الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غفيرا، وخلقا كثيرا، وجمعا عظيما، وَاسْتَلَبُوا مِنْهُ مَا بِيَدِهِ مِنَ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ إِلَى تُسْتَرَ، فَتَحَصَّنَ بِهَا، وَبَعَثُوا إِلَى عُمَرَ بِذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الْأُسُودُ بْنُ سَرِيعٍ فِي ذَلِكَ- وَكَانَ صَحَابِيًّا رضي الله عنه.
لَعَمْرُكَ ما أضاع بنو أبينا
…
ولكن حافظوا فيمن يطيعوا
أطاعوا ربهم وعصاه قوم
…
أضاعوا أمره فيمن يُضِيعُ
مَجُوسٌ لَا يُنَهْنِهُهَا كِتَابٌ
…
فَلَاقَوْا كَبَّةً فِيهَا قُبُوعُ
وَوَلَّى الْهُرْمُزَانُ عَلَى جَوَادٍ
…
سَرِيعِ الشَّدِّ يَثْفِنُهُ الْجَمِيعُ
وَخَلَّى سُرَّةَ الْأَهْوَازِ كَرْهًا
…
غَدَاةَ الْجِسْرِ إِذْ نَجَمَ الرَّبِيعُ
وَقَالَ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ السَّعْدِيُّ وَكَانَ صَحَابِيًّا أَيْضًا:
غَلَبْنَا الْهُرْمُزَانَ عَلَى بِلَادٍ
…
لَهَا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ ذَخَائِرْ
سَوَاءٌ بَرُّهُمْ وَالْبَحْرُ فِيهَا
…
إِذَا صَارَتْ نَوَاحِيهَا بَوَاكِرْ
لَهَا بَحْرٌ يَعُجُّ بِجَانِبَيْهِ
…
جَعَافِرُ لَا يَزَالُ لَهَا زَوَاخِرْ
فَتْحُ تُسْتَرَ الْمَرَّةُ الْأُولَى صُلْحًا
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: كَانَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي قَوْلِ سَيْفٍ وَرِوَايَتِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَقَالَ غيره: كانت فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ذِكْرُ الْخَبَرِ عَنْ فَتْحِهَا، ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ سَيْفٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ وَالْمُهَلَّبِ وعمرو قالوا: ولما افْتَتَحَ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ سُوقَ الْأَهْوَازِ، وَفَرَّ الْهُرْمُزَانُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَبَعَثَ فِي إِثْرِهِ جَزْءَ بْنَ مُعَاوِيَةَ- وَذَلِكَ عَنْ كِتَابِ عُمَرَ بِذَلِكَ- فَمَا زَالَ جَزْءٌ يَتْبَعُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَامَهُرْمُزَ فَتَحَصَّنَ الْهُرْمُزَانُ فِي بِلَادِهَا، وَأَعْجَزَ جَزْءًا تَطَلُّبُهُ، وَاسْتَحْوَذَ جَزْءٌ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ وَالْأَقَالِيمِ وَالْأَرَاضِي، فَضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِهَا، وَعَمَّرَ عَامِرَهَا، وَشَقَّ الْأَنْهَارَ إِلَى خَرَابِهَا وَمَوَاتِهَا: فَصَارَتْ فِي غَايَةِ الْعِمَارَةِ وَالْجَوْدَةِ. وَلَمَّا رَأَى الْهُرْمُزَانُ ضِيقَ بلاده عليه لمجاورة الْمُسْلِمِينَ، طَلَبَ مِنْ جَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْمُصَالَحَةَ، فَكَتَبَ إِلَى حُرْقُوصٍ، فَكَتَبَ حُرْقُوصٌ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، وَكَتَبَ عُتْبَةُ إِلَى عُمَرَ فِي ذَلِكَ. فَجَاءَ الْكِتَابُ الْعُمَرِيُّ بِالْمُصَالَحَةِ عَلَى رَامَهُرْمُزَ، وتستر، وجندسابور، وَمَدَائِنَ أُخَرَ مَعَ ذَلِكَ. فَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ رضي الله عنه.
ذِكْرُ غَزْوِ بِلَادِ فَارِسَ مِنْ نَاحِيَةِ البحرين
(فيما حكاه ابن جرير عن سيف في هذه السنة) وَذَلِكَ أَنَّ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ كَانَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ فِي أَيَّامِ الصِّدِّيقِ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ عَزَلَهُ عَنْهَا وَوَلَّاهَا لِقُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ. ثُمَّ أَعَادَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَيْهَا. وَكَانَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ يُبَارِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ. فَلَمَّا افْتَتَحَ سَعْدٌ الْقَادِسِيَّةَ، وَأَزَاحَ كِسْرَى عَنْ دَارِهِ، وَأَخَذَ حُدُودَ مَا يَلِي السَّوَادَ، وَاسْتَعْلَى
وجاء بأعظم مما جاء به العلاء بن الحضرميّ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرَيْنِ. فَأَحَبَّ الْعَلَاءُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا فِي فَارِسَ نَظِيرَ مَا فَعَلَهُ سَعْدٌ فِيهِمْ، فَنَدَبَ النَّاسَ إِلَى حَرْبِهِمْ، فَاسْتَجَابَ لَهُ أَهْلُ بِلَادِهِ، فَجَزَّأَهُمْ أَجْزَاءً، فَعَلَى فِرْقَةٍ الْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى، وَعَلَى الْأُخْرَى السَّوَّارُ بْنُ هَمَّامٍ، وَعَلَى الْأُخْرَى خُلَيْدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى، وَخُلَيْدٌ هُوَ أَمِيرُ الْجَمَاعَةِ. فَحَمَلَهُمْ فِي الْبَحْرِ إِلَى فَارِسَ، وَذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْنِ عُمَرَ لَهُ فِي ذَلِكَ- وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بكر ما أَغْزَيَا فِيهِ الْمُسْلِمِينَ- فَعَبَرَتْ تِلْكَ الْجُنُودُ مِنَ الْبَحْرَيْنِ إِلَى فَارِسَ، فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِ إِصْطَخْرَ فَحَالَتْ فَارِسُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سُفُنِهِمْ، فَقَامَ فِي النَّاسِ خُلَيْدُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَقَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ بِصَنِيعِهِمْ هَذَا مُحَارَبَتَكُمْ، وأنتم جِئْتُمْ لِمُحَارَبَتِهِمْ، فَاسْتَعِينُوا باللَّه وَقَاتِلُوهُمْ، فَإِنَّمَا الْأَرْضُ وَالسُّفُنُ لِمَنْ غَلَبَ، وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ 2: 45 فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ فَصَلُّوا الظُّهْرَ ثُمَّ نَاهَدُوهُمْ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا فِي مَكَانٍ مِنَ الْأَرْضِ يُدْعَى طَاوُسَ، ثُمَّ أَمَرَ خُلَيْدٌ الْمُسْلِمِينَ فَتَرَجَّلُوا وَقَاتَلُوا فَصَبَرُوا، ثُمَّ ظَفِرُوا فَقَتَلُوا فَارِسَ مَقْتَلَةً لَمْ يُقْتَلُوا قَبْلَهَا مِثْلَهَا. ثُمَّ خَرَجُوا يُرِيدُونَ الْبَصْرَةَ فَغَرِقَتْ بِهِمْ سُفُنُهُمْ، وَلَمْ يَجِدُوا إِلَى الرُّجُوعِ فِي الْبَحْرِ سَبِيلًا وَوَجَدُوا شَهْرَكَ فِي أَهْلِ إِصْطَخْرَ قَدْ أَخَذُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالطُّرُقِ، فَعَسْكَرُوا وَامْتَنَعُوا مِنَ الْعَدُوِّ. وَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ ما صُنْعُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، اشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَيْهِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ فَعَزَلَهُ وَتَوَعَّدَهُ، وَأَمَرَهُ بِأَثْقَلِ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ، وَأَبْغَضِ الْوُجُوهِ إِلَيْهِ. فَقَالَ: الْحَقْ بِسَعْدِ بن أبى وقاص [فَخَرَجَ الْعَلَاءُ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ [1] و [2]] مُضَافًا إِلَيْهِ، وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ: إِنَّ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ خَرَجَ بِجَيْشٍ فَأَقْطَعَهُمْ أَهْلُ فَارِسَ وَعَصَانِي، وَأَظُنُّهُ لَمْ يُرِدِ اللَّهَ بِذَلِكَ، فَخَشِيتُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُنْصَرُوا، أَنْ يُغْلَبُوا وَيُنْشَبُوا، فَانْدُبْ إِلَيْهِمُ النَّاسَ وَاضْمُمْهُمْ إليك من قبل أن يحتاجوا. فَنَدَبَ عُتْبَةُ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْبَرَهُمْ بِكِتَابِ عُمَرَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَانْتَدَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْأَبْطَالِ، منهم هاشم بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَرْفَجَةُ بن هرثمة، وحذيفة بن محصن، والأخنف بْنُ قَيْسٍ، وَغَيْرُهُمْ، فِي اثْنَيْ عَشَرَ الْفًا. وَعَلَى الْجَمِيعِ أَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمٍ. فَخَرَجُوا عَلَى الْبِغَالِ يَجْنُبُونَ الْخَيْلَ سِرَاعًا، فَسَارُوا عَلَى السَّاحِلِ لَا يَلْقَوْنَ أَحَدًا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ الْوَقْعَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْعَلَاءِ، وَبَيْنَ أَهْلِ فَارِسَ بِالْمَكَانِ الْمُسَمَّى بِطَاوُسَ، وَإِذَا خُلَيْدُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَحْصُورُونَ قَدْ أَحَاطَ بِهِمُ الْعَدُوُّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَقَدْ تَدَاعَتْ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ تَكَامَلَتْ أَمْدَادُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقِتَالُ. فَقَدِمَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ فِي أَحْوَجِ مَا هُمْ فِيهِ إِلَيْهِمْ، فَالْتَقَوْا مَعَ الْمُشْرِكِينَ رَأْسًا، فَكَسَرَ أَبُو سَبْرَةَ الْمُشْرِكِينَ كَسْرَةً عَظِيمَةً، وَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً جِدًّا، وَأَخَذَ مِنْهُمْ أَمْوَالًا جَزِيلَةً بَاهِرَةً، وَاسْتَنْقَذَ خُلَيْدًا وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أيديهم، وأعز به الإسلام وأهله، ودفع
[1] بياض بالنسخة المصرية.
[2]
زيادة بالمصرية.