الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: لَكِنْ فِي سِيَاقِ ابْنِ عبَّاس مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قُدُومَ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لِقَوْلِهِمْ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ مُضر لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قِصَّةُ ثُمَامَةَ وَوَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ
وَمَعَهُمْ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابِ قَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ وَقِصَّةِ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حدَّثني سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بُعِثَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا قَبْلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ "؟ قَالَ عِنْدِي خَيْرٌ، يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ.
وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ.
فَتَرَكَهُ حتَّى كَانَ الْغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ:" مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ) ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حَتَّى بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ: " مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ "؟ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ.
فَقَالَ: " أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ " فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ.
فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ دِينٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ من دينك فأصبح دينك بأحب الدِّينِ إليَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إليَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ، وإنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي، وَأَنَا أُرِيدَ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قدم مكة قال له قائل أصبوت؟ قَالَ: لَا! وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ولا والله لا تأتيكم مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (1) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ في فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ بِهِ.
وَفِي ذِكْرِ الْبُخَارِيِّ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي الْوُفُودِ نَظَرٌ وَذَلِكَ أنَّ ثُمَامَةَ لَمْ يَفِدْ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أُسِرَ وَقُدِمَ بِهِ فِي الْوَثَاقِ فَرُبِطَ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ فِي ذِكْرِهِ مَعَ الْوُفُودِ سَنَةَ تِسْعٍ نَظَرٌ آخَرُ.
وَذَلِكَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ سِيَاقِ قِصَّتِهِ أَنَّهَا قُبَيْلُ الْفَتْحِ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ عيَّروه بِالْإِسْلَامِ وَقَالُوا أَصَبَوْتَ فَتَوَعَّدَهُمْ بِأَنَّهُ لَا يَفِدُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ مِيرَةً حتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فدلَّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ كَانَتْ إِذْ ذَاكَ دَارَ حَرْبٍ، لَمْ يُسْلِمْ أَهْلُهَا بَعْدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ قِصَّةَ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ أَشْبَهُ وَلَكِنْ ذَكَرْنَاهُ هَاهُنَا اتِّبَاعًا لِلْبُخَارِيِّ رحمه الله.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، ثنا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، ثنا نَافِعُ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ (2) عَلَى عَهْدِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ القول: إن جعل لي محمد
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (70) باب الحديث (4372) .
(2)
مُسَيْلِمَةُ بْنُ ثُمَامَةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ حَبِيبِ بن الحرث من بني حنيفة، قال ابن إسحاق: ادعى النبوة ستة عشر، كنيته أبو ثمامة.
وقيل إن مسيلمة لقب واسمه ثمامة.
قال ابن حجر: إن كان هذا محفوظا فيكون ممن توافقت كنيته واسمه.
(*)
الأمر من بعده اتبعته، وقدم فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِطْعَةُ جَرِيدٍ حتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ.
فقال له: " لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتها، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ ليقرنك الله، وإني لأراك الذي رأيت فِيهِ مَا أُرِيتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي " ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّكَ الذي رأيت فِيهِ مَا أُرِيتُ، فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إليَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فأوَّلتهما كَذَّابَيْنِ يخرجان بعدي: أحدهما الأسود الْعَنْسِيُّ (1) وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ "(2) .
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ (3) ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ (4) أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَوُضِعَ فِي كَفِّي سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَبُرَا عَلَيَّ فَأُوحِيَ إليَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا فأوَّلتهما الكذَّابين اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا، صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ "(5) .
ثمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ (6) نَشِيطٍ - وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخر اسمع عَبْدُ اللَّهِ - أَنَّ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ.
قَالَ: بَلَغَنَا أنَّ مُسَيْلِمَةَ الكذَّاب قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ وَكَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ كُرَيْزٍ وهي أم عبد الله بن الحارث (7) بْنِ كُرَيْزٍ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ خَطِيبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضِيبٌ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فكلَّمه فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ إِنْ شِئْتَ خَلَّيْتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَمْرِ، ثمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بَعْدِكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْقَضِيبَ مَا أعطيتكه وإني لأراك الذي رأيت فيه ما رأيت (8) ، وهذا ثابت بن قيس وسيجيبك
(1) الأسود العنسيّ واسمه عبهلة بن كعب كان يقال له: ذو الخمار.
وهو من بني عنس.
خرج بصنعاء وادعى النبوة وغلب على عامل صنعاء المهاجر بن أبي أمية.
(2)
أخرجه البخاري في المغازي (70) باب، الحديث (4373) ، وفي كتاب المناقب (25) باب.
وأخرجه مسلم في كتاب الرؤيا (4) باب الحديث (21) .
(3)
من البخاري، وفي الاصل منصور تحريف.
(4)
من البخاري، وفي الاصل هشام بن أمية تحريف.
(5)
فتح الباري 8 / 73 الحديث رقم 4375.
(6)
في نسخ البداية المطبوعة: عن نشيط، وهو تحريف.
(7)
في البخاري: أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ.
قال ابن حجر: الصواب أم أولاد عبد الله بن عامر لانها زوجته لا أمه، واسم أمه ليلى بنت أبي حثمة العدوية.
قال ابن سعد: نزلوا في دار رملة بنت الحارث، وكان منزلها معدا للوفود، وهو أكثر احتمالا لان بنت الحارث زوجة مسيلمة لم تكن إذ ذاك بالمدينة وإنما كانت باليمامة ولما قتل مسيلمة تزوجها ابن عمِّها عبد الله بن عامر.
(8)
في البخاري: وَإِنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ.
(*)
عَنِّي " فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ [عبيد الله بن] (1) عبد اللَّهِ سَأَلْتُ ابْنَ عبَّاس عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي ذَكَرَ فَقَالَ ابْنُ عبَّاس: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يدي سواران من ذهب فقطعتهما (2) وَكَرِهْتُهُمَا فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فأوَّلتهما كَذَّابَيْنِ يخرجان " فقال عبيد الله: [أحمدهما الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ](3) فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ (4) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة بن ثمامة بن كثير بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بن هماز بن ذهل بن الزوال بْنِ حَنِيفَةَ وَيُكَنَّى أَبَا ثُمَامَةَ وَقِيلَ أَبَا هارون وكان قد تسمى بالرحمان فكان يقال له رحمان الْيَمَامَةِ وَكَانَ عُمُرُهُ يَوْمَ قُتِلَ مِائَةً وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ يَعْرِفُ أَبْوَابًا مِنْ النِّيرَجَاتِ فَكَانَ يُدْخِلُ الْبَيْضَةَ إِلَى الْقَارُورَةِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَانَ
يَقُصُّ جَنَاحَ الطَّيْرِ ثمَّ يَصِلُهُ ويدَّعي أَنَّ ظَبْيَةً تَأْتِيهِ مِنَ الْجَبَلِ فيحلب منها.
قُلْتُ: وَسَنَذْكُرُ أَشْيَاءَ مِنْ خَبَرِهِ عِنْدَ ذِكْرِ مَقْتَلِهِ لَعَنَهُ اللَّهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ مَنْزِلُهُمْ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ثُمَّ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فحدَّثني بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أنَّ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَتْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْتُرُهُ بِالثِّيَابِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ مَعَهُ عَسِيبٌ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ فِي رَأْسِهِ خُوصَاتٌ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَسْتُرُونَهُ بِالثِّيَابِ كَلَّمَهُ وَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْعَسِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ " قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ أنَّ حَدِيثَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا.
وَزَعَمَ أنَّ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وخلفوا مُسَيْلِمَةَ فِي رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا مَكَانَهُ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ خَلَّفْنَا صَاحِبًا لَنَا فِي رِحَالِنَا وَفِي رَكَائِبِنَا يَحْفَظُهَا لَنَا، قَالَ: فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ للقوم، وقال " أما أنه؟ يس بِشَرِّكُمْ مَكَانًا " أَيْ لِحِفْظِهِ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ، ذَلِكَ الَّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثمَّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وجاؤوا مُسَيْلِمَةَ بِمَا أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْيَمَامَةِ ارتدَّ عَدُوُّ اللَّهِ وتنبَّأ وَتَكَذَّبَ لَهُمْ.
وَقَالَ: إِنِّي أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ، وَقَالَ لِوَفْدِهِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ: أَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ حِينَ ذَكَرْتُمُونِي لَهُ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِشَرِّكُمْ مَكَانًا، مَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ، ثمَّ جَعَلَ يَسْجَعُ لَهُمُ السَّجَعَاتِ، وَيَقُولُ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ مُضَاهَاةً لِلْقُرْآنِ: لَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْحُبْلَى، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى، مِنْ بَيْنِ صِفَاقٍ وَحَشَا.
وَأَحَلَّ لَهُمُ الْخَمْرَ وَالزِّنَا، وَوَضَعَ عَنْهُمُ الصَّلَاةَ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يَشْهَدُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ نَبِيٌّ.
فَأَصْفَقَتْ (5) مَعَهُ بنو حنيفة على ذلك.
(1) سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
(2)
في الاصل ففظعتهما، والصواب من البخاري.
(3)
ما بين معكوفين من البخاري.
(4)
أخرجه البخاري في المغازي (71) باب الحديث (4378) .
(5)
أصفقت معه: أجمعوا عليه وتابعوه.
(*)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كان (1) .
وذكر السهيلي وغيره أن الرحال بن عنفوة - واسمه نهار بن عنفوة - وكان قَدْ أَسْلَمَ وَتَعَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ وَصَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مدة، وَقَدْ مرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفُرَاتِ بِنْ حَيَّانَ فَقَالَ لَهُمْ:" أَحَدُكُمْ ضِرْسُهُ فِي النَّار مِثْلُ أُحد " فَلَمْ يَزَالَا خَائِفَيْنِ حتَّى ارتد الرحال مَعَ مُسَيْلِمَةَ وَشَهِدَ لَهُ زُورًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشْرَكَهُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ، وَأَلْقَى إِلَيْهِ شَيْئًا ممَّا كَانَ يَحْفَظُهُ مِنَ الْقُرْآنِ فادَّعاه مُسَيْلِمَةُ لِنَفْسِهِ فَحَصَلَ بِذَلِكَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ لِبَنِي حَنِيفَةَ وَقَدْ قَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَكَانَ مُؤَذِّنُ مُسَيْلِمَةَ يُقَالُ لَهُ حُجَيْرٌ، وَكَانَ مُدَبِّرُ الْحَرْبِ بَيْنَ يَدَيْهِ مُحَكَّمَ بْنَ الطُّفَيْلِ، وَأُضِيفَ إِلَيْهِمْ سَجَاحٌ وَكَانَتْ تُكَنَّى أُمَّ صَادِرٍ تزوَّجها مُسَيْلِمَةُ وَلَهُ مَعَهَا أَخْبَارٌ فَاحِشَةٌ، وَاسْمُ مُؤَذِّنِهَا زُهَيْرُ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ جَنَبَةُ بْنُ طَارِقٍ، وَيُقَالُ إِنَّ شِبْثَ بْنَ رِبْعِيٍّ أذَّن لَهَا أَيْضًا ثمَّ أَسْلَمَ وَقَدْ أَسْلَمَتْ هِيَ أَيْضًا أَيَّامَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَحَسُنَ إِسْلَامُهَا، وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ كَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى محمَّد رَسُولِ اللَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَكَ، فَإِنَّ لَنَا نِصْفَ الْأَمْرِ، وَلِقُرَيْشٍ نِصْفُ الْأَمْرِ، وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ (2) .
فَقَدِمَ عَلَيْهِ رَسُولَانِ بِهَذَا الْكِتَابِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الكذَّاب، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبع الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَرْضَ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
قَالَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ - يَعْنِي وُرُودَ هَذَا الْكِتَابِ - قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَاءَهُ رَسُولَا مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ بِكِتَابِهِ يَقُولُ لَهُمَا: " وَأَنْتُمَا تَقُولَانِ مِثْلَ مَا يَقُولُ؟ " قَالَا: نَعَمْ! فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكَمَا (3) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيالسيّ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
قَالَ: جَاءَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أُثَالٍ رَسُولَيْنِ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
فَقَالَ لَهُمَا: " أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ " فَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَلَوْ كُنْتُ قَاتِلًا رَسُولًا لَقَتَلْتُكُمَا " قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ
فَمَضَتِ السُّنة بِأَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَأَمَّا ابْنُ أُثَالٍ فَقَدْ كَفَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا ابْنُ النَّوَّاحَةِ فَلَمْ يَزَلْ فِي نَفْسِي مِنْهُ حتَّى أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ.
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ أَمَّا أُسَامَةُ (4) بْنُ أُثَالٍ فَإِنَّهُ أَسْلَمَ وَقَدْ مَضَى الْحَدِيثُ فِي إِسْلَامِهِ.
وأما ابن النواحة [فإن ابن مسعود قتله بالكوفة حين أمكن الله منه](5)
(1) سيرة ابن هشام ج 4 / 222 - 223.
(2)
في نسخ البداية المطبوعة: لا يعتدون وهو تحريف.
(3)
نص الكتابين في سيرة ابن هشام ج 4 / 247.
(4)
في الدلائل، ثمامة.
(5)
ما بين معكوفين سقط من الاصل واستدرك من دلائل البيهقي ج 5 / 332.
والخبر أخرجه النسائي عن = (*)