الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الدَّفْنِ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ
عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ أَجِبْ رَبَّك قَالَ فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا، قَالَ فَرَجَعَ الْمَلَكُ إلَى اللَّهِ عز وجل فَقَالَ إنَّك أَرْسَلْتنِي إلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي، قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ عز وجل إلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ ارْجِعْ إلَى عَبْدِي فَقُلْ الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِنْ كُنْت تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَك عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَمَا تَوَارَتْ بِيَدِك مِنْ شَعْرَةٍ فَأَنَّك تَعِيشُ بِهَا سَنَةً؛ قَالَ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ تَمُوتُ، قَالَ فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ، قَالَ رَبِّ اُدْنُنِي مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ» وَعَنْهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاَللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلَى جَنْبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» جَمَعَ الشَّيْخَانِ الْحَدِيثَيْنِ فِي مَتْنٍ وَاحِدٍ.
ــ
[طرح التثريب]
[بَابُ الدَّفْنِ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ]
[حَدِيث جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم]
عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ أَجِبْ رَبَّك قَالَ فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا قَالَ فَرَجَعَ الْمَلَكُ إلَى اللَّهِ عز وجل فَقَالَ إنَّك أَرْسَلْتنِي إلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ عز وجل إلَيْهِ عَيْنَيْهِ وَقَالَ ارْجِعْ إلَى عَبْدِي فَقُلْ الْحَيَاةَ تُرِيدُ فَإِنْ كُنْت تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَك عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَمَا تَوَارَتْ بِيَدِك مِنْ شَعْرَةٍ فَأَنَّك تَعِيشُ بِهَا سَنَةً قَالَ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ تَمُوتُ قَالَ فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ رَبِّ اُدْنُنِي مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ» وَعَنْهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاَللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلَى جَنْبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فِيهِ) فَوَائِدُ:
{الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ «تَحْتَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» ، وَقَدْ جَمَعَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي مَتْنٍ وَاحِدٍ وَهُمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدِيثَيْنِ كَمَا تَرَى، وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ لِمَعْمَرٍ فِيهِ إسْنَادَيْنِ.
{الثَّانِيَةُ} قَالَ الْمَازِرِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَطْعَنُ بِهِ الْمُلْحِدَةُ وَتَتَلَاعَبُ بِنَقْلِهِ الْآثَارُ لِسَبَبِهِ وَتَقُولُ كَيْفَ يَجُوزُ عَلَى نَبِيٍّ مِثْلِ مُوسَى أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَ مَلَكٍ وَكَيْفَ تُفْقَأُ عَيْنُ الْمَلَكِ وَلَعَلَّهُ لَمَّا جَاءَ عِيسَى أَذْهَبَ عَيْنَهُ الْأُخْرَى فَعَمِيَ وَلِأَصْحَابِنَا عَنْ هَذَا ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْمَلَكَ يُتَصَوَّرُ فِي أَيِّ الصُّوَرِ شَاءَ مِمَّا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17] وَقِيلَ إنَّهُ تَمَثَّلَ لَهَا فِي صُورَةِ رَجُلٍ يُسَمَّى تَقِيًّا وَلِهَذَا {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم: 18]، وَقَدْ تَمَثَّلَ جِبْرِيلَ عليه السلام بِصُورَةِ دِحْيَةَ وَقَالَ أَصْحَابُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ قَدْ تَكُونُ تَخَيُّلًا فَيَكُونُ مُوسَى عليه السلام فَقَأَ عَيْنًا مُخَيَّلَةً لَا عَيْنًا حَقِيقِيَّةً وَهَذَا الْجَوَابُ عِنْدِي لَا يُقْنِعُهُمْ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ مَلَكٌ وَأَنَّ ذَلِكَ تَخَيُّلٌ فَكَيْفَ يَصُكُّهُ وَيُقَابِلُهُ بِهَذِهِ الْمُقَابَلَةِ وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِالنَّبِيِّينَ (وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا) الْحَدِيثُ فِيهِ تَجَوُّزٌ إذَا حُمِلَ عَلَيْهِ انْدَفَعَ طَعْنُ الْمُلْحِدَةِ وَمَحْمَلُهُ أَنَّ مُوسَى عليه السلام حَاجَّهُ وَأَوْضَحَ الْحُجَّةَ لَدَيْهِ يُقَالُ فَقَأَ عَيْنَ فُلَانٍ إذَا غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ وَيُقَالُ عَوَّرْت هَذَا الْأَمْرَ إذَا أَدْخَلْت نَقْصًا فِيهِ وَهَذَا قَدْ يُبْعِدُ مِنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لِقَوْلِهِ فَرَدَّ اللَّهُ إلَيْهِ عَيْنَيْهِ فَإِنْ قَالُوا فَرَدَّ اللَّهُ إلَيْهِ حُجَّتَهُ كَانَ كَذَلِكَ بَعِيدًا عَنْ مُقْتَضَى سِيَاقِ الْكَلَامِ (وَجَوَابٌ ثَالِثٌ) مَالَ إلَيْهِ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَهُوَ مِثْلُ مَا قَالُوهُ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى عليه الصلاة والسلام أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِي هَذِهِ اللَّطْمَةِ مِحْنَةً لِلْمَلْطُومِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَتَعَبَّدُ خَلْقَهُ بِمَا شَاءَ وَلَا أَحَدَ مِنْ عِبَادِهِ يَمْنَعُهُ فَضِيلَتُهُ مِنْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا شَاءَ (وَيَظْهَرُ لِي جَوَابٌ رَابِعٌ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُوسَى عليه السلام لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَلَكٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عز وجل وَظَنَّ أَنَّهُ رَجُلٌ أَتَاهُ يُرِيدُ نَفْسَهُ فَدَافَعَهُ عَنْهَا مُدَافَعَةً أَدَّتْ إلَى فَقْءِ عَيْنِهِ وَهَذَا سَائِغٌ فِي شَرِيعَتِنَا أَنْ يُدَافِعَ الْإِنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ مَنْ أَرَادَ قَتْلَهُ وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِ الطَّالِبِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
لَهُ فَضْلًا عَنْ فَقْءِ عَيْنِهِ، وَفِي الصَّحِيحِ إبَاحَتُهُ عليه الصلاة والسلام فَقْءَ عَيْنِ مَنْ اطَّلَعَ عَلَى قَوْمٍ بِغَيْرِ، إذْنِهِمْ، وَإِنَّمَا يَبْقَى عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ فَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ ثَانِيَةً وَاسْتَسْلَمَ لَهُ مُوسَى فَدَلَّ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِهِ قُلْنَا قَدْ يَكُونُ أَتَاهُ فِي الثَّانِيَةِ بِعَلَامَةٍ عَلِمَ بِهَا أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَأَنَّهُ قَالَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَاسْتَسْلَمَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَأَحْسَنُ مَا اُعْتُمِدَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَذَا الْجَوَابُ الَّذِي ظَهَرَ لَنَا وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا وَعِنْدِي أَنَّ جَوَابَنَا أَرْجَحُ مِنْهُ اهـ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ لَيْسَ فِي لَطْمِ مُوسَى لِمَلَكِ الْمَوْتِ مَا يُعَظَّمُ وَيُشَنَّعُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَعْظَمَ مِنْ أَخْذِهِ بِرَأْسِ أَخِيهِ وَلِحْيَتِهِ وَجَرِّهِ إيَّاهُ وَهُوَ نَبِيٌّ مُكَرَّمٌ كَمَا ذَلِكَ مَلَكٌ مُعَظَّمٌ وَالنَّبِيُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَكِ وَمُوسَى فَاعِلٌ بِاجْتِهَادِهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ مَا رَآهُ مِنْ جَرِّ هَذَا إلَيْهِ وَدَفْعِ ذَلِكَ عَنْهُ وَأَمَّا فَقْؤُهُ عَيْنَهُ فَلَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ لَكِنْ لَمَّا لَطَمَهُ حَدَثَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ فَقْءُ عَيْنِهِ فَهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ قَالَ وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ وَحَسَنُهُ هُوَ حَسَنٌ وَهُوَ تَأْوِيلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ اهـ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ظَهَرَ لِي وَجْهٌ حَسَنٌ يَحْسِمُ مَادَّةَ الْإِشْكَالِ وَهُوَ أَنَّ مُوسَى عليه السلام عَرَفَ مَلَكَ الْمَوْتِ فَلَطَمَهُ فَانْفَقَأَتْ عَيْنُهُ امْتِحَانًا وَأَنَّهُ جَاءَ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ لَكِنَّهُ جَاءَ مَجِيءَ الْجَازِمِ بِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِقَبْضِ رُوحِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَعِنْدَ مُوسَى مَا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبِضُ رُوحَ نَبِيٍّ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فَلَمَّا جَاءَهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أُعْلِمَ بِهِ بَادَرَ بِشَهَامَتِهِ وَقُوَّةِ نَفْسِهِ إلَى أَدَبِ مَلَكِ الْمَوْتِ فَلَطَمَهُ فَانْفَقَأَتْ عَيْنُهُ امْتِحَانًا لِمَلَكِ الْمَوْتِ، إذْ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِالتَّخْيِيرِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ إلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ اخْتَارَ الْمَوْتَ وَاسْتَسْلَمَ هَذَا الْوَجْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ وَأَسْلَمُ اهـ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا فِي الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَالْمَازِرِيِّ هُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّهُ اعْتَرَضَ بِبَاقِي الْحَدِيثِ وَهُوَ «أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ لَمَّا رَجَعَ إلَى اللَّهِ قَالَ يَا رَبِّ أَرْسَلْتنِي إلَيَّ عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ» فَلَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ مُوسَى، وَإِنَّمَا دَافَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمَا صَدَقَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ مَلَكِ الْمَوْتِ اهـ. فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ أَجَلُ مُوسَى عليه السلام قَدْ حَضَرَ فَكَيْفَ تَأَخَّرَ مُدَّةَ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحْضُرْ فَكَيْفَ جَاءَ الْمَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ قَبْلَ حُضُورِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى