الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ لَيْسَ مِنْ التَّمَنِّي مَحَبَّةُ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى}
عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى إذَا أَحَبَّ الْعَبْدُ لِقَائِي أَحْبَبْت لِقَاءَهُ وَإِذَا كَرِهَ عَبْدِي لِقَائِي كَرِهْت لِقَاءَهُ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ لَمْ يُحِبَّ لِقَاءَ اللَّهِ لَمْ يُحِبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ» وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَزَادَتْ «فَقُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ
ــ
[طرح التثريب]
يَتَمَنَّى الْمَوْتَ وَلَمَّا كَانَ الرَّجُلُ مُسْتَمِرًّا عَلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ مَعَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى تَأَكُّدِ هَذَا الْأَمْرِ وَقُوَّتِهِ عِنْدَهُ، إذْ لَمْ يَصْرِفْهُ عَنْهُ مَا شَاهَدَ مِنْ وَحْشَةِ الْقُبُورِ، وَفِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الَّتِي عِنْدَ مُسْلِمٍ مُبَالَغَةٌ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ وَهُوَ أَنَّهُ يَتَمَرَّغُ عَلَى الْقَبْرِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ تَمَنِّيه وَشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ لَيْسَ مِنْ التَّمَنِّي مَحَبَّةُ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى]
[حَدِيث قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى إذَا أَحَبَّ الْعَبْدُ لِقَائِي أَحْبَبْت لِقَاءَهُ]
{بَابُ لَيْسَ مِنْ التَّمَنِّي مَحَبَّةُ لِقَاءِ اللَّهِ} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى إذَا أَحَبَّ الْعَبْدُ لِقَائِي أَحْبَبْت لِقَاءَهُ وَإِذَا كَرِهَ الْعَبْدُ لِقَائِي كَرِهْت لِقَاءَهُ " وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ لَمْ يُحِبَّ لِقَاءَ اللَّهِ لَمْ يُحِبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَأَخْرَجَهُ
إذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ «وَلَكِنْ إذَا شَخَصَ الْبَصَرُ وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ، وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ، وَتَشَنَّجَتْ الْأَصَابِعُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ»
ــ
[طرح التثريب]
مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ «فَأَتَيْت عَائِشَةَ فَقُلْت يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ هَلَكْنَا، فَقَالَتْ إنَّ الْهَالِكَ مَنْ هَلَكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا ذَاكَ قُلْت قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ فَقَالَتْ قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَيْسَ بِاَلَّذِي تَذْهَبُ إلَيْهِ، وَلَكِنْ إذَا شَخَصَ الْبَصَرُ وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ وَتَشَنَّجَتْ الْأَصَابِعُ فَعِنْدَ ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ لِقَاءَهُ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَائِشَةَ وَفِي آخِرِهِ «وَالْمَوْتُ قَبْلَ لِقَاءِ اللَّهِ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ «عَنْ عَائِشَةَ وَفِيهِ فَقُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَلَفْظُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ يُوهِمُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِهَا مُسْنَدًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى الصَّوَابِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُسْنَدُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ «قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ إنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا التَّفْسِيرُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَيَقْطَعُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَ ذَلِكَ كُشِفَ لَهُ» .
{الثَّانِيَةُ} قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَالْمُعَايَنَةِ فَحِينَئِذٍ يُكْشَفُ الْغِطَاءُ فَأَهْلُ السَّعَادَةِ يُبَشَّرُونَ بِمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُمْ وَأَرَادَهُ فِيهِمْ وَهُوَ مَعْنَى مَحَبَّتِهِ لِقَاءَهُمْ فَيَغْتَبِطُونَ وَيُسَرُّونَ بِذَلِكَ وَيُحِبُّونَ الْمَوْتَ لِتَحْصِيلِ تِلْكَ الْكَرَامَةِ وَأَهْلُ الشَّقَاوَةِ كُشِفَ لَهُمْ عَنْ حَالِهِمْ فَكَرِهُوا الْوُرُودَ عَلَى رَبِّهِمْ لَمَّا تَيَقَّنُوا مِنْ تَعْذِيبِهِ لَهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَبْعَدَهُمْ عَنْهُ وَأَرَادَ بِهِمْ الْعَذَابَ وَهُوَ مَعْنَى كُرْهِهِ لِقَاءَهُمْ فَمَنْ هُنَا خَبَرِيَّةٌ غَيْرُ شَرْطِيَّةٍ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ سَبَبَ حُبِّ اللَّهِ لِقَاءَ هَؤُلَاءِ حُبُّهُمْ ذَلِكَ وَلَا أَنَّ سَبَبَ كَرَاهَةِ اللَّهِ لِقَاءَ هَؤُلَاءِ كَرَاهَتُهُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ صِفَةُ حَالِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَعِنْدَ رَبِّهِمْ كَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ فَيُسْتَدَلُّ بِاسْتِبْشَارِ الْمُحْتَضَرِ بَعْدَ الْمُعَايَنَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَبِانْكِمَاشِهِ بَعْدَهَا عَلَى الشَّرِّ، وَقَدْ فَسَّرَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها الْحَدِيثَ بِذَلِكَ وَرَوَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لَيْسَ وَجْهُهُ عِنْدِي كَرَاهَةَ الْمَوْتِ وَشِدَّتَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَكَادُ يَخْلُو مِنْهُ أَحَدٌ، وَلَكِنْ الْمَكْرُوهُ مِنْ ذَلِكَ إيثَارُ الدُّنْيَا وَالرُّكُونُ إلَيْهَا وَكَرَاهَتُهُ أَنْ يَصِيرَ إلَى اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ قَالَ وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَابَ قَوْمًا فِي كِتَابِهِ بِحُبِّ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَقَالَ:{إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} [يونس: 7] وَقَالَ {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة: 96] وَقَالَ {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الجمعة: 7] قَالَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِلِّقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ بِالْكَرَاهِيَةِ لِلْمَوْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْكَرَاهِيَةُ لِلنَّقْلَةِ مِنْ الدُّنْيَا إلَى الْآخِرَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَنْ قُضِيَ بِمَوْتِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ وَإِنْ كَانَ كَارِهًا لِقَاءَ اللَّهِ وَلَوْ كَرِهَ اللَّهُ مَوْتَهُ مَا مَاتَ وَلَا لَقِيَهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى كَرَاهَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْغُفْرَانَ لَهُ وَإِرَادَتِهِ لِإِبْعَادِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ تَقْتَضِي عَدَمَ الْغُفْرَانِ لِمَنْ كَرِهَ الْمَوْتَ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ قَائِلُهُ صلى الله عليه وسلم.
{الثَّالِثَةُ} اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ رحمه الله عَلَى أَنَّ مَحَبَّةَ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ مِنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ تَمَنِّي الْمَوْتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَحَبَّةَ لِقَاءِ اللَّهِ مَحْمُودَةٌ وَهِيَ عَلَامَةٌ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ فَإِنْ قُلْت قَدْ حَمَلْتُمْ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ لِلِّقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَالَةِ النَّزْعِ وَالِاحْتِضَارِ وَتِلْكَ الْحَالَةُ لَا تَمَنِّي فِيهَا؟ قُلْت مَا الْمَانِعُ مِنْ التَّمَنِّي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلَوْلَا وُرُودُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي نَشْرَحُهُ لَكَرِهْنَا تَمَنِّي الْمَوْتِ بِكُلِّ حَالٍ فَلَمَّا جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلِمْنَا أَنَّ تَمَنِّي الْمَوْتِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَحْمُودٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي زَمَنِ الصِّحَّةِ أَيْضًا أَنْ يُحِبَّ الْعَبْدُ بِقَلْبِهِ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْعُوَ بِذَلِكَ وَلَا يَتَمَنَّاهُ بِلِسَانِهِ فَتَكُونُ هَذِهِ بُشْرَى لِلْعَبْدِ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ لِلِقَائِهِ فَإِنَّ الْعَاقِلَ الْعَارِفَ بِالْأُمُورِ لَا يُحِبُّ الْمَوْتَ إلَّا إذَا أَعَدَّ لَهُ الْأُهْبَةَ وَتَخَلَّصَ مِنْ التَّبَعَاتِ وَقَامَ بِأَمْرِ اللَّهِ كَمَا يَجِبُ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ لِقَاءَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُرِيدُ لَهُ الْخَيْرَ وَيَعُدُّهُ لَهُ فَإِنْ قُلْت هَذَا يُنَافِي الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى حَالَةِ الِاحْتِضَارِ قُلْت تِلْكَ الْحَالَةُ هِيَ الَّتِي لِاخْتِلَالٍ فِيهَا وَلَا شَكَّ مَنْ أَحَبَّ فِيهَا لِقَاءَ اللَّهِ كَانَ عَلَامَةً عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ لِلِقَائِهِ وَمَنْ كَرِهَ فِيهَا لِقَاءَ اللَّهِ كَانَ عَلَامَةً عَلَى كَرَاهَةِ اللَّهِ لِلِقَائِهِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَرَاهَةِ الْعَبْدِ لِلْمَوْتِ كَرَاهَةُ اللَّهِ لِلِقَائِهِ وَلَا مِنْ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلْمَوْتِ إذَا نَشَأَ عَنْ ضَجَرٍ وَاخْتِلَالِ عَقْلٍ وَعَدَمِ إحْكَامٍ لِلْأُمُورِ مَحَبَّةُ اللَّهِ لِلِقَائِهِ، وَإِنَّمَا ادَّعَيْنَا كَوْنَ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلْمَوْتِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاحْتِضَارِ دَلِيلًا عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ لِلِقَائِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إذَا صَدَرَ ذَلِكَ عَنْ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى مُحْكِمٍ لِلْأُمُورِ قَدْ اسْتَعَدَّ لِلْأُمُورِ وَأَخَذَ لَهَا أُهْبَتَهَا وَقَامَ لِلَّهِ بِمَا يَجِبُ مِنْ حَقِّهِ فَإِذَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةَ الْمَوْتِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى خَيْرٍ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
{الرَّابِعَةُ} قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ هِيَ إرَادَةُ الْخَيْرِ لَهُ وَهِدَايَتُهُ وَإِنْعَامُهُ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُهُ، وَبُغْضُهُ إرَادَتَهُ عِقَابَهُ وَشَقَاوَتَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ حَكَاهُ عَنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
{الْخَامِسَةُ} قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْمُرَادُ بِلِقَاءِ اللَّهِ الْمَصِيرُ إلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ وَطَلَبُ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ الْغَرَضُ بِهِ الْمَوْتُ؛ لِأَنَّ