الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى
ــ
[طرح التثريب]
حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إنْ كَانَ هُوَ الطَّالِبُ نَزَلَ فَصَلَّى عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَطْلُوبُ صَلَّى عَلَى ظَهْرٍ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَى ظَهْرٍ وَإِنْ كَانَ طَالِبًا وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا.
(الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَدْ يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ (فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا) يَقْتَضِي فِعْلَ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ كَمَا فِي حَالَةِ مُطْلَقِ الْخَوْفِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَقَالُوا إنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ كَحَالَةِ الْأَمْنِ وَاقْتَصَرَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى جَوَازِ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ وَأَوْجَبُوا الِانْفِرَادَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِجَمَاعَةٍ قَالَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِانْعِدَامِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ انْتَهَى.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ كَالْمُصَلِّينَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَفِيهَا، وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ احْتِمَالًا كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]
[حَدِيث نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]
(الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ
بَعْدَ غَدٍ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ «فَهَذَا يَوْمُهُمْ وَقَالَ فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ فَالْيَهُودُ غَدًا» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «بَيْدَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُوتِيَتْ وَزَادَ فِيهَا ثُمَّ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا» .
ــ
[طرح التثريب]
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ «فَهَذَا يَوْمُهُمْ وَقَالَ فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ فَالْيَهُودُ غَدًا» (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ وَمِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «بَيْدَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُوتِيَتْ الْكِتَابَ» وَفِيهَا «ثُمَّ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا» وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ لَعَلَّ عَلَيْهِمْ أَصَحُّ لِمُوَافَقَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ «فَهَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي اُفْتُرِضَ عَلَيْهِمْ» وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا مِنْ صَحِيحَيْهِمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ» الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ فَهَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ قَالَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَالْيَوْمُ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى» .
(الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «نَحْنُ الْآخِرُونَ» بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ فِي الزَّمَانِ وَالْوُجُودِ وَإِعْطَاءِ الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ «السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ بِالْفَضْلِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَفَصْلِ الْقَضَاءِ فَتَدْخُلُ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْجَنَّةَ قَبْلَ سَائِرِ الْأُمَمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» وَالتَّقَيُّدُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ سَبْقُهُمْ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَيَّامِ بَعْدَهُ الَّتِي هِيَ تَبَعٌ لَهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ سَبْقُهُمْ بِالْقَبُولِ وَالطَّاعَةِ الَّتِي حُرِمُوهَا وَقَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَصَحَّ وَصْفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْآخِرِيَّةِ وَالسَّبْقِ بِاعْتِبَارَيْنِ فَلَمَّا اخْتَلَفَ الِاعْتِبَارُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَنَافٍ فَإِنْ قُلْت كَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ آخِرَ الْأُمَمِ أَمْرٌ وَاضِحٌ فَمَا فَائِدَةُ الْإِخْبَارِ بِهِ؟ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذُكِرَ تَوْطِئَةً لِوَصْفِهِمْ بِالسَّبْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَا يُتَخَيَّلُ مِنْ تَأَخُّرِهِمْ فِي الزَّمَنِ تَأَخُّرُهُمْ فِي الْحُظُوظِ الْأُخْرَوِيَّةِ بَلْ سَابِقُونَ فِيهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُمْ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَنَّ شَرِيعَتَهُمْ بَاقِيَةٌ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ مَا دَامَ التَّكْلِيفُ مَوْجُودًا فَسَائِرُ الْأُمَمِ وَإِنْ سَبَقُوا لَكِنْ انْقَطَعَتْ شَرَائِعُهُمْ وَنُسِخَتْ بِخِلَافِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّ شَرِيعَتَهَا بَاقِيَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَمْكَنُ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ فِي وَصْفِهِمْ بِالْآخِرِيَّةِ شَرَفٌ كَمَا أَنَّ فِي وَصْفِهِمْ بِالسَّبْقِ شَرَفًا وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ ذِكْرُهُ مُجَرَّدَ تَوْطِئَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ بَيْدَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهَا مَيْدَ بِالْمِيمِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا بِمَعْنَى غَيْرَ وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ يُقَالُ هُوَ كَثِيرُ الْمَالِ بَيْدَ أَنَّهُ بَخِيلٌ وَذَكَرَ فِي الْمُحْكَمِ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ السِّكِّيتِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هِيَ بِمَعْنَى عَلَى حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَوَّلُ أَعْلَى وَحَكَى فِي الْمَشَارِقِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهَا بِمَعْنَى إلَّا ثُمَّ قَالَ وَقَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ» وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى وَأَنْشَدُوا عَلَى مَجِيئِهَا بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ قَوْلَ الشَّاعِرِ
عَمْدًا فَعَلْت ذَاكَ بَيْدَ أَنِّي
…
أَخَافُ إنْ هَلَكْت أَنْ تَزِنِّي
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ أَنَّ بَيْدَ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ» بِمَعْنَى غَيْرَ مِثْلُ قَوْلِهِ
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
…
بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا اسْتَبْعَدَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَوْنَ بَيْدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي نَشْرَحُهُ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ لِتَعَلُّقِهِ بِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ السَّابِقُونَ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى كَأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ سَبْقِنَا كَوْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَيَتَّحِدُ فِي الْمَعْنَى كَوْنُهَا بِمَعْنَى غَيْرَ وَكَوْنُهَا بِمَعْنَى عَلَى وَكَوْنُهَا بِمَعْنَى إلَّا أَمَّا إذَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
جَعَلْنَاهُ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ الْآخِرُونَ اتَّجَهَ كَوْنُهَا بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ أَيْ نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا قَالَ لِبُعْدِهِ فِي اللَّفْظِ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْجِيهِ كَوْنِنَا الْآخِرِينَ بِهَذَا فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ إنَّمَا الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى تَوْجِيهِهِ كَوْنُنَا السَّابِقِينَ وَقَدْ بَيَّنَ وَجْهَهُ وَهُوَ السَّبْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى الْحُظُوظِ الْأُخْرَوِيَّةِ مِنْ الْإِرَاحَةِ مِنْ كَرْبِ الْمَوْقِفِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَقَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ السَّبْقُ مُقَيَّدًا بِكَوْنِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُسْتَثْنَى إيتَاؤُهُمْ الْكِتَابَ قَبْلَنَا لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا فَالْمَذْكُورُ أَوَّلًا وَهُوَ سَبْقُنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إيتَاؤُهُمْ الْكِتَابَ قَبْلَنَا فِي الدُّنْيَا يَظْهَرُ لَهُ ثَمَرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ سَبْقِنَا إلَى الْحُظُوظِ الْأُخْرَوِيَّةِ أَيْ إلَّا ثَمَرَةَ إيتَائِهِمْ قَبْلَنَا الْكِتَابَ يَظْهَرُ فِيهِ سَبْقُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى زِيَادَةِ نَظَرٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ بَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ بِأَيْدٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47] أَيْ بِقُوَّةٍ أَعْطَانَاهَا اللَّهُ وَفَضَّلَنَا بِهَا لِقَبُولِ أَمْرِهِ وَطَاعَتِهِ قَالَ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ إنَّهُمْ مَكْسُورَةً لِابْتِدَاءِ الْكَلَامِ وَاسْتِئْنَافِ التَّفْسِيرِ قَالَ وَقَدْ صَحَّتْ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ بَيْدَ كَمَا هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ بِأَيْدٍ وَاخْتَلَفَتْ النُّسَخُ فِي ضَبْطِهِ فَفِي بَعْضِهَا مَفْتُوحُ الْآخِرِ مِثْلُ بَيْدَ إلَّا أَنَّهُ زَادَ أَلِفًا بِكَسْرِ الْبَاءِ فَكَسَرَ لِذَلِكَ الْيَاءَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا بِأَيْدٍ وَمَعْنَاهُ بِقُوَّةٍ كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فَقَالَ وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِأَيْدٍ أَنَّهُمْ وَلَمْ أَرَهُ فِي اللُّغَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا بِأَيْدٍ أَيْ بِقُوَّةٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ بِأَيْدٍ وَهُوَ مَضْبُوطٌ فِي الْأَصْلِ بِفَتْحِ آخِرِهِ وَالشَّافِعِيُّ لِمَا رَوَاهُ كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ.
1 -
(الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ أُوتُوا الْكِتَابَ أَيْ أُعْطُوهُ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَالْكِتَابُ التَّوْرَاةُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا الْيَهُودَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَالنَّصَارَى قُلْت وَهَذَا أَظْهَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ جِنْسُ الْكُتُبِ لِيَتَنَاوَلَ الزَّبُورَ وَغَيْرَهُ وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «بَيْدَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُوتِيَتْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا» وَالْمُرَادُ الْأُمَمُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكُتُبَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِكُلِّ أُمَّةٍ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى خَاصَّةً بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ «الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ» وَيَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ جِنْسِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ حَيْثُ أَعَادَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَأُوتِينَاهُ عَلَى الْكِتَابِ فَلَوْ أُرِيدَ بِهِ التَّوْرَاةُ لَمَا صَحَّ الْإِخْبَارُ بِأَنَّا أُوتِينَاهُ حَيْثُ أَعَادَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ وَلَعَلَّ هَذَا أَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَى الْيَهُودِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِعَيْنِهِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فُرِضَ عَلَيْهِمْ بِعَيْنِهِ فَتَرَكُوهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَإِنَّمَا يَدُلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ يَوْمٌ مِنْ الْجُمُعَةِ وُكِّلَ إلَى اخْتِيَارِهِمْ لِيُقِيمُوا فِيهِ شَرِيعَتَهُمْ فَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّ الْأَيَّامِ يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَلَمْ يَهْدِهِمْ اللَّهُ تَعَالَى إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَادَّخَرَهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَهَدَاهُمْ لَهُ تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ فَفُضِّلَتْ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ إذْ هُوَ خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ وَفَضَّلَهُ اللَّهُ بِسَاعَةٍ يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ انْتَهَى.
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَجَاءَ النَّوَوِيُّ.
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَحَكَاهُ عَنْ الْقَاضِي نَفْسِهِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ إنَّمَا حَكَاهُ عَنْ غَيْرِهِ وَمَا أَبْرَدُ قَوْلَهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُمْ تَرَكُوا وَفَعَلُوا مَا لَا يَجُوزُ فَلِذَلِكَ ذُمُّوا ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَجَاءَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ مُوسَى عليه السلام أَمَرَهُمْ بِالْجُمُعَةِ وَأَخْبَرَهُمْ بِفَضْلِهَا فَنَاظَرُوهُ أَنَّ السَّبْتَ أَفْضَلُ فَقَالَ اللَّهُ لَهُ دَعْهُمْ وَمَا اخْتَارُوا قَالَ وَيُسْتَدَلُّ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ «الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا» .
وَقَوْلُهُ «فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ» وَلَوْ كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ اخْتِلَافُهُمْ بَلْ كَانَ يَقُولُ خَالَفُوا فِيهِ انْتَهَى وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَجَّحَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا عَلَيْهِمْ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَجْعَلَ لِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ تَرْجِيحًا عَلَى الْأُخْرَى فَهُمَا مَعًا صَحِيحَتَانِ وَقَدْ كُتِبَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ لَوْ كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ اخْتِلَافُهُمْ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنَّهُمْ اخْتَلَفُوا بِحَقٍّ بَلْ بَعْضُهُمْ اتَّبَعَ الْحَقَّ وَبَعْضُهُمْ حَادَ عَنْهُ فَصَحَّ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَفِي التَّنْزِيلِ {وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} [البقرة: 253] .
عَلَى