الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا قَبَضَ السُّلْطَانُ أَلْبُ أَرْسَلَانَ عَلَى وَزِيرِ عَمِّهِ عَمِيدِ الْمُلْكِ الْكُنْدُرِيِّ، وَسَجَنَهُ فِي بَعْضِ الْقِلَاعِ سَنَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ، وَاعْتَمَدَ فِي الْوِزَارَةِ عَلَى نِظَامِ الْمُلْكِ وَكَانَ وَزِيرَ صِدْقٍ، يُكْرِمُ الْعُلَمَاءَ وَالْفُقَرَاءَ، وَلَمَّا عَصَى الْمَلِكُ شِهَابُ الدَّوْلَةِ قُتُلْمِشُ، وَخَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ، وَطَمِعَ فِي أَخْذِ الْمُلْكِ مِنْ أَلْبِ أَرْسَلَانَ، وَكَانَ مِنْ بَنِي عَمِّ طُغْرُلْبَكَ، فَجَمَعَ وَحَشَدَ وَاحْتَفَلَ لَهُ أَلْبُ أَرْسَلَانَ، فَقَالَ لَهُ الْوَزِيرُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا تَخَفْ ; فَإِنِّي قَدِ اسْتَخْدَمْتُ لَكَ جُنْدًا لَيْلِيًّا يَدْعُونَ لَكَ وَيَنْصُرُونَكَ بِالتَّوَجُّهِ فِي صَلَوَاتِهِمْ وَخَلَوَاتِهِمْ، وَهُمُ الْعُلَمَاءُ وَالصُّلَحَاءُ. فَطَابَتْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ، فَحِينَ الْتَقَى مَعَ قُتُلْمِشَ لَمْ يَنْتَظِرْهُ أَنْ كَسَرَهُ، وَقَتَلَ خَلْقًا مِنْ جُنُودِهِ، وَقُتِلَ قُتُلْمِشُ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَاجْتَمَعَتِ الْكَلِمَةُ عَلَى أَلْبِ أَرْسَلَانَ.
وَفِيهَا أَرْسَلَ وَلَدَهُ مَلِكْشَاهْ وَوَزِيرَهُ نِظَامَ الْمُلْكِ هَذَا فِي جُنُودٍ عَظِيمَةٍ إِلَى بِلَادِ الْكُرَجِ، فَفَتَحُوا حُصُونًا كَثِيرَةً وَغَنِمُوا أَمْوَالًا جَزِيلَةً جِدًّا، وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِنَصْرِهِمْ، وَكَتَبَ كِتَابَ وَلَدِهِ عَلَى ابْنَةِ الْخَانِ الْأَعْظَمِ صَاحِبِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَزَوَّجَ وَلَدَهُ الْآخَرَ بِابْنَةِ صَاحِبِ غَزْنَةَ وَاجْتَمَعَ شَمْلُ الْبَيْتَيْنِ السَّلْجُوقِيِّ وَالْمَحْمُودِيِّ.
وَفِيهَا أَذِنَ أَلْبُ أَرْسَلَانَ لِلسَّيِّدَةِ ابْنَةِ الْخَلِيفَةِ فِي الرُّجُوعِ إِلَى بَغْدَادَ وَأَرْسَلَ
مَعَهَا بَعْضَ الْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ، فَدَخَلَتْ بَغْدَادَ فِي تَجَمُّلٍ عَظِيمٍ، وَخَرَجَ النَّاسُ لِلنَّظَرِ إِلَيْهَا، فَدَخَلَتْ لَيْلًا فِي أُبَّهَةٍ، فَفَرِحَ الْخَلِيفَةُ وَأَهْلُهَا بِذَلِكَ، وَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِالدُّعَاءِ لِلْمَلِكِ أَلْبَ أَرْسَلَانَ عَلَى الْمَنَابِرِ فِي الْخُطَبِ، فَقِيلَ فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ وَأَصْلِحِ السُّلْطَانَ الْمُعَظَّمَ عَضُدَ الدَّوْلَةِ وَتَاجَ الْمِلَّةِ أَلْبَ أَرْسَلَانَ أَبَا شُجَاعٍ مُحَمَّدَ بْنَ دَاوُدَ. وَجَلَسَ الْخَلِيفَةُ لِلنَّاسِ جُلُوسًا عَامًّا وَبَايَعَهُمْ لِلْمَلِكِ أَلْبَ أَرْسَلَانَ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِالْخِلَعِ وَالتَّقْلِيدِ مَعَ الشَّرِيفِ نَقِيبِ الْعَبَّاسِيِّينَ طِرَادِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيِّ، وَمُوَفَّقٍ الْخَادِمِ، وَلَقَّبَ الْوَزِيرَ نِظَامَ الْمُلْكِ قَوَامَ الدِّينِ وَالدَّوْلَةِ رَضِيَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ يُقَالُ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ: خَوَاجَا بَزْرَكَ. وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ أَلْبُ أَرْسَلَانَ بِالْهَدَايَا وَالتُّحَفِ النَّفِيسَةِ الْمُفْتَخَرَةِ، وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَى بَغْدَادَ وَجَمِيعَ بِلَادِ الْعِرَاقِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ شَاعَ بِبَغْدَادَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْأَكْرَادِ خَرَجُوا يَتَصَيَّدُونَ، فَرَأَوْا فِي الْبَرِّيَّةِ خِيَامًا سُودًا، سَمِعُوا فِيهَا لَطْمًا شَدِيدًا، وَعَوِيلًا كَثِيرًا، وَقَائِلًا يَقُولُ: قَدْ مَاتَ سَيِّدُوكُ مَلِكُ الْجِنِّ، وَأَيُّ بَلَدٍ لَمْ يُلْطَمْ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُمْ لَهُ مَأْتَمٌ فِيهِ قُلِعَ أَصْلُهُ وَأُهْلِكَ أَهْلُهُ. قَالَ: فَخَرَجَ النِّسَاءُ الْعَوَاهِرُ مِنْ حَرِيمِ بَغْدَادَ إِلَى الْمَقَابِرِ يَلْطِمْنَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَخْرِقْنَ ثِيَابَهُنَّ، وَيَنْشُرْنَ شُعُورَهُنَّ، وَخَرَجَ رِجَالٌ مِنَ السَّفْسَافِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَفُعِلَ هَذَا فِي وَاسِطٍ وَخُوزِسْتَانَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ. قَالَ: وَكَانَ هَذَا فَنًّا مِنَ الْحُمْقِ لَمْ يُنْقَلْ مِثْلُهُ.