الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِعُثْمَانَ التَّمْرَ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً، وَأَنْبِذُهُ عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً، فَسَأَلَنِي ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ تَخْلِطِينَ فِيهِ شَيْئًا؟ فَقُلْتُ أَجَلْ، قَالَ فَلَا تَعُودِي.
فَهَؤُلَاءِ إِمَاؤُهُ رضي الله عنهن.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ حَزْنٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ النَّبيّذ فَقَالَتْ: هَذِهِ خَادِمُ رَسُولِ الله فَسَلْهَا، لِجَارِيَةٍ حَبَشِيَّةٍ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سِقَاءٍ عَشَاءً فَأُوكِيهِ، فَإِذَا أَصْبَحَ شَرِبَ مِنْهُ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ بِهِ.
هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ فِي مُسْنَدِ عَائِشَةَ، وَالْأَلْيَقُ ذِكْرُهُ فِي مُسْنَدِ جَارِيَةٍ حَبَشِيَّةٍ كانت تخدم النَّبيّ، وَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً مِمَّنْ قَدَّمَنَا ذِكْرُهُنَّ، أَوْ زَائِدَةً عَلَيْهِنَّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
فَصْلٌ وَأَمَّا خدَّامه صلى الله عليه وسلم
الذين خدموه من الصحابة من غير مواليه فمنهم أنس بن مالك أَنَسُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ ضَمْضَمَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَاصِمٍ (1) بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ أَبُو حَمْزَةَ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ.
خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُدَّةَ مُقَامِهِ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا عَاتَبَهُ على شئ أبداً، ولا قال لشئ فعله لِمَ فعلته، ولا لشئ لَمْ يَفْعَلْهُ أَلَا
فَعَلْتَهُ.
وَأُمُّهُ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ هِيَ الَّتِي أَعْطَتْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلَهُ، وَسَأَلَتْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ فَقَالَ:" اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ".
قَالَ أَنَسٌ: فَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَتَيْنِ وَأَنَا أَنْتَظِرُ الثَّالِثَةَ، وَاللَّهِ إِنَّ مَالِي لِكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوٍ مَنْ مِائَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ وإنَّ كَرْمِي لَيُحْمَلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّ وَلَدِي لِصُلْبِي مِائَةٌ وَسِتَّةُ أَوْلَادٍ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ بَدْرًا.
وَقَدْ رَوَى الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثُمَامَةَ قَالَ: قِيلَ لِأَنَسٍ أَشَهِدْتَ بَدْرًا؟ فَقَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْ بَدْرٍ لَا أمَّ لَكَ! وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِصِغَرِهِ، وَلَمْ يَشْهَدْ أُحداً أَيْضًا لِذَلِكَ.
وَشَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَخَيْبَرَ وَعُمْرَةَ الْقَضَاءِ وَالْفَتْحَ وَحُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ ابْنِ أُمِّ سُلَيْمٍ - يَعْنِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ، كَانَ أَحْسَنَ النَّاس صَلَاةً فِي سَفَرِهِ وَحَضَرِهِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ فِيهَا مِنَ الصَّحَابَةِ فِيمَا قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعِينَ، وَقِيلَ إِحْدَى وقيل اثنتين وقيل ثلاث وَتِسْعِينَ وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.
وَأَمَّا عُمْرُهُ يَوْمَ مَاتَ فَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّ أَنَسًا عمَّر مِائَةَ سَنَةٍ غَيْرَ سَنَةٍ، وَأَقَلُّ مَا قِيلَ سِتٌّ وَتِسْعُونَ، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ مِائَةٌ وَسَبْعُ سِنِينَ (2) ، وَقِيلَ سِتٌّ، وَقِيلَ مائة وثلاث سنين.
فالله أعلم.
(1) في أُسد الغابة والاصابة: عامر.
(2)
قاله البغوي عن عمر بن شبة عن محمد بن عبد الله الأنصاري.
(*)
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم الْأَسْلَعُ بْنُ شَرِيكِ بْنِ عَوْفٍ الْأَعْرَجِيُّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ اسْمُهُ مَيْمُونَ بْنَ سِنْبَاذَ (1)، قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ الْأَعْرَجِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ الْأَسْلَعِ قَالَ: كُنْتُ أَخْدِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وأرحل معه، فَقَالَ ذَاتَ لَيْلَةٍ " يَا أَسْلَعُ قُمْ فَارْحَلْ " قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فسكت ساعة وأتاه جبريل بآية الصعيد، " فقال قم يا أسلع فتيمم " قال فتيممت وَصَلَّيْتُ، فلمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَاءِ قَالَ:" يَا أسلع قم فاغتسل " قال فأراني التيمم فضرب رسول الله يَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ بهما وجهه، ثم ضرب بيديه الْأَرْضَ ثُمَّ نَفَضَهُمَا فَمَسَحَ بِهِمَا ذِرَاعَيْهِ، بِالْيُمْنَى
عَلَى الْيُسْرَى، وَبِالْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى، ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا.
قال الجميع: وَأَرَانِي أَبِي، كَمَا أَرَاهُ أَبُوهُ، كَمَا أَرَاهُ الأسلع، كما أراه رسول الله.
قَالَ الرَّبِيعُ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَوْفَ بْنَ أَبِي جَمِيلَةَ فَقَالَ: هَكَذَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ الْحَسَنَ يَصْنَعُ.
رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَالْبَغَوِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ مِنْ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ هَذَا، قَالَ الْبَغَوِيُّ وَلَا أَعْلَمُهُ رَوَى غَيْرَهُ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ وَقَدْ رَوَى - يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ - الْهَيْثَمُ بْنُ رُزَيْقٍ (2) الْمَالِكِيُّ الْمُدْلِجِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَسْلَعِ بْنِ شَرِيكٍ.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم أسماء بن حارثة (3) بن سعد بن عبد الله بن عباد بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَفْصَى الْأَسْلَمِيُّ.
وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ.
وَهُوَ أَخُو هِنْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَكَانَا يَخْدِمَانِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عفَّان، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ هِنْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَكَانَ هِنْدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ، وكان أخوه الذي بعثه رسول الله يَأْمُرُ قَوْمَهُ بِالصِّيَامِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ أَسْمَاءُ بْنُ حَارِثَةَ.
فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ هِنْدٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ حَارِثَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ فَقَالَ " مُرْ قَوْمَكَ بِصِيَامِ هَذَا الْيَوْمِ ".
قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُهُمْ قَدْ طَعِمُوا؟ قَالَ " فَلْيُتِمُّوا آخِرَ يَوْمِهِمْ ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ هِنْدِ بْنِ أَسْمَاءَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ هِنْدٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ الله إِلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ فَقَالَ " مُرْ قَوْمَكَ فَلْيَصُومُوا هَذَا الْيَوْمَ، وَمَنْ وَجَدْتَ مِنْهُمْ أَكَلَ في أول يومه فليصم آخره ".
قال مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هِنْدًا وَأَسْمَاءَ ابْنَيْ حَارِثَةَ إِلَّا مَمْلُوكَيْنِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَا يَخْدِمَانِهِ لَا يَبْرَحَانِ بَابَهُ هُمَا وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَقَدْ تُوُفِّيَ أَسْمَاءُ بْنُ حَارِثَةَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ بِالْبَصْرَةِ عَنْ ثَمَانِينَ سنة.
ومنهم بُكَيْرُ بْنُ الشَّدَّاخِ اللَّيْثِيُّ (4) .
ذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ عَبْدِ الملك بن
(1) قال ابن منده عن علي بن سعيد العسكري أن اسم الاسلع الحارث بن كعب.
(2)
في الاصابة وأسد الغابة: زريق.
(3)
عن الكلبي قال: ابن سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غِيَاثِ بْنِ سعد
…
وقال ابن عبد البر: ابن حارثة بن هند بن
عبد الله
…
قال ابن حجر: وذكر هند في نسبه غلط.
فهند أخوه.
(4)
قال الكلبي في نسبه: بكير بن شداد بن عامر بن الملوح بن يعمر الشداخ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ = (*)
يَعْلَى اللَّيْثِيِّ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ شَدَّاخٍ اللَّيْثِيَّ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فاحتلم فأعلم بذلك رسول الله وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَى أَهْلِكَ وَقَدِ احْتَلَمْتُ الْآنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ " اللَّهُمَّ صدِّق قَوْلَهُ، وَلَقِّهِ الظَّفَرَ " فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَانِ عُمْرَ قُتِلَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَامَ عُمْرُ خَطِيبًا فَقَالَ: أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ؟ فَقَامَ بُكَيْرٌ فَقَالَ: أَنَا قَتَلْتُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عُمْرُ بُؤْتَ بِدَمِهِ فَأَيْنَ الْمَخْرَجُ؟ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْغُزَاةِ اسْتَخْلَفَنِي عَلَى أَهْلِهِ، فَجِئْتُ فَإِذَا هَذَا الْيَهُودِيُّ عِنْدَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ: وأَشْعَثُ غَرَّهُ الإسْلامُ مِنيّ * خَلَوْتُ بِعرسِهِ ليلَ التَّمامِ أبيتُ عَلى تَرائِبُهَا وَيمُسِي * عَلى جُردِ الأَعِنَّةِ والحزامِ (1) كأنَ مجامعُ الربلاتِ منْها * فِئامٌ ينهضُونَ إِلَى فِئامِ (2) قَالَ فصدَّق عُمْرُ قَوْلَهُ وَأَبْطَلَ دَمَ الْيَهُودِيِّ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
لَبُكَيْرٍ بِمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ الْحَبَشِيُّ.
وُلِدَ بِمَكَّةَ وَكَانَ مَوْلًى لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فاشتراه أبو بكر منه بمال جزيل لأن كَانَ أُمَيَّةُ يُعَذِّبُهُ عَذَابًا شَدِيدًا ليرتدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فَيَأْبَى إِلَّا الْإِسْلَامَ رضي الله عنه، فَلَمَّا اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ أَعْتَقَهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، وَهَاجَرَ حِينَ هَاجَرَ النَّاس، وَشَهِدَ بَدْرًا وأُحداً وَمَا بَعْدَهُمَا مِنَ الْمَشَاهِدِ رضي الله عنه.
وَكَانَ يُعْرَفُ بِبِلَالِ بْنِ حَمَامَةَ وَهِيَ أُمُّهُ، وَكَانَ مِنْ أَفْصَحِ النَّاس لَا كَمَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضُ النَّاس أَنَّ سِينَهُ كَانَتْ شِينًا، حتَّى إِنَّ بَعْضَ النَّاس يَرْوِي حَدِيثًا فِي ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أنَّه قال: إنَّ سين بلال شيناً.
وَهُوَ أَحَدُ الْمُؤَذِّنِينَ الْأَرْبَعَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أذَّن كَمَا قَدَّمْنَا.
وَكَانَ يَلِي أَمْرَ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ، وَمَعَهُ حَاصِلُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَالِ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِيمَنْ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ لِلْغَزْوِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ أَقَامَ يُؤَذِّنُ لأبي بكر أيام خلافته (3) ، والأول أصح وأشهر.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَلَهُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً.
وَقَالَ الْفَلَّاسُ قَبْرُهُ بِدِمَشْقَ، وَيُقَالُ بِدَارَيَّا (4) ، وَقِيلَ إِنَّهُ مَاتَ بِحَلَبَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الَّذِي مَاتَ بِحَلَبَ
أَخُوهُ خَالِدٌ.
قَالَ مكحول حدثني من رأى بلال قَالَ كَانَ شَدِيدَ الْأُدْمَةِ نَحِيفًا أَجْنَأَ (5) لَهُ شَعْرٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ لَا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ رضي الله عنه.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم حَبَّةُ وَسَوَاءُ ابْنَا خَالِدٍ (6) رضي الله عنهما.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أبو
= لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كنانة بن خزيمة الكناني الليثي.
(1)
في أُسد الغابة: على قود الاعنة والحزام.
والترائب: عظام الصدر.
(2)
الربلات: جمع ربلة وهي باطن الفخذ.
والفئام: الجماعة من الناس.
(3)
هذا ما جزم به الواقدي وابن الأثير في أسد الغابة، وقالا: لما كان زمن عمر بن الخطاب اذن له فخرج إلى الشام وبقي بها حتى توفي.
(4)
داريا: قرية كبيرة من قرى دمشق بالغوطة.
(5)
الاجنأ: من أشرف كاهله على صدره.
(6)
وهو خالد الخزاعي ويقال العامري.
(*)
مُعَاوِيَةَ، قَالَ وَثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سلام بن شرحبيل، عن حبة وسواء ابنا خَالِدٍ قَالَا: دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصْلِحُ شَيْئًا فَأَعَنَّاهُ، فَقَالَ " لا ينسأ من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما، فإن الإنسان تلده أمه أحيمر لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرَةٌ، ثُمَّ يَرْزُقُهُ اللَّهُ عز وجل ".
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم ذُو مِخْمَرٍ، ويقال ذو محبر، وَهُوَ ابْنُ أَخِي النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَيُقَالُ ابْنُ أُخْتِهِ.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
كَانَ بَعَثَهُ لِيَخْدِمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِيَابَةً عَنْهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، ثَنَا جرير، عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُلَيْحٍ، عَنْ ذِي مِخْمَرٍ - وَكَانَ رَجُلًا مَنَ الْحَبَشَةِ يَخْدِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُنَّا مَعَهُ فِي سَفَرٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حتَّى انْصَرَفَ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الزَّادِ.
فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا رسول الله قد انقطع النَّاس، قال فجلس وَحُبِسَ النَّاس مَعَهُ حتَّى تَكَامَلُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ " هَلْ لَكَمَ أَنْ نَهْجَعَ هَجْعَةً؟ " - أَوْ قال له قائل - فنزل ونزلوا فقالوا: مَنْ يَكْلَؤُنَا اللَّيْلَةَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا جَعَلَنِي اللَّهُ فداك، فَأَعْطَانِي خِطَامَ نَاقَتِهِ فَقَالَ " هَاكَ لَا تَكُونَنَّ لُكَعًا " قَالَ: فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ نَاقَةِ
رَسُولِ اللَّهِ وَخِطَامِ نَاقَتِي، فَتَنَحَّيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُمَا ترعيان، فإني كذلك أنظر إليهما إذ أخذني النوم، فلم أشعر بشئ حتَّى وَجَدْتُ حرَّ الشَّمْسِ عَلَى وَجْهِي، فَاسْتَيْقَظْتُ فَنَظَرْتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِذَا أَنَا بِالرَّاحِلَتَيْنِ مِنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِخِطَامِ نَاقَتِي، فَأَتَيْتُ أَدْنَى الْقَوْمِ فَأَيْقَظْتُهُ فَقُلْتُ أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ لَا، فَأَيْقَظَ النَّاس بَعْضُهُمْ بَعْضًا حتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ " يَا بِلَالُ هَلْ فِي الْمِيضَأَةِ مَاءٌ " يَعْنِي الْإِدَاوَةَ، فقال: نعم جعلني الله فداك، فأتاه بوضوء لَمْ يُلَتَّ مِنْهُ التُّرَابُ، فَأَمَرَ بِلَالًا فأذَّن ثُمَّ قَامَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى وَهُوَ غَيْرُ عَجَلٍ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أفرطنا: قال " لا، قبض الله أَرْوَاحنَا وردَّها إِلَيْنَا، وَقَدْ صَلَّيْنَا ".
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ أَبُو فِرَاسٍ.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ (1) رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَآتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَكَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَقُولُ " سُبْحَانَ رَبِّي وبحمده الهوي (2) ، سُبْحَانَ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْهَوِيَّ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ " هَلْ لَكَ حَاجَةٌ؟ " قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرَافَقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ " فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عن نعيم بن محمد، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كُنْتُ أَخْدِمُ رسول الله نهاري أجمع، حتَّى يصلي عشاء الْآخِرَةَ فَأَجْلِسُ بِبَابِهِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهْ أَقُولُ لعلها أن تحدث لرسول الله حَاجَةٌ، فَمَا أَزَالُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " حتَّى أَمَلَّ فَأَرْجِعَ.
أَوْ تغلبني عيناي فأرقد، فقال لي يوماً - لما يرى من حقي لَهُ وَخِدْمَتِي إِيَّاهُ - " يَا رَبِيعَةُ بْنَ كَعْبٍ سَلْنِي أُعْطِكَ " قَالَ فَقُلْتُ أَنْظُرُ فِي أَمْرِي يا رسول الله ثم أعلمك ذلك، فقال ففكرت في نفسي
(1) في الاصابة وأسد الغابة: عَلَى بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله.
(2)
الهوي: ساعة من الليل.
(*)
فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ وَأَنَّ لِي فيها رزقاً سكيفيني ويأتيني، قال فقلت أسأل رسول الله
لآخرتي فإنه من الله بِالْمَنْزِلِ الَّذِي هُوَ بِهِ، قَالَ فَجِئْتُهُ فَقَالَ:" مَا فَعَلْتَ يَا رَبِيعَةُ؟ " قَالَ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْأَلُكَ أَنْ تَشْفَعَ لِي إِلَى رَبِّكَ فَيُعْتِقَنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ " فَقَالَ مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا رَبِيعَةَ؟ " قَالَ فَقُلْتُ لا والذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ أُحُدٌ، وَلَكِنَّكَ لَمَّا قُلْتَ سَلْنِي أُعْطِكَ وَكُنْتَ مِنَ اللَّهِ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ نَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ، وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا سَيَأْتِينِي، فَقُلْتُ أَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ لِآخِرَتِي.
قَالَ: فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ لِي " إِنِّي فاعل فأعني على نفسك بكثر السُّجُودِ " وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، أَنْبَأَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، ثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ الْأَسْلَمِيِّ - وَكَانَ يَخْدِمُ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَقَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ " يَا رَبِيعَةَ أَلَّا تزوَّج؟ " قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ يَشْغَلَنِي عَنْ خدمتك شئ، وَمَا عِنْدِي مَا أُعْطِي الْمَرْأَةَ.
قَالَ فَقُلْتُ بعد ذلك رسول اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا عندي مني يَدْعُوَنِي إِلَى التَّزْوِيجِ، لَئِنْ دَعَانِي هَذِهِ الْمَرَّةَ لِأُجِيبَنَّهُ.
قَالَ فَقَالَ لِي " يَا رَبِيعَةُ أَلَّا تزوَّج؟ " فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يزوِّجني؟ ما عندي ما أعطي المرأة.
فَقَالَ لِي انْطَلِقْ إِلَى بَنِي فُلَانٍ فَقُلْ لَهُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تزوِّجوني فَتَاتَكُمْ فُلَانَةً، قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ، فَقُلْتُ إنَّ رَسُولَ الله أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ لِتُزَوِّجُونِي فَتَاتَكُمْ فُلَانَةً، قَالُوا: فُلَانَةً؟ قال: نعم، قالوا مرحباً برسول الله ومرحباً برسوله، فزوجوني فأتيت رسول الله فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْتُكَ مَنْ خَيْرِ أَهْلِ بَيْتٍ صدَّقوني وزوَّجوني، فَمِنْ أَيْنَ لِي ما أعطي صداقي؟ فقال رسول الله لِبُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ " اجْمَعُوا لِرَبِيعَةَ فِي صَدَاقِهِ فِي وزن نواة من ذهب " فَجَمَعُوهَا فَأَعْطَوْنِي فَأَتَيْتُهُمْ فَقَبِلُوهَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَبِلُوا فَمِنْ أَيْنَ لِي مَا أُولِمُ؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ الله لِبُرَيْدَةَ " اجْمَعُوا لِرَبِيعَةَ فِي ثَمَنِ كَبْشٍ " قَالَ فَجَمَعُوا وَقَالَ لِي " انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ فَقُلْ لَهَا فَلْتَدْفَعْ إِلَيْكَ مَا عِنْدَهَا مِنَ الشَّعِيرِ " قَالَ فَأَتَيْتُهَا فَدَفَعَتْ إِلَيَّ، فَانْطَلَقْتُ بِالْكَبْشِ وَالشَّعِيرِ فَقَالُوا أَمَّا الشَّعِيرُ فَنَحْنُ نَكْفِيكَ، وَأَمَّا الْكَبْشُ فمُر أَصْحَابَكَ فَلْيَذْبَحُوهُ، وَعَمِلُوا الشَّعِيرَ فَأَصْبَحَ وَاللَّهِ عِنْدَنَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَقْطَعَ أَبَا بَكْرٍ أَرْضًا لَهُ فَاخْتَلَفْنَا فِي عِذْقٍ، فَقُلْتُ هُوَ فِي أَرْضِي.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ فِي أَرْضِي، فَتَنَازَعْنَا فَقَالَ لِي أبو بكر كلمة كرهتها، فندم فأحضرني فقال لي قل لي كما قلت، قَالَ: فَقُلْتُ لَا وَاللَّهِ لَا أَقُولُ لَكَ كَمَا قُلْتَ لِي، قَالَ إِذًا آتِي رَسُولَ الله.
قال: فأتى رسول الله وَتَبِعْتُهُ فَجَاءَنِي
قَوْمِي يَتْبَعُونَنِي فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي قال لك، وهو يأتي رسول الله فَيَشْكُو؟ قَالَ: فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ تَدْرُونَ مَنْ هَذَا، هَذَا الصِّدِّيقُ وَذُو شَيْبَةِ الْمُسْلِمِينَ، ارْجِعُوا لَا يَلْتَفِتْ فَيَرَاكُمْ فَيَظُنَّ أَنَّكُمْ إِنَّمَا جِئْتُمْ لتعينوني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله فَيُخْبِرْهُ فَيَهْلِكْ رَبِيعَةُ.
قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ فقال: إني قلت لربيعة كلمة كرهتها، فَقُلْتُ لَهُ يَقُولُ لِي مِثْلَ مَا قُلْتُ لَهُ فَأَبَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَا ربيعة ومالك وللصديق؟ " قال: فقلت: يا رسول الله وَاللَّهِ لَا أَقُولُ لَهُ كَمَا قَالَ لِي، فقال رسول الله " لَا تَقُلْ لَهُ كَمَا قَالَ لَكَ، وَلَكِنْ قُلْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ "(1) .
(1) كان ربيعة من أهل الصفة لم يزل مع النبي صلى الله عليه وآله حتى قبض فخرج من المدينة فنزل في بلاد أسلم على بريد من = (*)
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم سَعْدٌ مَوْلَى أَبِي بكر رضي الله عنه، وَيُقَالُ مَوْلَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ - وَكَانَ سَعْدٌ مَمْلُوكًا لِأَبِي بكر، وكان رسول الله يعجبه خِدْمَتُهُ - " أَعْتِقْ سَعْدًا " فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مالنا خَادِمٌ هَاهُنَا غَيْرُهُ، فَقَالَ " أَعْتِقْ سَعْدًا أَتَتْكَ الرِّجَالُ أَتَتْكَ الرِّجَالُ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حدَّثنا أَبُو عَامِرٍ (1) ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: قرَّبت بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمْرًا، فَجَعَلُوا يَقْرِنُونَ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْقِرَانِ (2) .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ بِهِ.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.
دَخَلَ يَوْمَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُودُ بِنَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سبيلهِ * اليومَ نَضْربكُمْ عَلى تأويلِهِ كَمَا ضَربنَاكُمْ عَلى تنزيلِهِ * ضَرباً يزيلُ الهامَ عَنْ مَقيلِهِ ويَشغلُ الخليلَ عَن خَليلِهِ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ بِطُولِهِ.
وَقَدْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَعْدَ هَذَا بِأَشْهُرٍ فِي يَوْمِ مُؤْتَةَ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ غَافِلِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ شَمْخٍ أَبُو عَبْدِ الرحمن الهذلي.
أحد أئمة الصَّحابة هاجر الهجرتين وشهد بدراً وما بعدها، كما يَلِي حَمْلَ نَعْلَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَيَلِي طَهُورَهُ، وَيُرَحِّلُ دَابَّتَهُ إِذَا أَرَادَ الرُّكُوبَ، وَكَانَتْ لَهُ الْيَدُ الطُّولَى فِي تَفْسِيرِ كلام الله، وَلَهُ الْعِلْمُ الْجَمُّ وَالْفَضْلُ وَالْحِلْمُ وَفِي الْحَدِيثِ أن رسول الله قَالَ لِأَصْحَابِهِ - وَقَدْ جَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ - فَقَالَ " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ ".
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ابْنِ مَسْعُودٍ: هُوَ كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْمًا.
وَذَكَرُوا أَنَّهُ نَحِيفُ الخَلق حَسَنُ الخُلق، يقال أنه كان إذا مشى يسامت الجلوس وَكَانَ يُشَبَّهُ بالنَّبيّ صلى الله عليه وسلم فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ، يَعْنِي أَنَّهُ يُشَبَّهُ بالنَّبيّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَكَلَامِهِ وَيَتَشَبَّهُ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ عَبَّادَتِهِ.
تُوُفِّيَ رضي الله عنه فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ سنة اثنتين - أَوْ ثَلَاثٍ - وَثَلَاثِينَ بِالْمَدِينَةِ عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَقِيلَ إِنَّهُ تُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مسلم، ثنا ابن
= المدينة وبقي إلى أيام الحرة - أيَّام يزيد بن معاوية - ومات بالحرة سنة ثلاث وستين في ذي الحجة (الاصابة - أسد الغابة) .
(1)
وهو صالح بن رستم الخزاز.
(2)
القران في التمر: الجمع بين تمرتين في الاكل.
(*)
جَابِرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عقبة بن عامر قال: بينما أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَقْبٍ مِنْ تِلْكَ النِّقَابِ، إِذْ قَالَ لي " يا عقبة أَلَا تَرْكَبُ؟ " قَالَ: فَأَشْفَقْتُ أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةٌ، قال: فنزل رسول الله وَرَكِبْتُ هُنَيْهَةً، ثُمَّ رَكِبَ ثُمَّ قَالَ " يَا عقب أَلَا أُعْلِّمُكَ سُورَتَيْنِ مَنْ خَيْرِ سُورَتَيْنِ قَرَأَ بِهِمَا النَّاس؟ " قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَقْرَأَنِي قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ.
ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَتَقَدَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ بِهِمَا.
ثم مرَّ بي فقال " اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ وَكُلَّمَا قُمْتَ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ عُقْبَةَ بِهِ.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ.
رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مِنَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الْأَمِيرِ، وَقَدْ كَانَ قَيْسٌ هَذَا رضي الله عنه مِنْ أَطْوَلِ الرِّجَالِ، وَكَانَ كَوْسَجًا وَيُقَالُ إنَّ سَرَاوِيلَهُ كَانَ يَضَعُهُ عَلَى أَنْفِهِ مَنْ يَكُونُ مِنْ أَطْوَلِ الرِّجال فَتَصِلُ رِجْلَاهُ الأرض، وقد بعث سراويله معاوية إِلَى مَلِكِ الرُّوم يَقُولُ لَهُ: هَلْ عِنْدَكُمْ رجل يجئ هذه السراويل على طوله؟ فتعجَّب صاحب الرُّوم مِنْ ذَلِكَ.
وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ كَرِيمًا مُمَدَّحًا ذَا رَأْيٍ وَدَهَاءٍ، وَكَانَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَيَّامَ صِفِّينِ.
وَقَالَ مِسْعَرٌ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ: كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ لَا يَزَالُ رَافِعًا أُصْبُعَهُ الْمِسْبَحَةَ يَدْعُو رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ وَغَيْرُهُمَا: تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ فِي آخِرِ أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السِّجِسْتَانِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بن يزيد الحنفي، ثنا سعيد بْنُ الصَّلْتِ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ عِشْرُونَ شَابًّا مِنَ الْأَنْصَارِ يَلْزَمُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَوَائِجِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَمْرًا بَعْثَهُمْ فِيهِ.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه.
كَانَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَحْدَارِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا كَانَ رَافِعًا السَّيْفَ فِي يَدِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِي الْخَيْمَةِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ: فَجَعَلَ كُلَّمَا أَهْوَى عَمُّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ حِينَ قَدِمَ فِي الرَّسِيلَةِ إِلَى لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي مُخَاطَبَاتِهَا - يَقْرَعُ يَدَهُ بِقَائِمَةِ السَّيْفِ وَيَقُولُ: أخِّر يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ لَا تَصِلَ إِلَيْكَ.
الْحَدِيثَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ: شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَوَلَّاهُ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ الْإِمْرَةَ حِينَ ذَهَبَا فخرَّبا طَاغُوتَ أَهْلِ الطَّائِفِ، وَهِيَ الْمَدْعُوَّةُ بِالرَّبَّةِ، وَهِيَ اللَّاتُ، وَكَانَ دَاهِيَةً مِنْ دُهَاةِ الْعَرَبِ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَا غَلَبَنِي أُحُدٌ قَطُّ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ سَمِعْتُ قَبِيصَةَ بْنَ جَابِرٍ يَقُولُ: صَحِبْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَلَوْ أَنَّ مَدِينَةً لَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ لَا يُخْرَجُ مِنْ بَابٍ مِنْهَا إِلَّا بِمَكْرٍ لَخَرَجَ من أبوابها.
وقال الشعبي: القضاة أربعة، أبو بكر وَعُمْرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى، وَالدُّهَاةُ أَرْبَعَةٌ، مُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَالْمُغِيرَةُ
وَزِيَادٌ.
وَقَالَ الزُّهري: الدهاة خمسة، معاوية وعمر وَالْمُغِيرَةُ وَاثْنَانِ مَعَ عَلِيٍّ وَهُمَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ
عُبَادَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَجُلًا نكَّاحاً لِلنِّسَاءِ، وَكَانَ يَقُولُ صَاحِبُ الْوَاحِدَةِ إِنْ حَاضَتْ حَاضَ مَعَهَا، وَإِنْ مَرِضَتْ مَرِضَ معها، وصاحب الثنايا؟ ؟ بين نارين يشتعلان قال: فكان ينكح أربعاً وَيُطَلِّقُهُنَّ جَمِيعًا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: تَزَوَّجَ ثَمَانِينَ امْرَأَةً، وقيل ثلاث مائة امرأة، وقيل أحصن بألف امْرَأَةٍ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَشْهَرُهَا وَأَصَحُّهَا وَهُوَ الَّذِي حَكَى عَلَيْهِ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ الْإِجْمَاعَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِينَ.
وَمِنْهُمْ رضي الله عنهم الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَبُو مَعْبَدٍ الْكِنْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: قَدِمْتُ المدينة أنا وصاحبان، فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد، فأتينا إلى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا لَهُ، فذهب بنا إلى منزله وعنده أربعة أَعْنُزٍ، فَقَالَ " إحلبهنَّ يَا مِقْدَادُ، وَجَزِّئْهِنَّ أَرْبَعَةَ جزاء، وَأَعْطِ كُلَّ إِنْسَانٍ جُزْءًا " فَكُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ فرفعت للنبي صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَاحْتَبَسَ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي فَقَالَتْ لِي نَفْسِي: إنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَتَى أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَوْ قُمْتَ فَشَرِبْتَ هَذِهِ الشَّرْبَةَ فَلَمْ تَزَلْ بِي حتَّى قُمْتُ فَشَرِبْتُ جُزْأَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ في بطني ومعائي أخذني ما قدم وما حدث.
فقلت يجئ الْآنَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم جَائِعًا ظمآناً فَلَا يَرَى فِي الْقَدَحِ شَيْئًا فَسَجَيَّتُ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِي.
وَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فسلم تسليمة تسمع اليقظان ولا توقظ النَّائِمَ، فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا.
فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ " اللَّهُمَّ اسْقِ مَنْ سَقَانِي، وَأَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي " فَاغْتَنَمْتُ دَعْوَتَهُ وَقُمْتُ فَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ فَدَنَوْتُ إِلَى الْأَعْنُزِ فَجَعَلْتُ أَجِسُّهُنَّ أَيَّتُهُنَّ أَسْمَنُ لِأَذْبَحَهَا، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى ضَرْعِ إِحْدَاهُنَّ فَإِذَا هِيَ حَافِلٌ، وَنَظَرْتُ إِلَى الْأُخْرَى فَإِذَا هِيَ حَافِلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُنَّ كُلُّهُنَّ حُفَّل، فَحَلَبْتُ فِي الْإِنَاءِ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَقُلْتُ اشْرَبْ، فَقَالَ " مَا الْخَبَرُ يَا مِقْدَادُ؟ " فَقُلْتُ إشرب ثم الخبر؟، فقال " بعض؟ وتك يَا مِقْدَادُ " فَشَرِبَ ثُمَّ قَالَ " اشْرَبْ " فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَشَرِبَ حتَّى تَضَلَّعَ ثُمَّ أَخَذْتُهُ فَشَرِبْتُهُ، ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " هِيهِ " فَقُلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم " هَذِهِ بَرَكَةٌ مُنَزَّلَةٌ مِنَ
السَّمَاءِ أَفَلَا أَخْبَرْتَنِي حتَّى أَسْقِيَ صَاحِبَيْكَ؟ " فَقُلْتُ إِذَا شَرِبْتُ الْبَرَكَةَ أَنَا وَأَنْتَ فَلَا أُبَالِي مَنْ أَخْطَأَتْ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِقْدَادِ فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ أَنَّهُ حلب في الإناء الذي كانوا لا يطيقون أَنْ يَحْلِبُوا فِيهِ، فَحَلَبَ حتَّى عَلَتْهُ الرَّغْوَةُ.
ولما جاء به قال بله رسول الله " أَمَا شَرِبْتُمْ شَرَابَكُمُ اللَّيْلَةَ يَا مِقْدَادُ؟ " فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي فَأَخَذْتُ مَا بَقِيَ ثُمَّ شَرِبْتُ.
فَلَمَّا عرفت أن رسول الله قَدْ رَوَى فَأَصَابَتْنِي دَعْوَتُهُ ضَحِكْتُ حتَّى أُلْقِيتُ إلى الأرض، فقال رسول الله " إِحْدَى سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ " فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ مِنْ أَمْرِي كَذَا، صَنَعْتُ كَذَا.
فقال " مَا كَانَتْ هَذِهِ إِلَّا رَحْمَةَ اللَّهِ، أَلَا كُنْتَ آذَنْتَنِي تُوقِظُ صَاحِبَيْكَ هَذَيْنِ فَيُصِيبَانِ مِنْهَا؟ " قَالَ قُلْتُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُبَالِي إِذَا أصبتَها وأصبتُها مَعَكَ مَنْ أَصَابَهَا مِنَ النَّاس.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِهِ.