الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَتْ قَدْ هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ جِدًّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْأَشْجَارِ، وَهَدَمَتْ رَوَاشِنَ كَثِيرَةً مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ وَدَارِ الْمَمْلَكَةِ.
وَلَمْ يَحُجَّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ أَبُو الْحَسَنِ
الْمَعْرُوفُ بِالْعَتِيقِيِّ، نِسْبَةً إِلَى جَدٍّ لَهُ كَانَ يُسَمَّى عَتِيقًا، سَمِعَ مِنِ ابْنِ شَاهِينَ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ صَدُوقًا. تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ مِنْهَا وَقَدْ جَاوَزَ السَّبْعِينَ.
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَبُو الْقَاسِمِ الْعَلَوِيُّ
وَيُعْرَفُ بِابْنِ الشَّبِيهِ. قَالَ الْخَطِيبُ: سَمِعَ مِنِ ابْنِ مُظَفَّرٍ وَكَتَبَ عَنْهُ، وَكَانَ صَدُوقًا دَيِّنًا، حَسَنَ الِاعْتِقَادِ، يُوَرِّقُ بِالْأُجْرَةِ وَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيَتَصَدَّقُ. تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ مِنْهَا وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ.
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَقَضَى الْقُضَاةِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيِّ
يُكَنَّى أَبَا الْفَائِزِ،
شَهِدَ عِنْدَ ابْنِ مَاكُولَا فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ، فَأَجَازَ شَهَادَتَهُ احْتِرَامًا لِأَبِيهِ، تُوُفِّيَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصُّورِيُّ الْحَافِظُ
طَلَبَ الْحَدِيثَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مَا كَبُرَ وَأَسَنَّ، فَرَحَلَ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ إِلَى الْآفَاقِ، وَكَتَبَ الْكَثِيرَ، وَصَنَّفَ وَاسْتَفَادَ عَلَى الْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْمِصْرِيِّ، وَكَتَبَ عَنْهُ شَيْخُهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ شَيْئًا فِي تَصَانِيفِهِ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَهْلِ الْحَدِيثِ هِمَّةً فِي الطَّلَبِ وَهُوَ شَابٌّ، ثُمَّ كَانَ مَنْ أَقْوَى النَّاسِ عَزِيمَةً عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَّا يَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ حَسَنَ الْخُلُقِ جَمِيلَ الْمُعَاشَرَةِ، وَقَدْ ذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ، فَكَانَ يَكْتُبُ بِالْأُخْرَى الْمُجَلَّدَ فِي جُزْءٍ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنِ الطُّيُورِيِّ: يُقَالُ: إِنَّ عَامَّةَ كُتُبِ الْخَطِيبِ سِوَى " التَّارِيخِ " مُسْتَفَادَةٌ مِنْ كُتُبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيِّ. كَانَ قَدْ مَاتَ الصُّورِيُّ وَتَرَكَ كُتُبَهُ اثْنَيْ عَشَرَ عِدْلًا عِنْدَ أَخِيهِ، فَلَمَّا صَارَ الْخَطِيبُ إِلَى الشَّامِ أَعْطَى أَخَاهُ شَيْئًا، وَأَخَذَ بَعْضَ تِلْكَ الْكُتُبَ، فَحَوَّلَهَا فِي كُتُبِهِ.
وَمِنْ شَعْرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيِّ:
تَوَلَّى الشَّبَابُ بِرَيَعَانِهِ
…
وَجَاءَ الْمَشِيبُ بِأَحْزَانِهِ
فَقَلْبِي لِفُقْدَانِ ذَا مُؤْلَمٌ
…
كَئِيبٌ بِهَذَا وَوِجْدَانِهِ
وَإِنْ كَانَ مَا جَارَ فِي سَيْرِهِ.
وَلَا جَاءَ فِي غَيْرِ إِبَّانِهِ
…
وَلَكِنْ أَتَى مُؤْذِنًا بِالرَّحِيلِ
فَوَيْلِي مِنْ قُرْبِ إِيذَانِهِ
…
وَلَوْلَا ذُنُوبٌ تَحَمَّلْتُهَا
لَمَا رَاعَنِي حَالَ إِتْيَانِهِ
…
وَلَكِنَّ ظَهْرِي ثَقِيلٌ بِمَا
جَنَاهُ شَبَابِي بِطُغْيَانِهِ
…
فَمَنْ كَانَ يَبْكِي شَبَابًا مَضَى
وَيَنْدُبُ طَيِّبَ أَزْمَانِهِ
…
فَلَيْسَ بُكَائِي وَمَا قَدْ تَرَوْ
نَ مِنِّي لِوَحْشَةِ فُقْدَانِهِ
…
وَلَكِنْ لِمَا كَانَ قَدْ جَرَّهُ
عَلَيَّ بِوَثْبَاتِ شَيْطَانِهِ
…
فَوَيْلِي وَعَوْلِي إِنْ لَمْ يَجُدْ
عَلَيَّ مَلِيكِي بِرِضْوَانِهِ
…
وَلَمْ يَتَغَمَّدْ ذُنُوبِي وَمَا
جَنَيْتُ بِوَاسِعِ غُفْرَانِهِ
…
وَيَجْعَلْ مَصِيرِي إِلَى جَنَّةٍ
يَحِلُّ بِهَا أَهْلَ قُرْبَانِهِ
…
وَإِنْ كُنْتُ مَا لِي مِنْ قُرْبَةٍ
سِوَى حُسْنِ ظَنِّي بِإِحْسَانِهِ
…
وَأَنِّي مُقِرٌّ بِتَوْحِيدِهِ
عَلِيمٌ بِعِزَّةِ سُلْطَانِهِ
…
أُخَالِفُ فِي ذَاكَ أَهْلَ الْجُحُودِ
وَأَهْلَ الْفُسُوقِ وَعُدْوَانِهِ
…
وَأَرْجُو بِهِ الْفَوْزَ فِي مَنْزِلٍ
مُقِرٍّ لِأَعْيُنِ سُكَّانِهِ
…
وَلَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَحُودِ
وَمَنْ قَدْ أَقَرَّ بِإِيمَانِهِ
…
فَهَذَا يُنَجِّيهِ إِيمَانُهُ
وَهَذَا يَبُوءُ بِخُسْرَانِهِ
…
وَهَذَا يُنَعَّمُ فِي جَنَّةٍ
وَذَلِكَ فِي قَعْرِ نِيرَانِهِ
وَمِنْ شَعْرِهِ أَيْضًا، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
قُلْ لِمَنْ عَانَدَ الْحَدِيثَ وَأَضْحَى
…
عَائِبًا أَهْلَهُ وَمَنْ يَدَّعِيهِ
أَبِعِلْمٍ تَقُولُ هَذَا أَبِنْ لِي
…
أَمْ بِجَهْلٍ فَالْجَهْلُ خُلْقُ السَّفِيهِ
أَيُعَابُ الَّذِينَ هُمْ حَفِظُوا الدِّي
…
نَ مِنَ التُّرَّهَاتِ وَالتَّمْوِيهِ
وَإِلَى قَوْلِهِمْ وَمَا قَدْ رَوَوْهُ
…
رَاجِعٌ كُلُّ عَالِمٍ وَفَقِيهِ
وَكَانَ سَبَبُ وَفَاتِهِ رحمه الله أَنَّهُ افْتَصَدَ، فَوَرِمَتْ يَدُهُ ; لِأَنَّهُ - عَلَى مَا ذُكِرَ - كَانَتْ رِيشَةُ الْحَاجِمِ مَسْمُومَةً لِغَيْرِهِ، فَغَلِطَ، فَفَصَدَهُ بِهَا، فَكَانَتْ فِيهَا مَنِيَّتُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، فَحُمِلَ إِلَى الْمَارَسْتَانِ، فَمَاتَ بِهِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ سَلْخِ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ جَامِعِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى السِّتِّينَ سَنَةً، أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَهُ وَإِيَّانَا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ، آمِينَ.