الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وهادي عباده المتقين إلى صراطه المبين، ومنزل الكتاب على خيرته من خلقه أجمعين، وفاتح أبواب الخير والسعادة بالوصول إليه للقاصدين، وحافظ الشريعة من تزييف المنحرفين عنها والملحدين، الممتن على أهلها بتأييده للعلماء العاملين، الذين حفظوها وحافظوا عليها فدوّنوها أكمل تدوين، الذائدين عنها بأقلامهم وألسنتهم كل تزوير فيها بكذب ومين، فجزاهم الله أحسن جزائه للمجاهدين كما وعدهم بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ، ورزقنا التوفيق والهداية إلى سلوك سبيلهم والتمسك بهدي أئمتنا الهداة المهديين، وجمعنا وإياهم في دار كرامته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وإن كنا لسنا لذلك أهلًا فهو أهل للكرم والتفضل على عباده المجدين والمقصرين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وقائد الغر المحجلين المنزل عليه {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} فبيّنه أتم التبيين؛ حتى تركهم على المحَجَّةِ البيضاء التي من زاغ عنها وتركها هلك مع الهالكين، وعلى آله وصحابته السالكين لسبيله في إقامة الحق ونشر الدين، والدعوة إليه بجهادهم جميع المكذبين والطاعنين فيه من المخالفين، ورضي عمن تبعهم على نهجهم وتمسك بدينهم في مشارق الأرض ومغاربها من الدانين والقاصين.
أما بعد: - فيقول العبد الفقير إلى رحمته تعالى المدعو باسمه -محمَّد المختار وهو ابن محمَّد بن سيد الأمين بن حبيب الله بن أحمد مزيد بن بون واسمه سعيد الجكني نسبًا الرشيدي مولدًا ومنشأ، ثم المدني إقامة وهجرة الشنقيطي شهرة- ولد في ضاحية قرية الرشيد، بموضع يسمى "الشُّقيق" كان مزرعة لأهله، وقرية الرشيد في منطقة -تكَانت- بكاف معقودة عند أهل البلاد وهي من بلاد موريتانيا ولد بها عام 1337 هـ وإنما اشتهرت النسبة لأهل هذه البلاد بشنقيط -وهي قرية من قراها- لأنها صارت علمًا عليهم بالتغليب -قيل لأن الجنود من أسلافهم الذين فتحوا تلك البلاد لما اجتمعوا حين غزوها من المغرب كان اجتماعهم فيها أولًا فنسبوا إليها، وقيل إنهم لما استقروا بتلك البلاد كان يصعب عليهم السفر إلى الحج إلا من طريق المغرب، فيتواعدون هذا المكان ليجتمعوا فيه فنسبهم أهل المغرب إلى هذه القرية، فاشتهروا بذلك- وأكثر المنتسبين إليها -ومن بينهم الكاتب- لا يعرفونها إلا بالاسم، وقد اشتهروا الآن باسمهم وهم -الموريتانيون- فالعبد الفقير خرج من مسقط رأسه على رأس سنة 1357 هـ، وهو على تمام التاسعة عشرة من عمره مهاجرًا من البلاد أيام حكم الفرنسيين لها، وجاور بالمدينة المنورة.
أقول -وبالله أستعين-: لما رأيت كتب الحديث المسماة عند علماء السنة بالستَّة، وبالأصول الستة، أو الأمهات الستة، أو الخمسة وهي شهيرة باسمها غنيّة عن التعريف بها، ورأيت الأربعة من الخمسة قد شرحت شروحًا مستوفاة من مطول ومختصر، ورأيت الخامس منها وهو -النسائي- لم يظهر له على وجه البسيطة حتى الآن شرح يكون وافيًا به إلا تعاليق مختصرة جدًا لا تفيد إلا في حل بعض الألفاظ. وكنت لا أرى للاشتغال بالتأليف في هذا الوقت كبير فائدة إلا الشهرة، أو أخذ شهادات الغالب عليها أن تكون غرورًا لصاحبها وخديعة له ولغيره، فلما لم أر أحدًا تصدى لخدمة هذا الكتاب العظيم حتى يكون مِثْل غيره من أصول السنة، استخرت الله تعالى في القيام بخدمته، وخدمة أهل العلم والمساهمة معهم في حفظ السنة والسعي في الخير، فانشرح صدري لذلك مع ما أنا فيه من الاشتغال واعتراض بعض الأمراض مع التقدم في السن الذي يعوق الإنسان في الغالب عن كثير من مقاصده، لكن الثقة بعون الله تعالى
إذا حَسُنَت النية حملتني على الاقتحام، وجرأتني على رفض التواني والإِحجام، فشمرت عن ساق الجد، واستعنت باللهِ فإنه خير معين وممد.
وقلَّ من جدَّ في أمر يحاوله
…
فاستعمل الصبر إلا فاز بالظفر
وإن لم أكن أرى نفسي أهلًا لما هنالك، ولا من فرسان ميادين تلك المسالك، فلا يمنعني ذلك من أن أجود بقلِّي وموجودي، وبعد ذلك لا أُلَام فإن خير الصدقة جهد المقل كما قال عليه السلام، ورحم الله القائل:
أسير وراء الركب ذا عرج
…
مؤملًا جبر ما لاقيت من عرج
فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا
…
فكم لرب الورى في الناس من فرج
وإن ضللت بِقَفْرِ الأرض منقطعًا
…
فما على أعرج في ذاك من حرج
واْعوذ بالله من طعن الحاسدين، وأهل الأهواء المغرضين، الذين استمرأوا الوقيعة في أعراض المسلمين، وخاصة أهل العلم والدين، وكأنهم لمحاسن أهل الفضل أعداء وعنها من المتصاممين، ولم يسمعوا ما قال بعض من عُني بنصيحتهم ونصيحة أمثالهم ممن هم للعورات متتبعون:
فالناس لم يصنفوا في العلم
…
لكي يصيروا هدفًا للذم
ما صنفوا إلا رجاء الأجر
…
والدعوات وجميل الذكر
فهذا زمان غلب فيه الجهل وعم، وطغى على أهله بحر الفتن والفساد وطم، وكثر فيه النكير على أهل الخير ممن تورط في ظلمات الزيغ وارتطم، فالفضيلة بين أهله مغموطة مستورة، والعثرة ولو بسوء الظن علانية مشهورة، وقد سبق فيهم قول القائل:
إن يعلموا الخير أخفوه وإن علموا
…
شرًا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا
وقول الآخر:
إن يسمعوا سُبَّةً طاروا بها فرحا
…
عني وما سمعوا من صالح دفنوا
صُمّ إذا سمعوا خيرًا ذكرت به
…
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
ومع هذا فالدعاوى الباطلة فيهم فاشية، وأقوال أهل الحق والمعرفة عندهم لاغية، فلذلك تقدمت فيهم الأنذال، وتأخر أهل الفضل والكمال، فهم كما قال من يصف مثل ما نحن فيه في الحال:
أرى زمنًا نَوْكَاه أسعدَ أهله
…
ولكنّما يشقى به كل عاقل
مشى فوقه رجلاه والرأس تحته
…
فكبَّ الأعالي بارتفاع الأسافل
وقد اتضح فيه مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "شحًا مطاعًا، وهوى متبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه". ومع ذلك فأهل الحق لا تؤثر عليهم عوارض الأحوال، ولا يصدهم عن اتباعه كثرة الزعازع والأهوال، وواجب النصح عليهم فرض باق لا يزال، والنشء محتاجون إلى الخير على أيدي الكبار، وإلا فمن أين يعرفون السبيل المستقيم والطريق القويم، ولقد أحسن القاضي عبد الوهاب بن نصر المالكي إذ يقول:
متى تصل العطاش إلى ارتواءٍ
…
إذا استقت البحار من الركايا
ومن يثني الأصاغر عن مراد
…
إذا جلس الأكابر في الزوايا
وإن تَرَفُّعَ الوضعاء يومًا
…
على الرفعاء من إحدى الرَّزايا
إذا استوت الأسافل والأعالي
…
فقد طابت منادمة المنايا
والتوجع من هذه الأحوال في الناس قديم، والأمر فيه على مر الأيام مستديم.
والمقصود أن الفقير إليه تعالى قد شرع في شرح الكتاب المذكور على طريقة هذا بيانها:
أولًا: البدء بالآية التي ابتدأ بها المصنف وهي آية الوضوء وشرحها شرحًا وافيًا، ثم شرح الأحاديث على ترتيب المؤلف بصورة كالآتي:
وهي أنني أبدأ بالرجال فأترجم لكل واحد منهم، وأذكر بعض رواته ومشايخه، وأعتمد في ذلك على كتاب "تهذيب التهذيب"؛ لكن لا أتقيد بلفظه، ولا أستوفي كلامه، ولا أخرج عنه؛ إلا في النادر، واكتفيت بالتنبيه على هذا في المقدمة من العزوِ لَهُ في كل ترجمة، ثم بعد ذكر تراجم الرجال أذكر من أخرج الحديث غير المصنف، وأكتفي في العزو بأصل الحديث، ولا أعتني ببيان الاختلاف في الألفاظ في الغالب، إلا عند الحاجة، وتوقف الفائدة على ذلك كالزيادة المفيدة، أو النقصان في المتن، وكذا الاختلاف في إسناد الحديث بأن يكون من طريق واحد، أو طرق متعددة، إنما أعتني بذلك عند الحاجة إليه، ثم أتكلم على لغته، وإعرابه، ومعناه بعنوان لكل ذلك، ثم على
فقهه، وما يستفاد منه ومناقشة الأدلة عند الخلاف بصورة مختصرة غير مخلة، وقد رقمت أحاديث الكتاب بالتسلسل، وجعلت الإحالة على ما تقدم سواءٌ أكان من التراجم أو غيرها بأرقام الحديث دون أرقام الصحائف، وكأني ببعض المتنطعين أو المنتحلين للعلم يعترض بالتطويل، فَلْيعلم أني قصدت خدمة الكتاب من جميع نواحيه، ولم أقتصر في التراجم على التقريب، ونحوه لأنني أعلم أن كثيرًا من الناس لا يتسنى له الاطلاع على التراجم لعدم المصادر، فأردت أن يكون الكتاب يكفي بنفسه عن الرجوع إلى غيره، ومع ذلك لا أبيعه بشرط البراءة من كل عيب، فإن الإنسان عرضة للسهو والنقصان، وكماله في أن يزيد صوابه على خطئه، ولم يجعل الله العصمة لغير أنبيائه، وليس المخطئ من أخطأ الصواب فحسب بل إن أكبر الخطأ في أن يعتقد الإنسان أن أحدًا من الناس لا يخطئ، وقد اجتهدت وما على وراء الاجتهاد من سبيل، والله حسبي ونعم الوكيل، فإن صادف سعيي من ينظر إليه بعين الرضا فسيجد فيه ما يستفيد منه ولعله يرضى، وإن كانت الأخرى وهي أن ينظر إليه بعين السخط فينزل منه منزلة المُسْخِطِ وما عليه أَئِلُّ ولا على مثله أشجى وأُوَلْوِل.
ولكن بقول من سبقني لحاله أتمثل:
تركت هوى سعدى ولبنى بمعزل
…
وعدت إلى مصحوب أول منزل
ونادتني الأشواق مهلًا فهذه
…
منازل من تهوى رويدك فأنزل
غزلت لهم غزلًا رقيقًا فلم أجد .... لغزليَ نساجًا فكسّرت مغزلي
فرحم الله امرأً أنصف أخاه، ودعا له بخير على ما بذله وأسداه، فإن الجزاء من جنس العمل، والله الذي يحقق لطالب الخير منه الأمل، وفيه الرَّجاء وعليه المعول، وقد سميته كما افتتحته وبدأته:(شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية)، وإني لأرجو أن ينفعني به من هو مطلع على سري وعلانيتي ومدى تعبيِ فيه، وأن يرزقني الإخلاص في العمل كله والرغبة في فضله وكرمه دون غيرَه، وأن يجعله لي ذخرًا أنتفع به عند القدوم عليه، وذكرًا لي بعد الموت يدعو لي من نظر فيه، وأن يعينني على تتمة باقيه إنه خير معين، وبيده أزمة الأمور وإليه المصير يوم الدين، وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.
ترجمه المؤلف رحمه الله
الإِمام الحافظ شيخ الإِسلام قاضي مصر أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر النسائي، نسبة إلى مدينة بخراسان يقال لها نسا، فهو خراساني المولد، والمنشأ، ولد سنة 215 هـ، وقيل 214 هـ. سمع من قتيبة بن سعيد وأكثر عنه، وكان رحل إليه، وهو ابن ثلاثين سنة كما جزم به الذهبي، وفيما نقل هو أن ذلك على التقريب، وقال: أقمت عنده سنة وشهرين، وسمع إسحاق بن راهويه، وهشام بن عمار، وأبا كريب، وسويد بن نصر، والحارث بن مسكين، وعيسى بن حماد زُغْبة، وخلائق في أقطار البلاد، غيرهم بخراسان والعراق، والحجاز، والشام، ومصر، ورحل في هذه الآفاق، واستقر بمصر، وروى عنه خلائق كثيرون منهم: ابنه عبد الكريم، وأبو بكر أحمد بن محمَّد بن إسحاق ابن السني، وأبو علي الحسن بن رشيق العسكري، وأبو القاسم حمزة بن محمَّد بن علي الكناني الحافظ، وأبو الحسن محمَّد بن عبد الله بن زكريا بن حيوية ومحمد بن معاوية بن الأحمر، ومحمد بن القاسم الأندلسي، وعلي بن أبي جعفر الطحاوي، وأبو بكر أحمد بن أحمد المهندس، هؤلاء رواة كتاب السنن كما قال صاحب التهذيب، وابن الأحمر هو الذي أدخل كتاب السنن الأندلس، وروى عنه أيضًا أبو بشر الدولابي وهو من أقرانه وأبو عوانة في صحيحه وأبو بكر الحداد الفقيه وأبو علي بن هارون وأبو جعفر العقيلي وأبو علي النيسابوري الحافظ، وخلق غيرهم، وقد اتفق الأئمة على حفظه وإتقانه، وجلالة قدره، وتبريزه في علم الحديث، ومعرفته بالرجال، وثناء الأئمة عليه كثير، قال الحاكم: سمعت علي بن عمر الحافظ غير مرة يقول: أبو عبد الرحمن مقدَّم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره، وقال مرة: النسائي أفقه مشايخ عصره، وأعرفهم بالصحيح، والسقيم، وأعلمهم بالرجال فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه، فخرج إلى الرملة فَسئِل عن فضائل معاوية فأمسك
عنه فضربوه في الجامع، فقال: أخرجوني إلى مكة، فأخرجوه وهو عليل وتوفي مقتولًا شهيدًا.
وقال الدارقطني: كان أبو بكر الحداد الفقيه كثير الحديث ولم يحدث عن أحَد غير أبي عبد الرحمن النسائي فقط، وقال: رضيت به حجة بيني، وبين الله تعالى.
قال الدارقطني: سمعت أبا طالب الحافظ يقول: من يصبر على ما يصبر عليه أبو عبد الرحمن، كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة فما حدث بشيء منه، وكان لا يرى أن يحدث بحديث ابن لهيعة.
قال ابن كثير رحمه الله: كان يصوم يومًا، ويفطر يومًا، ونقل عن الحافظ أبي علي أنه قال: للنسائي شرط في الرجال أشد من شرط مسلم بن الحجاج.
وقال أيضًا: رحل إلى الآفاق واشتغل بسماع الحديث، والاجتماع بالأئمة الحذاق إلى أن قال: وقد جمع السنن الكبير، وانتخب منه ما هو أقل حجمًا بمرات، وقد وقع لي سماعهما، وقد أبان في تصنيفه عن حفظ وإتقان، وصدق وإيمان، وعلم وعرفان. اهـ، قلت: وقوله انتخب منه إلخ يعني السنن الصغرى وهي هذه التي بأيدينا نشرحها الآن أعان الله على ذلك.
قال الذهبي: تفرد بالمعرفة، والإتقان، وعلو الإِسناد، وفي التهذيب: قال ابن عدي: سمعت منصورًا الفقيه، وأحمد بن محمَّد بن سلامة الطحاوي يقولان: أبو عبد الرحمن إمام أئمة المسلمين، وقال أبو علي النيسابوري: كان من أئمة المسلمين، وقال فيه: الإِمام في الحديث بلا مدافعة، وقال أيضًا: رأيت من أئمة المسلمين أربعة في وطني، وأسفاري اثنان بنيسابور: محمَّد بن إسحاق وإبراهيم بن أبي طالب، والنسائي بمصر، وعبدان بالأهواز، وقال مأمون المصري: خرجنا إلى طرسوس فاجتمع من الحفاظ: عبد الله بن أحمد، ومربِّع، وأبو الأذان، وكيلجة، وغيرهم فكتبوا كلهم بانتخاب النسائي، وقال أبو الحسين بن المظفر: سمعت مشايخنا بمصر يعترفون لأبي عبد الرحمن النسائي بالتقدم، والإمامة، ويصفون من اجتهاده في العبادة بالليل والنهار، ومواظبته على الحج والجهاد، إقامته السنن المأثورة، واحترازه من مجالس السلطان، وأن ذلك لم يزل دأبه حتى استشهد.
كان رحمه الله قد صنف كتاب خصائص علي، فاتهمه بعض الناس بالتشيع.
قال أبو بكر المأموني: سألته عن تصنيفه كتاب الخصائص، فقال: دَخَلْتُ دمشق والمنحرف بها عن علي كثير، فصنفت كتاب الخصائص؛ رجاء أن يهديهم الله. ثم صنف بعد ذلك كتاب فضائل الصحابة، وقرأها على الناس، وقيل له -وأنا حاضر: ألا تخرج فضائل معاوية فقال: أي شيء أخرج؟ اللهم لا تشبع بطنه، وسكت السائل، وقد ذكر الذهبي أن هذه منقبة لمعاوية للحديث الثابت عنه صلى الله عليه وسلم وفيه: اللهم من لعنته، أو شتمته، فاجعل ذلك له زكاة ورحمة. قال السيوطي فيه: الحافظ شيخ الإِسلام وأحد الأئمة المبرزين، والحفاظ المتقنين، والأعلام المشهورين، جال البلاد، واستوطن مصر، فأقام بزقاق القناديل، وذكر ابن كثير أنه ولي الحكم بحمص، ونقل ذلك عن شيخه المزي، وذكروا أنه كان له أربع نساء حرائر، وسريتان وأنه كان في غاية الحسن، وكان كل يوم يأكل ديكًا، ويشرب مرقه، ويشرب نقيع الزبيب الحلال، وأنه دخل دمشق فسئل عن فضائل معاوية فقال: أما يكفي معاوية أن يذهب رأسًا برأس حتى يروى له فضائل، فجعلوا يطعنون في خصيتيه حتى أخرج من الجامع، فسار من عندهم إلى مكة فمات بها سنة 303، ولم يختلفوا في أن هذا سبب موته، وإنما اختلفوا هل كان ذلك بدمشق، أو بالرملة؟ فمنهم من قال إنه بدمشق، وموته بمكة، ودفن بين الصفا والمروة، ومنهم من قال بالرملة، ودفن في بيت المقْدِس في صفر من السنة المذكورة 303 هـ، وكان خروجه من مصر في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثمائة وعمره على قول الذهبي: 88 سنة -رحمنا الله وَإِياه برحمته الواسعة-.