الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«صلة التكملة» :
يعدّ التنظيم على الوفيات واحدا من الأساليب الخمسة لعرض التراجم عند المؤلّفين المسلمين، وهي إضافة إليه: التنظيم على الطبقات، والتنظيم على الأنساب، والتنظيم على البلدان، ثم على حروف المعجم
(1)
.
وكان هذا النوع من طريقة عرض التراجم قد تأخّر التأليف فيه قياسا بالتنظيمات الأخرى التي عرفت منذ مدة مبكّرة، فلم يظهر إلاّ في المئة الرابعة، حين ألّف أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق البغداديّ المتوفّى سنة 351 هـ كتابا في الوفيات ابتدأه من الهجرة ووصل به إلى سنة 346 هـ
(2)
، لكنه لم يصل إلينا.
وأول كتاب وصل إلينا هو: «تاريخ موالد العلماء ووفياتهم» الذي ألّفه الحافظ أبو سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد بن ربيعة، المعروف بابن زبر، الرّبعيّ الدمشقيّ المتوفّى سنة 379 هـ، ابتدأه من الهجرة ووصل به إلى سنة 338 هـ، وهو كتاب مختصر
(3)
. ومع أنه اتخذ الوفاة أساسا في التنظيم كما هو متعارف في هذا النوع من أساليب العرض، إلا أنه لم يراع دقة التنظيم في اليوم والشّهر والسنة، ولعلّ ذلك يعود إلى عدم نضج الفكرة التنظيميّة لهذا النوع نضجا نجده واضحا في الكتب المتأخّرة.
وكتاب «الصّلة» هذا حلقة من حلقات ارتبطت بكتاب ابن زبر الرّبعي، فذيّلت عليه، فقدت بعض هذه الحلقات، فلا نعرف لها وجودا في عالم
= المحرم، ففيه نظر؛ لأن والده توفي بعد ذلك بشهرين في الأقل.
(1)
ينظر بحثنا: أثر دراسة الحديث في تطور الفكر العربي (منشور في كتاب: رحلة في الفكر والتراث) ص 32 فما بعد.
(2)
ينظر كتابنا: الذهبي ومنهجه 399.
(3)
حققه السيد عبد الله بن أحمد بن سليمان الحمد، ونشر في الرياض سنة 1410 هـ.
المخطوطات اليوم، ووصلت إلينا أخرى
(1)
.
وقد ذيّل على ابن زبر تلميذه الحافظ أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتّانيّ الدمشقيّ المتوفّى سنة 466 هـ، فوصل به إلى سنة وفاته، وفي خزانة كتبي نسخة مصوّرة منه.
ثم ذيّل على الكتّانيّ تلميذه أبو محمد هبة الله بن أحمد المعروف بابن الأكفاني المتوفّى سنة 524 هـ، وصل به إلى سنة 485 هـ وسمّاه «جامع الوفيات» ، وعندي نسخة مصورة منه.
وذيّل على ابن الأكفانيّ شرف الدّين أبو الحسن عليّ بن المفضّل المقدسيّ ثم الإسكندرانيّ المالكي المتوفّى سنة 611 هـ وسماه «وفيات النّقلة» ، بدأ فيه من سنة 485 هـ وانتهى إلى سنة 581 هـ، ولم يصل إلينا فيما أعلم.
وذيّل على ابن المفضّل المقدسيّ تلميذه الحافظ زكيّ الدّين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القويّ بن عبد الله المنذريّ المصري (581 - 656 هـ) وسماه «التكملة لوفيات النقلة» ابتدأ به من سنة 581 هـ، وهو عام مولده، وانتهى به إلى أثناء سنة 642 هـ حيث أدركته الوفاة، وقد وصل إلينا كاملا
(2)
،
(1)
تنظر تفاصيل ذلك في كتابنا: المنذري وكتابه التكملة ص 199 - 225، وبحثنا: كتب الوفيات وأهميتها في دراسة التاريخ الإسلامي، المنشور في مجلة كلية الدراسات الإسلامية ببغداد، العدد الثاني، 1968 م.
(2)
لم أقف حين نشرت الكتاب في طبعته الثانية على الجزء الأول المتضمن مقدمة المؤلف وأول خمسين ترجمة شملت وفيات سنة 581 هـ وقسما من وفيات سنة 582 هـ. ثم دلّني صديقي العلامة محمد المنوني يرحمه الله على نسخة فيها الأجزاء العشرة الأولى في تركة محمد عبد الحي الكتاني التي أهديت إلى جلالة الملك الحسن الثاني ملك المملكة المغربية طيب الله ثراه، وتعسر الحصول عليها حتى كلّمت جلالة الملك بشأنها حين ألقيت أحد الدروس الحسنية سنة 1985 م بقصره العامر، فأمر جلالته بإهدائي نسخة مصورة منها في الثاني والعشرين من شهر رمضان سنة 1405 هـ الموافق 12/ 6 / 1985 م.
وهو مطبوع عدة طبعات متداول مشهور، بتحقيقنا، قال في مقدّمته: «فإن ولدي الرشيد أبا بكر محمدا، قدّس الله تعالى روحه ونوّر ضريحه
(1)
، لمّا كتب كتاب أبي سليمان محمد بن عبد الله بن زبر الحافظ في موالد العلماء ووفياتهم الذي بدأ فيه من السنة الأولى من الهجرة إلى سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة، ثم كتب ذيله لأبي محمد عبد العزيز بن أحمد الكتّانيّ الحافظ، ثم كتب ذيله لأبي محمد هبة الله بن أحمد الأكفانيّ الحافظ، وانتهى ذلك إلى سنة خمس وثمانين وأربع مئة، ثم وقف على ذيله لشيخنا الحافظ أبي الحسن عليّ بن المفضّل المقدسيّ، رضي الله عنهم، الذي بدأ فيه من سنة خمس وثمانين وأربع مئة وانتهى إلى سنة إحدى وثمانين وخمس مئة، وهي السنة التي ولدت فيها، ورأى ما تضمنته هذه الكتب من الفوائد، تغمّد الله مصنّفيها برضوانه وأسكنهم غرف جنانه وجعل سعيهم في ذلك مشكورا وعلمهم مبرورا، تاقت نفسه إلى أن يقف على ما بعد ذلك إلى وقته، فرغب إليّ مرة بعد أخرى أن أجمع له في ذلك مجموعا، فاعتذرت إليه بما هو مشاهده من كثرة الأشغال وتقسّم البال، وهو يأبى إلا تسهيل مطلوبه وتعجيل مرغوبه، فلم أجد بدّا من إجابة سؤاله وتحقيق آماله. غير أنّي أردت إرجاء ذلك مدة تكون معينة على استقصائه وذريعة إلى استيفائه. ثم خطر لي أنّ المبادرة بما تحصّل أولا والمسارعة إلى ما تيسّر أحرى، وما وجد بعد ذلك ألحقته في حواشيه أو أفردت في جزء يليه. على أنّ الكتب التي قدّمت ذكرها وبيّنت أمرها قد أهمل في كلّ منها جماعة كبيرة وثلة خطيرة، فإن فسح الله في المدة ويسّر جمعت مجموعا يتضمّن ما أهملوه، يكون لهذه التصانيف كالصّلة. وهذا الذي أذكره فمنه ما شاهدته ومنه ما حفظته عن مشايخنا ونبلاء رفقائنا مشافهة ومكاتبة، ومنه ما رأيته بخطّ من يوثق به، إلى غير ذلك مما تجوز الرّواية به ويسوغ الإخبار عنه. وآثرت حذف الأسانيد والاختصار تيسيرا للمتحفّظ، وسمّيته
(1)
توفي وهو في ريعان شبابه سنة 643 هـ، وهو مترجم في صلة التكملة، الترجمة 188.
(1)
.
ومع أنّ المنذريّ وصل «بالتكملة» إلى أثناء سنة 642 هـ، إلا أنّ الحسينيّ ابتدأ كتابه من أوّل سنة 641 هـ، فشارك شيخه المنذريّ في سنة وثلاثة أشهر.
ويظهر من بقيّة المقدّمة التي كتبها عزّ الدين الحسينيّ لكتاب «الصّلة» أنه أراد أن يحقّق رغبة شيخه المنذريّ في الاستدراك على المتقدّمين، بله تأليف كتاب شامل لما ذكروه وما يمكن أن يستدرك عليهم يبدأ من أول الهجرة وينتهي إلى زمانه، لكنّ هذه الرغبة لم تتحقّق، بل وقف هو في كتابه إلى سنة 675 هـ، أي قبل وفاته بعشرين عاما، ولعلّ مشاغل الحياة وأعباء الوظيفة شغلته عن إتمام مشروعه.
لقد سار الحسينيّ على خطّة شيخه الزكيّ المنذريّ في عرض التراجم من حيث تنظيم التراجم باليوم والشهر والسنة، والبدء بتاريخ الوفاة واسم صاحب الترجمة ولقبه وكنيته ونسبه ومكان وفاته والصلاة عليه ومكان دفنه، ثم تاريخ مولده، ودراسته وأخذه عن المشايخ وذكر مسموعاته، وتحديثه، ومنزلته، وذكر المعروفين من أهله، وضبط ما يشتبه في الترجمة من الأسماء والأنساب، وهو ما وضّحته بتفصيل في كتابي «المنذريّ وكتابه التكملة» فلا أجد حاجة لإعادته هنا لاتّحاد الأسلوبين وتماثل الطريقتين.
وقد ذيّل على الحسينيّ شهاب الدين أبو الحسين أحمد بن أيبك بن عبد الله الحساميّ الدّمياطيّ المتوفّى سنة 749 هـ وسماه «تتمة صلة التكملة»
(2)
، ووصل به إلى سنة وفاته
(3)
، وذكره التقيّ الفاسي المتوفّى سنة
(1)
التكملة، الورقة 1 - 2 (من القسم غير المطبوع).
(2)
ابن حجر: الدرر 2/ 145.
(3)
ابن قاضي شهبة: تاريخه 2/ 562.
832 هـ من بين مصادره ونقل عنه في «العقد الثمين»
(1)
. وسيأتي عند وصف النسخة الخطيّة أنه استدرك على الحسينيّ عشرات التراجم، وأضاف إلى تراجم الحسينيّ إضافات مهمة.
وأما قول ابن قاضي شهبة في تاريخه، والسخاويّ في «الإعلان بالتوبيخ» - وأخذه عنه حاجي خليفة في «كشف الظنون» -: إن الحافظ زين الدّين أبا الفضل عبد الرحيم بن عبد الرحمن العراقيّ المتوفّى سنة 806 هـ قد ذيّل على وفيات أبي الحسين أحمد بن أيبك الدّمياطي، ثم ذيّل ولده وليّ الدّين أبو زرعة المتوفّى سنة 826 هـ على ذيل أبيه
(2)
، ففيه نظر، ذلك أنّ زين الدّين ابن العراقيّ إنما ذيّل على «ذيل العبر» للذهبيّ وتبعه ولده الوليّ فذيّل على ذيل أبيه، وقد وصل إلينا
(3)
، قال وليّ الدّين:«فهذا تاريخ متوسّط ابتداؤه سنة مولدي، وهو ذيل على تاريخ والدي أبقاه الله تعالى الذي ذيّل به على «ذيل العبر» للحافظ أبي عبد الله الذهبيّ رحمه الله»
(4)
. وقال التقيّ الفاسيّ في مقدّمة «العقد الثمين» وهو يذكر موارده: «ومن ذلك: وفيات شيخنا العراقيّ التي ذيّل بها على «العبر» للذهبي، أنبأنا بها إجازة»
(5)
. ولعلّهما أرادا أنها تصلح لأن تكون ذيلا على وفيات أبي الحسين الدّمياطيّ لتقارب المدة.
ويعد «صلة التكملة» لعزّ الدين الحسينيّ من أمهات كتب التراجم الأصيلة، ذلك أنّ جميع من ترجم لهم - وعددهم (1242) ترجمة - هم ممّن
(1)
العقد الثمين 1/ 26.
(2)
تاريخ ابن قاضي شهبة 4/ 380، والإعلان بالتوبيخ 702 (ضمن كتاب علم التاريخ لروزنتال)، وكشف الظنون 2/ 2019.
(3)
حققه تلميذي الدكتور صالح مهدي عباس، ونشرته مؤسسة الرسالة سنة 1989 م.
(4)
الذيل 1/ 49.
(5)
العقد الثمين 1/ 25.