الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاقتداء بهم من الأعاجم، وإن رأى كثير من الناس الفرق بينه وبين مسحها بالكلية ففي الواقع أنه مثله:
وإلا يكنها أو تكنه فإنه
…
أخوها غذته أمها بلبانها
فهو بعيد من الامتثال بل هو قريب إلى الاستهزاء، فلا يصدق عليه الإعفاء ولا التوفير ولا الإرخاء، فإن هذه الألفاظ الخمسة: أرخوا اللحى، أرجوا اللحى، أوفوا اللحى، وفروا اللحى، أعفوا اللحى؛ لا ينطبق ما ذكر على شيء منها ولا يحصل الامتثال إلا بها، وما أقبح بالرجل أن يرضى لنفسه أن يتنازل عن سمة الرجولة وعلامة الرجال إلى الخنوثة والتشبه بالنساء، ولا ترى الأعين أقبح في عين العاقل من ذي شيبة حليق اللحية فهو كما قيل:
وهل أبصرت عيناك أقبح منظرًا
…
من أشيب لا علم لديه ولا حلم
هي السوءة السوآء، فاحذر شماتها
…
فأولها خزي وآخرها ذم
ولهذا رجح كثير من العلماء الترك بالكلية ولم ير الأخذ منها مطلقًا، لمقتضى الروايات ولعدم ثبوت الحديث السابق ثبوتًا تقوم به الحجة، ومعارضته لما هو أصح منه بكثير من الأحاديث التي سبق بيانها، وهو اختيار الإِمام أبي زكريا يحيى بن شرف النواوي الشافعي رحمه الله.
16 - الإِبْعَادِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْحَاجَةِ
16 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِيُّ عُمَيْرُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ فُضَيْلٍ وَعِمَارَةُ بْنُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي قُرَادٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْخَلَاءِ وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ.
• [رجاله: 6]
1 -
عمرو بن علي بن بحر الفلاس: تقدم 4.
2 -
يحيى بن سعيد القطان: تقدم 4.
3 -
أبو جعفر عمير بن حبيب بن خماشة -ويقال: ابن حباشة- الأنصاري الخطمي المدني نزيل البصرة، روى عن أبيه وأبي أمامة بن سهل
وسعيد بن المسيب ومحمد بن كعب القرظي وعمارة بن خزيمة والحارث بن فضيل الخطمي. وعنه حماد بن سلمة وهشام الدستوائي وشعبة والقَطَّان. وثقه ابن معين والنسائي وابن حبان. قال ابن مهدي: كان أبو جعفر وأبوه وجدّه قومًا يتوارثون الصدق بعضهم عن بعض. ووثّقه ابن نمير والعجلي والطبراني.
4 -
الحارث بن فضيل الأنصاري الخطمي أبو عبد الله المدني، روى عن محمود بن لبيد والزهري وعبد الرحمن بن أبي قراد وغيرهم، وعنه صالح بن كيسان وعمير بن يزيد الخطمي والدراوردي وفليح بن سليمان وأبو إسحاق وغيرهم. وثقه النسائي وابن حبان، وذُكر عن أحمد أنه ليس بمحفوظ الحديث، ومثل هذا لا يضر كما هو معلوم عند أهل الفن.
5 -
عمارة بن خزيمة الأوسي أبو عبد الله -ويقال: أبو محمَّد- المدني، روى عن أبيه وعمه وعثمان بن حنيف وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن أبي قراد، وعنه ابنه محمَّد وأبو خزيمة عمرو بن خزيمة والزهري وأبو جعفر الخطمي. وثقه النسائي وابن حبان، مات 105، وذكر ابن حبان أنه ابن 75 سنة.
6 -
عبد الرحمن بن أبي قراد الأنصاري ويقال: السلمي، وجزم بالثاني أبو نعيم وابن عبد البر وعدّاه في أهل الحجاز، وكذا قال ابن منده، ويقال له ابن الفاكه. قال ابن سعد وأبو حاتم وابن السكن: له صحبة، قال مسلم والأزدي: تفرد عمارة بن خزيمة بالرواية عنه. قلت: وهو متعقب لأن البخاري ذكر في تاريخه رواية الحارث بن فضيل عنه، وحديثه عند المصنف عنهما عنه. قال ابن حجر: وضم ابن عبد البر رواية أبي جعفر الخطمي إليهما عنه، فوهم إنما روايته عنهما عنه.
• التخريج
الحديث حسن أو صحيح لغيره. أخرجه ابن ماجه من رواية أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار عن يحيى بن سعيد عن أبي جعفر كرواية المصنف، لكن قال فيه:(حججتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم فذهب لحاجته فأبعد)، ومن حديث بلال بن الحارث المزني من طريق عباس بن عبد العظيم العنبري وفي إسناده: كثير بن عبد الله المزني، ضعيف بل نسبهُ الشافعي إلى الكذب.
• اللغة والإعراب والمعنى
(الإبعاد) مصدر أبعد بمعنى ابتعد، من البعد: ضد القرب، ويتعدى بعن إذا أريد البعد عن الشيء فيقال: أبعد عن الناس وعن المحل، كما يقال: أبعد بنفسه بمعنى جعلها بعيدة، أي تسبب لها في البعد والمراد: البعد بالنفس عن الناس (والحاجة) ما يعرض في نفس الإنسان مما يحب فعله أو حصوله، وهي هنا كناية عن البول والغائط، لأن عادة العرب استقباح ذكر كل منهما باسمه الصريح، فكنّوا عنهما أحيانًا بلفظ الحاجة، وأحيانًا باسم المكان كالبراز والغائط، كما يأتي إن شاء الله، ولم يكونوا يستعملون الكنف في البيوت استقذارًا. وقوله:(إلى الخلاء) تقدم الكلام على لفظة "إلى"، والخلاء - بالمد: أصله المكان الخالي، كانوا يقصدونه لهذا الفعل. وتقدم معنى "إذا".
• الأحكام والفوائد
فيه استحباب البعد عن الناس عند قضاء حاجة الإنسان كما ترجم له المصنف، وهو يدل على استحباب المبالغة في التستر عند التكشف وما في معناه، وفيه استعمال الكناية في الكلام عن الأسماء المستقبحة، وفيه كمال حيائه صلى الله عليه وسلم وأدبه لأنهما الحاملان على ذلك، وفيه المحافظة على العورة واستصحاب الإنسان لغيره ممن يخدمه أو يصحبه عادة عند الذهاب لقضاء الحاجة، لاسيما إن ترتبت على ذلك مصلحة كالمساعدة على الطهارة، وقد تكرر منه ذلك صلى الله عليه وسلم. وفيه استخدام الأحرار إذا كان ذلك برضاهم لاسيما من تنفعهم صحبته وتزيدهم فضلًا، لتعلمهم منه أو إصلاح حالهم بصحبته، لكن على شرط ألا يؤدي إلى ارتكاب محظور كالنظر للعورة ونحوه.
17 -
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ. قَالَ: فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ وَهُوَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ: "ائْتِنِى بِوَضُوءٍ" فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ: إِسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْقَارِئُ.
• [رجاله 5]
1 -
علي بن حجر السعدي: تقدم 13.
2 -
إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم أبو إسحاق القارئ، روى عن عبد الله بن دينار ومالك وجعفر الصادق وغيرهم، وعنه يحيى بن يحيى النيسابوري وأبو الربيع الزهراني وقتيبة ويحيى بن أيوب المقابري وعلي بن حجر. وثقه أحمد وابن معين والنسائي وابن المديني وأبو زرعة وابن سعد وقال: هو من أهل المدينة، قدم بغداد فلم يزل بها حتى مات، وهو صاحب الخمسمائة حديث التي سمعها منه الناس. وقال الخليلي: إنه شارك مالكًا في أكثر شيوخه. مات سنة 180.
3 -
محمَّد بن عمرو بن وقاص الليثي أبو عبد الله -ويقال أبو الحسن- المدني، روى عن أبيه وأبي سلمة بن عبد الرحمن وواقد بن عمرو بن سعد بن معاذ ومحمد بن إبراهيم التيمي وجماعة كثيرين، وعنه موسى بن عقبة -ومات قبله- وابن عمه عمر بن طلحة بن عقبة وشعبة والثوري وحماد بن سلمة وابن زريع ومعتمر بن سليمان وإسماعيل بن جعفر وغيرهم. قال أحمد بن مريم: وثقه ابن معين، قال ابن المبارك: لم يكن به بأس، روى له البخاري مقرونًا بغيره، ومسلم في المتابعات، وقال النسائي: لا بأس به، ومرة قال: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث يكتب حديثه وهو شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ. وقال ابن معين: ما زال الناس يتّقون حديثه. قيل له: ما علة ذلك؟ قال: كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء من روايته، ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة وروى عنه مالك في الموطأ، قال ابن عدي: وأرجو أنه لا بأس به. توفي سنة 145 وقيل 144.
تنبيه:
قد يلتبس اسم هذا الراوي مع محمَّد بن عمرو بن حلحلة وهو معاصر له، لكن المعروف بالرواية عن أبي سلمة هو هذا، وكلاهما مدني كناني، أحدهما ليثي والآخر ديلي، يروي عن كل منهما: إسماعيل بن جعفر والدراوردي.
4 -
أبو سلمة بن عبد الرحمن: تقدم 1.
5 -
المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي -وهو ثقيف- أبو عيسى -ويقال أبو محمَّد- الثقفي شهد الحديبية وما بعدها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه أولاده
عروة وحمزة وعقار ومولاه ورّاد وابن عم أبيه جبيرة بن حية والمسور بن مخرمة وقيس بن أبي حازم ومسروق بن الأجدع وخلق غيرهم. وكان رضي الله عنه من الدهاة المشهورين، وكان واليًا لعمر على البصرة ثم على الكوفة، وأقره عثمان ثم عزله، واعتزل الفتنة ثم ولاه معاوية على الكوفة حتى مات وهو عليها، وكان لا يرضى بقتل أحد في حكمه كافًا عن سفك الدماء. ومات سنة 50 على الصحيح وقيل 49 وقيل 51، وقد شهد فتوحات كثيرة، وعَوِرَت عينه يوم اليرموك، وكان من خدام النبي صلى الله عليه وسلم، والأحاديث في ذلك معروفة رضي الله عنه وأرضاه.
• التخريج
الحديث صحيح الإسناد لأنه بهذه الطريقة قوي، وأصل الحديث في قصة المغيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذهابه معه ومسحه على الخفين في الصحيحين، وأخرجه أبو داود وأخرجه ابن ماجه من رواية إسماعيل بن عليّة عن محمَّد بن عمرو ومختصرًا على قوله:(كان إذا ذهب المذهب أبعد). وأخرجه الترمذي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن محمَّد بن عمرو بلفظ: (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته فأبعد) وقال: حديث حسن صحيح. والظاهر أن ذلك في سفر تبوك، فإنه سيأتي إن شاء الله حديث المغيرة في ذلك، وفيه المسح على الخفين مع أنه ليست فيه هذه اللفظة لفظة (أبعد). وأخرجه الدارمي عن أبي سلمة عن المغيرة قال: أخبرنا يعلى بن عبيد حدثنا محمَّد بن عروبة عن أبي سلمة عن المغيرة، ثم ذكر من طريق ابن سيرين عن عمرو بن وهب عن المغيرة بلفظ:(إذا تبرّز تباعد).
• اللغة والإعراب والمعنى
تقدم معنى كلمة (إذا) وقوله: (ذهب المذهب) المذهب أصله: المنهج الذي يتبعه الإنسان، وهو هنا يحتمل أن يكون اسم مكان كنى به عن محل قضاء الحاجة، أو عن نفس القضاء للحاجة، وأل فيه للعهد الذهني أو هي عوض عن المضاف إليه، أي: مذهب الغائط. وقوله: (فذهب لحاجته) تبين أن المراد بالمذهب محل قضاء الحاجة، وجوّز بعضهم أن يكون مصدرًا بمعنى الذهاب ولكنه هنا بعيد لقوله: ذهب، لأنه يصير معناه: ذهب الذهاب، وليس