الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِي سَادِسَ عَشَرَ الْمُحَرَّمِ قُلِّدَ الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْمُوسَوِيُّ نِقَابَةَ الطَّالِبِيِّينَ فِي سَائِرِ الْمَمَالِيكِ، وَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ فِي دَارِ الْوَزِيرِ فَخْرِ الْمُلْكِ، بِمَحْضَرِ الْقُضَاةِ وَالْأَعْيَانِ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ السَّوَادُ، وَهُوَ أَوَّلُ طَالِبِيٍّ خُلِعَ عَلَيْهِ السَّوَادُ.
وَفِيهَا جِيءَ بِأَمِيرِ بَنِي خَفَاجَةَ أَبِي فُلَيْتَةَ، قَبَّحَهُ اللَّهُ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ رُءُوسِ قَوْمِهِ أُسَارَى، وَكَانُوا قَدِ اعْتَرَضُوا الْحَجِيجَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَهُمْ رَاجِعُونَ، وَغَوَّرُوا الْمَنَاهِلَ الَّتِي يَرِدُهَا الْحُجَّاجُ، وَوَضَعُوا فِيهَا الْحَنْظَلَ، بِحَيْثُ إِنَّهُ مَاتَ مِنَ الْعَطَشِ نَحْوٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَأَخَذُوا بَقِيَّتَهُمْ، فَجَعَلُوهُمْ رُعَاةً لِمَوَاشِيهِمْ فِي أَسْوَإِ حَالٍ، وَأَخَذُوا جَمِيعَ مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْأَحْمَالِ وَالْجِمَالِ، فَحِينَ أَحْضَرَهُمُ الْوَزِيرُ فَخْرُ الْمُلْكِ سَجَنَهُمْ وَمَنَعَهُمُ الْمَاءَ، ثُمَّ صَلَبَهُمْ تِلْقَاءَ دِجْلَةَ يَرَوْنَ صَفَاءَ الْمَاءِ، وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى مَاتُوا كَذَلِكَ جَزَاءً وِفَاقًا، وَلَقَدْ أَحْسَنَ فَخْرُ الْمُلْكِ فِي هَذَا الصَّنِيعِ وَاقْتَدَى بِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي الرِّعَاءِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْحَدِيثُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ". ثُمَّ بَعَثَ إِلَى أُولَئِكَ الَّذِينَ اعْتُقِلُوا فِي بِلَادِ بَنِي خَفَاجَةَ مِنَ الْحُجَّاجِ فَجِيءَ بِهِمْ، وَقَدْ تَزَوَّجَتْ نِسَاؤُهُمْ، وَقُسِمَتْ
أَمْوَالُهُمْ، فَرُدُّوا إِلَى أَهَالِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي رَمَضَانَ انْقَضَّ كَوْكَبٌ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، غَلَبَ ضَوْءُهُ عَلَى ضَوْءِ الْقَمَرِ، وَتَقَطَّعَ قِطَعًا، وَبَقِيَ سَاعَةً طَوِيلَةً.
قَالَ: وَفِي شَوَّالٍ تُوُفِّيَتْ زَوْجَةُ بَعْضِ رُؤَسَاءِ النَّصَارَى، فَخَرَجَتِ النَّوَائِحُ وَالصُّلُبُ مَعَهَا جَهْرَةً، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الْهَاشِمِيِّينَ، فَضَرَبَهُ بَعْضُ غِلْمَانِ ذَلِكَ الرَّئِيسِ النَّصْرَانِيِّ بِدَبُّوسٍ فِي رَأْسِهِ فَشَجَّهُ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ بِهِمْ، فَانْهَزَمُوا وَلَجَئُوا إِلَى كَنِيسَةٍ لَهُمْ هُنَاكَ، فَدَخَلَتِ الْعَامَّةُ إِلَيْهَا فَنَهَبُوا مَا فِيهَا وَمَا قَرُبَ مِنْهَا مِنْ دُورِ النَّصَارَى، وَتَتَبَّعُوا النَّصَارَى فِي الْبَلَدِ، وَقَصَدُوا دَارَ الْمُنَاصِحِ وَابْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ، فَقَاتَلَهُمْ غِلْمَانُهُمْ، وَانْتَشَرَتِ الْفِتْنَةُ بِبَغْدَادَ، وَرَفَعَ الْمُسْلِمُونَ الْمَصَاحِفَ فِي الْأَسْوَاقِ، وَعُطِّلَتِ الْجُمُعَةُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، وَاسْتَعَانُوا بِالْخَلِيفَةِ، فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ ابْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ فَامْتَنَعَ، فَعَزَمَ الْخَلِيفَةُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَغْدَادَ وَقَوِيَتِ الْفِتْنَةُ جِدًّا، وَنُهِبَتْ دُورٌ كَثِيرَةٌ مِنَ النَّصَارَى، ثُمَّ أُحْضِرَ ابْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، فَبَذَلَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، فَعُفِيَ عَنْهُ، وَسَكَنَتِ الْفِتْنَةُ.
وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ يَمِينِ الدَّوْلَةِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَذْكُرُ أَنَّهُ وَرَدَ إِلَيْهِ رَسُولٌ مِنَ الْحَاكِمِ صَاحِبِ مِصْرَ، يَدْعُوهُ إِلَى طَاعَتِهِ، فَبَصَقَ فِيهِ وَأَمَرَ بِتَحْرِيقِهِ، وَأَسْمَعَ رَسُولَهُ غَلِيظَ مَا يُقَالُ.
وَفِيهَا قُلِّدَ أَبُو نَصْرِ بْنُ مَرْوَانَ الْكُرْدِيُّ إِمْرَةَ آمِدَ وَمَيَّافَارِقِينَ وَدِيَارِ بَكْرٍ، وَخُلِعَ
عَلَيْهِ بِطَوْقٍ وَسِوَارٍ، وَلُقِّبَ نَصِيرَ الدَّوْلَةِ.
وَلَمْ يَتَمَكَّنْ رَكْبُ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى الْحَجِّ لِفَسَادِ الطَّرِيقِ، وَغَيْبَةِ فَخْرِ الْمُلْكِ فِي إِصْلَاحِ الْأَرَاضِي.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَادَتْ مَمْلَكَةُ الْأُمَوِيِّينَ بِالْأَنْدَلُسِ، فَتَوَلَّى فِيهَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ الْأُمَوِيُّ، وَلُقِّبَ بِالْمُسْتَعِينِ بِاللَّهِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ بِقُرْطُبَةَ.
وَفِيهَا مَاتَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ أَبُو نَصْرٍ فَيْرُوزُ بْنِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ الدَّيْلَمِيُّ، صَاحِبُ بَغْدَادَ وَالْعِرَاقِ، وَقَامَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ سُلْطَانُ الدَّوْلَةِ أَبُو شُجَاعٍ.
وَفِيهَا مَاتَ مَلِكُ التُّرْكِ الْأَعْظَمُ إِيلَكُ خَانَ، فَوَلِيَ أَمْرَهُمْ مِنْ بَعْدِهِ أَخُوهُ طُغَانُ خَانَ.
وَفِيهَا هَلَكَ شَمْسُ الْمَعَالِي قَابُوسُ بْنُ وُشْمَكِيرَ ; أُدْخِلَ بَيْتًا بَارِدًا فِي الشِّتَاءِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ اللِّبَاسِ حَتَّى مَاتَ كَذَلِكَ، وَوَلِيَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ مِنُوجِهْرُ، وَلُقِّبَ فَلَكَ الْمَعَالِي، وَخُطِبَ لِمَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ، وَقَدْ كَانَ شَمْسُ الْمَعَالِي قَابُوسُ عَالِمًا فَاضِلًا أَدِيبًا شَاعِرًا، فَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:
قُلْ لِلَّذِي بِصُرُوفِ الدَّهْرِ عَيَّرَنَا
…
هَلْ عَانَدَ الدَّهْرُ إِلَّا مَنْ لَهُ خَطَرُ
أَمَا تَرَى الْبَحْرَ يَطْفُو فَوْقَهُ جِيَفٌ
…
وَيَسْتَقِرُّ بِأَقْصَى قَعْرِهِ الدُّرَرُ
فَإِنْ تَكُنْ نَشِبَتْ أَيْدِي الْخُطُوبِ بِنَا
…
وَمَسَّنَا مِنْ تَوَالِي صَرْفِهَا ضَرَرُ
فَفِي السَّمَاءِ نُجُومٌ غَيْرُ ذِي عَدَدِ
…
وَلَيْسَ يَكْسِفُ إِلَّا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ