الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَنُوءُ وَيَغْشَاهُ شَآبِيبُ مِنْ دَمٍ
…
كَمَا لَاحَ مِنْ جَيْبِ الْقَمِيصِ الْكَفَائِفُ
وَقَدْ صَبَرَتْ حَوْلَ ابْنِ عَمِّ مُحَمَّدٍ
…
لَدَى الْمَوْتِ أَرْبَابُ الْمَنَاقِبِ شَارِفُ
فَمَا بَرَحُوا حَتَّى رَأَى اللَّهُ صَبْرَهُمْ
…
وحتى رقت فوق الأكف الْمَصَاحِفُ
وَزَادَ غَيْرُهُ فِيهَا
مُعَاوِيَ لَا تَنْهَضْ بِغَيْرِ وَثِيقَةٍ
…
فَإِنَّكَ بَعْدَ الْيَوْمِ بِالذُّلِّ عَارِفُ
وقد أجابه أبو جهم الْأَسْدِيُّ بِقَصِيدَةٍ فِيهَا أَنْوَاعٌ مِنَ الْهِجَاءِ تَرَكْنَاهَا قَصْدًا.
وَهَذَا مَقْتَلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أبى طالب قتله أهل الشام
[وبان وظهر بذلك سِرُّ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّهُ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ وَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا مُحِقٌّ وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ بَاغٍ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ][1]، ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مِخْنَفٍ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَعْيَنَ الْجُهَنِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ عَمَّارًا قَالَ يَوْمَئِذٍ: من يبتغى رضوان ربه وَلَا يَلْوِي إِلَى مَالٍ وَلَا وَلَدٍ، قَالَ: فَأَتَتْهُ عِصَابَةٌ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اقْصِدُوا بِنَا نَحْوَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ دَمَ عُثْمَانَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا وَاللَّهِ ما قصدهم الأخذ بدمه ولا الأخذ بثأره، ولكن القوم ذاقوا الدنيا واستحلوها واستمروا الآخرة فقلوها، وَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ إِذَا لَزِمَهُمْ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَتَمَرَّغُونَ فِيهِ مِنْ دُنْيَاهُمْ وَشَهَوَاتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سَابِقَةٌ فِي الْإِسْلَامِ يَسْتَحِقُّونَ بها [طاعة الناس لهم ولا الولاية عَلَيْهِمْ وَلَا تَمَكَّنَتْ مِنْ قُلُوبِهِمْ خَشْيَةُ اللَّهِ الَّتِي تَمْنَعُ مَنْ تَمَكَّنَتْ مِنْ قَلْبِهِ عَنْ نَيْلِ الشَّهَوَاتِ، وَتَعْقِلُهُ عَنْ إِرَادَةِ الدُّنْيَا وَطَلَبِ الْعُلُوِّ فِيهَا، وَتَحْمِلُهُ عَلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَالْمَيْلِ إِلَى أَهْلِهِ][2] فَخَدَعُوا أَتْبَاعَهُمْ بِقَوْلِهِمْ إِمَامُنَا قُتِلَ مَظْلُومًا، لِيَكُونُوا بِذَلِكَ جَبَابِرَةً مُلُوكًا، وَتِلْكَ مَكِيدَةٌ بلغوا بها ما ترون، ولولا ذلك مَا تَبِعَهُمْ مِنَ النَّاسِ رَجُلَانِ وَلَكَانُوا أَذَلَّ وَأَخَسَّ وَأَقَلَّ، وَلَكِنَّ قَوْلَ الْبَاطِلِ لَهُ حَلَاوَةٌ فِي أَسْمَاعِ الْغَافِلِينَ، فَسِيرُوا إِلَى اللَّهِ سَيْرًا جميلا، واذكروا ذِكْرًا كَثِيرًا ثُمَّ تَقَدَّمَ فَلَقِيَهُ عَمْرُو بْنُ العاص وعبيد الله بن عمر فلامهما وأنبهما ووعظهما، وذكروه مِنْ كَلَامِهِ لَهُمَا مَا فِيهِ غِلْظَةٌ فاللَّه أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ:
رَأَيْتُ عَمَّارًا يَوْمَ صِفِّينَ شَيْخًا كَبِيرًا آدَمَ طُوَالًا آخِذٌ الْحَرْبَةَ بِيَدِهِ وَيَدُهُ تَرْعَدُ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ قَاتَلْتُ بِهَذِهِ الرَّايَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هَجَرَ لَعَرَفْتُ أَنَّ مُصْلِحِينَا عَلَى الْحَقِّ، وَأَنَّهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ وَحَجَّاجٌ حَدَّثَنِي شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ حَجَّاجٌ سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: قُلْتُ لعمار بن ياسر أرأيت قتالكم مع على رأيا
[1- 2] سقط من النسخة المصرية.
رأيتموه، فان الرأى يخطئ ويصيب، أو عهد عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَلَهُ تَمَامٌ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ حُذَيْفَةَ [فِي الْمُنَافِقِينَ.
وَهَذَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، مِنْهُمُ الحارث بن سويد، وقيس ابن عبادة، وَأَبُو جُحَيْفَةَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَائِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ شَرِيكٍ، وَأَبُو حَسَّانَ الْأَجْرَدُ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ؟ فَقَالَ:
لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِلَّا فَهْمًا يُؤْتِيهِ اللَّهُ عَبْدًا فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قُلْتُ:
وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ فَإِذَا فِيهَا الْعَقْلُ وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَأَنَّ الْمَدِينَةَ حرم ما بين ثبير إِلَى ثَوْرٍ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ سفيان بن مسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ صِفِّينَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَقْدِرُ لَرَدَدْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمره، وو الله مَا حَمَلْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا مُنْذُ أَسْلَمْنَا لأمر يقطعنا إلا أسهل بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ، غَيْرِ أَمْرِنَا هَذَا، فَإِنَّا لَا نَسُدُّ مِنْهُ خَصْمًا إِلَّا انْفَتَحَ لَنَا غَيْرُهُ لَا نَدْرِي كَيْفَ نُبَالِي لَهُ] [1] وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ. قال قام عمار يوم صفين فقال: ايتوني بِشَرْبَةِ لَبَنٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «آخَرُ شَرْبَةٍ تَشْرَبُهَا مِنَ الدنيا تشربها يوم تقتل» وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ أَنَّ عَمَّارًا أُتِيَ بِشَرْبَةِ لَبَنٍ فَضَحِكَ وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله قَالَ لِي: «آخَرُ شَرَابٍ أَشْرَبُهُ لَبَنٌ حِينَ أَمُوتُ» وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دِيزِيلَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ نَصْرٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ شَمِرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ:
سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ: قَالَ ثُمَّ حَمَلَ عَمَّارُ بْنُ ياسر عليهم فحمل عليه ابن جوى السكسكي وَأَبُو الْغَادِيَةِ الْفَزَارِيُّ، فَأَمَّا أَبُو الْغَادِيَةِ فَطَعَنَهُ، وأما ابن جوى فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ. وَقَدْ كَانَ ذُو الْكَلَاعِ سَمِعَ قول عمرو بن العاص يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، وَآخَرُ شَرْبَةٍ تَشْرَبُهَا صَاعُ لَبَنٍ» فَكَانَ ذُو الْكَلَاعِ يَقُولُ لِعَمْرٍو: وَيْحَكَ! مَا هَذَا يَا عَمْرُو؟! فَيَقُولُ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّهُ سَيَرْجِعُ إِلَيْنَا. قال: فلما أصيب عمار بعد ذو الْكَلَاعِ قَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: مَا أَدْرِي بِقَتْلِ أَيِّهِمَا أَنَا أَشَدُّ فَرَحًا، بِقَتْلِ عَمَّارٍ أَوْ ذِي الْكَلَاعِ وَاللَّهِ لَوْ بَقِيَ ذُو الْكَلَاعِ بعد قتل عمار لمال بعامة أهل الشام وَلَأَفْسَدَ عَلَيْنَا جُنْدَنَا. قَالَ: وَكَانَ لَا يَزَالُ يَجِيءُ رَجُلٌ فَيَقُولُ لِمُعَاوِيَةَ وَعَمْرٍو: أَنَا قَتَلْتُ
[1] سقط من المصرية.
عَمَّارًا فَيَقُولُ لَهُ عَمْرٌو فَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ فيخلطون حتى جاء جوى فَقَالَ أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ:
الْيَوْمَ أَلْقَى الْأَحِبَّةْ
…
مُحَمَّدًا وَحِزْبَهْ
فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: صَدَقْتَ أَنْتَ إنك لصاحبه، ثُمَّ قَالَ لَهُ: رُوَيْدًا، أَمَا وَاللَّهِ مَا ظفرت يداك وَلَقَدْ أَسَخَطْتَ رَبَّكَ [وَقَدْ رَوَى ابْنُ دِيزِيلَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكِنْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَمَّارٍ:«تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ أَرْسَلُوهُ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْهُذَيْلِ وَمُجَاهِدٌ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ وَحَبَّةُ الْعُرَنِيُّ، وَسَاقَهَ مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شَمِرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا:«مَا خُيِّرَ عَمَّارٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَرْشَدَهُمَا» ] [1] وَبِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شَمِرٍ عن السري عن يعقوب بن راقط قَالَ: اخْتَصَمَ رَجُلَانِ فِي سَلَبِ عَمَّارٍ وَفِي قَتْلِهِ فَأَتَيَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِيَتَحَاكَمَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا: وَيْحَكُمَا! اخْرُجَا عَنِّي، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ- ولعبت قُرَيْشٌ بِعَمَّارٍ-:«مَا لَهُمْ وَلِعَمَّارٍ؟ عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ، قَاتِلُهُ وَسَالِبُهُ فِي النَّارِ» قَالَ: فَبَلَغَنِي أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ إِنَّمَا قَتَلَهُ مَنْ أَخْرَجَهُ يَخْدَعُ بِذَلِكَ أَهْلَ الشَّامِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى ثنا عدي بْنُ عُمَرَ ثَنَا هُشَيْمٌ ثَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حوشب بن الْأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ- وكان ناس عِنْدِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ- قَالَ: بَيْنَا هُوَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي قَتْلِ عَمَّارٍ، فَقَالَ لَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لِيَطِبْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا نَفْسًا لِصَاحِبِهِ بِقَتْلِ عَمَّارٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو: «أَلَا تَنْهَى عَنَّا مَجْنُونَكَ هَذَا؟! ثُمَّ أَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ: فَلِمَ تُقَاتِلُ مَعَنَا؟ فَقَالَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنِي بِطَاعَةِ وَالِدِي مَا كَانَ حَيًّا وَأَنَا مَعَكُمْ ولست أقاتل. وحدثنا يحيى بن نصر ثنا حفص بن عمران البرجمي حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابن عَمْرٍو قَالَ لِأَبِيهِ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنِي بِطَاعَتِكَ مَا سِرْتُ مَعَكَ هَذَا الْمَسِيرَ، أَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول لعمار بْنِ يَاسِرٍ «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» وَحَدَّثَنَا يَحْيَى ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ؟
ثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: جَاءَ قَاتِلُ عمار يستأذن على معاوية وعنده عمرو فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: أو ما تسمع ما يقول عمرو. قال: صدق؟ إنما قتله الذين جاءوا به! وَهَذَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ وقيس بن عبادة وَأَبُو جُحَيْفَةَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَائِيُّ وَيَزِيدُ بْنُ شَرِيكٍ وَأَبُو حَسَّانَ الْأَجْرَدُ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَالَ:
قُلْتُ لِعَلِيٍّ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ، فقال: لا! والّذي فلق
[1] سقطا من النسخة المصرية.
الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِلَّا فَهْمًا يُؤْتِيهِ اللَّهُ عَبْدًا فِي الْقُرْآنِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قُلْتُ: وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟
فَإِذَا فِيهَا الْعَقْلُ وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بكافر، وأن المدينة حرام ما بين ثبير إِلَى ثَوْرٍ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حديث الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ صفين: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ فَلَقَدْ رأيتني يوم أبى جندل ولو أقدر أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمره لرددته، والله مَا حَمَلْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا مُنْذُ أَسْلَمْنَا لأمر يقطعنا إلا أسهل بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ غَيْرِ أَمْرِنَا هَذَا. وقال ابن جرير: وحدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ قال أبو عبد الرحمن السلمي: قال كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ وَكُنَّا قَدْ وَكَّلْنَا بفرسه نفسين يحفظانه يمنعانه أَنْ يَحْمِلَ، فَكَانَ إِذَا حَانَتْ مِنْهُمَا غَفْلَةٌ حَمَلَ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَخْضِبَ سَيْفَهُ، وَإِنَّهُ حَمَلَ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى انْثَنَى سَيْفُهُ، فَأَلْقَاهُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّهُ انْثَنَى مَا رَجَعْتُ، قَالَ: وَرَأَيْتُ عَمَّارًا لَا يَأْخُذُ وَادِيًا مِنْ أَوْدِيَةِ صِفِّينَ إِلَّا اتَّبَعَهُ مَنْ كَانَ هُنَاكَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ورأيته جاء إلى هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ وَهُوَ صَاحِبُ رَايَةِ عَلِيٍّ فَقَالَ: يَا هَاشِمُ تَقَدَّمَ! الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السيوف، والموت في أطراف الأسنة، وقد فتحت أبواب الجنة وَتَزَيَّنَتِ الْحَوَرُ الْعَيْنُ.
الْيَوْمَ أَلْقَى الْأَحِبَّةْ
…
مَحُمَّدًا وَحِزْبَهْ
ثُمَّ حَمَلَا هُوَ وَهَاشِمٌ فَقُتِلَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: وَحَمَلَ حِينَئِذٍ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ كَأَنَّهُمَا: كان- يعنى عمارا وهاشما- عاما لَهُمْ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ قُلْتُ لَأَدْخُلَنَّ الليلة إلى العسكر الشَّامِيِّينَ حَتَّى أَعْلَمَ هَلْ بَلَغَ مِنْهُمْ قَتْلُ عَمَّارٍ مَا بَلَغَ مِنَّا؟ - وَكُنَّا إِذَا تَوَادَعْنَا مِنَ الْقِتَالِ تَحَدَّثُوا إِلَيْنَا وَتَحَدَّثْنَا إِلَيْهِمْ- فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَقَدْ هَدَأَتِ الرِّجْلُ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَسْكَرَهُمْ فَإِذَا أَنَا بِأَرْبَعَةٍ يَتَسَامَرُونَ، مُعَاوِيَةُ، وَأَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بن عمرو وهو خير الأربعة. قال: فَأَدْخَلْتُ فَرَسِي بَيْنَهُمْ مَخَافَةَ أَنْ يَفُوتَنِي مَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَبِيهِ:
يا أبة قَتَلْتُمْ هَذَا الرَّجُلَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا وَقَدْ قال فيه رسول الله مَا قَالَ، قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: أَلَمْ يكن مَعَنَا وَنَحْنُ نَبْنِي الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ يَنْقُلُونَ حَجَرًا حَجَرًا، وَلَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ يَنْقُلُ حَجَرَيْنِ حَجَرَيْنِ وَلَبِنَتَيْنِ لِبِنْتَيْنِ؟ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ:«وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ النَّاسُ يَنْقُلُونَ حَجَرًا حَجَرًا وَلَبِنَةً لَبِنَةً وَأَنْتَ تَنْقُلُ حَجَرَيْنِ حَجَرَيْنِ وَلَبِنَتَيْنِ لِبِنْتَيْنِ رَغْبَةً مِنْكَ فِي الْأَجْرِ وكنت مع ذلك ويحك تقتلك الفئة الباغية» قال فرجع عمر وصدر فَرَسِهِ ثُمَّ جَذَبَ مُعَاوِيَةَ إِلَيْهِ فَقَالَ:
يَا مُعَاوِيَةُ أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ؟ قال: وما يقول؟ قال: يقول وأخبره الْخَبَرَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ إِنَّكَ شَيْخٌ أَخْرَقُ وَلَا تَزَالُ تُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ وَأَنْتَ تَدْحَضُ فِي بَوْلِكَ، أو نحن قَتَلْنَا عَمَّارًا؟ إِنَّمَا قَتَلَ عَمَّارًا مَنْ جَاءَ بِهِ؟ قَالَ: فَخَرَجَ النَّاسُ مِنْ عِنْدِ فَسَاطِيطِهِمْ وَأَخْبِيَتِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّمَا قَتَلَ عَمَّارًا مَنْ جاء
بِهِ، فَلَا أَدْرَى مَنْ كَانَ أَعْجَبُ هُوَ أوهم. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا الْأَعْمَشُ عن عبد الرحمن بن أبى زياد قَالَ: إِنِّي لَأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ صِفِّينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ عبد الله بن عمرو: يا أبة أَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِعَمَّارٍ: «وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ قَالَ فَقَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ عبد الله هَذَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَا يَزَالُ يَأْتِينَا بِهِنَةٍ بعد هنة، أَنْحَنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتَلَهُ الَّذِينَ جَاءُوا بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنِ سفيان الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ نَحْوَهُ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ بِهَذَا السِّيَاقِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهَذَا التأويل الّذي سلكه معاوية رضى الله عنه بَعِيدٌ، ثُمَّ لَمْ يَنْفَرِدْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بِهَذَا الْحَدِيثِ بَلْ قَدْ رُوِيَ مِنْ وجوه أخر، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَمَّارٍ: «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» . وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي قِصَّةِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَمَّارٍ: «يَا وَيْحَ عَمَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ» قَالَ يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ باللَّه مِنَ الفتن وفي بعض نسخ البخاري يَا وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الجنة ويدعونه إلى النار، وقال أحمد: حدثنا سليمان بن داود ثنا شعبة ثنا عمرو بن دينار عن أبى هشام عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِعَمَّارٍ: «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ من حديث شعبة عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي- يَعْنِي أَبَا قَتَادَةَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَمَّارٍ: «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» وَرَوَى مسلم أيضا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ الحسن وسعيد ابني أبى الحسن عن أمهما حرة عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَمَّارٍ: تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، ورواه عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهِ وَفِي رِوَايَةٍ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ أَبِي الْجَوَّابِ عن عمار بن زريق عن عمار الذهبي عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: «إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ كَانَ ابْنُ سُمَيَّةَ مَعَ الْحَقِّ» وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دِيزِيلَ- فِي سِيرَةِ عَلِيٍّ- ثَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكَرَابِيسِيُّ ثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ عَنْ عَمَّارٍ الذهبي عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَّنَنَا أَنْ يظلمنا ولو يُؤَمِّنَّا أَنْ يَفْتِنَنَا، أَرَأَيْتَ إِذَا نَزَلَتْ فِتْنَةٌ كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ:
عَلَيْكَ بِكِتَابِ اللَّهِ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ قَوْمٌ كُلُّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ كَانَ ابْنُ سُمَيَّةَ مَعَ الْحَقِّ» . وَرَوَى ابْنُ دِيزِيلَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ نَفْسِهِ حَدِيثًا فِي ذِكْرِ عَمَّارٍ وَأَنَّهُ مَعَ فِرْقَةِ الْحَقِّ، وَإِسْنَادُهُ غَرِيبٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الله الصفار ثنا الأسقاطي ثنا أبو مصعب ثنا يوسف بن الْمَاجِشُونُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ مَوْلَاةٍ لِعَمَّارٍ قَالَتْ: «اشْتَكَى عَمَّارٌ شَكْوَى أَرِقَ مِنْهَا فَغُشِيَ عَلَيْهِ، فَأَفَاقَ وَنَحْنُ نَبْكِي حَوْلَهُ، فَقَالَ: مَا تَبْكُونَ؟ أَتَخْشَوْنَ أَنْ أَمُوتَ عَلَى فِرَاشِي؟ أَخْبَرَنِي حَبِيبِي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَقْتُلُنِي الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، وَأَنَّ آخِرَ زَادِي مِنَ الدُّنْيَا مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ» وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَجَعَلْنَا نَنْقُلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَتَتَرَّبَ رَأْسُهُ قَالَ: فَحَدَّثَنِي أصحابى ولم أسمعه من رسول الله أَنَّهُ جَعَلَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» تَفَرَّدَ بِهِ أحمد وما زاده الروافض في هذا الحديث بعد قوله الباغية «لا أنا لها والله شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهُوَ كَذِبٌ وَبَهْتٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ عَنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وسلامه بتسمية الفريقين مسلمين، كما سنورده قريبا إن شاء الله. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ عَمَّارًا لَمَّا قُتِلَ قَالَ عَلِيٌّ لِرَبِيعَةَ وَهَمْدَانَ: أَنْتُمْ دِرْعِي وَرُمْحِي، فَانْتُدِبَ لَهُ نَحْوٌ مِنَ اثْنَيْ عشر ألفا، وتقدمهم على ببلغته فَحَمَلَ وَحَمَلُوا مَعَهُ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَبْقَ لِأَهْلِ الشَّامِ صَفٌّ إِلَّا انْتَقَضَ وَقَتَلُوا كُلَّ مَنِ انْتَهَوْا إِلَيْهِ حَتَّى بَلَغُوا مُعَاوِيَةَ وَعَلِيٌّ يُقَاتِلُ وَيَقُولُ:
أَضْرِبُهُمْ وَلَا أَرَى مُعَاوِيَةْ
…
الجاحظ العين عظيم الحاوية
قال: ثم دعي عَلِىٌّ مُعَاوِيَةَ إِلَى أَنْ يُبَارِزَهُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بالخروج إليه عمرو بن العاص فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُبَارِزْهُ رَجُلٌ قَطُّ إِلَّا قَتَلَهُ، وَلَكِنَّكَ طَمِعْتَ فيها بعدي، ثم قدم على ابنه محمد فِي عِصَابَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَقَاتَلُوهُ قِتَالًا شديدا ثم تبعه عَلِيٌّ فِي عِصَابَةٍ أُخْرَى، فَحَمَلَ بِهِمْ فَقَتَلَ في هذا الموطن خلق كثير من الفريقين لا يعلمهم إلا الله وَقُتِلَ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ خَلْقٌ كَثِيرٌ أَيْضًا، وَطَارَتْ أَكُفٌّ وَمَعَاصِمُ وَرُءُوسٌ عَنْ كَوَاهِلِهَا، رحمهم الله. ثُمَّ حَانَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَمَا صَلَّى بِالنَّاسِ إِلَّا إِيمَاءً صَلَاتَيِ الْعِشَاءِ وَاسْتَمَرَّ الْقِتَالُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ كُلِّهَا وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ اللَّيَالِي شَرًّا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتُسَمَّى هَذِهِ اللَّيْلَةُ لَيْلَةَ الهرير، وكانت ليلة الجمعة تقصفت الرماح ونفذت النِّبَالُ، وَصَارَ النَّاسُ إِلَى السُّيُوفِ، وَعَلِيٌّ رضي الله عنه يُحَرِّضُ الْقَبَائِلَ، وَيَتَقَدَّمُ إِلَيْهِمْ يَأْمُرُ بِالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ وَهُوَ أَمَامَ النَّاسِ فِي قَلْبِ الجيش، وعلى الميمنة الأشتر، تَوَلَّاهَا بَعْدَ قَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ عَشِيَّةَ الْخَمِيسِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ- وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ ابْنُ عباس، والناس يقتتلون من كل جانب فذكر غير واحد من علمائنا عُلَمَاءِ السِّيَرِ- أَنَّهُمُ اقْتَتَلُوا بِالرِّمَاحِ حَتَّى تَقَصَّفَتْ، وَبِالنِّبَالِ حَتَّى فَنِيَتْ، وَبِالسُّيُوفِ حَتَّى تَحَطَّمَتْ ثُمَّ صَارُوا إِلَى أَنْ تَقَاتَلُوا بِالْأَيْدِي وَالرَّمْيِ بِالْحِجَارَةِ والتراب في الوجوه، وتعاضوا بالأسنان يَقْتَتِلُ الرَّجُلَانِ حَتَّى يُثْخِنَا ثُمَّ يَجْلِسَانِ يَسْتَرِيحَانِ، وكل واحد منهما يهمر على الآخر ويهمر عليه ثم يقومان فيقتتلان كما كانا، ف إِنَّا لِلَّهِ