الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدام النبي بالمدينة فعلها .... وأضحت لدى أهل المدائن مهملة
ولما سأل علماءهم لم لا يأمرون الناس به، أجابوا بأن الجهل قد غلب عليهم.
وأمّا مطابقته للترجمة، ففي قوله:"والسواك على طرف لسانه" لأنه دلّ على هذه الكيفية في السواك، وإن كان لم ينص على غيرها من الهيئات، لكنه سيأتي بيان ذلك.
4 - باب هَلْ يَسْتَاكُ الإِمَامُ بِحَضْرَةِ الرَعِيَّة
4 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: "أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعِي رَجُلَانِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِيني وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِى وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ، فَكِلَاهُمَا سَأَلَ الْعَمَلَ قُلْتُ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا مَا أَطْلَعَانِي عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمَا وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سِوَاكِهِ تَحْتَ شَفَتِهِ قَلَصَتْ فَقَالَ " إِنَّا لَا -أَوْ لَنْ- نَسْتَعِينَ عَلَى الْعَمَلِ مَنْ أَرَادَهُ وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ، فَبَعَثَهُ عَلَى الْيَمَنِ ثُمَّ أَرْدَفَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ -رضى الله عنهما-".
• [رجاله: 6]
1 -
أبو حفص عمرو بن علي بن بحر بن كثير، الباهلي البصري الفلاس الصيرفي. روى عن خالد بن الحارث وأبي قتيبة سلم بن قتيبة وأبي داود الطيالسي وعبد الأعلي بن عبد الأعلى ومعاذ بن معاذ ومعاذ بن هشام ومعاذ بن هانئ وأبي بكر وأبي علي الحنفيين وغندر وخلق غيرهم. وعنه الجماعة والنسائي أيضًا بو اسطة زكريا السجزي، وأبو زرعة وعبد الله بن أحمد ومحمد بن علي الحكيم الترمذي وشعيب بن محمَّد الدارمي ومحمد بن صالح النرسي وابن جرير الطبري. قال أبو حاتم: كان أوثق من علي بن المديني وهو بصري صدوق، قال النسائي: ثقة صاحب حديث حافظ، مات بالعسكر آخر ذي القعدة سنة 249. قال أبو زرعة: كان من فرسان الحديث، وقال الدارقطني: كان من الحفاظ، وبعض أصحاب الحديث يفضلونه على ابن
المديني. وقد صنف المسند والعلل والتاريخ وهو إمام متقن، وذكره ابن حبان في الثقات. قال عبد الله بن علي بن المديني: سألت أبي عنه فقال: قد كان يطلب، فقلت: قد روى عن عبد الأعلى عن الحسن "الشفعة لا تورث" فقال: ليس هذا في كتاب عبد الأعلى. قال الحاكم: وقد كان عمرو بن علي أيضًا يقول في ابن المديني وقد أجلّ الله قدرهما عن ذلك، يعني أن كلام الأقران عن بعضهم غير معتبر إذا لم يكن مُفسَّرا، وقال سلمة بن قاسم: ثقة حافظ.
2 -
يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد الأحول البصري، روى عن حميد الطويل ويحيى بن سعيد الأنصاري وعبيد الله بن عمر وبهز بن حكيم ومالك وهشام بن عروة وجعفر بن محمَّد بن علي وجعفر بن ميمون والأوزاعي والثوري وشعبة، وخلق كثير غيرهم من الأجلاء. وعنه ابنه محمَّد بن يحيى بن سعيد وحفيده أحمد بن محمَّد وأحمد بن حنبل وإسحاق وعلي بن المديني وعمرو بن علي والقواريري والدورقي وخلق غيرهم، وآخر من مات منهم يعلي بن شداد المسمعي. ومن شيوخه الذين رووا عنه: شعبة والسفيانان ومن أقرانه معتمر بن سليمان وابن مهدي. وقال ابن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: اختلفت إلى شعبة عشرين سنة. وقالوا لشعبة وقد اختلفوا معه: اجعل بيننا وبينك حكما فقال: قد رضيت بالأحول. قال ابن مهدي: ما رأيت أحسن أخذًا للحديث ولا أحسن طلبًا له من يحيى القطان أو سفيان بن حبيب قال ابن المديني: (لم يكن ممن طلب وعني بالحديث وأقام ولم يزل فيه إلا ثلاثة: القطان وسفيان بن حبيب وابن زريع). قال ابن عمار: حدث ابن مهدي عن يحيى بن سعيد بألفي حديث وهو حي، قال ابن المديني: ما رأيت أعلم بالرجال من يحيى المَطان، ولا أعلم بصواب الحديث من خَطئه من ابن مهدي، فهذا اجتمعا على ترك رجل تركته، وإذا أخذ عنه أحدهما أخذت عنه، قال ابن المديني: ما رأيت أثبت منه، وقال أحمد بن حنبل: ما رأت عيناي مثله، قال إبراهيم التيمي: ما رأيت أعلم بالرجال منه، وقال أحمد: لا والله ما أدركنا مثله، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونا رفيعا حجة. قال العجلي: ثقة لا يحدث إلا عن ثقة، وقال النسائي: ثقة ثبت مرضي، وقال يحيى: جهد الثوري أن يدلس عليَّ رجلًا ضعيفًا فما أمكنه، قال مرة: حدثنا أبو سهل عن الشعبي،
فقلت له: أبو سهل محمد بن سالم فقال: يا يحيى ما رأيت مثلك لا يذهب عليك شيء. قال عمرو بن علي عنه أنَّه ولد سنة 120، وقال في أولها، ومات سنة 198، وفيها أرخه غير واحد. وقال ابن منجويه فيه (وقال ابن حجر إنه من كلام ابن أبي حاتم): كان من سادات زمانه حفظًا وورعًا وفهمًا وفضلًا ودينًا وعلمًا، وهو الذي مهّد لأهل العراق رسم الحديث، وأمعن البحث في الثقات وترك الضعفاء، زاد ابن حبان: ومنه تعلم أحمد ويحيى وعلي وسائر أئمتنا قال الخليلي: هو إمام بلا مدافعة، وهو أجلّ أصحاب مالك بالبصرة، وثناء الأئمة عليه كثير، رحمنا الله وإياه.
3 -
قرة بن خالد أبو خالد السدوسي البصري ويقال أبو محمَّد، روى عن أبي رجاء العطاردي وحميد بن هلال وابن سيرين وعبد الحميد بن جبير بن شعبة وأبي الزبير المكي وقرة بن موسى الهجيمي، وعنه شعبة وهو من أقرانه، ويحيى القطان وابن مهدي وخالد بن الحارث والطيالسي والعقدي، وخلق سواهم من الأجلاء. وَثَّقهُ أحمد وابن معين وابن سعد، وفضّله ابن أبي حاتم على جرير بن حازم وقال: إنه ثبت عنده، ووثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الطحاوي: ثبت متقن حافظ. قال أبو نعيم: مات سنة نيف وسبعين ومائة، وقال ابن حبان: إنه مات سنة 154، وقال: كان متقنًا، وكذا قال خليفة في تاريخه وفي الطبقات له.
4 -
حميد بن هلال بن هبيرة ويقال: سويد بن هبيرة العدوي، أبو نصر البصري، روى عن عبد الله بن مغفل وعبد الرحمن بن سمرة وأنس وهشام بن عامر الأنصاري وابنه سعد بن هشام وعن عتبة بن غزوان، قال ابن حجر:(والصحيح أن بينهما خالد بن عمير)، وعنه السختياني وعاصم الأحول وحجاج بن أبي عثمان وحبيب بن الشهيد وابن عون وأبو عامر الخزاز وشعبة وغيرهم. قال القطان: كان ابن سيرين لا يرضاه، وعلل ذلك بأنه دخل في عمل السلطان، وكان في الحديث ثقة، ووثقه ابن معين والنسائي، وقال الراسبي: ما كان بالبصرة أعلم منه، قال ابن عدي: له أحاديث كثيرة وقد حدث عنه الأئمة وأحاديثه مستقيمة، ووثقه ابن سعد وذكره ابن حبان في الثقات. قال ابن حجر: قال البزار في مسنده: لم يسمع من أبي ذر، وقال أبو
حاتم: لم يلق هشام بن عامر، والحفّاظ لا يدخلون بينهما أحدًا. قال ابن المديني: لم يلق عندي رفاعة العدوي، ووثقه العجلي، ونقل ابن حجر عن الدارقطني أنه قال في السنن: كان أربعة يصدقون من حدثهم ولا يبالون ممن يسمعون الحديث: الحسن وأبو العالية وحميد بن هلال ولم يذكر الرابع، وفي بعض نسخه: وداود بن أبي هند.
5 -
أبو بردة تقدم 3.
6 -
أبو موسى رضي الله عنه تقدم 3.
• التخريج
أخرجه البخاري في باب ما يكره من الحرص على الإمارة وفي استتابة المرتدين مطولًا، ومسلم في المغازي فهو متفق عليه. وأخرجه الإِمام أحمد في المسند، وأبو داود في كتاب الحدود، والطيالسي في آخر مسند أبي موسى.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (أقبلت) من الإقبال ضد الإدبار، أي: توجهت مقبلًا عليه، والواو في قوله:(ومعي) للحال داخلة على الجملة الحالية، والتقدير: والحال أن معي رجلين. وقوله: (من الأشعريين) قبيلة من اليمن معروفة ينسبون إلى الأشعر، وهو نبت بن أدد بن يشجب بن يعرب بن زيد بن كهلان، قيل: سمي بذلك لأن أمه ولدته وهو أشعر، أي قد نبت شعره. وهذه القبيلة قبيلة أبي موسى، ولهذا جاء في بعض الروايات:"رجلان من بني عمي" لأنه جاء معه جماعة من الأشعريين -مهاجرين وسيأتي ذكرهم إن شاء الله- ولم أقف على اسميهما، لكن مثل هذا الإبهام لا يقدح لأنه إبهام في المتن. و (من) هنا للبيان، وقد يكون قصدًا للستر على المبهم وهو كثير في الحديث. وقوله:(رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك) جملة حالية أي: أقبلنا حال كون رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك، أي: يسوك فاه، وقد تقدم أن استاك وتسوك لا يذكر معهما الفم. وقوله:(كلاهما) كلا من الألفاظ الملحقة بالتثنية، إذا أضيفت إلى الضمير أعربت إعراب المثنى، والضمير عائد على المثنى أي: الرجلين اللذين مع أبي موسى، وكلاهما: مبتدأ خبره الجملة وهو قوله: طلب العمل، وإذا قطعت "كلا" عن الإضافة إلى
الضمير وأضيفت إلى الظاهر أعربت إعراب المقصور. و (سأل) معناه طلب، و (العمل) أي الولاية على شيء من الأعمال، وهو تفسير المحذوف في رواية البخاري لأن فيها:"كلاهما سأل" وقوله: (فقلت) الفاء سببية أو عاطفة، والقائل أبو موسى، أي للنبي صلى الله عليه وسلم:(والذي بعثك بالحق) أي: والله الذي بعثك بالحق أي: أرسلك بالصدق والحق ضد الباطل. (نبيًا) حال من "بعثك" أي: منبئًا من الله، أي: مخبرًا بالنبأ، فهو اسم مفعول من النبأ: وهو الخبر ذو الشأن. و (ما) نافية، و (أطلعاني) يعني أعلماني وأخبراني: أي عما عزما عليه من طلب العمل، (على ما في نفوسهما) حتى أطلعك عليه، ففيه إطلاق الجمع على الاثنين، ومنه قوله تعالى:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أي مالت. والقاعدة أن كل عضو في الإنسان مفرد لك فيه الجمع إذا أضيف. قال الخليل بن أحمد والفراء: كل شيء يوحد من خلق الإنسان إذا أضيف إلى اثنين جمع، تقول: هشمت رؤوسهما وأشبعت بطونهما، قال تعالى:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ويجوز فيه التثنية أيضًا، وقد جمع الشاعر -بينهما وهو خطام المجاشعي- في قوله:
ومهمهين قذفين مرتين
…
ظهراهما مثل ظهور الترسين
وقوله: (ما شعرت) أي: ما علمت، من: شعر بالشيء إذا علم، ومنه قول الشاعر:
ألا أيها الركب المخبون هل لكم
…
بساكن أجراع الحمى بعدنا خبر
فقالوا طوينا ذاك ليلًا فإن يكن
…
به بعض من تهوى فما شعر السفر
أي: ما علموا، وهو -بضم العين في شعر وفتحها- من الشعور الذي هو العلم، وسمّي الشاعر شاعرًا لقوة إدراكه المعاني وإحساسه. وقوله:(أنهما) أي بأنهما يطلبان العمل، وهذا اعتذار من أبي موسى للنبي صلى الله عليه وسلم كما صرح به في الرواية الأخرى:"فاعتذرت إليه فقبل عذري". والمصدر المنسبك من أن ومعموليها في محل جر بحرف محذوف، أي: بطلبهما للعمل، وهو في محل نصب بـ"شعر" لأنه يتعدى بحرف الجر، وحذف حرف الجر في هذه الحالة مطرد كما قال ابن مالك -رحمه الله تعالى-:
وعد لازما بحرف جر
…
وإن حذف فالنصب للمنجر
نقلًا وفي إن وأن يطرد
…
مع أمن لبس كعجبت أن يدوا
وقوله: (فكأني أنظر) تصوير للحالة التي شاهدها وبقيت صورتها في ذهنه. (إلى سواكه) أي سواك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو العود الذي يستاك به كما تقدم. وقوله:(تحت شفته) جملة حالية أي قد وضعت تحت شفته، والشفة: واحدة الشفتين، اسم محذوف اللام، ولامها هاء فأصلها شفه لتصغيرها على شفيهة، والجمع شفاه قال ابن منظور في اللسان: وقد زعم قوم أنَّ الناقص من الشفة واو، لأنه يقال في الجمع شفوات. قال ابن بري رحمه الله:(المعروف في جمع شفة شفاه مكسر غير مُسْلَم يعني أنه المسموع فيه والمعروف جمع التكسير على شفاه، وليس يعرف له جمع السلامة، هذا معنى كلام ابن بري -رحمه الله تعالى- وقال: ولامه هاء عند جميع البصريين، ثم قال: قال اللّيث: إذا ثَلّثوا الشفة قالوا: شفهات وشفوات، والهاء أقيس، والواو أعم، لأنهم شبهوها بالسنوات). اهـ والشفة للإنسان وقد تقال للفرس، وهذه حكاية الحال التي رأى عليها أبو موسى النبي صلى الله عليه وسلم، وفائدة ذكرها توكيد الخبر للسامعين، لأنها تدل على أنه متصورٌ للخبر ومستحضر له. وقوله:(قلصت) أي انشمرت الشفة التي تحتها السواك، قلصت الشفة تقلص: إذا انشمرت: فهي قالصة مرتفعة، قال عنترة:
ولقد حفظت وصاة عمي بالضحى
…
إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم
والمقلص من الخيل: المنضم البطن الطويل القوائم، قال كعب بن مالك رضي الله عنه:
ونعد للأعداء كل مقلص
…
ورد ومحجول القوائم أبلق
وقلصت القميص: أي شمرته ورفعته، وقميص قالص: مرتفع، قال الشاعر:
سراج الدجى حلت بسهل وأعطيت
…
نعيمًا وتقليصًا بدرع المناطق
وقلص الدمع: جف، ومنه قول عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك:"قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة"، ويشدد للمبالغة، وقلص الظل: إذا ارتفع وذهب، ومنه قول الشاعر:
يومًا ترى حرباءه مخاوصا
…
يطلب في الجندل ظلًّا قالصًا
وجملة (قلصت) حالية بتقدير "قدد" أي: قد قلصت. وقال صلى الله عليه وسلم مخاطبًا لهما ولأبي موسى معهما: (إنا) بصيغة الجمع: إما للتعظيم، أو لأنه حكم له ولأمته. (لا أو لن) شك من الراوي في أيهما قال، وهما حرفا نفي، لكن "لن"
قد تدل على التأبيد عند جماعة، والصحيح أن دلالتها على تأبيد النفي تتوقف على القرينة، خلافًا لمن أطلق عليها الدلالة على التأبيد مطلقًا. وقوله:(نستعين) أي نطلب العون، بمعنى: نستعمل، لأن من ولى أحدًا على عمل فقد استعان به عليه، والعمل أمانة وطلب التأمين على الأمانة موجب للتهمة، وقد جاءت السنة الصحيحة بالنهي عن سؤال الإمارة وأنه إن سألها وُكِلَ إليها، ولا شك أنه إذا وكل إليها ضيّعها. قوله:(ولكن) حرف استدراك مخفف من "لكنَّ"، وإذا خفف بطل اختصاصه فبطل عمله. وقوله:(اذهب أنت) أي: وقد وليتك أنت فاذهب إلى عملك، وشك الراوي هل خاطبه بكنية أبي موسى أو باسمه عبد الله بن قيس لأنه لم يطلب العمل، وفي هذا نوع من حسن صنعه صلى الله عليه وسلم، فإنه لما لم يتمكن من تأميرهما للمانع الشرعي ولى قريبهما. وقوله:(فبعثه على اليمن) أي أميرًا عليه، (ثم أردفه) أي أرسل بعده معاذ بن جبل، لأن الرسول إذا أرسل بعد الأول صار كأنه رديف، والرديف والردف: الذي يكون خلف الراكب على الدابة والبعير، فاستعير للتابع لغيره في أمر ما من الأمور. وظاهر الرواية أن معاذًا عيّن بعد أبي موسى وذهب بعده، لأن "ثم" حرف عطف تقتضي التشريك والترتيب والتراخي، وفي كل منها خلاف مبين في محله، وقد تكون لترتيب الذكر كما في قوله تعالى:{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وقوله: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} على خلاف في ذلك وله نظائر وهي هنا إما أنها للتراخي أو تكون بمعنى الفاء، كما قال فيها بعض العلماء إنها تكون بمعناه، وهذا ظاهر رواية المصنف بثم إنها إما للتراخي أو هي بمعنى الفاء، فالرواية هنا:"ثم أتبعه معاذ بن جبل"، ورواية البخاري في المغازي بلفظ: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذًا إلى اليمن فقال: "يسّرا ولا تعسّرا" الحديث، وظاهره أنهما ذهبا معًا، ويجمع بين الروايتين بكونه عيّن أبا موسى أولًا ثم عيّن معاذًا بعده قبل أن يذهب، فلما أرادا الخروج أوصاهما، وهذا هو الظاهر. ويحتمل أن يكون قال ذلك للأخير منهما، ولكن الوجه الأول أولى، ويكون إتباعه له بمعنى تعيينه بعد تعيين الأول، لأنه يصير تابعًا له بهذا الاعتبار، لأن الإرداف إتباع في الجملة. أَرْدَفَه الشيء وأردفه به: أتبعه إياه، قال الشاعر:
فأردفت خيلًا على خيل لي
…
كالثقل عالى به المعلي
وقال خزيمة بن مالك القضاعي:
إذا الجوزاء أردفت الثريا
…
ظننت بآل فاطمة الظنونا
وردفه أيضًا: تبعه، ومنه: رديف الملك، وهو الذي ينوب عنه، وهي وظيفة كانت في الجاهلية لبني يربوع، قال جرير:
ربعنا وأردفنا الملوك فظللوا
…
وطاب الأحاليب الشام المنزعا
وروادف النجوم: التي تتبعها، قال ذو الرمة:
وردت وأرداف النجوم: كأنها
…
مصابيح فيهن القناديل تزهر
فإذا حصل التعيين بعد التعيين فقد أردفه، والله أعلم.
• الأحكام والفوائد
فيه بيان حبه صلى الله عليه وسلم للسواك وحرصه عليه كما تقدم، وفيه عدم جواز سؤال الولاية، وقد صرح صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه في حديث عبد الرحمن بن سمرة وبّين العلة فيه وهي أنه يوكل إليها ولا يعان عليها. والغالب أن الذي يحمل على سؤالها هوى النفس، واتباع الهوى موجب للهلاك والوقوع فيما لا يرضي الله، ولهذا ذكر البخاري حديث الباب تحت عنوان (ما يكره من الحرص على الإمارة). ومن هذا التعليل يؤخذ الجواب عن الإشكال في كون يوسف عليه السلام سأل العمل فقال:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} وذلك أنه علم أن الكفاءة والمقدرة التي أعطاه الله إياها والأمانة لا توجد عند أحد من الناس غيره، فرأى أن عليه حقًا أن يبين ذلك لعلمه بما سيحصل من الحاجة. وهكذا لو كان شخص بهذه المثابة ولا يعلم من يقوم مقامه للمسلمين، وخاف من ضياع مصالحهم العامة أو الخاصة؛ يتعين عليه القيام بما يراه قادرًا عليه من أمرهم، كما فعل نبي الله يوسف عليه السلام.
ونظير هذا أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن تمني الموت لضر نزل به، وأقرّ على تمني الشهادة وطلبها. وقد اتفقوا على أنه إذا خاف الفتنة جاز له ذلك، كما فعل عتبة بن غزوان لما طلب من عمر وهو في الحج أن يعفيه من الإمارة، فأبى ذلك عليه عمر، فسأل الله الموت فمات بنخلة. وكذلك الحكم بن عمرو الغفاري لما خاف الفتنة، وكذلك قال عمر:"اللَّهم كبرت سني، ورقَّ عظمي، وانتشرت رعيتي وخفت من التقصير، اللَّهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتًا في بلد رسولك". ومثله عن أبي