُوَ يَعِظُ النَّاسَ، فَشَمَّتَهُ الْحَاضِرُونَ، ثُمَّ شَمَّتَهُ مَنْ سَمِعَهُمْ، حَتَّى شَمَّتَهُ أَهْلُ بَغْدَادَ فَانْتَهَتِ الضَّجَّةُ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ، فَغَارَ الْخَلِيفَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوْلَةِ فَطُلِبَ فَاسْتَتَرَ عِنْدَ أُخْتِ تُوزُونَ شَهْرًا، ثُمَّ أَخَذَهُ الْقِيَامُ فَمَاتَ عِنْدَهَا، فَأَمَرَتْ خَادِمَهَا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَامْتَلَأَتِ الدَّارُ رِجَالًا عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ، فَدَفَنَتْهُ عِنْدَهَا، ثُمَّ أَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ عِنْدَهُ، وَكَانَ عُمْرُهُ يَوْمَ مَاتَ سِتًّا وَتِسْعِينَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ أَبُو بَكْرٍ الْأَزْرَقُ
لِأَنَّهُ كَانَ أَزْرَقَ الْعَيْنَيْنِ، التَّنُوخِيُّ الْكَاتِبُ، سَمِعَ جَدَّهُ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ بَكَّارٍ
وَالْحَسَنَ بْنَ عَرَفَةَ وَغَيْرَهُمْ، وَكَانَ خَشِنَ الْعَيْشِ، كَثِيرَ الصَّدَقَةِ، يُقَالُ: إِنَّهُ تَصَدَّقَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ. وَكَانَ أَمَّارًا بِالْمَعْرُوفِ نِهَّاءً عَنِ الْمُنْكَرِ، رَوَى عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ، وَكَانَ ثِقَةً عَدْلًا. تُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.