الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقُمْتُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ بَرَاءَةَ ثُمَّ صَدَرْنَا فَأَتَيْنَا مِنًى فَرَمَيْتُ الْجَمْرَةَ وَنَحَرْتُ الْبَدَنَةَ ثُمَّ حَلَقْتُ رَأْسِي وَعَلِمْتُ أَنَّ أَهْلَ الْجَمْعِ لَمْ يَكُونُوا حُضُورًا كُلُّهُمْ خُطْبَةَ أَبِي بكر رضي الله عنه يوم عرفة، فطفت أَتَتَبَّعُ بِهَا الْفَسَاطِيطَ أَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمْ.
قَالَ عَلِيٌّ فَمِنْ ثَمَّ إِخَالُ حَسِبْتُمْ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ، أَلَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ.
وَقَدْ تَقَصَّيْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ فِي التَّفْسِيرِ وَذَكَرْنَا أَسَانِيدَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ
فِي ذَلِكَ مَبْسُوطًا بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ (1) وَقَدْ كَانَ خَرَجَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْمَدِينَةِ ثلثمائة مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بِخَمْسِ بَدَنَاتٍ، وَبَعَثَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعِشْرِينَ بَدَنَةً ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ فَلَحِقَهُ بِالْعَرْجِ (2) فنادى ببراءة أمام الموسم.
فصل كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي فِي سَنَةِ تِسْعٍ - مِنَ الْأُمُورِ الْحَادِثَةِ غَزْوَةُ تَبُوكَ فِي رجب كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ
.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَفِي رَجَبٍ مِنْهَا مَاتَ النَّجَاشِيُّ صَاحِبُ الْحَبَشَةِ وَنَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّاسِ.
وَفِي شَعْبَانَ مِنْهَا - أَيْ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - تُوُفِّيَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فغسَّلتها أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وصفية بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَقِيلَ غسَّلها نِسْوَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فيهن أُمُّ عَطِيَّةَ.
قُلْتُ: وَهَذَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وثبت في الحديث أيضاً أنه عليه السلام لَمَّا صلَّى عَلَيْهَا وَأَرَادَ دَفْنَهَا قَالَ:" لَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ قَارَفَ اللَّيْلَةَ أَهْلَهُ " فَامْتَنَعَ زَوْجُهَا عُثْمَانُ لِذَلِكَ وَدَفَنَهَا أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ مَنْ كَانَ يَتَوَلَّى ذَلِكَ مِمَّنْ يَتَبَرَّعُ بِالْحَفْرِ وَالدَّفْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ كَأَبِي عُبَيْدَةَ وَأَبِي طَلْحَةَ وَمَنْ شَابَهَهُمْ فَقَالَ " لَا يَدْخُلُ قَبْرَهَا إِلَّا مَنْ لَمْ يُقَارِفْ أَهْلَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ " إِذْ يَبْعُدُ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ عِنْدَهُ غَيْرُ أُمِّ كلثوم بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، هَذَا بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهَا صَالَحَ مَلِكَ أَيْلَةَ وَأَهْلَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ وَصَاحِبَ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مَوَاضِعِهِ.
وَفِيهَا هَدْمُ مَسْجِدِ الضِّرار الَّذِي بَنَاهُ جَمَاعَةُ الْمُنَافِقِينَ صُورَةَ مَسْجِدٍ وَهُوَ دَارُ حَرْبٍ في الباطن فأمر به عليه السلام فَحُرِّقَ.
وَفِي رَمَضَانَ مِنْهَا قَدِمَ وَفْدُ ثَقِيفٍ فَصَالَحُوا عَنْ قَوْمِهِمْ وَرَجَعُوا إِلَيْهِمْ بِالْأَمَانِ وَكُسِّرَتِ اللَّاتُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَفِيهَا توفِّي عَبْدُ اللَّهِ بن أُبي بن سَلُولَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ لَعَنَهُ اللَّهُ
فِي أَوَاخِرِهَا، وَقَبْلَهُ بِأَشْهُرٍ (3) تُوُفِّيَ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيُّ - أَوِ الْمُزَنِيُّ - وَهُوَ الَّذِي صلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ
(1) مغازي الواقدي 3 / 1077.
(2)
العرج: قرية جامعة في واد من نواحي الطائف، وقيل واد به (المراصد) .
(3)
قوله بأشهر، وفي نسخة بشهر، والمعروف إن ابن أبي مات في ذي القعدة، ومعاوية بن معاوية مات بالمدينة
ورسول الله صلَّى الله عليه وآله بتبوك - وكانت تبوك في رجب - وهذا يجعل قول من قال " شهر " بعيدا.
(*)
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَازِلٌ بِتَبُوكَ إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ فِي ذَلِكَ.
وَفِيهَا حجَّ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بالنَّاس عَنْ إِذْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ فِي ذَلِكَ.
وَفِيهَا كَانَ قَدُومُ عَامَّةِ وُفُودِ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ وَلِذَلِكَ تسمَّى سَنَةُ تِسْعٍ سَنَةَ الْوُفُودِ، وَهَا نَحْنُ نَعْقِدُ لِذَلِكَ كِتَابًا بِرَأْسِهِ اقْتِدَاءً بِالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.
كِتَابُ الْوُفُودِ (1) الْوَارِدِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَفَرَغَ مِنْ تَبُوكَ وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ وَبَايَعَتْ ضَرَبَتْ إِلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أن ذلك في سنة تسع، وأنها كنت تُسَمَّى سَنَةَ الْوُفُودِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَرَبَّصُ بِإِسْلَامِهَا أَمْرَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا إِمَامَ النَّاس وهاديتهم وَأَهْلَ الْبَيْتِ وَالْحَرَمِ وَصَرِيحَ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَقَادَةَ الْعَرَبِ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي نَصَبَتِ الْحَرْبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخِلَافَهُ، فَلَمَّا افْتُتِحَتْ مكة ودانت به قُرَيْشٌ وَدَوَّخَهَا الْإِسْلَامُ، عَرَفَتِ الْعَرَبُ أَنَّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَدَاوَتِهِ فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ كَمَا قَالَ عز وجل * (أَفْوَاجًا) * يَضْرِبُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم * (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) * أي فاحمد الله على ما ظهر مِنْ دِينِكَ، وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا، وَقَدْ قدمنا حديث عمرو بن مسلمة قال: كانت الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمُ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قوم بإسلامهم وبدر - أي قَوْمِي - بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبيّ حَقًّا، قَالَ صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاة فليؤذِّن لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.
قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثُمَّ الْوَاقِدِيُّ وَالْبُخَارِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَهُمْ مِنَ الْوُفُودِ مَا هُوَ مُتَقَدِّمٌ تَارِيخَ قُدُومِهِمْ عَلَى سَنَةِ تِسْعٍ بَلْ وَعَلَى فَتْحِ مَكَّةَ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى * (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ قاتل أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) * [الحديد: 10] وَتُقَدَّمَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ " لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ " فَيَجِبُ التمييز
(1) انظر في تلك الوفود: (ابن سعد 1 / 291) تاريخ الطبري، ابن حزم (259) سيرة ابن هشام (4 / 206) .
السيرة الشامية (6 / 386) ودلائل البيهقي (5 / 309) .
(*)
بَيْنَ السَّابِقِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْوَافِدِينَ عَلَى زَمَنِ الْفَتْحِ مِمَّنْ يُعَدُّ وُفُودُهُ هِجْرَةً، وَبَيْنَ اللَّاحِقِ لهم بعد الفتح ممن وعد اللَّهُ خَيْرًا وَحُسْنًى، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَالسَّابِقِ لَهُ فِي الزَّمَانِ وَالْفَضِيلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ اعْتَنَوْا بِإِيرَادِ الْوُفُودِ قَدْ تَرَكُوا فِيمَا أَوْرَدُوهُ أَشْيَاءَ لَمْ يَذْكُرُوهَا وَنَحْنُ نُورِدُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَمَنِّهِ مَا ذَكَرُوهُ وَنُنَبِّهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَنَذْكُرُ مَا وَقَعَ لَنَا مِمَّا أَهْمَلُوهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من مضر أربعمائة من مزينة وذاك فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ فَجَعَلَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْهِجْرَةَ فِي دَارِهِمْ وَقَالَ: " أَنْتُمْ مُهَاجِرُونَ حَيْثُ كُنْتُمْ فَارْجِعُوا إِلَى أَمْوَالِكُمْ " فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ بِإِسْنَادِهِ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ مِنْ مُزَيْنَةَ خُزَاعِيُّ بْنُ عَبْدِ نُهْمٍ وَمَعَهُ عَشَرَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِسْلَامِ قَوْمِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِمْ لَمْ يَجِدْهُمْ كَمَا ظنَّ فِيهِمْ فتأخرَّوا عَنْهُ.
فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ أَنْ يُعَرِّضَ بِخُزَاعِيٍّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَهْجُوَهُ، فَذَكَرَ أَبْيَاتًا (1) فَلَمَّا بَلَغَتْ خُزَاعِيًّا شَكَى ذلك إلى قومه فجمعوا له وأسلموا معه وقدم إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ دَفَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِوَاءً مُزَيْنَةَ - وَكَانُوا يَوْمَئِذٍ أَلْفًا - إِلَى خُزَاعِيٍّ هَذَا، قَالَ وَهُوَ أخو عبد الله ذو الْبِجَادَيْنِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله: بَابُ وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي صَخْرَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ، " اقْبَلُوا
الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بشرتنا فأعطنا، فرئي ذلك في وجهه ثم جاء نَفَرٌ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ: " اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لم يقبلها بنو تميم " قالوا: قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ: أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أمِّر الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ أمِّر الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ فَتَمَارَيَا حتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَتْ * (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) * حتَّى انْقَضَتْ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ وجه عن ابن أبي مليكة بألفاظ أخرى قَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تعالى * (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) * الْآيَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وُفُودُ الْعَرَبِ قَدِمَ عَلَيْهِ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عُدُسٍ التَّميمي فِي أَشْرَافِ بني تميم منهم: الأقرع بن حابس، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ التَّميمي - أَحَدُ بَنِي سَعْدٍ - وعمرو بن الأهتم، والحتحات (2) بن يزيد، ونعيم بن يزيد،
(1) ذكرها ابن سعد في الطبقات 1 / 292 ومنها: ألا أبلغ خزاعيا رسولا * بأن الذم يغسله الوفاء (2) في نسخة الحجاب، وفي سيرة ابن هشام الحبحاب، وقال ابن هشام: الحتات وهو الذي آخى رسول الله = (*)
وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ أَخُو بَنِي سَعْدٍ فِي وَفْدٍ عَظِيمٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَمَعَهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، وَقَدْ كَانَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وعُيَيْنَةُ شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتْحَ مكة وحنين والطَّائف، فَلَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ كَانَا معهم، ولما دَخَلُوا، الْمَسْجِدَ نَادَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَرَاءِ حُجُرَاتِهِ أَنِ اخْرُجْ إِلَيْنَا يَا مُحَمَّدُ، فَآذَى ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صِيَاحِهِمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ جِئْنَاكَ نُفَاخِرُكَ فَأْذَنْ لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا.
قَالَ: " قَدْ أَذِنْتُ لِخَطِيبِكُمْ فَلْيَقُلْ " فقام عطارد بن حاجب فقال: الحمد اللَّهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْنَا الْفَضْلُ وَالْمَنُّ وَهُوَ
أَهْلُهُ، الَّذِي جَعَلَنَا مُلُوكًا وَوَهَبَ لَنَا أَمْوَالًا عِظَامًا نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعزة أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَكْثَرُهُ عَدَدًا وَأَيْسَرَهُ عُدَّة.
فَمَنْ مثلنا في النَّاس، ألسنا برؤس النَّاس وأولي فضلهم، فمن فاخرنا فليعدد مَا عَدَّدْنَا، وإنَّا لَوْ نَشَاءُ لَأَكْثَرْنَا الْكَلَامَ ولكن نخشى (1) مِنَ الْإِكْثَارِ فِيمَا أَعْطَانَا، وإنَّا نُعْرَفُ [بِذَلِكَ](2) .
أَقُولُ هَذَا لَأَنْ تَأْتُوا بِمِثْلِ قَوْلِنَا، وأمرٍ أَفْضَلَ مِنْ أَمْرِنَا، ثمَّ جَلَسَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: " قُمْ، فَأَجِبِ الرَّجل فِي خُطْبَتِهِ " فَقَامَ ثابت فقال: الحمد الله الذي السموات وَالْأَرْضُ خَلْقُهُ، قَضَى فِيهِنَّ أَمْرُهُ، وَوَسِعَ كُرْسِيَّهُ علمه، ولم يك شئ قَطُّ إِلَّا مِنْ فَضْلِهِ، ثمَّ كَانَ مِنْ قدرته أن جعلنا ملوكاً واصطفى من خيرته رَسُولًا أَكْرَمَهُ نَسَبًا وَأَصْدَقَهُ حَدِيثًا وَأَفْضَلَهُ حَسَبًا، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا وَائْتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ فَكَانَ خِيرَةَ اللَّهِ مِنَ الْعَالَمِينَ، ثمَّ دَعَا النَّاس إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَآمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ، أَكْرَمُ النَّاس أَحْسَابًا، وأحسن وُجُوهًا، وَخَيْرُ النَّاس فِعَالًا.
ثمَّ كَانَ أَوَّلَ الْخَلْقِ إِجَابَةً، وَاسْتَجَابَ لِلَّهِ حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْنُ، فَنَحْنُ أنصار الله ووزراء رَسُولِهِ، نُقَاتِلُ النَّاس حتَّى يُؤْمِنُوا، فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مَنَعَ مَالَهُ وَدَمَهُ، وَمَنْ كَفَرَ جَاهَدْنَاهُ فِي اللَّهِ أَبَدًا وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَيْنَا يَسِيرًا، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ.
فَقَامَ الزَّبرقان بْنُ بَدْرٍ فَقَالَ: نَحْنُ الكِرام فَلَا حَيٌّ يُعَادِلُنَا * مِنَّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُنْصَبُ الْبِيَعُ (3) وَكَمْ قَسَرْنَا مِنَ الْأَحْيَاءِ كُلِّهِمْ * عِنْدَ النِّهاب وَفَضْلُ الْعِزِّ يُتَّبع وَنَحْنُ يُطْعِمُ عِنْدَ الْقَحْطِ مُطْعِمُنَا * مِنَ الشِّوَاءِ إِذَا لَمْ يؤنسِ القَزعُ (4) بِمَا تَرَى النَّاس تَأْتِينَا سُرَاتُهم * مِنْ كُلِّ أَرْضٍ هُوِيًّا ثُمَّ نُصطنِعُ فَنَنْحَرُ الْكُومَ عَبْطًا فِي أرومتنا * للنازلين إذا ما أُنزلوا شعبوا (5)
= صلى الله عليه وآله بينه وبين معاوية بن أبي سفيان.
واختاره أيضا السهيلي.
(1)
في ابن هشام: ولكنا نحيا.
(2)
من ابن هشام.
(3)
البيع: جمع بيعة، وهي موضع الصلاة.
(4)
القزع: السحاب الرقيق.
(5)
الكوم: جمع كوماء، وهي الناقة العظيمة السنام.
(*)
فَمَا تَرَانَا إِلَى حيٍ نُفاخرهم * إِلَّا اسْتَفَادُوا وكانوا الرَّأس تُقتطعُ فَمَنْ يُفاخرنا فِي ذَاكَ نعرفَه * فَيَرْجِعُ الْقَوْمُ وَالْأَخْبَارُ تُستمعُ إنَّا أَبَيْنَا وَلَمْ يَأْبَى لَنَا أحدٌ * إنَّا كذلك عند الفخر ترتفع قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ غَائِبًا فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَامَ شَاعِرُ الْقَوْمِ فَقَالَ مَا قَالَ أعرضت فِي قَوْلِهِ وَقُلْتُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ، فلمَّا فَرَغَ الزِّبْرِقَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:" قُمْ يَا حَسَّانُ فَأَجِبِ الرَّجُلَ فِيمَا قَالَ ".
فَقَالَ حَسَّانُ: إنَّ الذَّوائب مِنْ فَهرٍ وَإِخْوَتِهِمْ * قَدْ بيَّنوا سُنَّةً للنَّاس تتبعُ يَرْضَى بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَتْ سريرتُهُ * تقْوى الْإِلَهِ وكلَّ الْخَيْرِ يصطنعُ (1) قومٌ إِذَا حَارَبُوا ضرَّوا عَدُوَّهُمْ * أَوْ حَاوَلُوا النَّفع فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا سجيةُ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ محْدثةٍ * إنَّ الْخَلَائِقَ - فَاعْلَمْ - شَرُّهَا البدعُ إنْ كَانَ فِي النَّاس سبَّاقون بعدهمُ * فكل سبْقٍ لأدنى سبْقهم تبعُ لا يرفع النَّاس مَا أَوْهَتْ أكفُّهمُ * عِنْدَ الدِّفاع وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا إنْ سَابَقُوا النَّاس يَوْمًا فَازَ سبْقهمُ * أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مجدٍ بالنَّدى مَنعوا (2) أعفةٌ ذكرت في الوحي عفتهم * لا يطعمون وَلَا يُردِيهمُ طمعُ لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جارٍ بفضلهمُ * وَلَا يمسُّهم مِنْ مطمعٍ طبعُ إِذَا نَصَبْنَا لحيٍّ لَمْ نَدِبَّ لَهُمْ * كَمَا يَدِبُّ إِلَى الْوَحْشِيَّةِ الذرعُ (3) نَسْمُوا إِذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا مَخَالِبُهَا * إِذَا الزَّعانف مِنْ أَظْفَارِهَا خَشَعُوا
لَا يَفْخَرُونَ إِذَا نَالُوا عَدُوَّهُمُ * وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خُورٌ وَلَا هلعُ كَأَنَّهُمْ فِي الْوَغَى وَالْمَوْتُ مكتَنِع * أُسدٌ بحلية في أرساعها فدعُ خذْ مِنْهُمْ مَا أَتَوْا عَفْوًا إِذَا غضبوا * ولا يكن همُّك الأمر الذي منع؟ وا فَإِنَّ فِي حَرْبِهِمْ - فَاتْرُكْ عَدَاوَتَهُمْ - * شرَّاً يُخَاضُ عَلَيْهِ السُّمُّ والسلعُ أكْرم بِقَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ شيعتهمْ * إِذَا تَفَاوَتَتِ الْأَهْوَاءُ والشّيعُ أَهْدَى لَهُمْ مِدْحَتِي قلبٌ يُؤَازِرُهُ * فِيمَا أُحِبُّ لِسَانٌ حائكٍ صَنَعُ فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ الْأَحْيَاءِ كلِّهمُ * إِنْ جدَّ فِي النَّاس جدُّ الْقَوْلُ أَوْ شَمَعُوا (4) وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: أَنَّ الزِّبْرِقَانَ لَمَّا قَدِمَ على
(1) رواية العجز في الديوان: تقوى الاله وبالامر الذي شرعوا.
(2)
في ابن هشام: متعوا.
(3)
الذرع: ولد البقرة الوحشية.
(4)
شمعوا، وتروى سمعوا، قال السهيلي: ضحكوا، ومنها جارية شموع: أي كثيرة الطرب.
(*)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ قَامَ فَقَالَ: أَتَيْنَاكَ كيمَا يَعْلَمُ النَّاس فَضْلَنَا * إِذَا اخْتَلَفُوا (1) عِنْدَ احْتِضَارِ الْمَوَاسِمِ بأنَّا فُرُوعُ النَّاس فِي كُلِّ موطنٍ * وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كدارمِ وأنَّا نَذُودُ الْمُعْلِمِينَ إِذَا انْتَخَوْا * وَنَضْرِبُ رأسَ الْأَصْيَدِ المتفاقمِ وإنَّ لَنَا المِرْباعُ فِي كُلِّ غَارَةٍ * تغيَّر بِنَجْدٍ أَوْ بأرضِ الأعَاجم قَالَ فَقَامَ حَسَّانُ فَأَجَابَهُ فَقَالَ: هَلِ الْمَجْدُ إِلَّا السُّؤدد الْعَوْدُ والنَّدى * وجاهُ الملوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ نَصَرْنَا وَآوَيْنَا النَّبيّ مُحَمَّدًا * عَلَى أَنْفِ راضٍ مِنْ معدٍ وَرَاغِمِ بِحَيٍّ حَرِيدٍ أَصْلُهُ وَثَرَاؤُهُ * بجَابية الْجَوْلَانِ وسط الأعاجمِ
نصرناه لَمَّا حلَّ بَيْنَ بُيُوتِنَا * بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلِّ باغٍ وظالمِ جَعَلْنَا بَنِينَا دُونَهُ وَبَنَاتِنَا * وطِبْنا له نفسا بفئ المغانمِ وَنَحْنُ ضَرَبْنَا النَّاس حتَّى تَتَابَعُوا * عَلَى دِينِهِ بِالْمُرْهَفَاتِ الصَّوارم وَنَحْنُ وَلدنا مِنْ قُرَيْشٍ عَظِيمَهَا * وَلَدْنَا نَبِيَّ الْخَيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمِ (2) بَنِي دارمٍ لَا تَفْخَرُوا إنَّ فَخْرَكُمْ * يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ المكارمِ هَبِلْتُم عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وأنتمُ * لَنَا خَوَلٌ مِنْ بَيْنِ ظِئْرٍ وخادمِ فَإِنْ كُنْتُمُ جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ * وَأَمْوَالِكُمْ أَنْ تُقسموا فِي الْمَقَاسِمِ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ ندَّاً وَأَسْلِمُوا * وَلَا تَلْبَسُوا زيَّاً كزيِّ الْأَعَاجِمِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ.
فَلَمَّا فَرَغَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ، قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: وَأَبِي، إنَّ هَذَا لَمُؤَتًّى لَهُ، لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، ولأصواتهم أعلا مِنْ أَصْوَاتِنَا.
قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ الْقَوْمُ أَسْلَمُوا، وجوَّزهم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ قَدْ خَلَّفَهُ الْقَوْمُ فِي رِحَالِهِمْ، وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ - وَكَانَ يَبْغُضُ عَمْرَو بن الأهتم - يا رسول الله، أنه كَانَ رَجُلٌ مِنَّا فِي رِحَالِنَا وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ وَأَزْرَى بِهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا أَعْطَى الْقَوْمَ، قال عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ قَيْسًا قَالَ ذَلِكَ يَهْجُوهُ: ظَلِلْتَ مُفْتَرِشَ الْهَلْبَاءِ تَشْتُمُنِي * عِنْدَ الرَّسول فَلَمْ تصدقْ وَلَمْ تُصبِ سُدْنَاكُمْ سُؤْدُدًا رَهْوَاً وَسُؤْدُدُكُمْ * بادٍ نَوَاجِذُهُ مَقْعٍ عَلَى الذنب
(1) في ابن هشام: احتفلوا.
(2)
في البيت إشارة أن أم عبد المطلب جد النبي كانت جارية من الأنصار، وهي سلمى بنت عمرو النجارية الخزرجية.
(*)
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، حدَّثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حدَّثنا
حَمَّادُ بْنُ يزيد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ.
قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّبرقان بْنُ بَدْرٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ.
فَقَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ: " أَخْبِرْنِي عَنِ الزِّبْرِقَانِ، فَأَمَّا هَذَا فَلَسْتُ أَسْأَلُكَ عَنْهُ " وأراه كان عرف قيساً، قال فقال: مطاع في أذنيه شَدِيدُ الْعَارِضَةِ، مَانِعٌ لِمَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ.
فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: قَدْ قَالَ مَا قَالَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي أَفْضَلُ مِمَّا قَالَ، قَالَ فَقَالَ عَمْرٌو: والله ما علمتك إلا زبر الْمُرُوءَةِ، ضَيِّقَ الْعَطَنِ، أَحْمَقَ الْأَبِ، لَئِيمَ الْخَالِ، ثمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ صَدَقْتُ فِيهِمَا جَمِيعًا أَرْضَانِي فَقُلْتُ بِأَحْسَنِ مَا أَعْلَمُ فيه، وأسخطني فقلت بأسوء ما أعلم.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الْبَيَانِ سِحْرًا " وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ موصولاً: أنبأنا أَبُو جَعْفَرٍ كَامِلُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُسْتَمْلِي، ثنا محمد بْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ (1) بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحسن (2) الْعَلَّافُ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائي، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدِ (3) بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ مَحْفُوظٍ عَنْ أَبِي الْمُقَوِّمِ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ التَّميميون، فَفَخَرَ الزِّبْرِقَانُ، فقال: يا رسول الله أنا سيد تَمِيمٍ وَالْمُطَاعُ فِيهِمْ وَالْمُجَابُ، أَمْنَعُهُمْ مِنَ الظُّلْمِ وَآخُذُ لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ، وَهَذَا يَعْلَمُ ذَلِكَ - يَعْنِي عمرو بن الأهتم - قال عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ: إِنَّهُ لَشَدِيدُ الْعَارِضَةِ، مَانِعٌ لجانبه، مطاع في أذنيه.
فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ مِنِّي غَيْرَ مَا قَالَ، وَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إِلَّا الْحَسَدُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ: أَنَا أَحْسُدُكَ فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَلَئِيمُ الْخَالِ، حَدِيثُ الْمَالِ، أَحْمَقُ الْوَالِدِ، مُضَيَّعٌ فِي الْعَشِيرَةِ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ صَدَقْتُ فِيمَا قُلْتُ أَوَّلًا، وَمَا كَذَبْتُ فِيمَا قُلْتُ آخِرًا.
ولكني رجل إذا رأيت قُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمْتُ، وَإِذَا غَضِبْتُ قُلْتُ أَقْبَحَ مَا وَجَدْتُ، وَلَقَدْ صَدَقْتُ فِي الْأُولَى وَالْأُخْرَى جَمِيعًا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا "(4) وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ سَبَبَ قدومهم وهو أنه كانوا قد جهَّزوا السِّلَاحَ عَلَى خُزَاعَةَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ فِي خَمْسِينَ لَيْسَ فِيهِمْ أَنْصَارِيٌّ وَلَا مُهَاجِرِيٌّ، فَأَسَرَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا وَإِحْدَى عَشْرَةَ امرأة وثلاثين صبياً فقدم رؤساهم بسبب أسرائهم ويقال قدم منهم
تسعين - أو ثمانين - رَجُلًا فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ عُطَارِدٌ وَالزِّبْرِقَانُ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَنُعَيْمُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَرَبَاحُ بْنُ الْحَارِثِ وعمرو بن الأهتم، فدخلوا المسجد وقد
(1) في الدلائل: محمد بن محمد بن أحمد
…
(2) في الدلائل: الحسين.
(3)
في الدلائل: أبو سعد الهيثم.
(4)
الخبر في دلائل النبوة مرسلا وموصولا ج 5 / 315 - 316 ورواه المزي في تحفة الاشراف وقال: الحكم بن عتيبة لم يسمع من مقسم سوى خمسة أحاديث.
(*)
أَذَّنَ بِلَالٌ الظُّهْرَ، والنَّاس يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَعَجِلَ هَؤُلَاءِ فَنَادَوْهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ، فَنَزَلَ فِيهِمْ مَا نَزَلَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ خَطِيبَهُمْ وَشَاعِرَهُمْ وَأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَجَازَهُمْ عَلَى كُلِّ رجل اثني عشر أُوقِيَّةٍ وَنَشًّا إِلَّا عَمْرَو بْنَ الْأَهْتَمِ فَإِنَّمَا أُعْطِيَ خَمْسَ أَوَاقٍ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (1) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَنَزَلَ فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى * (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) * [الحجرات: 4] قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حدَّثنا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَرْوَزِيُّ، حدَّثنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ فِي قَوْلِهِ * (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) *.
قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ، وَذَمِّي شَيْنٌ.
فَقَالَ: " ذَاكَ اللَّهُ عز وجل " وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ مُتَّصِلٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وقَتَادَةَ مُرْسَلًا عَنْهُمَا، وَقَدْ وَقَعَ تَسْمِيَةُ هَذَا الرَّجُلِ فَقَالَ الإمام أحمد: حدثنا عفاف، ثنا وهب، ثنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أنَّه نَادَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، وَفِي رِوَايَةٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يُجِبْهُ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ حَمْدِي لَزَيْنٌ، وَإِنَّ ذَمِّي لَشَيْنٌ.
فَقَالَ: " ذَاكَ اللَّهُ عز وجل ".
حَدِيثٌ فِي فَضْلِ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حدَّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدَّثنا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهَا فِيهِمْ: " هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجال " وَكَانَتْ فِيهِمْ سَبِيَّةٌ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ: " أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ " وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ: " هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمٍ - أَوْ قُومِي - "(2) وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حرب به.
وهذا حديث يردُّ على قتادة مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَمَاسَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ شِعْرٍ من ذمهم حيث يقول: تميمٌ بطرق اللوم أَهْدَى مِنَ القَطَا * وَلَوْ سلكتْ طُرُقَ الرَّشاد لضلَّتِ وَلَوْ أَنَّ بُرْغُوثًا عَلَى ظَهْرِ قملةٍ * رأته تميم من بعيد لولت
(1) الخبر في طبقات ابن سعد ج 1 / 293 - 294، قال وفيهم أنزل الله تَعَالَى: * (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يعقلون) *.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب المغازي (68) باب الحديث 4366.
(*)