الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مودعا ومشيعا أميالا، وسرح بينه مَعَهَا بَقِيَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ- وَكَانَ يَوْمَ السَّبْتِ مُسْتَهَلَّ رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ- وَقَصَدَتْ فِي مَسِيرِهَا ذَلِكَ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامَتْ بِهَا إِلَى أَنْ حَجَّتْ عَامَهَا ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ رضي الله عنها.
وَأَمَّا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَإِنَّهُ لَمَّا فَرَّ اسْتَجَارَ بِمَالِكِ بْنِ مِسْمَعٍ فَأَجَارَهُ وَوَفَّى لَهُ، وَلِهَذَا كَانَ بَنُو مَرْوَانَ يُكْرِمُونَ مَالِكًا وَيُشَرِّفُونَهُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ نَزَلَ دَارَ بَنِي خَلَفٍ فَلَمَّا خَرَجَتْ عَائِشَةُ خَرَجَ مَعَهَا، فَلَمَّا سَارَتْ هِيَ إِلَى مَكَّةَ سَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالُوا: وَقَدْ عَلِمَ مَنْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ بِالْوَقْعَةِ يَوْمَ الْوَقْعَةِ، وَذَلِكَ مِمَّا كَانَتِ النُّسُورُ تَخْطَفُهُ مِنَ الْأَيْدِي وَالْأَقْدَامِ فيسقط منها لك، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ عَلِمُوا بِذَلِكَ يَوْمَ الْجَمَلِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَذَلِكَ أَنَّ نسرا مر بهم ومعه شيء فسقط فَإِذَا هُوَ كَفٌّ فِيهِ خَاتَمٌ نَقْشُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَتَّابٍ.
هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ رحمه الله عَنْ أئمة هذا الشأن، وليس فيما ذكره أَهْلُ الْأَهْوَاءِ مِنَ الشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلَقَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالْأَخْبَارِ الْمَوْضُوعَةِ الَّتِي يَنْقُلُونَهَا بِمَا فِيهَا، وَإِذَا دُعُوا إِلَى الْحَقِّ الْوَاضِحِ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا: لَنَا أَخْبَارُنَا وَلَكُمْ أَخْبَارُكُمْ، فنحن حينئذ نقول لهم: سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين.
فَصْلٌ
فِي ذِكْرِ أَعْيَانِ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ مِنَ السَّادَةِ النُّجَبَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ عِدَّةَ الْقَتْلَى نَحْوٌ مِنْ عَشَرَةِ آلاف، وأما الجرحى فلا يحصون كثرة فممن قتل يوم الجمل في المعركة
طلحة بن عبيد الله
ابن عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ ابن النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ، ويعرف بطلحة الخير، وطلحة الفياض لكرمه ولكثرة جُودِهِ أَسْلَمَ قَدِيمًا عَلَى يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَكَانَ نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ الْعَدَوِيَّةِ يَشُدُّهُمَا فِي حَبْلٍ وَاحِدٍ، وَلَا تَسْتَطِيعُ بَنُو تميم أن تمنعهما منه، فلذلك كَانَ يُقَالُ لِطَلْحَةَ وَأَبِي بَكْرٍ الْقَرِينَانِ، وَقَدْ هَاجَرَ وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلا بدرا- فإنه كان بالشام لتجارة- وقيل في رسالة، ولهذا ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ مِنْ بَدْرٍ، وَكَانَتْ لَهُ يوم أحد اليد البيضاء وشلت يده يوم أحد، وَقَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَمَرَّتْ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَكَانَ الصديق إذا حدث عن يده أُحُدٍ يَقُولُ: ذَاكَ يَوْمٌ كَانَ كُلُّهُ لِطَلْحَةَ، وقد
قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ: «أَوْجَبَ طَلْحَةُ» وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِرْعَانِ فَأَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ وَهُمَا عَلَيْهِ لِيَصْعَدَ صخرة لك فَمَا اسْتَطَاعَ، فَطَأْطَأَ لَهُ طَلْحَةُ فَصَعِدَ عَلَى ظَهْرِهِ حَتَّى اسْتَوَى عَلَيْهَا، وَقَالَ:«أَوْجَبَ طَلْحَةُ» وَهُوَ أَحَدُ الْعَشْرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَصْحَابِ الشُّورَى، وَقَدْ صَحِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وعمر، فلما كان قَضِيَّةُ عُثْمَانَ اعْتَزَلَ عَنْهُ فَنَسَبَهُ بَعْضُ النَّاسِ إلى تحامل فيه، فَلِهَذَا لَمَّا حَضَرَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَاجْتَمَعَ بِهِ عَلِيٌّ فَوَعَظَهُ تَأَخَّرَ فَوَقَفَ فِي بَعْضِ الصُّفُوفِ، فَجَاءَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَوَقَعَ فِي رُكْبَتِهِ وَقِيلَ فِي رَقَبَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَانْتَظَمَ السَّهْمُ مَعَ سَاقِهِ خَاصِرَةَ الْفَرَسِ فَجَمَحَ بِهِ حَتَّى كَادَ يُلْقِيهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ، فَأَدْرَكَهُ مَوْلًى لَهُ فَرَكِبَ وَرَاءَهُ وَأَدْخَلَهُ الْبَصْرَةَ فَمَاتَ بِدَارٍ فِيهَا، وَيُقَالُ إِنَّهُ مَاتَ بِالْمَعْرَكَةِ، وَإِنَّ عَلِيًّا لَمَّا دَارَ بَيْنَ الْقَتْلَى رَآهُ فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ التُّرَابَ وَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا مُحَمَّدٍ، يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ أَرَاكَ مجدولا تَحْتَ نُجُومِ السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: إِلَى اللَّهِ أَشْكُو عُجَرِي وَبُجَرِي، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مِتُّ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ بِعِشْرِينَ سَنَةً. وَيُقَالُ إِنَّ الَّذِي رَمَاهُ بِهَذَا السَّهْمِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَقَالَ لَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ:
قَدْ كَفَيْتُكَ رجالا مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الَّذِي رَمَاهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا عِنْدِي أَقْرَبُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مَشْهُورًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سنة ست وثلاثين، ودفن طلحة إلى جانب الكلإ وَكَانَ عُمُرُهُ سِتِّينَ سَنَةً، وَقِيلَ بِضْعًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَ آدَمَ، وَقِيلَ أَبْيَضَ، حَسَنَ الْوَجْهِ كَثِيرَ الشَّعْرِ إِلَى الْقِصَرِ أَقْرَبَ وَكَانَتْ غَلَّتُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَرَوَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بن جُدْعَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا رَأَى طَلْحَةَ فِي مَنَامِهِ وَهُوَ يَقُولُ: حَوِّلُونِي عَنْ قَبْرِي فَقَدْ آذَانِي الْمَاءُ، ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَأَتَى ابْنَ عباس فأخبره- وكان نائبا على البصرة- فَاشْتَرَوْا لَهُ دَارًا بِالْبَصْرَةِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فحولوه من قبره إليها، فإذا قَدِ اخْضَرَّ مِنْ جَسَدِهِ مَا يَلِي الْمَاءَ، وَإِذَا هُوَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ أُصِيبَ، وَقَدْ وَرَدَتْ له فضائل كثيرة. فمن ذلك مَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ طَلْحَةَ الْخَيْرِ، وَيَوْمَ الْعُسْرَةِ طَلْحَةَ الْفَيَّاضَ. وَيَوْمَ حُنَيْنٍ طَلْحَةَ الْجُودِ، وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ ثنا أبو كريب ثنا يونس عن ابن بكر عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُوسَى وَعِيسَى ابْنَيْ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِأَعْرَابِيٍّ جَاءَ يَسْأَلُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ فَقَالُوا: سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ اطَّلَعْتُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ وَعَلَيَّ ثِيَابٌ خُضْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «أَيْنَ السَّائِلُ» ؟
قَالَ هَا أَنَا ذَا فَقَالَ: «هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ» وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: ثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ ثَنَا مَكِّيُّ ثنا على