الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ آخِرُ بَعْثٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثَنَا مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا وأمَّر عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ النَّاس فِي إِمَارَتِهِ، فَقَامَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ.
وَرَوَاهُ التِّرمذي مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ.
وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ.
وَقَدِ انْتَدَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْكِبَارِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَالْأَنْصَارَ فِي جَيْشِهِ فَكَانَ مِنْ أَكْبَرِهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمَنْ قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ فِيهِمْ فَقَدْ غَلِطَ.
فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ وَجَيْشُ أُسَامَةَ مُخَيِّمٌ بِالْجُرْفِ وَقَدْ أَمَرَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بالنَّاس كَمَا سَيَأْتِي فَكَيْفَ يَكُونُ فِي الْجَيْشِ وَهُوَ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ بِإِذْنِ الرَّسُولِ من رب العالمين، ولو فرض أنه قَدِ انْتُدِبَ مَعَهُمْ فَقَدِ اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ مِنْ بَيْنِهِمْ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ لِلْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَ عليه الصلاة والسلام اسْتَطْلَقَ الصِّدِّيقُ مِنْ أُسَامَةَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَذِنَ لَهُ فِي الْمُقَامِ عِنْدَ الصِّدِّيقِ وَنَفَّذَ الصِّدِّيقُ جَيْشَ أُسَامَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ الله.
فَصْلٌ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُنْذِرَةِ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَيْفَ ابْتُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تختصمون) * [الزُّمَرِ: 30] وَقَالَ تَعَالَى: * (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أفائن مت فهم الخلدون) * [الْأَنْبِيَاءِ: 34] .
وَقَالَ تَعَالَى: * (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) * [الأنبياء: 35] * (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) * [آل عمران: 185] .
وَقَالَ تَعَالَى: * (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ دخلت مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفائن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) * [آل عمران: 144 - 145] .
وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الَّتِي تَلَاهَا الصِّدِّيقُ يَوْمَ وَفَاةِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا سَمِعَهَا النَّاس كأنهم لم يسمعوها قبل.
وَقَالَ تَعَالَى:
* (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) * [النصر: 1 - 3] .
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عبَّاس: هو أجل رسول الله نُعِيَ إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ نَزَلَتْ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ أَنَّهُ الْوَدَاعُ، فَخَطَبَ النَّاس خُطْبَةً أَمَرَهُمْ فِيهَا وَنَهَاهُمْ، الْخُطْبَةُ الْمَشْهُورَةُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ جَابِرٌ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
يَرْمِي الْجِمَارَ فَوَقَفَ.
وَقَالَ: " لِتَأْخُذُوا (1) عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَلَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا ".
وَقَالَ عليه السلام لابنته فاطمة كم سَيَأْتِي: " إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ فِي كل سنة مرة وإنه عارضني به العام مرتين وما أرى ذلك إلا اقتراب أَجَلِي ".
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا (2) ، وَكَانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ في كل رمضان، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عَرَضَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ مَرَّتَيْنِ (3) .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي ذِي الْحِجَّةَ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّتَهُ وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرًا وَبَعَثَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَبَيْنَا النَّاس عَلَى ذَلِكَ ابْتُدِئَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بشكواه الَّذِي قَبَضَهُ اللَّهُ فِيهِ إِلَى مَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ رَحْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ فِي لَيَالٍ بَقِينَ (4) مِنْ صَفَرٍ أَوْ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا ابْتُدِئَ بِهِ رَسُولُ الله مِنْ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لِي أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَاسْتَغْفَرْ لَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ابْتُدِئَ بِوَجَعِهِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جعفر عن عبيد بن جبر (5) مَوْلَى الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ (6) مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ هَذَا الْبَقِيعِ فَانْطَلِقْ مَعِي، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهَرِهِمْ.
قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ، لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ النَّاس فِيهِ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا.
الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الْأُولَى، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خزائن الدنيا والخلد فيه، ثُمَّ الْجَنَّةَ، فَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي وَالْجَنَّةِ.
قَالَ قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي،
فَخُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةَ.
قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ.
لَقَدِ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي وَالْجَنَّةَ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَبُدِئَ بِرَسُولِ اللَّهِ وَجَعُهُ الَّذِي قَبَضَهُ اللَّهُ فِيهِ.
لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ.
وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ محمد بن
(1) تقدم نص الحديث وفيه: وقال لنا: خذوا عني.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف (17) باب الحديث (2044) وأبو داود في الصوم الحديث 2466 وابن ماجة في الصيام (58) باب الحديث (1769) .
والدارمي في الصوم.
والامام أحمد في مسنده (2 / 336، 355) .
(3)
البخاري في كتاب فضائل القرآن (7) باب الحديث (4998)(4) قال الواقدي: لليلتين بقيتا من صفر.
(5)
في ابن هشام: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جبير، وفي الطبري عن ابن إسحاق: عبد الله بن عمر بن علي
…
(6) أبو مُوَيْهِبَةَ: مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله من مولدي مزينة شهد غزوة المريسيع، كان ممن يقود جمل عائشة انظر ترجمة له في الاصابة (4 / 188) .
(*)
إِسْحَاقَ بِهِ (1) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو النَّضْرِ، ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ فُضَيْلٍ، ثَنَا يَعْلَى بن عطاء، عن عبيد بن جبر عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ.
قَالَ: أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ فَصَلَّى عَلَيْهِمْ ثلاث مرات فلما كانت [ليلة الثانية](2) قَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ أَسْرِجْ لِي دَابَّتِي.
قَالَ فَرَكِبَ وَمَشَيْتُ حتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَأَمْسَكْتُ الدَّابَّةَ فَوَقَفَ.
أَوْ قَالَ - قَامَ عَلَيْهِمْ - فَقَالَ: لِيَهْنِكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِمَّا فِيهِ النَّاس، أَتَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، الْآخِرَةُ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى، فَلْيَهْنِكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِمَّا فِيهِ النَّاس.
ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي أُعْطِيتُ.
أَوْ قَالَ: خُيِّرْتُ بَيْنَ مَفَاتِيحِ ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة أَوْ لِقَاءِ رَبِّي قَالَ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَاخْتَرْنَا.
قَالَ: لَأَنْ تُرَدَّ عَلَى عَقِبِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ فَاخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي، فَمَا لَبِثَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا حتَّى قُبِضَ.
وَقَالَ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رسول الله: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُعْطِيتُ الْخَزَائِنَ وَخُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَبْقَى حتَّى أَرَى مَا يُفْتَحُ عَلَى أُمَّتِي وَبَيْنَ التَّعْجِيلِ فَاخْتَرْتُ التَّعْجِيلَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا مُرْسَلٌ وَهُوَ شَاهِدٌ لِحَدِيثِ أَبِي مُوَيْهِبَةَ (3) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنِ الزُّهري عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بن (4) مسعود بن عَائِشَةَ.
قَالَتْ: رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْبَقِيعِ فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صداعاً في رأسي وأن أَقُولُ وَارَأْسَاهْ.
فَقَالَ: بَلْ أَنَا وَاللَّهِ يَا عَائِشَةُ وَارَأْسَاهْ قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: وَمَا ضَرَّكِ لو مت قبل فَقُمْتُ عَلَيْكِ وَكَفَّنْتُكِ وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ.
قَالَتْ قلت: والله لكأني بك لو فَعَلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ.
قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ونام بِهِ وَجَعُهُ وَهُوَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ حَتَّى اسْتُعِزَّ بِهِ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَدَعَا نِسَاءَهُ، فَاسْتَأْذَنَهُنَّ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فأذنَّ لَهُ.
قالت: فخرج رسول الله بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِ أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ بْنُ عبَّاس وَرَجُلٌ آخَرُ عَاصِبًا رَأْسَهُ تَخُطُّ قَدَمَاهُ [الأرض](5) حتَّى دَخَلَ بَيْتِي.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ عبَّاس فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الْآخَرُ؟ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَوَاهِدُ سَتَأْتِي قَرِيبًا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، أَنْبَأَنَا الْأَصَمُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ يُصْدَعُ وَأَنَا أَشْتَكِي رَأْسِي فَقُلْتُ: وَارَأْسَاهْ! فَقَالَ: بَلْ أَنَا وَاللَّهِ يَا عَائِشَةُ وَارَأْسَاهْ! ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَلَيْكِ لَوْ مُتِّ قَبْلِي فَوَلِيتُ أَمْرَكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَوَارَيْتُكِ.
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسَبُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ، لَقَدْ خلوت ببعض نسائك في
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 55 - 56 وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال الذهبي: صحيح.
ونقله الطبري عنه في تاريخه 3 / 190.
(2)
من مسند الإمام أحمد 3 / 488، وفي الاصل: فلما كانت الثالثة.
(3)
رواه البيهقي في دلائله ج 7 / 163.
(4)
من ابن هشام والطبري، وفي الاصل عن ابن مسعود.
(5)
من الطبري 3 / 191.
(*)
بيتي من آخر النهار [فأعرست بها] ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ تَمَادَى بِهِ وَجَعُهُ فَاسْتُعِزَّ (1) بِهِ وَهُوَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ.
فَقَالَ العبَّاس: إِنَّا لِنَرَى بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ الْجَنْبِ فَهَلُمُّوا فَلْنَلُدُّهُ، فَلَدُّوهُ (2) فَأَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: عَمُّكَ العبَّاس تخوَّف أَنْ يَكُونَ بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَهُ عَلَيَّ، لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلَّا لَدَدْتُمُوهُ، إِلَّا عَمِّي العبَّاس، فلدَّ أَهْلُ الْبَيْتِ كُلُّهُمْ، حتَّى مَيْمُونَةُ.
وإنها لصائمة يومئذ وَذَلِكَ بِعَيْنِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فأذنَّ لَهُ، فَخَرَجَ وَهُوَ بَيْنَ العبَّاس وَرَجُلٌ آخَرُ - لَمْ تُسَمِّهِ - تَخُطُّ قَدَمَاهُ بِالْأَرْضِ [إلى بيت عائشة] .
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عبَّاس: الرَّجُلُ الآخر علي بن أبي طالب (3) .
قال الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ.
أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فأذنَّ لَهُ، فَخَرَجَ وَهُوَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، تَخُطُّ رجلاه الأرض بين عبَّاس قال: ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ عبَّاس - بِالَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ.
فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عبَّاس: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ تسمِّ عَائِشَةُ؟ قَالَ قُلْتُ: لَا! قَالَ ابْنُ عبَّاس: هُوَ عَلِيٌّ، فَكَانَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم تحدِّث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا دَخَلَ بَيْتِي، وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ.
قَالَ: هَرِيقُوا عليَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ، لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاس.
فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ، حتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى لَهُمْ وَخَطَبَهُمْ (4) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ صَحِيحِهِ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: أَيْنَ أَنَا غَدًا أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ أَنْ يَكُونَ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حتَّى مَاتَ عِنْدَهَا.
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي، وَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ
لَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي.
قَالَتْ: وَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْطَانِيهِ فَقَضَمْتُهُ ثُمَّ مَضَغْتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَنَّ بِهِ وهو مسند إِلَى صَدْرِي (5) .
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا
(1) استعز: استعز به المرض واستعز عليه اشتد وجعه وغلبه على نفسه.
(2)
اللدود: ما يسقاه المريض من الادوية في أحد شقي فمه.
(3)
الحديث في دلائل البيهقي ج 7 / 169 - 170 وما بين معكوفين فيه استدراك من الدلائل.
(4)
رواه البخاري في كتاب المغازي (83) باب الحديث (4442) .
ومسلم في كتاب الصلاة (21) باب الحديث (92) .
(5)
البخاري في كتاب المغازي - (83) باب.
الحديث (4450) فتح الباري (8 / 144) .
(*)
الوجه.
وقال البخاري: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَتْ: مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لِأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ البخاري: حدثنا حيان، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنْبَأَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا اشْتَكَى وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ طَفِقْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ (1) بِالْمُعَوِّذَاتِ الَّتِي كَانَ يَنْفُثُ وَأَمْسَحُ بِيَدِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ عن الزهري به.
والفلاس ومسلم عن محمد بن حاتم كلهم.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اجْتَمَعَ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امرأة فجاءت فاطمة تمشي لا تُخْطِئُ، مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ أَبِيهَا.
فَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي فَأَقْعَدَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ.
ثُمَّ سَارَّهَا بشئ فَبَكَتْ، ثُمَّ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ.
فَقُلْتُ لَهَا: خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالسِّرَارِ وأنت تبكين! فلما أن قامت.
قلت أَخْبِرِينِي مَا سارَّك.
فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
فَلَمَّا توفي قلت لها: أسألك لما لي عليك من الحق لما أخبرتيني.
قَالَتْ: أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ!
قَالَتْ سَارَّنِي فِي الأول قال لي: إن جبريل كان يعارضني في القرآن كل سنة مرة، وقد عَارَضَنِي فِي هَذَا الْعَامِ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ إِلَّا لِاقْتِرَابِ أَجَلِي، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ، فَبَكَيْتُ.
ثُمَّ سارَّني فقال: أما ترضى أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَضَحِكْتُ (2) .
وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ عَائِشَةَ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ عبد الله، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ عائشة.
قَالَتْ: لَدَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ لَا تَلُدُّونِي، فَقُلْنَا كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ لَا تَلُدُّونِي؟ قُلْنَا كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ.
فَقَالَ: لَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلَّا لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ، إِلَّا العبَّاس فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (3) .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ (4) .
هكذا ذكره البخاري معلقاً.
وقد
(1) في البخاري: أنفث على نفسه.
(2)
البخاري: كتاب الاستئذان (43) باب من ناجى بين يدي الناس.
ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (15) باب حديث (99) .
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (6 / 282) ورواه ابن سعد في طبقاته (2 / 247) .
(2)
البخاري - كتاب المغازي حديث 4458.
(4)
البخاري في كتاب المغازي - حديث (4428) .
والبيهقي في الدلائل ج 7 / 172 وأحمد في مسنده (6 / 18) .
(*)
أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ محمد (1) بن أحمد بْنِ يَحْيَى الْأَشْقَرِ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، أَنْبَأَنَا الْأَصَمُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود.
قال: لئن أَحْلِفَ تِسْعًا
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُتِلَ قَتْلًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ نَبِيًّا وَاتَّخَذَهُ شَهِيدًا (2) .
وَقَالَ البخاري: ثنا إسحاق بن بشر حدثنا شعيب (3) عن أَبِي حَمْزَةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الزُّهْرِيِّ.
قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ - وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ - أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خرج من عند رسول الله فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَقَالَ النَّاس: يَا أَبَا الْحَسَنِ، كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا.
فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لَأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ.
اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ الله فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ؟ إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا.
فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
فَمَنَعَنَاهَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاس بَعْدَهُ، وإنِّي وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ.
فَقَالَ: ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تَضِلُّوا (4) بَعْدَهُ أَبَدًا فَتَنَازَعُوا - وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نبي تنازع - فقالوا: ما شأنه أهجر (5) اسْتَفْهِمُوهُ.
فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَنْهُ.
فَقَالَ: دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ، فَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ قَالَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ أَوْ قَالَ فَنَسِيتُهَا.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لا تضلوا بعده أبداً.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، فَاخْتَلَفَ أهل
(1) في البيهقي: أبو بكر محمد
…
(2) دلائل النبوة ج 7 / 172.
(3)
في البخاري: حدثني إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حمزة.
واسحاق هو ابن راهويه.
(فتح الباري
8 / 142) .
(4)
في البخاري: لن تضلوا.
فتح الباري 8 / 132.
(5)
من البخاري، وفي الاصل يهجر.
أهجر: أي هل تغير كلامه واختلط بسسبب المرض، ووقوع ذلك من النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله مستحيل لانه معصوم في صحته ومرضه لقوله تعالى: * (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهوى) *.
(*)
الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا.
فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قرِّبوا يَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ.
فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قُومُوا.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ (1) .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِنَحْوِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَيُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا قَدْ توَّهم بِهِ بَعْضُ الْأَغْبِيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ كل مدع أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ فِي ذَلِكَ الكتاب ما يرمون إِلَيْهِ مِنْ مَقَالَاتِهِمْ، وَهَذَا هُوَ التَّمَسُّكُ بِالْمُتَشَابِهِ.
وَتَرْكُ الْمُحْكَمِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَأْخُذُونَ بِالْمُحْكَمِ.
وَيَرُدُّونَ مَا تَشَابَهَ إِلَيْهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ عز وجل فِي كِتَابِهِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا زَلَّ فِيهِ أَقْدَامُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَاتِ، وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَلَيْسَ لَهُمْ مَذْهَبٌ إِلَّا اتِّبَاعُ الْحَقِّ يَدُورُونَ مَعَهُ كَيْفَمَا دَارَ، وَهَذَا الَّذِي كَانَ يُرِيدُ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَكْتُبَهُ قَدْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ التَّصْرِيحُ بِكَشْفِ الْمُرَادِ مِنْهُ.
فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، ثنا نافع، عن ابن عمرو ثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَتْ لَمَّا كَانَ وَجَعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي قُبِضَ فِيهِ قَالَ " ادْعُوا لي أبا بكر وابنه لِكَيْ لَا يَطْمَعَ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ طامع ولا يتمناه مُتَمَنٍّ.
ثُمَّ قَالَ: يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُؤْمِنُونَ ".
مَرَّتَيْنِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُؤْمِنُونَ، انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَتْ لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ الله قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: " ائْتِنِي بِكَتِفٍ أَوْ لَوْحٍ حتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كتاباً لا يختلف عليه أحد، فَلَمَّا ذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَقُومَ.
قَالَ: " أَبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ أَنْ
يُخْتَلَفَ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ " انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ: عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَتْ: قال رسول الله: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى متمنون.
فقال: يأبى الله - أو يدفع الْمُؤْمِنُونَ أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ.
وَفِي صحيح البخاري ومسلم مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ.
فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ - كَأَنَّهَا تَقُولُ الْمَوْتَ - قَالَ: " إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فأت أَبَا بَكْرٍ ".
وَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا إِنَّمَا قالت ذلك له عليه السلام فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ خَطَبَ عليه الصلاة والسلام فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ عليه السلام بخمس أَيَّامٍ خُطْبَةً عَظِيمَةً بَيَّنَ فِيهَا فَضْلَ الصِّدِّيقِ من سَائِرِ الصَّحَابَةِ مَعَ مَا كَانَ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَنْ يَؤُمَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعِينَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ مَعَ حُضُورِهِمْ كُلِّهِمْ.
وَلَعَلَّ خُطْبَتَهُ هَذِهِ كَانَتْ عِوَضًا عَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَهُ فِي الكتاب، وقد اغتسل عليه السلام بَيْنَ يَدَيْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ الْكَرِيمَةِ فَصَبُّوا عَلَيْهِ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ وَهَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِشْفَاءِ بِالسَّبْعِ كَمَا وَرَدَتْ بِهَا الأحاديث في
(1) فتح الباري 8 / 132.
(*)