المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ فَقَالَ " انْطَلِقْ بِهِنَّ إلى أصحابك - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٥

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 5

- ‌سَنَةُ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌ذِكْرُ غَزْوَةِ تَبُوكَ

- ‌فصلفيمن تخلَّف مَعْذُورًا مِنَ البكَّائين وَغَيْرِهِمْ

- ‌فصل

- ‌ذِكْرُ خُطْبَتِهِ صلى الله عليه وسلم إلى تبوك إِلَى نَخْلَةٍ هُنَاكَ

- ‌بعثه عليه السلام خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أُكَيْدِر دُومة

- ‌فصل

- ‌ذِكْرُ أَقْوَامٍ تخلَّفوا مِنَ الْعُصَاةِ غَيْرِ هَؤُلَا

- ‌قُدُومُ وَفْدِ ثَقِيفٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌موت عبد الله بن أُبي

- ‌فصل

- ‌ غَزْوَةُ تَبُوكَ آخِرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي فِي سَنَةِ تِسْعٍ - مِنَ الْأُمُورِ الْحَادِثَةِ غَزْوَةُ تَبُوكَ فِي رجب كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ

- ‌وَفِيهَا توفِّي عَبْدُ اللَّهِ بن أُبي بن سَلُولَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ لَعَنَهُ اللَّهُ

- ‌وَفْدُ بَنِي عَبْدِ الْقَيْسِ

- ‌قِصَّةُ ثُمَامَةَ وَوَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ

- ‌وَفْدُ أَهْلِ نَجْرَانَ

- ‌وَفْدُ بَنِي عَامِرٍ وَقِصَّةُ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ

- ‌قدوم ضمام بن ثعلبة

- ‌فصل

- ‌وفد طئ مع زيد الخيل رضي الله عنه [

- ‌قدوم عمر بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ فِي أُنَاسٍ مِنْ زُبَيْدٍ

- ‌قدوم أعشى بن مَازِنٍ عَلَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌قُدُومُ رَسُولِ مُلُوكِ حِمْيَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌قُدُومُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ وَإِسْلَامُهُ

- ‌بَعْثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ حِينَ أَسْلَمَ إِلَى ذِي الْخَلَصَةِ

- ‌قدوم طارق بن عبيد اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ

- ‌قُدُومُ وَافِدِ فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيِّ صَاحِبِ بِلَادِ مُعَانَ

- ‌قُدُومُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌وَفْدُ بَنِي أَسَدٍ

- ‌وَفْدُ بَنِي عَبْسٍ

- ‌وَفْدُ بَنِي فَزَارَةَ

- ‌وفد بني مرة

- ‌وَفْدُ بَنِي ثَعْلَبَةَ

- ‌وَفْدُ بَنِي مُحَارِبٍ

- ‌وَفْدُ بَنِي كِلَابٍ

- ‌وَفْدُ بَنِي رُؤَاسِ

- ‌وَفْدُ بَنِي عُقَيْلِ بْنِ كَعْبٍ

- ‌وَفْدُ بَنِي قُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ

- ‌وَفْدُ بَنِي الْبَكَّاءِ

- ‌وَفْدُ أَشْجَعَ

- ‌وَفْدُ بَاهِلَةَ

- ‌وَفْدُ بَنِي سُلَيْمٍ

- ‌وَفْدُ بَنِي هِلَالِ

- ‌وفد خولان

- ‌وفد جعفيّ

- ‌فَصْلٌ فِي قُدُومِ الْأَزْدِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌وَفْدُ الصَّدِفِ

- ‌وَفْدُ خُشَيْنٍ

- ‌وَفْدُ بَنِي سَعْدٍ

- ‌وفد السِّبَاعِ

- ‌فصل وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وُفُودِ الْجِنِّ بِمَكَّةَ قَبْلَ الهجرة

- ‌سنة عشر من الهجرة

- ‌باب بعث رسول الله خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ

- ‌بَعْثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الأمراء إلى أهل اليمن

- ‌باب بيان أنه عليه وَالسَّلَامُ لَمْ يَحُجَّ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً وَأَنَّهُ اعْتَمَرَ قَبْلَهَا ثَلَاثَ عُمر

- ‌باب خروجه عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ لِحَجَّةِ الْوَدَاعِ

- ‌باب صفة خروجه عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ لِلْحَجِّ

- ‌فصل تقدم أنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا

- ‌بَابُ بَيَانِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أهلَّ مِنْهُ عليه السلام وَاخْتِلَافِ النَّاقِلِينَ لِذَلِكَ وَتَرْجِيحِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ

- ‌بَابُ بَسْطِ الْبَيَانِ لِمَا أَحْرَمَ بِهِ عليه السلام في حجته هذه من الإفراد والتمتع أو القران

- ‌ذكر ما قاله أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَجَّ مُتَمَتِّعًا

- ‌ذِكْرُ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إلى أنه عليه السلام كان قارناً

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ذِكْرُ مُسْتَنَدِ مَنْ قَالَ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَطْلَقَ الْإِحْرَامَ وَلَمْ يُعَيِّنْ حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً أَوَّلًا

- ‌ذِكْرُ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ فِي إِيرَادِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه فِي حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذِكْرُ الْأَمَاكِنِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ذَاهِبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فِي عُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ

- ‌بَابُ دُخُولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مكة شَرَّفَهَا اللَّهُ عز وجل

- ‌ذِكْرُ رَمَلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي طَوَافِهِ وَاضْطِبَاعِهِ

- ‌ذِكْرُ طَوَافِهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

- ‌فصل

- ‌فصل روى أمره عليه السلام لِمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ خَلْقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌ فَصَلَّ

- ‌فصل فيما حفظ من دعائه عليه السلام وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ:

- ‌ذِكْرُ ما نزل عليّ رسول الله من الوحي في هذا الموقف

- ‌ذكر إفاضته عليه السلام مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ

- ‌ فَصَلَّ

- ‌ذِكْرُ تَلْبِيَتِهِ عليه السلام بِالْمُزْدَلِفَةِ

- ‌فصل في وُقُوفُهُ عليه السلام بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَدَفْعُهُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَإِيضَاعُهُ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ذِكْرُ إِفَاضَتِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام خَطَبَ النَّاس بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ

- ‌فصل الْيَوْمُ السَّادِسُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي إِيرَادِ الْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام خَطَبَ بِمَكَانٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ

- ‌سنة إحدى عشرة من الهجرة

- ‌ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌مَقْتَلِ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُنْذِرَةِ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَيْفَ ابْتُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ

- ‌ذكر أمره عليه السلام أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه أَنْ يصلي بالصحابة أجمعين

- ‌فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أمور مهمة وَقَعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌قِصَّةُ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فُصْلٌ فِي ذِكْرِ الْوَقْتِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَبْلَغِ سنه حال وفاته وفي كيفية غسله عليه السلام وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ، وَمَوْضِعِ قَبْرِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامه عليه

- ‌صفة غسله عليه السلام

- ‌كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌صفة دفنه عليه السلام وأين دفن

- ‌صِفَةِ قَبْرِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌ما أصاب المسلمين من المصيبة بِوَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌مَا وَرَدَ مِنَ التَّعْزِيَةِ بِهِ عليه الصلاة والسلام

- ‌فَصْلٌ فِيمَا رُوِيَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِيَوْمِ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ قَصَائِدَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه فِي وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ بَيَانِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَا نُورَثُ

- ‌فَصْلٌ وَقَدْ تكلَّمت الرَّافِضَةُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِجَهْلٍ

- ‌بَابُ زوجاته صلوات الله وسلامه عليه وأولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ فِيمَنْ خطبها عليه السلام وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا

- ‌فَصْلٌ فِي ذِكْرِ سَرَارِيِّهِ عليه السلام

- ‌فصل في ذكر أولاده عليه الصلاة والسلام

- ‌بَابُ ذِكْرِ عَبِيدِهِ عليه الصلاة والسلام وإمائه وخدمه وكتَّابه وأمنائه وَلْنَذْكُرْ مَا أَوْرَدَهُ مَعَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ

- ‌فَصْلٌ وَأَمَّا خدَّامه صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ أَمَّا كُتَّاب الْوَحْيِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ خَاتَمِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم

الفصل: ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ فَقَالَ " انْطَلِقْ بِهِنَّ إلى أصحابك

ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ فَقَالَ " انْطَلِقْ بِهِنَّ إلى أصحابك فقل: إنَّ الله أو إنَّ رسول الله يحملكم على هؤلاء [فاركبوهن.

قال أبو موسى: فانطلقت إلى أصحابي] (1) فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا أَدَعُكُمْ حتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سمع مقالة رسول الله حِينَ سَأَلْتُهُ لَكُمْ، وَمَنْعَهُ لِي فِي أَوَّلِ مرة، ثم إعطائه إِيَّايَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَظُنُّوا أَنِّي حدَّثتكم شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ، فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ إِنَّكَ عِنْدَنَا لمصدَّق، وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ، حتَّى أَتَوُا الَّذِينَ سَمِعُوا مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَنْعِهِ إِيَّاهُمْ، ثُمَّ إِعْطَائِهِ بَعْدُ، فحدَّثوهم بِمَا حدَّثهم بِهِ أَبُو مُوسَى سَوَاءً (2) .

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ لِيَحْمِلَنَا " فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي ما أحملكم عليه " قال ثم جئ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَهْبِ إبل فأمر لنا بست ذودعر الذرى فأخذناها ثمَّ قلنا يعقلنا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمِينَهُ وَاللَّهِ لَا يُبَارَكُ لَنَا، فَرَجَعْنَا لَهُ فَقَالَ " مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ " ثمَّ قَالَ " إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وتحلَّلتها ".

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ نَفَرٌ مِنِ الْمُسْلِمِينَ أبطأت بهم الغيبة (3) حتَّى تخلَّفوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ، مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، وَمُرَارَةُ بْنُ

رَبِيعٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ أخو بني واقف، وأبو خثيمة أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانُوا نَفَرَ صِدْقٍ لَا يُتَّهمون فِي إِسْلَامِهِمْ.

قُلْتُ: أمَّا الثَّلاثة الْأُوَلُ فَسَتَأْتِي قِصَّتُهُمْ مَبْسُوطَةً قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُمْ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ * (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ) * وَأَمَّا أَبُو خَيْثَمَةَ فَإِنَّهُ عَادَ وَعَزَمَ عَلَى اللُّحوق بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا سَيَأْتِي.

‌فصل

قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ثُمَّ اسْتَتَبَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَفَرُهُ، وَأَجْمَعَ السَّير.

فلمَّا خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ضَرَبَ عَسْكَرَهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ وَمَعَهُ زِيَادَةٌ عَلَى ثَلَاثِينَ أَلْفًا مِنَ النَّاس، وَضَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ عَدُوُّ اللَّهِ عَسْكَرَهُ أَسْفَلَ مِنْهُ - وَمَا كَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ بِأَقَلِّ العسكرين - فلمَّا سار رسول

(1) ما بين معكوفين سقط من الاصل، واستدركت من دلائل البيهقي.

(2)

الحديث في دلائل النبوة للبيهقي ج 5 / 216 - 217.

وأخرجه البخاري في كتاب المغازي - (78) باب الحديث: 4415 فتح الباري (8 / 90) ومسلم في كتاب الايمان (3) باب الحديث (8) .

(3)

في ابن هشام: النية.

(*)

ص: 10

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تخلَّف عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبي، فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الرَّيب.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَخْلَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: وَذَكَرَ الدَّرَاوَرْدِيُّ: أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا عَامَ تَبُوكَ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وخلَّف رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى أَهْلِهِ وَأَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ فِيهِمْ، فَأَرْجَفَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ، وَقَالُوا، مَا خَلَّفَهُ إِلَّا اسْتِثْقَالًا لَهُ وَتَخَفُّفًا مِنْهُ.

فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ أَخَذَ عَلِيٌّ سِلَاحَهُ ثُمَّ خَرَجَ حتَّى لَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَازِلٌ بالجُرْف (1) فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالُوا فَقَالَ: " كَذَبُوا وَلَكِنِّي خلَّفتك لِمَا تَرَكْتُ وَرَائِي، فَارْجِعْ فَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي وَأَهْلِكَ، أَفَلَا تَرْضَى يَا عَلِيُّ أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي " فَرَجَعَ

عَلِيٌّ وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ.

عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِعَلِيٍّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ: مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ بِهِ (2) .

وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خلَّف رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُخَلِّفُنِي فِي النِّساء والصِّبيان؟ فَقَالَ " أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ".

وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ نَحْوَهُ، وعلَّقه الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أبيه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهُ - وخلَّفه فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ - فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ " يَا عَلِيُّ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي " ورواه مُسْلِمٌ والتِّرمذي عَنْ قُتَيْبَةَ: زَادَ مُسْلِمٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ كِلَاهُمَا عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بِهِ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ إنَّ أَبَا خَيْثَمَةَ رَجَعَ بَعْدَ مَا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيَّامًا إِلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، فَوَجَدَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ فِي عَرِيشَيْنِ لَهُمَا فِي حَائِطِهِ، قَدْ رَشَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَرِيشَهَا، وَبَرَّدَتْ فِيهِ مَاءً، وهيَّأت لَهُ فِيهِ طَعَامًا فلمَّا دَخَلَ قَامَ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ، فَنَظَرَ إِلَى امْرَأَتَيْهِ وَمَا صَنَعَتَا لَهُ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الضحِّ وَالرِّيحِ وَالْحَرِّ وَأَبُو خَيْثَمَةَ فِي ظِلٍّ بَارِدٍ وَطَعَامٍ مُهَيَّأٍ وَامْرَأَةٍ حَسْنَاءَ فِي مَالِهِ مُقِيمٌ، مَا هَذَا بِالنَّصَفِ! وَاللَّهِ لَا أَدْخُلُ عَرِيشَ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حتَّى أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فهيِّئا زَادًا فَفَعَلَتَا.

ثمَّ قَدَّمَ نَاضِحَهُ فَارْتَحَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى أَدْرَكَهُ حِينَ نَزَلَ

(1) الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة.

(2)

أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله باب مناقب علي بن أبي طالب (5 / 22) .

وفي كتاب المغازي باب غزوة تبوك فتح الباري (ج 8 / 91) .

ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (4) باب الحديث

(30 - 31 - 32) .

(*)

ص: 11

تبوك، وكان أَدْرَكَ أَبَا خَيْثَمَةَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ فِي الطَّرِيقِ، يَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَرَافَقَا حتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْ تَبُوكَ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ لِعُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ: إِنَّ لِي ذَنْبًا فَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي حتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَفَعَلَ حتَّى إِذَا دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ النَّاسُ هَذَا رَاكِبٌ عَلَى الطَّرِيقِ مُقْبِلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ " فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ وَاللَّهِ أَبُو خَيْثَمَةَ.

فلمَّا بَلَغَ أَقْبَلَ فسلَّم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ " أَوْلَى لَكَ يَا أَبَا خَيْثَمَةَ " ثمَّ أخبر رسول الله الْخَبَرَ فَقَالَ خَيْرًا وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ.

وَقَدْ ذَكَرَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قِصَّةَ أَبِي خَيْثَمَةَ بِنَحْوٍ مِنْ سِيَاقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَبْسَطَ وَذِكَرَ أَنَّ خُرُوجَهُ عليه السلام إِلَى تَبُوكَ كَانَ فِي زَمَنِ الْخَرِيفِ.

فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ قَيْسٍ فِي ذَلِكَ: لَمّا رَأيْت النَّاسَ فِي الدينِ نَافَقُوا * أَتَيّتُ الَّتِي كَانَتْ أَعَفَّ وَأكرما وَبَايَعْتُ بِاليُمْنَى يَديِ ِلمحمدٍ * فَلَمْ أكتسِب إثماً لم أَغْشَ مَحْرِما تَرَكْت خَضِيبَاً فِي العَريش وصَرّمَةِ * صَفَايَا كِراما بسرّهُا قَدْ تَحّمِمَا (1) وَكُنْتُ إذَا شَكَّ الُمنافِقُ أسّمَحَتْ * إلَى الدِّينِ نَفْسي شَطرَهُ حَيْثُ يَممّا قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عن بريدة (2) ، عن سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى تَبُوكَ جَعَلَ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَتَخَلَّفُ، فَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَخَلَّفَ فُلَانٌ فَيَقُولُ " دَعُوهُ إِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللَّهُ بِكُمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللَّهُ مِنْهُ " حتَّى قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تخلَّف أَبُو ذَرٍّ وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيرُهُ فَقَالَ " دَعُوهُ إِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللَّهُ بِكُمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللَّهُ مِنْهُ " فَتَلَوَّمَ أَبُو ذَرٍّ بَعِيرَهُ فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ، أَخَذَ مَتَاعَهُ فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَتَّبِعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاشِيًا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَنَازِلِهِ، وَنَظَرَ نَاظِرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ ماشٍ عَلَى الطَّريق، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كُنْ أَبَا ذَرٍّ " فلمَّا تأمَّله الْقَوْمُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ وَاللَّهِ أَبُو

ذَرٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ " قَالَ فَضَرَبَ [الدَّهر مِنْ](3) ضَرْبِهِ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ فلمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلَامَهُ فَقَالَ: إِذَا مِتُّ فَاغْسِلَانِي وكفِّناني مِنَ اللَّيل ثمَّ ضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّريق فأوَّل رَكْبٍ يَمُرُّونَ بِكُمْ فَقُولُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فلمَّا مَاتَ فَعَلُوا بِهِ كَذَلِكَ فَاطَّلَعَ رَكْبٌ فَمَا عَلِمُوا بِهِ حتَّى كَادَتْ رِكَابُهُمْ تَطَأُ سَرِيرَهُ، فَإِذَا ابْنُ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ، فاستهلَّ ابْنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي وَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ يَمْشِي وحده ويموت وحده ويبعث وحده، فنزل

(1) الخضيب: المرأة المخضوبة.

والصرمة: هنا جماعة النخل.

الصفايا: كثيرة الثمر.

(2)

في رواية البيهقيّ: بريدة بن سفيان، وفي هامشه: " قال البخاري في التاريخ الكبير: فيه نظر، وضعفه النسائي وأبو داود وأحمد والدارقطني.

(3)

بياض بالاصل، والزيادة من رواية البيهقي.

(*)

ص: 12

فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ حتَّى أَجَنَّهُ (1) .

إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلَمْ يخرِّجوه قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن عقيل في قوله [عز وجل] * (الذين اتَّبعوه في ساعة العسرة) * [التَّوْبَةِ: 117] قَالَ: خَرَجُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، الرَّجلان وَالثَّلَاثَةُ عَلَى بَعِيرٍ وَاحِدٍ وَخَرَجُوا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ فَأَصَابَهُمْ فِي يَوْمٍ عَطَشٌ حتَّى جَعَلُوا ينحرون إبلهم لينفضوا أَكْرَاشَهَا وَيَشْرَبُوا مَاءَهَا، فَكَانَ ذَلِكَ عُسْرَةً فِي الْمَاءِ وَعُسْرَةً فِي النَّفقة وَعُسْرَةً فِي الظَّهْرِ (2)، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ (3) بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبَّاس أنَّه قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حدِّثنا عَنْ شَأْنِ سَاعَةِ الْعُسْرَةِ فَقَالَ عُمَرُ: خَرَجْنَا إِلَى تَبُوكَ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا وَأَصَابَنَا فِيهِ عَطَشٌ حتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابَنَا سَتَنْقَطِعُ حتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَذْهَبُ فَيَلْتَمِسُ الرَّحل فَلَا يَرْجِعُ حتَّى يَظُنَّ أَنَّ رَقَبَتَهُ سَتَنْقَطِعُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجل لَيَنْحَرُ بَعِيرَهُ، فَيَعْتَصِرُ فَرْثَهُ فَيَشْرَبُهُ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ عَلَى كَبِدِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ عوَّدك فِي الدُّعاء خَيْرًا فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ " أو تحب ذَلِكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ نَحْوَ

السَّماء فلم يرجعهما حتَّى قالت (4) السَّماء فأطلت ثمَّ سكبت، فملأوا مَا مَعَهُمْ ثمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُرُ فَلَمْ نَجِدْهَا جَاوَزَتِ الْعَسْكَرَ (5) .

إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَمْ يخرِّجوه مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ رِجَالٍ من قومه: أن هذه القصة كَانَتْ وَهُمْ بالحِجر، وَأَنَّهُمْ قَالُوا لِرَجُلٍ مَعَهُمْ منافق ويحك هل بعد هذا من شئ؟ ! فَقَالَ سَحَابَةٌ مَارَّةٌ، وَذَكَرَ أنَّ نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضلَّت فَذَهَبُوا فِي طَلَبِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ - وَكَانَ عِنْدَهُ - " إنَّ رَجُلًا قَالَ هَذَا مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أنَّه نَبِيٌّ وَيُخْبِرُكُمْ خَبَرُ السَّمَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ، وإنِّي وَاللَّهِ لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ وَقَدْ دَلَّنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، هِيَ فِي الْوَادِي قَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بزمامها " فانطلقوا فجاؤوا بِهَا فَرَجَعَ عُمَارَةُ إِلَى رَحْلِهِ فحدَّثهم عَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَبَرِ الرَّجل فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ (6) وَكَانَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ فَأَقْبَلَ عُمَارَةُ عَلَى زَيْدٍ يَجَأُ فِي عُنُقِهِ وَيَقُولُ إنَّ فِي رَحْلِي لَدَاهِيَةً وَأَنَا لَا أَدْرِي، اخْرُجْ عَنِّي يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَلَا تَصْحَبْنِي.

فَقَالَ بَعْضُ النَّاس إِنَّ زيداً تاب، وقال بعضهم لم يزل متهما بشر حَتَّى هَلَكَ.

قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ شَبِيهًا بِقِصَّةِ الرَّاحلة ثمَّ روي من

(1) الخبر في سيرة ابن هشام ج 4 / 168 ونقله البيهقي في الدلائل ج 5 / 221 - 222.

(2)

الخبر في دلائل البيهقي ج 5 / 227.

(3)

في دلائل البيهقي: سعد.

(4)

قالت: بمعنى استعدت وتهيأت (القاموس) .

(5)

رواه البيهقي في الدلائل ج 5 / 231.

والهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 194 - 195 وقال: رواه البزار، والطبراني في الاوسط، ورجال البزار ثقات.

(6)

قال ابن هشام: يقال لصيب، وفي الاصابة لصيت وقيل لصيب، وفي الطبري: لصيب.

(*)

ص: 13

حَدِيثِ الْأَعْمَشِ وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري - شكَّ الأعمش - قا لَمَّا كَانَ يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاس مَجَاعَةٌ

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَذِنْتَ فَنَنْحَرُ نَوَاضِحَنَا فَأَكَلْنَا وادَّهنا؟ (1) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " افْعَلُوا " فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ قلَّ الظَّهر، وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ وَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ لعلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فيها البركة، فقال رسول الله " نعم! " فدعا بنطع فبسطه ثمَّ عاد بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجئ بكف ذرة، ويجئ الآخرة بكف من التَّمر، ويجئ الْآخَرُ بِكِسْرَةٍ حتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النَّطع مِنْ ذلك شئ يَسِيرٌ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ " خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ " فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ حتَّى مَا تَرَكُوا في العسكر وعاء إلا ملؤوها، وَأَكَلُوا حتَّى شَبِعُوا، وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهَا عَبْدٌ غَيْرُ شاكٍ فَيُحْجَبُ عَنِ الجنَّة " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبَى كُرَيْبٍ عَنْ أَبَى مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ.

وَرَوَاهُ الإمام أحمد مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هريرة به وَلَمْ يَذْكُرْ غَزْوَةَ تَبُوكَ بَلْ قَالَ كَانَ في غزوة غزاها.

مُرُورِهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَهَابِهِ إلى تبوك بمساكن ثمود بالحجر قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ مرَّ بِالْحِجْرِ، نَزَلَهَا وَاسْتَقَى النَّاس مِنْ بِئْرِهَا، فلمَّا رَاحُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لا تشربوا من مياهها شيئا ولا تتوضأوا مِنْهُ للصَّلاة، وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ فَأَعْلِفُوهُ الْإِبِلَ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا " هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حدَّثنا يَعْمَرُ بْنُ بِشْرٍ، حدَّثنا عَبْدُ الله بن الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ " لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ ما أصابهم " وتقنَّع بردائه وهو على الرجل.

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ.

وَقَالَ مَالِكٍ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَصْحَابِهِ " لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ "(3) .

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَمِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ.

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ نَحْوَهُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:

حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حدَّثنا صَخْرُ - هُوَ ابْنُ جُوَيْرِيَةَ - عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ

(1) وادهنا: أي اتخذنا دهنا من شحومها.

(2)

رواه الإمام أحمد في مسنده ج 3 / 11، ومسلم في كتاب الايمان - باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا.

الحديث (45) .

(3)

الخبر في سيرة ابن هشام ج 4 / 165، وأخرجه البخاري في فتح الباري 6 / 530 و 8 / 381 ومسلم في الصحيح 4 / 2285.

ورواه البيهقي من طرق متعددة ج 5 / 233.

(*)

ص: 14

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالنَّاس عَامَ تَبُوكَ الْحِجْرَ عِنْدَ بُيُوتِ ثَمُودَ فَاسْتَقَى النَّاس مِنَ الْآبَارِ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا ثَمُودُ، فَعَجَنُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ باللَّحم، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهْرَقُوا الْقُدُورَ وَعَلَفُوا الْعَجِينَ الْإِبِلَ ثمَّ ارْتَحَلَ بِهِمْ حتَّى نَزَلَ بِهِمْ عَلَى الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا النَّاقة، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ عُذِّبوا [فَقَالَ]" إنِّي أَخْشَى أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ " وَهَذَا الْحَدِيثُ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يخرِّجوه وإنَّما أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ عياض، عن أَبِي ضَمْرَةَ، عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهِ.

قَالَ البخاري وتابعه أسامة عن عبيد الله.

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ بِهِ (1) .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا مرَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بِالْحِجْرِ قَالَ " لَا تَسْأَلُوا الْآيَاتِ فَقَدْ سَأَلَهَا قَوْمُ صَالِحٍ فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَعَقَرُوهَا، وَكَانَتْ تَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمًا وَيَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا فَعَقَرُوهَا فَأَخَذَتْهُمْ صَيْحَةٌ أَهْمَدَ اللَّهُ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّماء مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ " قِيلَ مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ " هُوَ أَبُو رِغَالٍ فلمَّا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلَمْ يخرِّجوه.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيُّ عن إسماعيل بن واسط، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ تَسَارَعَ النَّاس إِلَى أَهْلِ الْحِجْرِ، يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُودِيَ فِي النَّاس: الصَّلاة جَامِعَةٌ قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُمْسِكٌ بَعِيرَهُ، وَهُوَ يَقُولُ:" مَا تَدْخُلُونَ عَلَى قَوْمٍ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ " فَنَادَاهُ رَجُلٌ نَعْجَبُ منهم؟ قَالَ " أَفَلَا أنبِّئكم بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ؟ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ينبِّئكم بِمَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا وسدِّدوا، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ شَيْئًا، وَسَيَأْتِي قَوْمٌ لَا يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا "(2) إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلَمْ يخرِّجوه.

وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنِ العبَّاس بْنِ سَهْلِ بْنِ سعد السَّاعديّ - أو عن العبَّاس بْنِ سَعْدٍ الشَّكُّ منِّي - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ مرَّ بِالْحِجْرِ وَنَزَلَهَا اسْتَقَى النَّاس مِنْ بِئْرِهَا فلمَّا رَاحُوا مِنْهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للنَّاس " لَا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا ولا تتوضأوا مِنْهُ للصَّلاة، وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ فَأَعْلِفُوهُ الْإِبِلَ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا يخرجنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ إِلَّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ " فَفَعَلَ النَّاس مَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ، خَرَجَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَتِهِ، وَخَرَجَ الْآخَرُ فِي طَلَبِ بَعَيرٍ لَهُ، فَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ خُنِقَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ فِي طَلَبِ بَعِيرِهِ فَاحْتَمَلَتْهُ الرَّيح

(1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الزهد (1) باب الحديث 40، والبخاري في 60 كتاب الانبياء (17) باب قول الله تعالى: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا.

(2)

الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6 / 194) وقال: " رواه أحمد، وفيه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي وقد اختلط ".

ورواه البيهقي من طريق أبي النصر هاشم بن القاسم.

(*)

ص: 15

حتى ألقته بحبل طئ، فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ:" أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ يَخْرُجَ رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ " ثمَّ دَعَا لِلَّذِي أُصِيبَ عَلَى مَذْهَبِهِ فَشُفِيَ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَإِنَّهُ وَصَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ وَفِي رِوَايَةِ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ طَيِّئًا أَهْدَتْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ العبَّاس بْنَ سَهْلٍ سمَّى لَهُ الرَّجلين، لَكِنَّهُ اسْتَكْتَمَهُ إِيَّاهُمَا فَلَمْ يحدَّثني بِهِمَا (1) .

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حدَّثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنِ العبَّاس بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعديّ قَالَ خَرَجْنَا

مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ تَبُوكَ حتَّى جِئْنَا وَادِيَ الْقُرَى، فَإِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ:" اخْرُصُوا " فَخَرَصَ الْقَوْمُ وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمَرْأَةِ:" أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا حتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " قَالَ: فَخَرَجَ حتَّى قَدِمَ تَبُوكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إِنَّهَا سَتَهُبُّ عَلَيْكُمُ اللَّيلة رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يقومنَّ فِيهَا رَجُلٌ، فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيُوثِقْ عِقَالَهُ " قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: فَعَقَلْنَاهَا فلمَّا كَانَ مِنَ اللَّيل هبَّت عَلَيْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ فقام فيها رجل فألقته في جبل طئ، ثمَّ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ مَلِكُ أَيْلَةَ فَأَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ رَسُولُ اللَّهِ برداً وكتب له يجيرهم (2) ثمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حتَّى جِئْنَا وَادِيَ القرى قال لِلْمَرْأَةِ " كَمْ جَاءَتْ حَدِيقَتُكِ؟ " قَالَتْ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ خرص رسول الله، فقال رسول الله " إنِّي مُتَعَجِّلٌ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ فَلْيَفْعَلْ " قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَرَجْنَا مَعَهُ حتَّى إِذَا أَوْفَى عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ:" هَذِهِ طَابَةُ ".

فلمَّا رَأَى أُحُدًا قَالَ " هَذَا أُحُدٌ (3) يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الْأَنْصَارِ؟ " قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ " خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ (4) ، ثمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ، ثمَّ فِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ "(5) .

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بِهِ نَحْوَهُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رحمه الله عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، أنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ: أنَّهم خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ تَبُوكَ، فَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهر وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، قَالَ: فأخَّر الصَّلَاةَ يَوْمًا ثمَّ خَرَجَ فصلَّى الظُّهر وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثمَّ دَخَلَ ثمَّ خَرَجَ فصلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، ثمَّ قَالَ " إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غذا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ، وإنَّكم لَنْ تأتونها حتَّى يُضْحِيَ ضُحَى النَّهار فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يمس من مائها شيئاً حتَّى آتي "

(1) الخبر في سيرة ابن هشام ج 4 / 164 - 165.

ونقله البيهقي في الدلائل من طريق أحمد بن عبد الجبار ج 5 / 240.

(2)

في الاصل يخبرهم وهو تحريف، وما اثبتناه من ابن هشام.

(3)

في رواية البيهقيّ: هذا أحد، وهو جبل.

(4)

زاد البيهقي: ثمَّ دار بني الحارث بن الخزرج.

(5)

رواه مسلم في الصحيح، في كتاب الفضائل - (3) باب.

الحديث (11) .

والبخاري في الصَّحيح: في الزكاة (54) باب الحديث (1481) فتح الباري (3 / 343) .

(*)

ص: 16