الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَوَجَدُوا فِيهِ حُقَّةً فِيهَا وَرَقَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا: «هَذِهِ وَصِيَّةُ عُثْمَانَ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يُشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يخلف الميعاد، عليها يحيى وَعَلَيْهَا يَمُوتُ، وَعَلَيْهَا يُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» .
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ يَوْمَ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ:
أَرَى الْمَوْتَ لَا يُبْقِي عَزِيزًا وَلَمْ يَدَعْ
…
لعاد ملاذا في البلاد ومرتعا
وَقَالَ أَيْضًا:
يُبَيِّتُ أَهْلَ الْحِصْنِ وَالْحِصْنُ مُغْلَقٌ
…
ويأتى الجبال الموت فِي شَمَارِيخِهَا الْعُلَا
صِفَةُ قَتْلِهِ رضي الله عنه
وقال خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ثَنَا ابن عوف عن الحسن قال أنبأنى رباب. قَالَ:
بَعَثَنِي عُثْمَانُ فَدَعَوْتُ لَهُ الْأَشْتَرَ فَقَالَ: مَا يُرِيدُ النَّاسُ؟ قَالَ: ثَلَاثٌ لَيْسَ مِنْ إحداهن بد، قال:
ما هن؟ قال: يخبرونك بَيْنَ أَنْ تَخْلَعَ لَهُمْ أَمْرَهُمْ فَتَقُولَ: هَذَا أمركم فاختاروا من شئتم، وبين أن تقتص مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ الْقَوْمَ قَاتِلُوكَ. فَقَالَ: أَمَّا أَنْ أَخْلَعَ لَهُمْ أَمْرَهُمْ فَمَا كُنْتُ لِأَخْلَعَ سِرْبَالًا سَرْبَلَنِيهِ اللَّهُ، وَأَمَّا أَنْ أقتص لهم من نفسي، فو الله لئن قتلتموني لا تحابون بعدي، ولا تصلون بعدي جميعا، ولا تقاتلون بعدي جميعا عدوا أَبَدًا. قَالَ: وَجَاءَ رُوَيْجِلٌ كَأَنَّهُ ذِئْبٌ فَاطَّلَعَ مِنْ بَابٍ وَرَجَعَ، وَجَاءَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فعال بِهَا حَتَّى سَمِعْتُ وَقْعَ أَضْرَاسِهِ، فَقَالَ: مَا أَغْنَى عَنْكَ مُعَاوِيَةُ، وَمَا أَغْنَى عَنْكَ ابْنُ عَامِرٍ، وَمَا أَغْنَتْ عَنْكَ كُتُبُكَ، قَالَ:
أَرْسِلْ لِحْيَتِي يَا ابْنَ أَخِي، قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ اسْتَعْدَى رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ بِعَيْنِهِ- يَعْنِي أَشَارَ إليه- فقام إليه بمشقص فوجئ بِهِ رَأْسَهُ. قُلْتُ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ تعاوروا عليه حَتَّى قَتَلُوهُ.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ رحمه الله عن العيص بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ خَنْسَاءَ مَوْلَاةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ- وَكَانَتْ تَكُونُ مَعَ نَائِلَةَ بِنْتِ الْفَرَافِصَةِ امْرَأَةِ عُثْمَانَ- أَنَّهَا كَانَتْ فِي الدَّارِ وَدَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَأَخَذَ بلحيته وأهوى بمشاقص معه فيجاء بِهَا فِي حَلْقِهِ، فَقَالَ مَهْلًا يَا ابْنَ أخى، فو الله لَقَدْ أَخَذْتَ مَأْخَذًا مَا كَانَ أَبُوكَ لِيَأْخُذَ بِهِ، فَتَرَكَهُ وَانْصَرَفَ مُسْتَحْيِيًا نَادِمًا، فَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ عَلَى بَابِ الصُّفَّةِ فَرَدَّهُمْ طَوِيلًا حَتَّى غَلَبُوهُ، فَدَخَلُوا وَخَرَجَ مُحَمَّدٌ رَاجِعًا. فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِيَدِهِ جَرِيدَةٌ يُقَدِّمُهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَى عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَهُ فَشَجَّهُ، فَقَطَرَ دَمُهُ عَلَى الْمُصْحَفِ حتى لطخه، ثم تعاوروا عَلَيْهِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَضَرَبَهُ عَلَى الثَّدْيِ بِالسَّيْفِ، ورتبت نَائِلَةُ بِنْتُ الْفَرَافِصَةِ الْكَلْبِيَّةُ فَصَاحَتْ وَأَلْقَتْ نَفْسَهَا عليه، وقالت:
يَا بِنْتَ شَيْبَةَ أَيُقْتَلُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ وَأَخَذَتِ السَّيْفَ، فَقَطَعَ الرَّجُلُ يَدَهَا، وَانْتَهَبُوا مَتَاعَ [1] [الدَّارِ] وَمَرَّ رَجُلٌ عَلَى عُثْمَانَ وَرَأْسُهُ مَعَ الْمُصْحَفِ فَضَرَبَ رَأَسَهُ بِرِجْلِهِ وَنَحَّاهُ عَنِ الْمُصْحَفِ وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَجْهَ كَافِرٍ أَحْسَنَ وَلَا مضجع كافر أكرم. قال: وَاللَّهِ مَا تَرَكُوا فِي دَارِهِ شَيْئًا حَتَّى الْأَقْدَاحَ إِلَّا ذَهَبُوا بِهِ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا عَزَمَ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ فِي الِانْصِرَافِ وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ سِوَى أَهْلِهِ تَسَوَّرُوا عَلَيْهِ الدَّارَ وَأَحْرَقُوا الْبَابَ وَدَخَلُوا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا أَبْنَائِهِمْ، إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَسَبَقَهُ بَعْضُهُمْ، فَضَرَبُوهُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ وَصَاحَ النِّسْوَةُ فانزعروا وَخَرَجُوا وَدَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ، فَلَمَّا رَآهُ قَدْ أَفَاقَ قَالَ: عَلَى أَيِّ دِينٍ أَنْتَ يَا نَعْثَلُ؟ قَالَ:
عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَلَسْتُ بِنَعْثَلٍ وَلَكِنِّي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: غَيَّرْتَ كِتَابَ اللَّهِ، فَقَالَ: كِتَابُ اللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَ: إِنَّا لَا يُقْبَلُ مِنَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ نَقُولَ: (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) وشطحه بِيَدِهِ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى بَابِ الدَّارِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا ابْنَ أَخِي مَا كَانَ أَبُوكَ لِيَأْخُذَ بِلِحْيَتِي. وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَيُكَنَّى بِأَبِي رُومَانَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: اسْمُهُ رُومَانُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ أَزْرَقَ أَشْقَرَ، وَقِيلَ كَانَ اسْمُهُ سُودَانَ بْنَ رُومَانَ [الْمُرَادِيَّ] . وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ اسْمُ الَّذِي قَتَلَ عُثْمَانَ أَسْوَدُ بْنُ حُمْرَانَ ضربه بحربة وبيده السيف صلتا قال ثُمَّ جَاءَ فَضَرَبَهُ بِهِ فِي صَدْرِهِ حَتَّى أَقْعَصَهُ، ثُمَّ وَضَعَ ذُبَابَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ واتكى عَلَيْهِ وَتَحَامَلَ حَتَّى قَتَلَهُ، وَقَامَتْ نَائِلَةُ دُونَهُ فَقَطَعَ السَّيْفُ أَصَابِعَهَا رضي الله عنها، وَيُرْوَى أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ طَعْنَهُ بِمَشَاقِصَ في أذنه حتى دخلت في حَلْقَهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ، وأنه استحى وَرَجَعَ حِينَ قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: لَقَدْ أَخَذْتَ بِلِحْيَةٍ كَانَ أَبُوكَ يُكْرِمُهَا. فَتَذَمَّمَ مِنْ ذَلِكَ وغطى وجهه ورجع وحاجز دُونَهُ فَلَمْ يُفِدْ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّ كِنَانَةَ بْنَ بِشْرٍ ضَرَبَ جَبِينَهُ وَمُقَدَّمَ رَأْسِهِ بِعَمُودٍ حديد فخر لجنبيه، وَضَرَبَهُ سُودَانُ بْنُ حُمْرَانَ الْمُرَادِيُّ بَعْدَ مَا خرج لِجَنْبِهِ فَقَتَلَهُ، وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ فَوَثَبَ عَلَى عُثْمَانَ فَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ، وَبِهِ رَمَقٌ، فَطَعَنَهُ تِسْعَ طَعَنَاتٍ، وَقَالَ: أَمَّا ثَلَاثٌ مِنْهُنَّ فَلِلَّهِ، وَسِتٌّ لِمَا كَانَ فِي صَدْرِي عَلَيْهِ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ الْبَغْدَادِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ دَاوُدَ الصَّوَّافُ التُّسْتَرِيُّ قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ ثنا مسلم بْنُ قُتَيْبَةَ ثَنَا مُبَارَكٌ عَنِ الْحَسَنِ. قَالَ: «حَدَّثَنِي سَيَّافُ عُثْمَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: ارْجِعْ يَا ابْنَ أخى فلست بقاتلي، قال: وكيف
[1] بياض بأصل المصرية والتصحيح من عقد الجمان للبدر العيني.
علمت ذلك؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أُتِيَ بِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ سَابِعِكَ فَحَنَّكَكَ وَدَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ. ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ سَوَاءً. ثُمَّ دَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَنْتَ قَاتِلِي. قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ يَا نَعْثَلُ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ آتِيَ بِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ سَابِعِكَ لِيُحَنِّكَكَ وَيَدْعُوَ لَكَ بِالْبَرَكَةِ، فَخَرِيتَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَوَثَبَ عَلَى صَدْرِهِ وَقَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، وَوَجَأَهُ بِمَشَاقِصَ كَانَتْ فِي يَدِهِ» . هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا وَفِيهِ نَكَارَةٌ. وَثَبَتَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ أَوَّلَ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ سَقَطَتْ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 2: 137 وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَصَلَ إِلَيْهَا فِي التِّلَاوَةِ أَيْضًا حِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ وَضَعَ الْمُصْحَفَ يَقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنَ.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّهُ لَمَّا طُعِنَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، فَلَمَّا قَطَرَ الدَّمُ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ الْمِصْرِيِّينَ لَمَّا وَجَدُوا ذَلِكَ الْكِتَابَ مَعَ الْبَرِيدِ إِلَى أَمِيرِ مِصْرَ، فِيهِ الْأَمْرُ بِقَتْلِ بَعْضِهِمْ، وَصَلْبِ بَعْضِهِمْ، وَبِقَطْعِ أَيْدِي بَعْضِهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ، وَكَانَ قَدْ كَتَبَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ عَلَى لِسَانِ عُثْمَانَ، مُتَأَوِّلًا قَوْلَهُ تَعَالَى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ 5: 33 وَعِنْدَهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ رضي الله عنه مِنْ جُمْلَةِ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ كَذَلِكَ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْتَاتَ عَلَى عُثْمَانَ وَيَكْتُبَ عَلَى لِسَانِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَيُزَوِّرَ عَلَى خَطِّهِ، وَخَاتَمِهِ، وَيَبْعَثَ غُلَامَهُ عَلَى بَعِيرِهِ، بَعْدَ مَا وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَ عُثْمَانَ وَبَيْنَ الْمِصْرِيِّينَ، عَلَى تَأْمِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مِصْرَ، بِخِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِهَذَا لَمَّا وَجَدُوا هَذَا الْكِتَابَ عَلَى خِلَافِ مَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ مِنْ عُثْمَانَ، أَعْظَمُوا ذَلِكَ، مَعَ مَا هُمْ مُشْتَمَلُونَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ فَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ فَطَافُوا بِهِ عَلَى رُءُوسِ الصَّحَابَةِ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَوْمٌ آخَرُونَ، حَتَّى ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّ هَذَا عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، فَلَمَّا قِيلَ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه فِي أَمْرِ هَذَا الْكِتَابِ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْمِصْرِيِّينَ، حَلَفَ باللَّه الْعَظِيمِ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ الرَّاشِدُ، أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ هَذَا الْكِتَابَ وَلَا أَمَلَاهُ عَلَى مَنْ كَتَبَهُ، وَلَا عِلْمَ بِهِ، فَقَالُوا لَهُ: فَإِنَّ عَلَيْهِ خَاتَمَكَ. فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُزَوَّرُ عَلَى خَطِّهِ وَخَاتَمِهِ قَالُوا: فَإِنَّهُ مَعَ غُلَامِكَ وَعَلَى جَمَلِكَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالُوا لَهُ- بَعْدَ كُلِّ مَقَالِهِ- إِنْ كُنْتَ قَدْ كَتَبْتَهُ فَقَدْ خُنْتَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ كَتَبْتَهُ بَلْ كُتِبَ عَلَى لِسَانِكَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ فَقَدْ عَجَزْتَ، وَمِثْلُكَ لَا يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ، إِمَّا لِخِيَانَتِكَ، وَإِمَّا لِعَجْزِكَ، وَهَذَا الَّذِي قَالُوا بَاطِلٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ كَتَبَ الْكِتَابَ، وَهُوَ لَمْ يَكْتُبْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْأُمَّةِ فِي إِزَالَةِ شَوْكَةِ هَؤُلَاءِ الْبُغَاةِ الْخَارِجِينَ عَلَى الْإِمَامِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ عَلِمَ بِهِ فَأَيُّ
عَجْزٍ يُنْسَبُ إِلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَزُوِّرَ عَلَى لِسَانِهِ؟ وَلَيْسَ هُوَ بِمَعْصُومٍ بَلِ الْخَطَأُ وَالْغَفْلَةُ جَائِزَانِ عَلَيْهِ رضي الله عنه، وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ الْبُغَاةُ مُتَعَنِّتُونَ خَوَنَةٌ، ظَلَمَةٌ مُفْتَرُونَ، وَلِهَذَا صَمَّمُوا بَعْدَ هَذَا عَلَى حَصْرِهِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ، حَتَّى مَنَعُوهُ الْمِيرَةَ وَالْمَاءَ وَالْخُرُوجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَتَهَدَّدُوهُ بِالْقَتْلِ، وَلِهَذَا خَاطَبَهُمْ بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ مِنْ تَوْسِعَةِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ مُنِعَ مِنْهُ، وَمِنْ وَقْفِهِ بِئْرَ رُومَةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ منع ماءها، ومن أنه أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ نَفَسًا، وَلَا ارْتَدَّ بَعْدَ إِيمَانِهِ، وَلَا زَنَى فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، بَلْ وَلَا مَسَّ فَرْجَهُ بِيَمِينِهِ بَعْدَ أَنْ بَايَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ أَنْ كَتَبَ بِهَا الْمُفَصَّلَ. ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمْ مِنْ فَضَائِلِهِ وَمَنَاقِبِهِ مَا لَعَلَّهُ يَنْجَعُ فِيهِمْ بِالْكَفِّ عَنْهُ وَالرُّجُوعِ إِلَى الطَّاعَةِ للَّه وَلِرَسُولِهِ وَلِأُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، فَأَبَوْا إِلَّا الِاسْتِمْرَارَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ، وَمَنَعُوا النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهِ وَالْخُرُوجِ مِنْ عِنْدِهِ، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَالُ، وَضَاقَ الْمَجَالُ، وَنَفَدَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَاءِ، فَاسْتَغَاثَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَرَكِبَ عَلِيٌّ بِنَفْسِهِ وَحَمَلَ مَعَهُ قِرَبًا مِنَ الْمَاءِ فَبِالْجَهْدِ حَتَّى أَوْصَلَهَا إِلَيْهِ بَعْدَ مَا نَالَهُ مِنْ جَهَلَةِ أُولَئِكَ كَلَامٌ غَلِيظٌ، وَتَنْفِيرٌ لِدَابَّتِهِ، وَإِخْرَاقٌ عَظِيمٌ بَلِيغٌ، وَكَانَ قَدْ زَجَرَهُمْ أَتَمَّ الزَّجْرِ، حَتَّى قَالَ لَهُمْ فِيمَا قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ لَا يَفْعَلُونَ كَفِعْلِكُمْ هَذَا بِهَذَا الرَّجُلِ، وَاللَّهِ إِنَّهُمْ لِيَأْسِرُونِ فَيُطْعِمُونَ وَيَسْقُونَ، فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوا مِنْهُ حَتَّى رَمَى بِعِمَامَتِهِ فِي وَسَطِ الدَّارِ. وَجَاءَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رَاكِبَةً بَغْلَةً وَحَوْلَهَا حَشَمُهَا وَخَدَمُهَا، فَقَالُوا، مَا جَاءَ بِكِ؟ فَقَالَتْ: إِنْ عِنْدَهُ وَصَايَا بَنِي أُمَيَّةَ، لِأَيْتَامٍ وَأَرَامِلَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُذَكِّرَهُ بِهَا، فَكَذَّبُوهَا فِي ذَلِكَ وَنَالَهَا مِنْهُمْ شِدَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَقَطَعُوا حِزَامَ الْبَغْلَةِ وَنَدَّتْ بِهَا، وَكَادَتْ أَوْ سَقَطَتْ عَنْهَا، وَكَادَتْ تُقْتَلُ لَوْلَا تَلَاحَقَ بِهَا النَّاسُ فَأَمْسَكُوا بِدَابَّتِهَا، وَوَقَعَ أَمْرٌ كَبِيرٌ جِدًّا، وَلَمْ يَبْقَ يَحْصُلُ لِعُثْمَانَ وَأَهْلِهِ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا مَا يُوصِلُهُ إِلَيْهِمْ آلُ عَمْرِو بْنِ حزم في الخفية ليلا، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 وَلَمَّا وَقَعَ هَذَا أَعْظَمَهُ النَّاسُ جِدًّا، وَلَزِمَ أَكْثَرُ النَّاسِ بُيُوتَهُمْ، وَجَاءَ وَقْتُ الْحَجِّ فَخَرَجَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّكِ لَوْ أَقَمْتِ كَانَ أَصْلَحَ، لَعَلَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَهَابُونَكِ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ أُشِيرَ عَلَيْهِمْ بِرَأْيٍ فَيَنَالَنِي مِنْهُمْ مِنَ الْأَذِيَّةِ مَا نَالَ أُمَّ حَبِيبَةَ، فَعَزَمَتْ عَلَى الْخُرُوجِ. وَاسْتَخْلَفَ عُثْمَانُ رضي الله عنه فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الْحَجِّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ له عبد الله ابن عباس: إن مقامي على بابك أحاجف عَنْكَ أَفْضَلُ مِنَ الْحَجِّ. فَعَزَمَ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ بِالنَّاسِ إِلَى الْحَجِّ وَاسْتَمَرَّ الْحِصَارُ بِالدَّارِ حَتَّى مضت أيام التشريق ورجع اليسير مِنَ الْحَجِّ، فَأَخْبَرَ بِسَلَامَةِ النَّاسِ، وَأَخْبَرَ أُولَئِكَ بِأَنَّ أَهْلَ الْمَوْسِمِ عَازِمُونَ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَكُفُّوكُمْ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. وَبَلَغَهُمْ
أَيْضًا أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ بَعَثَ جَيْشًا مَعَ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَنَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ قَدْ نَفَّذَ آخَرَ مع معاوية بن خديج، وأن أهل الكوفة قد بعثوا القعقاع ابن عَمْرٍو فِي جَيْشٍ، وَأَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ بَعَثُوا مُجَاشِعًا فِي جَيْشٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ صَمَّمُوا عَلَى أَمْرِهِمْ، وَبَالَغُوا فِيهِ، وَانْتَهَزُوا الْفُرْصَةَ بِقِلَّةِ النَّاسِ وَغَيْبَتِهِمْ فِي الْحَجِّ، وَأَحَاطُوا بِالدَّارِ، وَجَدُّوا فِي الْحِصَارِ، وَأَحْرَقُوا الْبَابَ، وَتَسَوَّرُوا مِنَ الدَّارِ الْمُتَاخِمَةِ للدار، كدار عمرو بن حزم وغيرها، وحاجف الناس عن عثمان أشد المحاجفة، وَاقْتَتَلُوا عَلَى الْبَابِ قِتَالًا شَدِيدًا، وَتَبَارَزُوا وَتَرَاجَزُوا بِالشِّعْرِ فِي مُبَارَزَتِهِمْ، وَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: هذا يوم طاب في الضراب فيه. وَقُتِلَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ وَآخَرُونَ مِنْ أُولَئِكَ الْفُجَّارِ، وَجُرِحَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةً، وَكَذَلِكَ جُرِحَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ومروان ابن الحكم فقطع إحدى علباويه فعاش أو قص حَتَّى مَاتَ. وَمِنْ أَعْيَانِ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ عُثْمَانَ، زِيَادُ بْنُ نُعَيْمٍ الْفِهْرِيُّ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، وَنِيَارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسْلَمِيُّ، فِي أُنَاسٍ وَقْتَ الْمَعْرَكَةِ، وَيُقَالُ إنه انهزم أصحاب عثمان ثم رجعوا. وَلَمَّا رَأَى عُثْمَانُ ذَلِكَ عَزَمَ عَلَى النَّاسِ لِيَنْصَرِفُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ، فَانْصَرَفُوا كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ أَحَدٌ سِوَى أَهْلِهِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ، وَمِنَ الْجُدْرَانِ وَفَزِعَ عُثْمَانُ إِلَى الصَّلَاةِ وَافْتَتَحَ سُورَةَ طه، وَكَانَ سَرِيعَ الْقِرَاءَةِ- فَقَرَأَهَا وَالنَّاسُ فِي غَلَبَةٍ عَظِيمَةٍ، قَدِ احْتَرَقَ الْبَابُ وَالسَّقِيفَةُ الَّتِي عِنْدَهُ، وَخَافُوا أَنْ يَصِلَ الْحَرِيقُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ فَرَغَ عُثْمَانُ مِنْ صِلَاتِهِ وَجَلَسَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْمُصْحَفُ، وَجَعَلَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 3: 173 فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْمَوْتُ الْأَسْوَدُ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَتْ نَفْسُهُ تَتَرَدَّدُ فِي حَلْقِهِ، فتركه وهو يظن انه قد قتله، ودخل ابن أبى بكر فمسك بلحيته ثم ند وَخَرَجَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ آخَرُ وَمَعَهُ سَيْفٌ فَضَرَبَهُ بِهِ فَاتَّقَاهُ بِيَدِهِ فَقَطَعَهَا، فَقِيلَ: إِنَّهُ أَبَانَهَا: وَقِيلَ: بَلْ قَطَعَهَا وَلَمْ يُبِنْهَا، إِلَّا أن عثمان قال: والله إنها أول يَدٍ كَتَبَتِ الْمُفَصَّلَ، فَكَانَ أَوَّلُ قَطْرَةِ دَمٍ مِنْهَا سَقَطَتْ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 2: 137 ثُمَّ جَاءَ آخَرُ شَاهِرًا سَيْفَهُ فَاسْتَقْبَلَتْهُ نَائِلَةُ بِنْتُ الْفَرَافِصَةِ لِتَمْنَعَهُ مِنْهُ، وَأَخَذَتِ السَّيْفَ فَانْتَزَعَهُ مِنْهَا فَقَطَعَ أَصَابِعَهَا. ثُمَّ إِنَّهُ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ فَوَضَعَ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ، رَضِيَ الله عن عثمان. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْغَافِقِيَّ بْنَ حَرْبٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بَعْدَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَضَرَبَهُ بحديدة في فيه، وَرَفَسَ الْمُصْحَفَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ بِرِجْلِهِ فَاسْتَدَارَ الْمُصْحَفُ ثُمَّ اسْتَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ رضي الله عنه. وَسَالَتْ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ سودان بن حمران بالسيف فما نعته نَائِلَةُ فَقَطَعَ أَصَابِعَهَا فَوَلَّتْ فَضَرَبَ عَجِيزَتَهَا بِيَدِهِ وَقَالَ: إِنَّهَا لِكَبِيرَةُ الْعَجِيزَةِ. وَضَرَبَ عُثْمَانَ فَقَتَلَهُ، فَجَاءَ غُلَامُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ سُودَانَ فَقَتَلَهُ، فَضَرَبَ الغلام رجل يقال له قترة فقتله.
وذكر ابن جرير أنهم أرادوا حرز رَأْسِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ، فَصَاحَ النِّسَاءُ وَضَرَبْنَ وُجُوهَهُنَّ، فيهن امرأتاه