الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طرابلس الْمَغْرِبِ، وَيُقَالُ فِي السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا. قُلْتُ: وفي هذا كله غرابة لنسبته إِلَى مَا سَلَفَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَفِيهَا تُوُفِّيَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ وَابْنِ نُمَيْرٍ وَالذُّهْلِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ في سنة تسع عشرة. ومعضد بْنُ يَزِيدَ الشَّيْبَانِيُّ اسْتُشْهِدَ بِأَذْرَبِيجَانَ وَلَا صُحْبَةَ له.
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين
وفيها وفاة عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه
قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَأَبُو مَعْشَرٍ: فِيهَا كَانَ فَتْحُ إِصْطِخْرَ وَهَمَذَانَ. وَقَالَ سَيْفٌ: كَانَ فَتْحُهَا بَعْدَ فَتْحِ تَوَّجَ الْآخِرَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الَّذِي افْتَتَحَ تَوَّجَ مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ، بَعْدَ مَا قَتَلَ مِنَ الْفُرْسِ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً وَغَنِمَ مِنْهُمْ غَنَائِمَ جَمَّةً، ثُمَّ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِهَا، وَعَقَدَ لَهُمُ الذِّمَّةَ، ثُمَّ بَعَثَ بِالْفَتْحِ وَخُمْسِ الْغَنَائِمِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ افْتَتَحَ جُورَ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ كَانَ عِنْدَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ إِصْطَخْرَ- وَهَذِهِ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ-، وَكَانَ أَهْلُهَا قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ بَعْدَ مَا كَانَ جُنْدُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ افْتَتَحُوهَا حِينَ جَازَ فِي الْبَحْرِ- مِنْ أَرْضِ الْبَحْرَيْنِ- وَالْتَقَوْا هُمْ وَالْفُرْسُ فِي مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ طَاوُسٌ، كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ. ثُمَّ صالحه الهر بد عَلَى الْجِزْيَةِ، وَأَنْ يَضْرِبَ لَهُمُ الذِّمَّةَ. ثُمَّ بَعَثَ بِالْأَخْمَاسِ وَالْبِشَارَةِ إِلَى عُمَرَ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَكَانَتِ الرُّسُلُ لَهَا جَوَائِزُ، وَتُقْضَى لَهُمْ حَوَائِجُ، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَامِلُهُمْ بِذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّ شَهْرَكَ خَلَعَ الْعَهْدَ، وَنَقَضَ الذِّمَّةَ، وَنَشِطَ الْفُرْسُ، فَنَقَضُوا، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ ابْنَهُ وَأَخَاهُ الْحَكَمَ، فَاقْتَتَلُوا مَعَ الْفُرْسِ فَهَزَمَ اللَّهُ جُيُوشَ الْمُشْرِكِينَ، وَقَتَلَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ شَهْرَكَ، وَقَتَلَ ابْنَهُ مَعَهُ أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: كَانَتْ فَارِسُ الْأُولَى وَإِصْطَخْرُ الْآخِرَةُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ فِي إِمَارَةِ عُثْمَانَ، وَكَانَتْ فَارِسُ الْآخِرَةَ وَوَقْعَةُ جَوْرَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ.
فتح فسا وداربجرد وَقِصَّةُ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ
ذَكَرَ سَيْفٌ عَنْ مَشَايِخِهِ أَنَّ سَارِيَةَ بْنَ زُنَيْمٍ قَصَدَ فَسَا وداربجرد، فَاجْتَمَعَ لَهُ جُمُوعٌ- مِنَ الْفُرْسِ وَالْأَكْرَادِ- عَظِيمَةٌ، وَدَهَمَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ، فَرَأَى عُمَرُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ مَعْرَكَتَهُمْ وَعَدَدَهُمْ فِي وَقْتٍ مِنَ النَّهَارِ، وأنهم في صحراء وهناك جبل إن أسندوا إِلَيْهِ لَمْ يُؤْتَوْا إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَنَادَى مِنَ الْغَدِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي رَأَى أَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِيهَا، خَرَجَ إِلَى النَّاسِ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ النَّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ بِصِفَةِ مَا رَأَى، ثُمَّ قَالَ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ الْجَبَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: إِنَّ للَّه جُنُودًا وَلَعَلَّ بَعْضَهَا أَنْ يُبَلِّغَهُمْ. قَالَ: فَفَعَلُوا مَا قَالَ عُمَرُ، فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَفَتَحُوا الْبَلَدَ. وَذَكَرَ سَيْفٌ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ شُيُوخِهِ أَنَّ عُمَرَ بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَالَ:
يَا سَارِيَةُ بْنَ زُنَيْمٍ الْجَبَلَ الْجَبَلَ. فَلَجَأَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى جَبَلٍ هُنَاكَ فَلَمْ يَقْدِرِ الْعَدُوُّ عَلَيْهِمْ إِلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ
فَأَظْفَرَهُمُ اللَّهُ بِهِمْ، وَفَتَحُوا الْبَلَدَ. وَغَنِمُوا شَيْئًا كَثِيرًا، فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ سَفَطٌ مِنْ جَوْهَرٍ فَاسْتَوْهَبَهُ سَارِيَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِعُمَرَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ مَعَ الْأَخْمَاسِ قَدِمَ الرَّسُولُ بِالْخُمْسِ فَوَجَدَ عُمَرَ قَائِمًا فِي يَدِهِ عَصَا وَهُوَ يُطْعِمُ الْمُسْلِمِينَ سِمَاطَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ قَالَ لَهُ: اجْلِسْ- وَلَمْ يَعْرِفْهُ-، فَجَلَسَ الرَّجُلُ فَأَكَلَ مَعَ النَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغُوا انْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَأَتْبَعَهُ الرَّجُلُ، فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ وَإِذَا هُوَ قَدْ وُضِعَ لَهُ خُبْزٌ وَزَيْتٌ وَمِلْحٌ، فَقَالَ: ادْنُ فَكُلْ. قَالَ: فَجَلَسْتُ فَجَعَلَ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَلَا تَخْرُجِينَ يَا هَذِهِ فَتَأْكُلِينَ؟
فَقَالَتْ: إني أسمع حس رجل عندك. فقال: أجل، فقالت: لو أردت أن أبرز للرجال اشتريت لي غير هذه الكسوة. فقال: أو ما تَرْضَيْنَ أَنْ يُقَالَ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ وَامْرَأَةُ عُمَرَ. فَقَالَتْ: مَا أَقَلَّ غَنَاءَ ذَلِكَ عَنِّي. ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: ادْنُ فَكُلْ فَلَوْ كَانَتْ رَاضِيَةً لَكَانَ أَطْيَبَ مِمَّا تَرَى. فَأَكَلَا فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ:
أَنَا رَسُولُ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا. ثُمَّ أَدْنَاهُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتُهُ رُكْبَتَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ، فَأَخْبَرَهُ ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ شَأْنَ السَّفَطِ مِنَ الْجَوْهَرِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ وَأَمَرَ بِرَدِّهِ إِلَى الْجُنْدِ. وَقَدْ سَأَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ رَسُولَ سَارِيَةَ عَنِ الْفَتْحِ فَأَخْبَرَهُمْ، فَسَأَلُوهُ: هَلْ سَمِعُوا صَوْتًا يَوْمَ الْوَقْعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْنَا قَائِلًا يَقُولُ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ، وَقَدْ كِدْنَا نَهْلِكُ فَلَجَأْنَا إِلَيْهِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا.
ثُمَّ رَوَاهُ سَيْفٌ عَنْ مَجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ بِنَحْوِ هَذَا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ وَجَّهَ جَيْشًا وَرَأَّسَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ سَارِيَةُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا ساري الجبل يَا سَارِيَ الْجَبَلَ ثَلَاثًا. ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ الْجَيْشِ فَسَأَلَهُ عُمَرُ: فَقَالَ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هُزِمْنَا فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْنَا مُنَادِيًا يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ ثَلَاثًا فَأَسْنَدْنَا ظُهُورَنَا بِالْجَبَلِ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ. قَالَ: فَقِيلَ لِعُمَرَ: إِنَّكَ كُنْتَ تَصِيحُ بِذَلِكَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ. أَنَّ عُمَرَ قَالَ على المنبر: يا سارية ابن زُنَيْمٍ الْجَبَلَ. فَلَمْ يَدْرِ النَّاسُ مَا يَقُولُ حَتَّى قَدِمَ سَارِيَةُ بْنُ زُنَيْمٍ الْمَدِينَةَ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كُنَّا مُحَاصِرِي الْعَدُوِّ فَكُنَّا نُقِيمُ الْأَيَّامَ لَا يَخْرُجُ عَلَيْنَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، نَحْنُ فِي خَفْضٍ مِنَ الْأَرْضِ وَهُمْ فِي حِصْنٍ عَالٍ، فَسَمِعْتُ صَائِحًا يُنَادِي بِكَذَا وَكَذَا يَا سَارِيَةُ بْنَ زُنَيْمٍ الْجَبَلَ، فَعَلَوْتُ بِأَصْحَابِي الْجَبَلَ، فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَةً حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالِكَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِنَحْوِهِ، وَفِي صِحَّتِهِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ نَظَرٌ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ. وَأَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ قَالَا: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى الصَّلَاةِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ثُمَّ صَاحَ: يَا سَارِيَةُ بْنَ زُنَيْمٍ الْجَبَلَ، يَا سَارِيَةُ بْنَ زُنَيْمٍ الْجَبَلَ، ظَلَمَ مَنِ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ الْغَنَمَ. ثُمَّ خَطَبَ حَتَّى فَرَغَ، فَجَاءَ كِتَابُ سَارِيَةَ إِلَى عُمَرَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ فَتَحَ عَلَيْنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَاعَةَ كَذَا وَكَذَا- لِتِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا عُمَرُ فَتَكَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ- قَالَ: سَارِيَةُ فَسَمِعْتُ صَوْتًا