الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَرَدَ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْحَاكِمَ أَنْفَذَ إِلَى دَارِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ بِالْمَدِينَةِ، فَأَخَذَ مِنْهَا مُصْحَفًا وَآلَاتٍ كَانَتْ بِهَا، وَهَذِهِ الدَّارُ لَمْ تُفْتَحْ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهَا إِلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَكَانَ مَعَ الْمُصْحَفِ قَعْبٌ خَشَبٌ مُطَوَّقٌ بِحَدِيدٍ وَدَرَقَةٌ خَيْزُرَانٌ وَحَرْبَةٌ وَسَرِيرٌ، حَمَلَ ذَلِكَ كُلَّهَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَلَوِيِّينَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَأَطْلَقَ لَهُمْ أَنْعَامًا كَثِيرَةً وَنَفَقَاتٍ زَائِدَةً، وَرَّدَ السَّرِيرَ، وَأَخَذَ الْبَاقِيَ، وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِهِ، فَرَدُّوا وَهُمْ ذَامُّونَ لَهُ دَاعُونَ عَلَيْهِ.
وَبَنَى الْحَاكِمُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ دَارَ الْعِلْمِ، وَأَجْلَسَ فِيهَا الْفُقَهَاءَ، ثُمَّ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ هَدَمَهَا، وَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا مِمَّنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّيَانَةِ. وَعَمَّرَ الْجَامِعَ الْمَنْسُوبَ إِلَيْهِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَهُوَ جَامِعُ الْحَاكِمِ، وَتَأَنَّقَ فِي بِنَائِهِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَفِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا أُعِيدَ الْمُؤَيَّدُ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأُمَوِيُّ إِلَى مُلْكِهِ بَعْدَ خَلْعِهِ وَحَبْسِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً.
وَكَانَتِ الْخُطْبَةُ بِالْحَرَمَيْنِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ لِلْحَاكِمِ الْعُبَيْدِيِّ صَاحِبِ مِصْرَ وَالشَّامِ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
الْحُسَيْنُ بْنُ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، أَبُو أَحْمَدَ الْمُوسَوِيُّ النَّقِيبُ
وَالِدُ الرَّضِيِّ وَالْمُرْتَضَى، وَلِيَ نِقَابَةَ الطَّالِبِيِّينَ مَرَّاتٍ بِبَغْدَادَ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ مَرَّاتٍ، يُعْزَلُ وَيُعَادُ ثُمَّ أَضَرَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَتُوُفِّيَ عَنْ
سَبْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ الْمُرْتَضَى، وَدُفِنَ فِي مَشْهَدِ الْحُسَيْنِ.
وَقَدْ رَثَاهُ ابْنُهُ الْمُرْتَضَى هَذَا بِقَصِيدَةٍ حَسَنَةٍ قَوِيَّةِ الْمَنْزَعِ وَالْمَطْلَعِ مِنْهَا قَوْلُهُ:
سَلَامُ اللَّهِ تَنْقُلُهُ اللَّيَالِي
…
وَيَهْدِيهِ الْغُدُوُّ إِلَى الرَّوَاحِ
عَلَى جَدَثٍ تَشَبَّثَ مِنْ لُؤَيٍّ
…
بِيَنْبُوعِ الْعِبَادَةِ وَالصَّلَاحِ
فَتًى لَمْ يَرْوِ إِلَّا مِنْ حَلَالٍ
…
وَلَمْ يَكُ زَادُهُ غَيْرَ الْمُبَاحِ
وَلَا دَنِسَتْ لَهُ إِزْرٌ بِوِزْرٍ
…
وَلَا عَلِقَتْ لَهُ رَاحٌ بِرَاحِ
خَفِيفُ الظَّهْرِ مِنْ ثِقْلِ الْخَطَايَا
…
وَعُرْيَانُ الْجَوَانِحِ مِنْ جَنَاحِ
مَشُوقٌ فِي الْأُمُورِ إِلَى عُلَاهَا
…
وَمَدْلُولٌ عَلَى بَابِ النَّجَاحِ
مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ لَهُمْ قُلُوبٌ
…
بِذِكْرِ اللَّهِ عَامِرَةُ النَّوَاحِ
بِأَجْسَامٍ مِنَ التَّقْوَى مِرَاضٍ
…
لِمُبْصِرِهَا وَأَدْيَانٍ صِحَاحِ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ وَتَجَاوَزَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
الْحَجَّاجُ بْنُ هُرْمُزَ، أَبُو جَعْفَرٍ
نَائِبُ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ عَلَى الْعِرَاقِ، وَكَانَ يَنْتَدِبُهُ لِقِتَالِ الْأَعْرَابِ وَالْأَكْرَادِ، وَكَانَ مِنَ الْمُقَدَّمِينَ عَلَى عَهْدِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَكَانَتْ لَهُ خِبْرَةٌ تَامَّةٌ بِالْحَرْبِ، وَحُرْمَةٌ شَدِيدَةٌ، وَشُجَاعَةٌ وَافِرَةٌ، وَهِمَّةٌ عَالِيَةٌ، وَآرَاءٌ سَدِيدَةٌ.
وَلَمَّا خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ كَثُرَتْ بِهَا الْفِتَنُ وَالشُّرُورُ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْأَهْوَازِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَخَمْسِ سِنِينَ، رحمه الله.
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيُّ الْمِصْرِيُّ التَّاجِرُ
كَانَ ذَا مَالٍ جَزِيلٍ جِدًّا، اشْتَمَلَتْ تَرِكَتُهُ عَلَى أَزْيَدِ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ، مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْأَمْوَالِ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، وَدُفِنَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ عِنْدَ قَبْرِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ.
أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الرَّفَّاءِ الْمُقْرِئُ
الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ، كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ وَأَحْلَاهُمْ أَدَاءً، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.