الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون أصلًا لهم يلحق به الواجب، وإنما روي ذلك عن الشافعي على ما قدّمنا، ولو سلّم لاقتضى ذلك التخصيص، ولم يقل به أحد كما قد عرفت. والذي يترجح في هذه المسألة مذهب الجمهور، لأن أدلتهم في ذلك قوية وطريقهم أقرب إلى الجمع بين الأدلة، والله أعلم.
2 - باب السِّوَاكِ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ
1 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ.
• [رجاله: 6]
1 -
إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن مطر الحنظلي، أبو يعقوب، المعروف بابن راهويه، نزيل نيسابور، أحد أئمة الإِسلام ومشاهير العلماء العظماء الأعلام، روى عن جرير بن عبد الحميد وابن عيينة وحفص بن غياث وابن عُليّة وبشر بن المفضل وابن المبارك والدراوردي وعبد الرّزاق وغيرهم، وعنه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وأبو داود، وروى عنه من شيوخه: بقيّة بن الوليد ويحيى بن آدم، ومن أقرانه: أحمد بن حنبل، وابن معين وإسحاق الكوسج وغيرهم. ولد سنة 166، وتوفي في شعبان سنة 238 - على الصحيح وقيل: 37 - وقد اتفق الأئمة على توثيقه وفقهه وإتقانه، وأثنى عليه الكثير منهم.
2 -
قتيبة، تقدّم 1.
3 -
جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي القاضي، أبو عبد الله الرازي، ولد بأصبهان في قرية منها، نشأ بالكوفة وسكن الري، روى عن عبد الملك بن عمير ويحيى بن سعيد الأنصاري ومنصور بن المعتمر وهشام بن عروة والأعمش وسليمان التيمي وعاصم الأحول وسهيل بن أبي صالح وهشام بن حسان، وعنه قتيبة وابنا أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي وابن معين وابن المديني وأبو خيثمة، وكذلك يحيى بن يحيى وغيرهم. ثقة، أثنى عليه غير واحدٍ من الأئمة، وذكر ابن حجر حكايته عن ابن الشاذكوني عنه في طلاق
الأخرس وقال: إن صحت فجرير كان يدلس، وذكر أحمد أنه لم يكن بالذكي، اختلط عليه حديث أشعث وعاصم الأحول حتى قدم عليه بهز فعرفه. ثم نقل قول البيهقي في السنن أنه نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ، وأن صاحب المحافل ذكر أنه تغيّر قبل موته فحجبه أولاده، ثم رد الحافظ ذلك وقال: إن ذلك جرير بن حازم. وقال قتيبة بعد أن أثنى عليه: سمعته يسبّ معاوية علانيةً قلت: لعل ذلك كان بعد الاختلاط إن صح، وإلا فما أظن أنّ قتيبة يسمعه يسبّ معاوية ويروي عنه. ولد سنة 107 هـ، وهي التي ولد فيها ابن عيينة، وقيل: سنة مائة، ومات سنة 188 هـ. وذكر ابن حجر عنه أنه قال: رأيت ابن أبي نجيح وجابر الجعفي وابن جريج فلم أكتب عن واحدٍ منهم فقيل له: ضعفاء يا أبا عبد الله؟ فقال: لا، أمّا جابر فقد كان يؤمن بالرجعة؛ وأمّا ابن أبي نجيح فقد كان يرى القدر، وأما ابن جريج فقد كان يرى المتعة.
4 -
منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة، وقيل: المعتمر بن عتاب بن فرقد السلمي، أبو عتاب الكوفي، روى عن أبي وائل وزيد بن وهب وإبراهيم النخعي والحسن البصري وغيرهم، وروى عنه الأعمش وسليمان التَّيمي وحصين بن عبد الرحمن، وهم من أقرانه، وروى عنه شعبة والثوري وابن عيينة وجرير بن عبد الحميد وغيرهم، أثنى عليه جماعة من الأئمة، ونقل ابن حجر أن العجلي قال فيه: كوفي، ثقة ثبت، كان أثبت أهل الكوفة، إلى أن قال: رجل صالح أُكرِهَ على القضاء شهرين، وكان فيه تَشَيُّع قليل ولم يكن بغالٍ، وكان قد عمي من البكاء، وصام ستين سنة وقامها. مات سنة 132 هـ، روى له البخاري ومسلم وأصحاب السنن.
5 -
أبو وائل شقيق بن سلمة الحضرمي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل وسعد بن أبي وقاص وحذيفة وابن مسعود وسهل بن حنيف وخبَّاب بن الأرت وكعب بن عجرة وأبي مسعود الأنصاري وأبي هريرة وعائشة وأم سلمة وأبي موسى والبراء وأسامة بن زيد وغيرهم من الصحابة. وروى عنه الأعمش ومنصور ومسروق وحصين بن عبد الرحمن وزبيد اليامي والثوري وحماد بن أبي سليمان وغيرهم. وذكر عاصم بن بهدلة عنه أنه قال: أدركت سبع سنين من سني الجاهلية. وذكر
ابن حِبّان أنه سكن الكوفة، وكان من عبّادها وليس له صحبة، ومولده السنة الأولى من الهجرة. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة، وقيل: إن روايته عن أبي بكر مرسلة. قال خليفة: مات بعد الجماجم سنة 82 هـ، وقال الواقدي: مات في خلافة عمر بن عبد العزيز.
6 -
حذيفة بن اليمان واسمه حسيل بن جابر العبسي، حليف بني عبد الأشهل، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هرب من الكفار إلى المدينة فحالف بني عبد الأشهل، أسلم هو وأبوه وأرادا شهود بدر، فأخذهما المشركون فأخذوا عليهما العهد ألا يحاربا، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوفاء، وشهدا أحدًا وبه قتل حسيل وهو اليمان، قتله المسلمون خطأ، وتصدّق حذيفة بدمه على قاتله، وكان ذلك أول ما عرف من فضله. وكان حذيفة صاحب السر في المنافقين، أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثير منهم، فكانوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إذا مات أحد ولم يصل عليه حذيفة، علموا أنه منافق، ويقال: إن عمر سأله هل سمّاني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، ولا أزكي بعدك أحدًا. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر، وعنه جابر بن عبد الله وجندب بن عبد الله البجلي وعبد الله بن يزيد الخطمي وأبو الطفيل، وغيرهم من الصحابة، ومن التابعين: أبو ظبيان وربعي بن حراش وزيد بن وهب وأبو وائل وزر بن حبيش، والأسود وعبد الرحمن ابنا يزيد النخعيان، وأبو إدريس الخولاني وعبد الرحمن بن أبي ليلى. استعمله عمر على المدائن، وذكر العجلي أنه مات بعد مقتل عثمان بأربعين يومًا، وكان على يديه فتوحات في عهد عمر سنة 22 هـ، الدينور وماسبذان، وهمدان والريّ وغيرها. وقال ابن نمير: مات سنة 36 هـ رضي الله عنه.
• التّخريج
متفق عليه من رواية حذيفة بهذا اللفظ، ولمسلم من رواية ابن أبي شيبة:"إذا قام ليتهجّد"، ولابن ماجه:"يتهجد"، ولأبي داود الطيالسي ورواية عند أحمد والبخاري في الصلاة:"إذا قام للتهجّد"، وفي مصنف ابن أبي شيبة مثل ذلك.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (كان) فعل ماض ناقص، ويدلّ عند بعضهم على التكرار ويأتي
لغيره، والصحيح أنه لا يفيد؛ لكثرة ورودها في الأحاديث الصحيحة في حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجه، ولم تكن منه في الإِسلام إلا حجة واحدة، فدلّ ذلك على صحة التعبير بها في حصول الفعل ولو مرة واحدة. وقوله:(إذا قام) تقدّم الكلام على "إذا"، وقام: من القيام ضد النوم، بمعنى انتبه، وقد تقدّم في شرح الآية والحديث الأول الكلام عليه والقيام يكون بمعنى السعي، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الفتنة:"القاعد فيها خير من القائم" على أحد الوجهين، ويكون بمعنى الانتصاب ضد الجلوس، ويكون بمعنى الإمساك عن المشي فهو ضد المَشْي، ويكون بمعنى الانتباه من النوم وهو المراد هنا. وقام الليل ورمضان: إذا صلّى فيه ولو جالسًا، لأن العادة أن المصليّ يقوم. وقوله:"من الليل" أي: في الليل، أي من نومه الكائن في الليل، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
وقوله: (يشوص) الشوص: هو الدلك والتنقية والغسل والتنظيف، وشاص فاه بالسواك وماصه يشوصه شوصًا كلها بمعنى أي دلكه، وفي اللسان: قال أبو زيد: شاص الرجل سواكه إذا مضغه واسْتَنَّ به، وقيل: الشوص الدلك، واللوص الغسل، وقيل: إمرار السواك على الأسنان عرضا، وقيل: أن يفتح فاه ويمرّه على أسنانه من أسفل إلى علو، وقيل: أن يطعن به فيها، وقيل: دلك أسنانه وشدقيه وإنقاؤه فمه.
وفي الحديث: "من سبق العاطس بالحمد أمن الشوص واللوص والعلوص"، فالشوص: وجع البطن من ريح تنعقد تحت الأضلاع. وقوله: (فاه) مفعول به ليشوص، وعلامة النصب فيه الألف لأنه من الأسماء المعربة بالحروف، وأصله فوه ولذا يجمع على أفواه وتصغيره فويه، فلامُه وهي الهاء محذوفة، فصارت واوه التي هي عينه في الأصل مَدّةٌ تتبع حركة الفاء، وإنما يحسن ذلك فيه إذا أضيف. ولما كانت الواو والياء والألف التي تتعاور عليه بحسب الإعراب تسقط مع التنوين، جعلوا الميم عمادًا للفاء عند الإضافة. وذكره العجاج في الرجز بدون الميم غير مضاف فقال:
خالط من سلمى خياشيمًا وفا
أي: وفما. وفي النسب يقال: فمي وفموي، وفيها الجمع بين العوض وهو الميم والمعوّض عنه وهو الواو، وفي التثنية: فموان، لأن فيه حرفًا
محذوفًا وهو الهاء، فكأن الميم عوض فيه عن الهاء لا عن الواو في هذه الحالة، كما قال الفرزدق:
هما نفثا في فيَّ من فمويهما
…
علي النابح العاوي أشدّ رجام
فأثبت الميم والواو. وإذا لحقته الميم أعرب بالحركات تقول: هذا فمٌ ورأيت فمًا ونظرت إلى فمٍ، والفاء فيه مثلّث، وتشديد الميم يجوز في الشعر، قال محمَّد بن ذئب العماني الفقيمي:
ياليتها قد خرجت من فمِّه
…
حتى يعود الملك في أصطمِّه
وذكر صاحب التّاج: أنّ بعض العرب يجعل حركة الفاء متابعة لحركة الميم فيعربه من محلّين، كما فعلوا في: امرئ وامرؤ وامرأ وابنم وابنم وابنما، ويقال: لا رابع لهذه الثلاثة في هذا الإعراب. قوله: "بالسواك" الباء للمصاحبة أو للاستعانة كما في قولك: كتبت بالقلم، والسواك والمسواك: العود الذي يستاك به أي: يدلك به الفم، والجمع سُوُك ككتب. كما في قول عبد الرحمن بن حسان رضي الله عنه:
أغر الثنايا أحمُّ اللثا
…
ت تمنحه سُوك الأسحل
ويذكر ويؤّنث، وأنكر أبو منصور التأنيث وهو محجوج بالحديث:"السواك مطهرة للفم" كما سيأتي للمصنف، وعلّقه البخاري في الصيام بالجزم، وهو عند أحمد والشافعي وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي من حديث عائشة بسندٍ صحيح. ويهمز فيقال فيه: سُؤك، وهو من ساكه: دلكه، وسوَّك تسويكًا واستاك استياكًا وتسوك، قال عدي بن الرقاع:
وكأن طعم الزنجبيل ولذة
…
صهباء ساك بها المسحر فاها
والسواك والتساوك: السير الضعيف من العجف والهزال، ومثله التسروك يقال: جاءت الإِبل تساوك أي تتمايل من الضعف، قال عبيد الله بن الحُرِّ:
إلى الله أشكو ما أرى بجيادنا
…
تساوك هزلي مُخّهن قليل
والمعنى أنه كان عند القيام من النوم يتقي وينظّف أسنانه وسائر فمه؛ لأن النوم في الغالب يغيّر رائحة الفم، والسواك يزيل ذلك التغير.