المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌9 - ذكر الفطرة والاختتان - شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية - جـ ١

[محمد المختار الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌التمهيد

- ‌1 - تأويل قوله عز وجل {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}

- ‌2 - باب السِّوَاكِ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ

- ‌3 - باب كَيْفَ يَسْتَاكُ

- ‌4 - باب هَلْ يَسْتَاكُ الإِمَامُ بِحَضْرَةِ الرَعِيَّة

- ‌5 - باب التَّرْغِيبِ فِي السِّوَاكِ

- ‌6 - الإِكْثَارِ فِي السِّوَاكِ

- ‌7 - الرُّخْصَةِ فِي السِّوَاكِ بِالْعَشِيِّ لِلصَّائِمِ

- ‌8 - باب السِّوَاكِ فِي كُلِّ حِينٍ

- ‌9 - ذِكْرِ الْفِطْرَةِ والاِخْتِتَانُ

- ‌10 - تَقْلِيمِ الأَظْفَارِ

- ‌11 - نَتْفِ الإِبْطِ

- ‌12 - حَلْقِ الْعَانَةِ

- ‌13 - قَصِّ الشَّارِبِ

- ‌14 - التَّوْقِيتِ فِي ذَلِكَ

- ‌15 - إِحْفَاءِ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحية

- ‌16 - الإِبْعَادِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْحَاجَةِ

- ‌17 - الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ ذَلِكَ

- ‌18 - الْقَوْلِ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ

- ‌19 - النَّهْي عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ قضاء الْحَاجَةِ

- ‌20 - النَّهْي عَنِ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ

- ‌21 - الأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌22 - الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ فِي الْبُيُوتِ

- ‌23 - النَّهْي عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌25 - الْبَوْلِ فِي الْبَيْتِ جَالِسًا

- ‌26 - الْبَوْلِ إِلَى السُّتْرَةِ يَسْتَتِرُ بِهَا

- ‌28 - باب الْبَوْلِ فِي الإِنَاءِ

- ‌29 - الْبَوْلِ فِي الطسْتِ

- ‌30 - كَرَاهِيَةِ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ

- ‌31 - النَّهْي عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ

- ‌32 - كَرَاهِيَةِ الْبَوْلِ فِي الْمُسْتَحَمِّ

- ‌33 - السَّلَامِ عَلَى مَنْ يَبُولُ

- ‌34 - رَدِّ السَّلَامِ على من يبول

- ‌35 - النَّهْي عَنْ الإسْتِطَابَةِ بِالْعَظْمِ

- ‌36 - النَّهْي عَنْ الإسْتِطَابَةِ بِالرَّوْثِ

- ‌37 - النَّهْي عَنْ الإكْتِفَاءِ فِي الإسْتِطَابَةِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ

- ‌38 - الرُّخْصَةِ فِي الإسْتِطَابَةِ بِحَجَرَيْنِ

- ‌39 - الرُّخْصَةِ فِي الإسْتِطَابَةِ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ

- ‌40 - الإجْتِزَاءِ فِي الإسْتِطَابَةِ بِالْحِجَارَةِ دُونَ غَيْرِهَا

- ‌41 - الإسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ

- ‌42 - النَّهْي عَنْ الإسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ

- ‌43 - باب دَلْكِ الْيَدِ بِالأَرْضِ بَعْدَ الإسْتِنْجَاءِ

- ‌44 - باب التَّوْقِيتِ فِي الْمَاءِ

- ‌45 - باب تَرْكِ التَّوْقِيتِ فِي الْمَاءِ

- ‌46 - باب الْمَاءِ الدَّائِمِ

- ‌47 - باب في مَاءِ الْبَحْرِ

- ‌48 - باب الْوُضُوءِ بِالثَّلْجِ

- ‌49 - الْوُضُوءِ بِمَاءِ الثَّلْجِ

- ‌50 - باب الْوُضُوءِ بِالْبَرَدِ

الفصل: ‌9 - ذكر الفطرة والاختتان

النظافة والإكثار منها لأن الفم عرضة لتغير الرائحة. وفيه من الحرص على السواك وفعله بحضرة الغير ما تقدم بيانه، لاسيما أنه في هذه الحالة فيه تعليم لأهل البيت ليقتدوا به في ذلك.

‌9 - ذِكْرِ الْفِطْرَةِ والاِخْتِتَانُ

9 -

أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الإخْتِتَانُ وَالإسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الإِبْطِ".

[رواته: 6]

1 -

الحرث بن مسكين بن محمَّد بن يوسف الأموي مولاهم، أبو عمر المصري الفقيه المالكي، رأى الليث وسأله، روى عن ابن القاسم وابن وهب وابن عيينة ويوسف بن عمر الفارسي وغيرهم، وعنه أبو داود والنسائي وابنه أحمد بن الحارث وعبد الله بن أحمد ويعقوب بن شيبة وأبو يعلى وابن أبي داود ومحمد بن زبان وغيرهم. قال النسائي: ثقة مأمون، ووثقه الخطيب في الحديث، حمله المأمون إلى بغداد لأنه لم يقل بخلق القرآن وكان قاضيًا على مصر، فلم يزل محبوسًا بها حتى أطلقه المتوكل لما رفع المحنة، فحدّث ببغداد ورجع إلى مصر، كتب إليه المتوكل عهده على قضاء مصر فلم يزل قاضيًا من سنة 237 إلى أن صرف، وقيل: إنه استعفى سنة 245، وكان مولده سنة 154 وتوفي في ربيع سنة 255. أثنى عليه أحمد وقال: ما بلغني عنه إلا خير، وقال ابن معين: لا بأس به. قال الحاكم: ثقة مأمون، سأل الليث عن مسألة في العصر وليس له عن الليث غيرها. حكي عنه أنه قال: حججت فرأيت رجلًا في عمارية، فسألت عنه فقيل: هذا مالك، ولم أسمع منه. وقال مسلمة الأندلسي: ثقة، أخبرنا عنه غير واحد.

2 -

عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري الفقيه، روى عن عمرو بن الحارث وابن هانئ وحسين بن عبد الله المعافري

ص: 110

وبكر بن مضر وحيوة بن شريح وغيرهم من أهل مصر، وروى عن مالك والسفيانين وسليمان بن بلال وحفص بن ميسرة وغيرهم، وعنه ابن أخيه أحمد بن عبد الرحمن بن وهب وشيخه الليث بن سعد وابن مهدي وعبد الله بن يوسف التنيسي وابن المديني ويحيى بن يحيى النيسابوري ومحمد بن سلمة المرادي وعيسى بن حماد زغبة وغيرهم. أثنى عليه أحمد في العقل والدين والصلاح وقال: صحيح الحديث، ما أصح حديثه وأثبته، قال ابن صالح: حدث بمائة ألف حديث، ووثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح الحديث صدوق، وقال أبو زرعة: ثقة، ووثقه ابن عدي. وعن خالد بن خداش: قرئ على ابن وهب كتاب أهوال يوم القيامة من تصنيفه، فخر مغشيًا عليه ولم يتكلم حتى مات بعد أيام، قال: فنرى والله أعلم أنه انصدع قلبه. مات بمصر رضي الله عنه سنة 197 في شعبان، ولد سنة 125، وقال ابن عبد البر: كان مولى ريحانة مولاة ابن أنس الفهري، وقال ابن سعيد: كثير العلم ثقة يدلس، ووثقه العجلي، وعرض عليه القضاء فلم يقبل، ولزم بيته وجنّن نفسه، وكان يسمى ديوان العلم، ووثقه النسائي، وقال الخليلي: ثقة متفق عليه.

3 -

يونس بن يزيد بن أبي النجاد ويقال: ابن مشكان بن أبي النجاد الأيلي أبو يزيد، مولى معاوية بن أبي سفيان، روى عن أخيه أبي علي بن يزيد والزهري ونافع مولى ابن عمرو وهشام بن عروة وعمارة بن غزية، وعكرمة وغيرهم، وعنه جرير وعمرو بن الحارث -ومات قبله- وابن أخيه عنبسة بن خالد بن يزيد والليث والأوزاعي وسليمان بن بلال وابن المبارك وابن وهب والقاسم بن مسروق ومفضل بن فضالة وغيرهم. أثنى عليه ابن المبارك في الحفظ عن الزهري، وقال أحمد: ما أعلم أحدًا أحفظ لحديث الزهري من معمر، إلا ما كان من يونس. وعن ابن المبارك مثله، وقال أحمد أيضًا: فيه ثقة، ووثقه ابن معين وذكره في أحفظ الناس لحديث الزهري، بدأ بمالك ومعمر ويونس، وقدمه أحمد بن صالح في الزهري، ووثقه العجلي والنسائي، وقال ابن خراش: صدوق. وذكر الأثرم أن أحمد ضَعَّفَ أمره وقال: في حديث يونس عن الزهري منكرات، وقال ابن سعد: ليس بحجة، ربما جاء بالشيء المنكر، وذكره ابن حبان في الثقات. توفي سنة 159.

ص: 111

4 -

ابن شهاب الزهري: تقدم 1.

5 -

سعيد بن المسيب بن حزن بن وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي، روى عن أبي بكر مرسلًا وعن عمر وعثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن عمر وأبيه المسيب وحكيم بن حزام وعائشة وجماعة وغيرهم. وعنه ابنه محمَّد وسالم بن عبد الله والزهري وقتادة وشريك بن أبي نمر ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم، أثنى عليه غير واحد من أهل العلم، وقال فيه ابن عمر: هو والله من المتقنين، وقال قتادة: ما رأيت أعلم بالحلال والحرام منه، قال ابن معين: مرسلات ابن المسيب أحب إلي من مرسلات الحسن، وقال أحمد: ومن مثل سعيد؟ ثقة من أهل الخير، وسئل عن سعيد عن عمر حجة؟ فقال: نعم هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل، وقال: مرسلات سعيد صحاح، لا نرى أصح من مرسلاته. قال الشافعي: إرسال ابن المسيب عندنا حسن، وقال يحيى بن سعيد: كان ابن المسيب يسمى راوية عمر، كان أحفظ الناس لأقضيته وأحكامه. قال أبو زرعة: مدني ثقة إمام، والثناء عليه كثير. مات سنة 94 في خلافة الوليد وهو ابن 75 سنة، وقد صح عنه أنه ولد لسنتين من خلافة عمر، كما قال ابن معين، قال ابن حجر: وعلى ذلك يكون عمره 80 سنة إلا سنة. وقد روى عنه أنه قال: بلغت ثمانين سنة وأنا أخوف ما أخاف على نفسي النساء. مكث أربعين سنة لا ينادى للصلاة إلا وهو في المسجد، وقد ضربه هشام بن إسماعيل المخزومي والي المدينة لعبد الملك بن مروان ثلاثين سوطًا، لما امتنع عن البيعة بولاية العهد لأبناء عبد الملك، وطيف به وحبس رضي الله عنه، وفضائله كثيرة.

6 -

أبو هريرة الدوسي: تقدم 1.

• التخريج

متفق عليه. أخرجه البخاري في كتاب اللباس في باب قص الشارب، ومسلم في كتاب الطهارة في باب خصال الفطرة، وأبو داود وابن ماجه والترمذي في الأدب، وأخرجه أحمد.

ص: 112

• اللغة والإعراب والمعنى

(الفطرة) من الفطر: وهو الشق والانفطار، ومنه قوله تعالى:{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} والفطور: الشقوق، قال تعالى:{هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} وفطرت الشيء وفطرته: شققته، قال الشاعر -وينسب لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة:

شققت القلب ثم ذررت فيه

هواك فليم فالتأم الفطور

وقيل للطري الكبار من الكمأة فطورًا -واحدها فطرة-: لانشقاق الأرض عنه، وفطر الله الخلق: خلقهم، والفطرة: الخُلُقْ، قال الشاعر:

هوَّن عليك فقد نال الغنى رجل

بفطرة الكلب لا بالدين والحسب

والتفاطير: البثور في الوجه، ويقال بالنون قال الشاعر:

نفاطير الجنون بوجه سلمى

قديمًا لا نفاطير الشباب

واحدها نفطورة، والفطرة أيضًا: الدين وما فطر الله عليه الناس من المعرفة، وهي أيضًا: ما خلق الله عليه الولد في بطن أمه من شقاوة أو سعادة، وبه فسّر قوله تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} . قلت: ويحتمل أنها في الآية: ما يولدون عليه من أصل العهد الذي أخذ عليهم في قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} ، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه" الحديث، أو: سلامتهم من أي دين، فهم في أصل الخلقة قابلون لما يلقى عليهم أولًا، وتفسيرها هنا بالدين أو السنة أو هما معًا أولى، لما في بعض الروايات: خمس خصال أو عشر خصال من سنن المرسلين، فتحصل من هذا أن الفطرة في الأصل: الخلقة والجبلة، والتخليق يستلزم الشق كما أن خلق الإنسان يتضمن اختراعه، فهذه معاني المادة، وتفسر بالدين والسنة والتوحيد لله عز وجل، والمناسب هنا: إما السنة أو الدين أو العادة التي جبل الناس عليها من توحيد الله، أو مما يستحسن من عمل المرسلين. وقوله:(خمس) خبر المبتدأ الذي هو الفطرة، وظاهره حصرها في الخمس، وسيأتي بيانه إن شاء الله (والاختتان) افتعال من الختن وهو القطع، اختتن الصبي فهو مختتن إذا قطعت جلدة ذكره وهي القلفة، والفعل: الختان، وكذا الجارية إذا قطع طرف اللحمة التي في أعلى الفرج، والختان: اسم لموضع القطع، كما سيأتي من قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل". والاختتان للذكر

ص: 113

والأنثى، ويقال في الأنثى يقال فيه الخفض، فيقال: ختن الصبي وخفض الجارية، ويقال فيه: الإعذار، ومنه قول الشاعر:

في فتيته جعلوا الصليب إلههم

حاشاي أني مسلم معذور

أي مختون لهما، أو هو للولد، قال أبو عبيد: يقال: عذرت الجارية والغلام وأعذرتهما: ختنتهما وأختنتهما وزنًا ومعنى. وقوله: الفطرة مبتدأ، و"أل" فيه الظاهر أنها عوض عن المضاف إليه، لما قدمنا من أن المراد سنة المرسلين التي يكونون عليها ومتعبدون بها، وعلى تفسيرها بالدين أو السنة من غير إضافة، فأل فيها للعهد الذهني. وقوله:(خمس) أي خمس خصال، وتقدم أن ظاهره الحصر، وهو غير مراد لما ورد في الحديث الذي بعده بلفظ:"خمس من الفطرة" بحرف التبعيض الذي هو: من. والحصر: قصر الحكم على المذكور ونفيه عما سواه، وهو حقيقي في قصر الصفة على الموصوف، كقولهم: العالم في البلد زيد، فإنه يدل أنه ليس في البلد عالم غيره، ونسبي -ويسمى مجازًا- وهو قصر الموصوف على الصفة. وعندهم أنه نادر الوجود إلا نسبيًا -أي بالنسبة لشيء آخر- لأنه قلّ أن يوجد موصوف ليس له إلا صفة واحدة، فلهذا قالوا: إنه لا يكون غالبًا إلا مجازًا، كقوله تعالى:{إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ} أي بالنسبة لعدم قدرته على ما يطلبونه منه، وقوله تعالى:{إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} ، ومن المعلوم أن الرسل لهم كثير من الصفات التي يمتازون بها عن غيرهم. ومنه قوله عليه السلام:"الدين النصيحة" بولغ في أهميتها حتى كأن الدين انحصر فيها. والحصر هنا مستفاد من تعريف المسند وهو من القسم الأول، ولكن هذا الظاهر غير مراد وإن كان هو الأصل، والصارف عنه الرواية التي بعده، وأصرح منها في عدم الحصر ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة:"عشر خصال من سنن المرسلين"، فزاد على الخمس مع حرف التبعيض الدال على عدم الحصر في العشر أيضًا فوجب صرف هذا اللفظ عن ظاهره ليتفق الكلام، فإن مخرجه واحد ولا يجوز عليه التناقض. وقوله:(الاختتان) إما بدل من "خمس" أو هو خبر لمبتدأ محذوف والباقي معطوفات عليه. (والاستحداد) استفعال من استعمال الحديدة لإزالة الشعر في العانة، والتعبير بالاستحداد يدل "على أن الأفضل استعمال الحديدة في إزالة شعرها

ص: 114

دون النتف، لما فيه من الضرر فإنه يرخي المحل، ودون النورة ونحوها مما يزال به الشعر. (وقص الشارب) أي قص الشعر الذي على شفة الرجل، والشارب ما سال على الفم من الشعر، ويقال شوارب وهو واحد قدر أنه أجزاء متفرقة فجمعوه على شوارب وجعلوا كل جزء بمنزلة الشارب، ويثنى باعتبار طرفيه فيقال شاربان، وقيل: إنَّ التثنية فيه خطأ، قال أبو علي: لا يكاد الشارب يثنى، وكذا قال أبو حاتم، وذكر أبو عبيد قال الكلابيون: شاربان باعتبار طرفيه. (وتقليم) تفعيل من قلّم ظفره: إذا قطع الزائد منه عن اللحم، ويقال لهذا المقطوع: القلامة، وقلّم الظفر والحافر والعود: إذا قطعه بالمقلمين، وقلمه أيضًا والمصدر من قلم قلم، والقلامة: ما قطع منه، قال الشاعر:

لما أتيتم فلم تنجوا بمظلمة

قيس القلامة مما جزه القلم

وقال ابن المعتز:

ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا

مثل القلامة قد قدت من الظفر

ويقال للقلامة أيضًا: القسيط، كما في قول الشاعر عمرو بن قمئة يصف هلالا:

كأن ابن مزنتها جانحا

قسيط لدى الأفق من خنصر

(والأظفار) جمع ظفر بالضم والسكون وبضمتين، وظفر -بالكسر- شاذ، وبه قرأ أبو السمال "كل ذي ظفر". والظفر معروف ويكون للإنسان وغيره ويقال: أظفور، وغلطوا الجوهري في قوله: إن الأظفور جمع، ولكنه اسم للظفر، قال الشاعر:

ما بين لقمته الأولى إذا انحدرت

وبين أخرى تليها قيد أظفور

قوله: (ونتف الإبط) والإبط بالسكون وكسر الهمزة وبكسر الباء مع الهمزة لغة، فيلحق بإبل، والجمع آباط وهو: باطن المنكب، ويقال: باطن الجناح والمراد نتف الشعر النابت، فيه كما سيأتي إن شاء الله.

• الأحكام والفوائد

اختلف العلماء في حكم الختان على ثلاثة أقوال:

الأول: أنه سنة في الذكور والإناث.

الثاني: أنه واجب فيهما.

ص: 115

الثالث: أنه سنة في الذكور ومكرمة في النساء، أو واجب في الذكور.

فذهب مالك في المشهور عنه وأكثر أهل العلم إلى أنه سنة وليس بواجب، وهو قول لبعض الشافعية وقول الحنفية ورواية عن أحمد.

وذهب الشافعي في المشهور عنه إلى الوجوب، وهو رواية لبعض المالكية وبعض الحنابلة وقول لأبي حنيفة، لكن على أصله في التفرقة بين الواجب والفرض.

وأما القول بالتفرقة فهو مروي عن الشافعي وعن أحمد كذلك.

واحتج القائلون بأنه سنة بحديث يروى من حديث الحجاج بن أرطأة وفيه: (الختان سنة في الرجال مكرمة في النساء) وأعل بالاضطراب وعدم الاحتجاج برواية حجاج بن أرطأة، والحديث أخرجه أحمد والبيهقي، ومن وجه آخر ضعفه البيهقي وقال:(لا يصح رفعه)، رواه الطبراني في الكبير والبيهقي.

وأما القائلون بالوجوب فأكبر حجتهم أن إبراهيم اختتن بالقدوم، وفي رواية لأبي هريرة:"وهو ابن ثمانين سنة"، وقد أمرنا الله باتباعه في قوله:{أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} ولأنه يختتن الكبير والنظر إلى عورته حرام، فلو لم يكن الختان واجبًا لما جاز ذلك، وبقول ابن عباس إن هذه الخصال العشر التي ورد أنها خصال الفطرة هي التي ابتلي بها إبراهيم فأتمها، ولا يناسب الابتلاء إلا التكليف بالواجب، ولأن الجلدة بقاؤها يبقي النجاسة في المحل. قلت: وهذا كله ليس فيه مقنع في الحجة: أما اختتان إبراهيم وأمرنا باتباعه فهو لا يصلح دليلًا على الوجوب في أفراد المتَّبع فيه، بل يكون فيه واجب وغير واجب، كما هو الشأن في اتباعنا لمحمد صلى الله عليه وسلم فإنا نتبعه في الواجب وغيره، وأما اختتان الخليل فلا يصلح حجة للاحتمال المذكور من أنه إنما فعله استنانا. وأما كونه من العشر ففي الخصال العشر التي أتمها الخليل ما هو غير واجب اتفاقًا كالسواك فقد تقدم حكمه، وكذلك قص الأظفار ونتف الإبط والمضمضة والاستنشاق عند الأكثرين، فهذه الأمور التي استدلوا بها كلها أعم من موضوع النزاع، وإذا كان الدليل أعم من موضوع النزاع فلا يصلح دليلًا يحتج به أحد المتنازعين. وأما بقاء النجاسة فقد يجاب عنه بإعطائه حكم داخل الجسد أو وجوب غسله من تحت الجلدة.

وأما أهل التفرقة بين الأنثى والذكر فلقوله: مكرمة في النساء. والذي يظهر

ص: 116