الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
26 - الْبَوْلِ إِلَى السُّتْرَةِ يَسْتَتِرُ بِهَا
30 -
أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِى يَدِهِ كَهَيْئَةِ الدَّرَقَةِ فَوَضَعَهَا ثُمَّ جَلَسَ خَلْفَهَا فَبَالَ إِلَيْهَا، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: انْظُرُوا يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَسَمِعَهُ فَقَالَ:"أَوَ مَا عَلِمْتَ مَا أَصَابَ صَاحِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْبَوْلِ قَرَضُوهُ بِالْمَقَارِيضِ، فَنَهَاهُمْ صَاحِبُهُمْ فَعُذِّبَ فِي قَبْرِهِ".
• [رجاله: 5]
1 -
هناد بن السري: تقدم 25.
2 -
محمَّد بن خازم أبو معاوية الضرير التميمي السعدي مولاهم الكوفي، يقال: عَمِي وهو ابن ثمان سنين أو أربع، روى عن عاصم الأحول وأبي مالك الأشجعي، وسعد ويحيى ابني سعيد الأنصاري، والأعمش وأبي بردة بريد بن عبد الله بن أبي بردة وعبيد الله العمري وخلق كثير، وعنه ابن جريج -وهو أكبر منه- والقطان -من أقرانه- وأحمد بن حنبل وابن راهويه وابنا أبي شيبة وأبو كريب في خلائق آخرين. قال الدوري وابن معين: إنه أثبت في الأعمش من جرير وروى أبو معاوية عن عبيد الله بن عمر مناكير، وقال ابن معين: إنه أثبت أصحاب الأعمش، وقال أحمد: في غير حديث الأعمش مضطرب لا يحفظ حفظًا جيدًا. قال وكيع: كان يعدُّ علينا في حياة الأعمش ألفًا وسبعمائة حديث، وقال ابن المديني: كتبنا عن أبي معاوية ألفًا وخمسمائة حديث، وكان عند الأعمش بما لم يكن عند أبي معاوية أربعمائة ونيف وخمسين حديثًا. قال العجلي: كوفي ثقة وكان يرى الإرجاء، وكذا قال الآجري عن أبي داود عنه نحو ذلك. ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان حافظًا متقنًا ولكنه كان مرجئًا. مات سنة 113 - هكذا في التهذيب- ولعله 193، وقيل 195. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث يدلس، وكان مرجئًا.
3 -
الأعمش: تقدم 18.
4 -
زيد بن وهب الجهني أبو سليمان الكوفي، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم -
فقبض عليه الصلاة والسلام وهو في الطريق. روى عن عمر وعثمان وعلي وأبي ذر وابن مسعود وحذيفة وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم، وعنه إسحاق السبيعي وإسماعيل بن أبي خالد والحكم بن عتيبة والأعمش وجماعة. قال الأعمش: إذا حدثك زيد بن وهب عن أحد كأنك سمعته من الذي عنه. قال ابن معين: وقال ابن خراش: كوفي ثقة دخل الشام وروايته عن أبي ذر صحيحة. توفي في ولاية الحجاج بعد الجماجم قيل سنة 96، قاله ابن منجويه وابن حبان في الثقات. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال العجلي: ثقة، وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه خلل كثير، وقال ابن عبد البر: أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر إليه فلم يدركه، وكذا قال ابن منده. قلت: وعلى أن وفاته سنة 96 فقد مات بعد الحجاج؛ لأن موت الحجاج في 27 رمضان أو شوال سنة 95 بلا خلاف أعلمه.
5 -
عبد الرحمن بن حسنة أخو شرحبيل بن حسنة، قال في التهذيب: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قصة فيها عذاب القبر من البول، وعنه زيد بن وهب وإبراهيم بن عبد الله بن قارظ في معجم الطبراني، ولكن في الإسناد ابن لهيعة ولا تقوم به حجة، فقد قال مسلم والأزدي والحاكم في المستدرك وابن عبد البر: تفرد بالرواية عنه زيد بن وهب، وأنكر ابن أبي خيثمة والعسكري أن يكون أخا شرحبيل بن حسنة. قال الترمذي لما أشار إلى حديثه: يقال إنه أخو شرحبيل.
• التخريج
أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن حسنة بلفظ (انطلقت أنا وعمرو بن العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخرج ومعه درقة ثم استتر بها ثم بال فقلنا: انظروا .. إلخ)، ورواه ابن ماجه كرواية المصنف، وفيه:(ويحك. . . إلخ)، ورواه الإِمام أحمد في المسند عن ابن حسنة بلفظ:(كنت أنا وعمرو. . . إلخ) والبيهقي وسكت عليه ابن التركماني في الجوهر النقي، وأخرجه ابن حبان في صحيحه كما قال الحافظ المنذري، وسكت عليه المنذري، فالحديث حسن كما يبدو. وأخرجه ابن الجارود بسند صحيح، فإنه رواه عن محمَّد بن يحيى الذهلي عن يعلى بن عبيد عن الأعمش عن زيد بن خالد عن ابن حسنة إلخ.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (وفي يده كهيئة .. ) إلخ -الواو للحال، والكاف في محل رفع نعت لمحذوف وهو المبتدأ في الأصل، والتقدير: في يده شيء مثل الدرقة، والجار والمجرور في محل رفع بذلك المحذوف الذي نزل نعته منزلته، والجملة في محل نصب حال من قوله: خرج إلينا.
وقوله: (الدرقة) بفتح الراء والقاف: هي الترس يصنع من الجلود يتقون به ضرب السلاح في الحرب، وهي أيضًا: المجن والجنة والجحفة، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة -في استعمالها فيما يستتر به-:
فكان مجني دون من كنت أتقي
…
ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
وهو المجنأ أيضًا، كما في الرجز الذي يروى عن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح رضي الله عنه يوم الرجيع:
ومجنأ من جلد ثور أسود
…
ومؤمن بما على محمَّد
وكما قال الشاعر في عمرو بن معد يكرب، والقائل هو الأعشى:
وإذا تجيء كتيبة ملمومة
…
شهباء يخشى الذائدون صيالها
كنت المقدم غير لابس جنة
…
بالسيف تضرب معلمًا أبطالها
وقوله: (جلس خلفها) ظرف، أي: جلس واستتر بها، والفاء عاطفة "وإلى" بمعنى "عند" كما في قول الشاعر:
أم لا سبيل إلى الشباب وذكره
…
أشهى إليّ من الرحيق السلسل
أي: عندي، والمعنى: جلس وبال عندها. وقوله: (فقال) الفاء تحتمل العطف وتحتمل السببية وهي أظهر. (قال بعض القوم) وفي رواية: (فقلنا) فيحتمل أنه عبّر في الأولى عنهم ببعض القوم على سبيل الستر، وصرّح في الثانية أنهم هم القائلون؛ لأن نسبة الفعل الصادر من البعض إلى الكل صحيحة.
وقولهم: (انظروا) على سبيل التعجب من حيائه صلى الله عليه وسلم لا على سبيل الانتقاد، لأن حالة الصحابة تأبى ذلك مع تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم، والعرب لم تكن تحافظ على التستر لاسيما الرجال، فكانوا يرون شدة الحياء والمبالغة في التستر من شأن النساء. ولكن الحياء من خلق الأنبياء، ولهذا قالت بنو
إسرائيل: ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر .. الحديث، فهو يدل على أن الحياء والتستر من عادة الأنبياء دون غيرهم، إلا أن بني إسرائيل قالوا ذلك على سبيل العيب وطلب الأذية، فلذلك برأه الله وأما الصحابة فإنما تعجبوا من الحال التي رأوها منه صلى الله عليه وسلم ولهذا -أي: لحسن قصدهم- لم يعتبهم وإنما بيّن لهم أن هذه الحالة هي التي تنبغي للمسلم، وخلافها قد يؤدي إلى العقوبة.
وقوله: (كما تبول المرأة) الكاف في محل نصب نعت لمصدر محذوف التقدير: بولًا كبول المرأة، فما مصدرية والمصدر المنسبك منها في محل جر أي: مثل بول المرأة، والتشبيه واقع على الهيئة التي بال عليها. قال العراقي:(هل المراد التشبيه بها في الستر أو الجلوس أو فيهما؟ ). اهـ.
وقيل: كرهوا ذلك زعمًا منهم أن شهامة الرجل لا تقتضي الستر، على عادتهم في الجاهلية.
وقوله: (فسمعه) أي سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك القائل فقال: (أَمّا) الهمزة للاستفهام وما نافية وقوله: (ما أصاب): ما موصولة في محل نصب بعلمت، وجملة (أصاب) صلة الموصول، والعائد الضمير الذي هو الفاعل المستتر. فكأنّ سائلًا عما أصاب صاحب بني إسرائيل فقال:(كانوا) أي كانت بنو إسرائيل قد فرض الله عليهم في دينهم، أنهم إذا أصاب أحدهم شيء من البول قرضوه، أي: قطعوا المكان الذي وقع فيه، ولا يطهر إلا بذلك، وهذا من الآصار التي كانت عليهم فخففها الله علينا كما قال:{وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} ، والقرض هو القطع، والمقراض مفعال آلته التي يحصل بها، وجمعه مقاريض كمفتاح ومفاتيح، وهو المقص. وقوله:(فنهاهم) أي عن فعل ما أوجبه الله عليهم من ذلك وبهذا استحق العقوبة لأنه لو لم يكن واجبًا لما عذب بسبب تركه والنهي عنه. وقوله: (في قبره) أي بعد موته.
• الأحكام والفوائد
الحديث يدل على وجوب الاستتار عند البول، وجواز البول لأي ساتر على أي حال مادام ستر العورة حاصلًا، وجواز البول بحضرة الناس على هذا الشرط ووجوب الاستتار منه، وأن الاستخفاف به كبيرة من الكبائر وأنه موجب لعذاب القبر، ويدل على فضل الله على هذه الأمة حيث نسخ عنها هذا النوع
من الشدائد، وعلى شدة حيائه صلى الله عليه وسلم وأن الحياء خصلة حميدة، وعلى حسن خلقه صلى الله عليه وسلم حيث لم يعنف القائلين، وحرصه على الإرشاد وبيان الفائدة صلى الله عليه وسلم. وفيه دليل على أن من نهى عن شيء من طاعة الله سبحانه وتعالى استحق العقوبة، لأن الله أوجب علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعله من أخلاق المؤمنين كما قال:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر} ، وهذا على خلافه لأنه نهي عن معروف، والنهي عن المعروف والأمر بالمنكر من سمات المنافقين قال تعالى:{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} الآية.
27 -
31 -
أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: "إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا". خَالَفَهُ مَنْصُورٌ: رَوَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَذْكُرْ طَاوُسًا.
• [رجاله: 6، والسابع منصور لم يكن في هذا الإسناد تقدم]
1 -
هناد بن السري: تقدم 25.
2 -
وكيع بن الجراح الأسدي: تقدم 25.
3 -
سليمان بن مهران: تقدم 18.
4 -
مجاهد بن جبر المخزومي أبو الحجاج المكي المعروف بالمقرئ مولى السائب بن أبي السائب. روى عن علي وسعد بن أبي وقاص والعبادلة الأربعة وعائشة وأم سلمة وجويرية وأم هانئ وخلق من الصحابة وجماعة من التابعين، وعنه أيوب السختياني وعطاء وعكرمة وابن عون وعمرو بن دينار وغيرهم. قال ابن معين: حديثه عن عائشة مرسل لم يسمع منها قال يحيى القطان: مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء، وكذا قال الآجري عن أبي داود. وثقه ابن
معين وأبو زرعة وقال سلمة بن كهيل: (ما رأيت أحدًا أراد بهذا العلم وجه الله تعالى إلا عطاءً وطاوسًا ومجاهدًا). وذكر الحافظ أن سماعه من عائشة وقع التصريح به عند البخاري في صحيحه، وقد قيل إن روايته عن علي وسعد ومعاوية وكعب بن عجرة وأبي هريرة وسعيد ورافع وابن عمرو كلها مرسلة. قال ابن سعد: ثقة فقيه كثير الحديث، وقال ابن حبان: كان فقيهًا ورعًا عابدًا متقنًا، قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب. وقال الذهبي: أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به، قال: وقرأ عليه عبد الله بن كثير قال ابن حبان: مات سنة ثنتين أو ثلاث ومائة بمكة وهو ساجد، وكان مولده سنة 21 في خلافة عمر، وقد قيل: مات سنة 100، وقيل: 101 وقيل: 104.
5 -
طاوس بن كيسان أبو عبد الرحمن الحميري الجندي مولى بجير بن ريسان، من أبناء الفرس، كان ينزل الجند، وقيل: هو مولى همدان، وقال ابن حبان: كانت أمه فارسية وأبوه من النمر بن قاسط، وقيل: اسمه ذكران وطاوس لقب له. روى عن العبادلة الأربعة وأبي هريرة وعائشة وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم وسراقة بن مالك وصفوان بن أمية وعبد الله بن شداد بن الهاد وغيرهم، وأرسل عن معاذ بن جبل. وعنه ابنه عبد الله ووهب بن منبه وسليمان التيمي وسليمان الأحول وأبو الزبير والزهري وغيرهم. قال عبد الملك بن ميسرة عنه: أدركت خمسين من الصحابة. وعن ابن عباس: إني لأظن طاوسًا من أهل الجنة وثقه ابن معين وأبو زرعة، قال ابن حبان: كان من عبّاد أهل اليمن ومن سادات التابعين، وكان قد حج 40 حجة وكان مستجاب الدعوة، مات سنة 101 وقيل 106. قال الزهري: لو رأيت طاوسًا علمت أنه لا يكذب. قال ابن عيينة: متجنبو السلطان ثلاثة: أبو ذر في زمانه وطاوس في زمانه والثوري في زمانه. وأثنى عليه غير واحد. قلت: وقد قالوا في سماعه عن عائشة: مختلف في سماعه منها، وكذا عن عمر وعن عثمان وعلي والله أعلم.
6 -
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقال له البحر والحبر لكثرة علمه. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبيه وعن أمه أم الفضل وخالته ميمونة والخلفاء الأربعة وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب وخالد بن الوليد وهو ابن خالته، ومعاوية بن أبي سفيان وأبيه وعائشة وأسماء أختها وجويرية
وسودة وأم سلمة وأم هانئ وجماعة من الصحابة، وعنه ابناه علي ومحمد وابن ابنه محمَّد بن علي وأخوه كثير بن العباس وابن أخيه عبد الله بن معبد وابن عمر وجماعة من الصحابة وخلائق من غيرهم يطول ذكرهم. دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين، وقال ابن مسعود: نِعْمَ ترجمان القرآن ابن عباس، وروى سعيد بن جبير عنه: قُبض النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، وفي رواية: وأنا ختين، وعنه: ابن عشر سنين، وعنه أيضًا: ابن خمس عشرة سنة، وصوّبه أحمد. مات سنة 68 وصلى عليه محمَّد بن الحنفية، وقال: اليوم مات ربّاني هذه الأمة، وقيل: 69 وقيل: 70، وكان موته بالطائف -رضي الله تعالى عنا وعنه-.
• التخريج
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وابن الجارود والدارمي وقوله: (خالفه منصور رواه عن مجاهد) يعني أن رواية الأعمش فيها طاوس بين ابن عباس ومجاهد، ورواية منصور عن مجاهد ليس بينه وبين ابن عباس أحد، وهذا يحمل على أن مجاهدًا حدث به على ما سمعه من ابن عباس بواسطة مجاهد وبدون واسطة، فحدّث به مرة هكذا على ما رواه بواسطة ومرة بدونها، وهذا لا يضر وله نظائر كثيرة.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (مر النبي صلى الله عليه وسلم) من المرور بالشيء، والباء فيه للتعدية، و (القبران) تثنية قبر وهو مدفن الإنسان، والجمع قبور والموضع: مقبرة بفتح الباء وضمها، والمقبر أيضًا، ومنه قول عبد الله بن ثعلبة الحنفي:
أزور وأعتاد القبور ولا أرى
…
سوى رمس أحجار عليه ركود
لكل أناس مقبر بفنائهم
…
فهم ينقصون والقبور تزيد
ويجمع أيضًا على أقبر، قال جرير بن الخطفي:
جعلتَ بقبر للخيار ومالك
…
وقبر عدى في المقابر أقبُرا
وقوله: (إنهما ليعذبان) الضمير يرجع إلى المقبورين لا إلى القبرين لأن العذاب لا يقع عليهما، وعَوْدُ الضمير إن فُرض أنه على غير مذكور؛ فذلك لتنزيل دلالة الحال بالحضور منزلة الذكر، وإما على إطلاق المحلين وإرادة الحالين
فيهما، وهو نوع من المجاز المرسل معروف علاقته المحلية. واللام للتوكيد والعذاب مشتق من الحبس والمنع، ومنه استعذاب الماء: حبسه حتى يطيب للشارب أو لمنعه العطش، ثم استعمل في كل ما يؤلم الإنسان، قال تعالى:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} يعني الزانيين، والعقوبة تمنع معاودة الذنب، والمراد هنا عذاب القبر في البرزخ أعاذنا الله منه. وقوله:(ما يعذبان في كبير) وفي رواية "بلى إنه لكبير" ولا معارضة؛ فإنه ليس بكبير على النفس فعل ما أوجب تركه هذا العذاب ولا ترك ما أوجبه فعله، فهو كبير بالنسبة لما ترتب عليه من العذاب، غير كبير بالنسبة لأن التحفظ من البول وترك النميمة أمران لا يشق فيهما الفعل والترك، فهو كبير من حيث الإثم وليس مما يشق فيه الفعل أو الترك. ونقل السيوطي عن البوني احتمال كونه ظن أنه غير كبير، فأوحي إليه أنه كبير، وهو عندي بعيد، وظاهر الاستدراك يدل على بُعده كسائر الأقوال الأخر التي نقلها على سبيل الاحتمال، والله أعلم. والبوني اسمه عبد الملك.
وقوله: (أما) حرف شرط وتوكيد وتفصيل، والفاء لازمة في جوابها، وذكر سيبويه أنها بمثابة: مهما يكن من شيء، ولذا قال ابن مالك معتمدًا على قول سيبويه المذكور، ومبينًا أن حذف الفاء قليل إذا لم يضمر القول معها:
أما كمهما يك من شيء وفا
…
لتلو تلوها وجوبًا ألفا
فالفاء لازمة عند عدم إضمار القول، وحذفها مسموع وهو قليل، كقول الشاعر:
أما القتال لا قتال لديكم
…
ولكن سيرا في عراض المواكب
أي: تسيرون سيرًا.
وإليه أشار ابن مالك رحمه الله بقوله:
وحذف ذي الفا قل في نثر إذا
…
لم يك قول معها قد نبذا
أما مع إضمار القول معها فهو مقيس، كما في قوله تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} أي: فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم، فحذف القول وتبعه الفاء الداخلة عليه، وقد يجوز في التبع ما لا يجوز في الاستقلال ومن أمثلته في الشرع: أن الشخص لو صلى عن غيره استقلالًا لا تجوز صلاته، وإذا حج عنه فهو يصلي ركعتين للطواف عنه تبعًا للطواف
بالإجماع. وقال بعضهم: إن الجواب في الآية قوله: (فذوقوا) لأنه بعد الحذف انتقلت الفاء إلى القول.
ومن أمثلته في اللغة: حديث بريرة في قوله عليه الصلاة والسلام: أما بعد، ما بال أقوام. . . . إلخ.
وقول عائشة في حديث المناسك: أما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافًا واحدًا. . . . إلخ أي فطافوا. وأكثر معانيها التفصيل، وهي مضمنة معنى الشرط وإفادتها التوكيد مع ذلك في الغالب.
وقوله: (أحدهما): أي أحد المقبورين وقوله: (فكان) الفاء واقعة في جواب أما، و (كان) أي: من عادة ذلك المذكور، وهو قوله:(لا يستنزه) وفي رواية: "لا يستتر" من بوله. والاستتار: استفعال من الستر، قيل المراد به: كشف العورة وعدم سترها، وهذا الوجه ضعيف لكونه يجعل علة العذاب كشف العورة، والأحاديث تدل على أن علة العذاب: التهاون بالبول وعدم التحفظ مما يصيب الثوب أو البدن منه، والتهاون بالطهارة يسبب فساد الصلاة، ولهذا جاء في حديث الدارقطني:"تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه"، ولابن خزيمة من حديث أبي هريرة وصححه:"أكثر عذاب القبر من البول". وإذا كان سبب العذاب كشف العورة؛ لم يبق لذكر البول فائدة في تخصيصه بسبب العذاب، ولا شك أن السياق يدل على أن البول له خصوصية في السبب، ويدل على ذلك قصة الإسرائيلي التي تقدم ذكرها، ورواية المصنف (يستنزه) أي: يتحفظ، وهي تدل على أن الوعيد على عدم التحفظ من البول وقوله:(يمشي بالنميمة) فعيلة من: نمّ الحديث ينُمه بالضم وينِمه بالكسر، وقيل: الضم في المتعدي والكسر في اللازم، وهي: نقل الحديث من شخص إلى آخر بقصد الإفساد والفتنة، ويقال لفاعلها: نمام وقتات، وكلٌّ ورد في الحديث، والغالب أن فاعل ذلك يخفيه، ويقال لوسوسة الصوت والكلام: نميمة؛ إذا كان خفيًا. قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة الفقيه:
كتمت الهوى حتى أضر بك الكتم
…
ولامك أقوام ولومهم ظلم
ونمَّ عليك الكاشحون وقبلهم
…
عليك الهوى قد نمَّ لو نفع النمُّ
فرتب على هذا الفعل الذميم عذاب القبر، لما فيه من توليد الفتنة والشر
بين الناس، ولهذا وجب تكذيبه إذا لم يكن لمصلحة شرعية كما يأتي إن شاء الله، قال تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} الآية.
وقوله: (ثم دعا) تقدم الكلام على ثم في حديث رقم 4، ودعا: أي طلب، والباء في قوله:(بعسيب) إما لتضمين دعا معنى أمر، أو لأن طلبه من أحد من أصحابه أمر له، أي: أمر بإحضار عسيب، والعسيب: جريدة النخل التي نزع خوصها، قال الشاعر:
وقل لها مني على بعد دارها
…
قنا النخل أو يهدي إليك عسيب
وقال امرؤ القيس:
لمن طلل أبصرته فشجاني
…
كخط زبور في عسيب يماني
وعسيب: اسم جبل بعينه، كما في قوله أيضًا:
أجارتنا إن الخطوب تنوب
…
وإني مقيم ما أقام عسيب
ويقال لعظم الذنب وظهر القدم وشق في الجبل. وقوله: (رطب) أي: أخضر، صفة لعسيب وهو ضد اليابس، وقوله:(فشقه) الفاء هي التي يسميها بعض النحويين الفصيحة لأنها تدل على محذوف، أي فأُتي به فشقه، والباء زائدة أي: قسمه على نصفين وقوله: (فغرز) أي نصب وثبّت في الأرض على كل من القبرين أحد النصفين المذكورين. وقوله (لعله) تقدم الكلام على "لعل"، والهاء للعذاب أي: العذاب المدلول عليه بقوله (يعذبان .. ). وقوله: (يخفف عنهما) أي عن المقبورين، وقوله:(ما لم ييبسا): ما مصدرية ظرفية أي مدة كون النصفين لم ييبسا، ويحتمل أن الضمير في "لعل" ضمير الشأن. وقد اختلف العلماء في وجه ذلك، فقيل: إنما فعل ذلك لأن الرطب من النبات يسبِّح، فتسبيحه يكون سببًا لتخفيف العذاب عن صاحبي القبرين، وقائل هذه المقالة يستدل بها على أن الميت ينتفع بالذكر عنده وقراءة القرآن له، وهذا الوجه ضعيف. أما أولًا: فلأن التسبيح من الجماد لا يخص الأخضر، بل اليابس وغيره يسبّح على وجه الله أعلم به، كما هو ظاهر قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} فشمل اليابس والأخضر وثانيًا: أنه لو كان الأمر كذلك؛ لكان هذا الفعل على كل مقبور سنة ليحصل له هذا الفضل الحاصل من تسبيح الأخضر، وعدم نقل ذلك عنه ولا عن أحد من أصحابه وهم أحرص الناس
على الخير إلا في هذه المرة، أو ما ورد في حديث جابر الطويل في آخر مسلم، وكلاهما محمول على الخصوصية. وأما قراءة القرآن على الميت فسيأتي الكلام عليها -إن شاء الله تعالى-. والصحيح في التعليل لهذا الفعل: أنه صلى الله عليه وسلم شفع لهذين المقبورين فخفف الله عنهما، وجعل مدة التخفيف عليهما تنتهي بيبس الجريدتين، والله أعلم. ولا يمنع ذلك كون (لعل) في الأصل للترجي والتوقع، لأنها إذا كانت من الله تعالى في مقام الإطماع كانت واجبة الوقوع، وهكذا هنا الظاهر أنه لم يقل ذلك إلا بوعد من الله له.
ما روي عن بريدة رضي الله عنه من أنه وصى أن يجعل على قبره جريدة؛ فهو فعل صحابي فيما فيه مجال للرأي، ولم يصح ذلك عن أحد منهم غيره. وقد تقرر في الأصول أن قول الصحابي فيما فيه مجال للرأي؛ لا يعطى حكم الرفع، وهذا من قبيل ذلك والله أعلم.
• الأحكام والفوائد
الحديث دليل ظاهر على إثبات عذاب القبر، كما دلت أحاديث أخر على إثبات نعيمه، فهو إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. وفيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أطلعه الله على حال المقبورين وسبب عذابهما، والظاهر أنهما مسلمان، ويدل على ذلك تعليل العذاب بالأمرين المذكورين، لأنهما لو كانا كافرين لكان عذابهما لكفرهما، وذلك يدل على أن القصة كانت بالمدينة، وكون ابن عباس حضر ذلك يدل على تأخر القصة، وعند ابن ماجه:"بقبرين جديدين" وهو يدفع رواية الشك كما في البخاري: "من حيطان المدينة أو مكة". وفيه أن التهاون بالمعاصي لا ينبغي للمسلم، وفيه قبح هاتين الخصلتين وأنهما يسببان عذاب القبر، وفيه حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الخير، وشفاعته لهما تدل على أنهما مسلمان. قلت: وقد يقال إن شفاعته لهما لا تستلزم ذلك، ويكون من باب الخصوصية لتظهر هذه المعجزة، ولينبّه أصحابه على عظم إثم هذين الفعلين، وقد فعل صلى الله عليه وسلم مثل هذا الفعل كما ثبت في حديث جابر الطويل في آخر صحيح مسلم. لكن يشكل عليه النهي عن الشفاعة للمشركين، وقد يجاب باحتمال أنهما كان ممن مات على شريعة موسى أو عيسى قبل التبديل أو غيرهما من الشرائع، لأن الحكم عليهما بالإِسلام يبعده