الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
ــ
[طرح التثريب]
لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا لَيْسَ لَهُ مَوْضِعُ رَفْعٍ قُلْت: وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا، وَهُوَ الْمَرَضُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ فَالْعَطْفُ عَلَيْهِ سَائِغٌ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى تَقْدِيرِ خَبَرٍ فَهَذَا الْوَجْهُ إنْ جَازَ فَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَمَا ذَكَرْته رَاجِحٌ أَوْ مُتَعَيِّنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(التَّاسِعَةُ) النَّكْبَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ، وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْقَاضِي، وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ مِثْلُ الْعَثْرَةِ يَعْثُرُهَا بِرِجْلِهِ، وَرُبَّمَا جُرِحَتْ أُصْبُعُهُ، وَأَصْلُهُ مِنْ النَّكْبِ، وَهُوَ الْقَلْبُ وَالْكَبُّ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هِيَ الْعَثْرَةُ وَالسَّقْطَةُ، وَقَوْلُهُ يُنْكَبُهَا بِضَمِّ الْيَاءِ، وَفَتْحِ الْكَافِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ قُلْت، وَمَا ذَكَرُوهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالنَّكْبَةِ هُنَا الْمُصِيبَةُ، وَهُوَ مَعْنَاهَا الْمَشْهُورُ فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ أَمْرًا حِسِّيًّا، وَهُوَ الشَّوْكَةُ، وَأَمْرًا مَعْنَوِيًّا، وَهُوَ الْمُصِيبَةُ لَكِنَّ النَّكْبَةَ بِمَعْنَى الْمُصِيبَةِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ الْمَرَضُ، وَالْوَجَعُ وَشَرْطُ الْمَعْطُوفِ بِحَتَّى أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِيمَا سَبَقَ، وَلِهَذَا ضُبِطَ الْعَطْفُ بِهَا بِأَنَّهَا تَدْخُلُ حَيْثُ يَصِحُّ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ، وَيَمْتَنِعُ حَيْثُ يَمْتَنِعُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْوَجَعُ عَلَى الْأَمْرِ الْمَعْنَوِيِّ فَيَدْخُلَ فِيهِ النَّكْبَةُ لَكِنْ يَبْقَى فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِحَتَّى لَا يَكُونُ إلَّا غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا إمَّا فِي زِيَادَةٍ نَحْوُ مَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ أَوْ فِي نَقْصٍ نَحْوُ زَارَكَ النَّاسُ حَتَّى الْحَجَّامُونَ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ هُنَا أَنْ تَكُونَ غَايَةً فِي النَّقْصِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْوَجَعَ وَإِنْ خَفَّ وَهَانَ أَمْرُهُ مُكَفِّرٌ، وَمَتَى حُمِلَ الْوَجَعُ عَلَى مَدْلُولِهِ الْمَعْنَوِيِّ لَمْ تَكُنْ النَّكْبَةُ بِمَعْنَى الْمُصِيبَةِ غَايَةً لَهُ فِي النَّقْصِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ حَمْلُ النَّكْبَةِ عَلَى الْعَثْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالشَّوْكَةُ وَالْعَثْرَةُ غَايَتَانِ لِلْوَجَعِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَنْشَأُ عَنْهُمَا مَرَضٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْعَاشِرَةُ) فِيهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ قَلَّ أَنْ يَنْفَكَّ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَنْ مَرَضٍ أَوْ وَجَعٍ، وَإِنْ خَفَّ فِي غَالِبِ أَوْقَاتِهِ.
[حَدِيث لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ]
(الْحَدِيثُ الثَّانِي) عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَلَغَ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ
«لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» ، وَعَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ..
ــ
[طرح التثريب]
فَيَلِجَ النَّارَ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» .
(فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِلَفْظِ «فَتَمَسَّهُ النَّارُ» بَدَلَ فَيَلِجَ النَّارَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِنِسْوَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ لَا يَمُوتُ لِإِحْدَاكُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَحْتَسِبَهُ إلَّا دَخَلَتْ الْجَنَّةَ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ أَوْ اثْنَيْنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ أَوْ اثْنَيْنِ» ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ «ثَلَاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» ، وَأَحَالَا بِبَقِيَّتِهِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَلَفْظُهُ «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةَ مِنْ وَلَدِهَا إلَّا كَانُوا لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: وَاثْنَيْنِ فَقَالَ وَاثْنَيْنِ» ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا.
وَقَالَ شَرِيكٌ عَنْ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، وَعَزَى وَالِدِي رحمه الله فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَهِيَ قَوْلُهُ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ لِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ قَالَ، وَعَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ فَلَمْ يَطَّلِعْ إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهَا مُسْنَدَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ ذَكَرَ فِيهَا «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» ، وَهُوَ وَهْمٌ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِيَةُ) الْوَلَدُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَعَلَى الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ، وَفِي الْجَمْعِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ الْمَشْهُورَةُ، وَهِيَ فَتْحُ اللَّامِ وَالْوَاوِ وَفَتْحُ الْوَاوِ وَضَمُّهَا وَكَسْرُهَا مَعَ إسْكَانِ اللَّامِ فِي الثَّلَاثَةِ، وَقَوْلُهُ فَيَلِجَ أَيْ يَدْخُلَ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِالْفَاءِ فِي جَوَابِ النَّفْيِ، وَالْقَسَمُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالسِّينِ الْيَمِينُ، وَتَحِلَّةُ الْقَسَمِ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَا يَنْحَلُّ بِهِ الْقَسَمُ، وَهُوَ مَصْدَرُ حَلَّلَ الْيَمِينَ أَيْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
كَفَّرَهَا، وَيُقَالُ فِي الْمَصْدَرِ تَحْلِيلٌ، وَتَحِلُّ أَيْضًا بِغَيْرِهَا، وَهُوَ شَاذٌّ.
(الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَدْخُلْ النَّارَ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ دُخُولُهُ الْجَنَّةَ إذْ لَا مَنْزِلَةَ بَيْنَهُمَا، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ» ، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إلَّا تَلْقَوْهُ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ دَخَلَ» ، وَهَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مُطْلَقِ دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُوَافِقُهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ أَتُحِبُّهُ فَقَالَ أَحَبَّك اللَّهُ كَمَا أُحِبُّهُ فَمَاتَ فَفَقَدَهُ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالَ مَا يَسُرُّك أَنْ لَا تَأْتِيَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إلَّا وَجَدْتَهُ عِنْدَهُ يَسْعَى يَفْتَحُ لَك» .
(الرَّابِعَةُ) تَقَدَّمَ أَنَّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قِيلَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاثْنَانِ فَقَالَ وَاثْنَانِ» ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَنْ كَانَ لَهُ فَرَطَانِ مِنْ أُمَّتِي أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهِمَا الْجَنَّةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِك فَقَالَ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ يَا مُوَفَّقَةُ قَالَتْ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَطٌ؟ قَالَ أَنَا فَرَطُ أُمَّتِي لَنْ يُصَابُوا بِمِثْلِي» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ بَارِقٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى، وَعَبْدُ رَبِّهِ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ مَا بِهِ بَأْسٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ قَدَّمَ ثَلَاثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانُوا لَهُ حِصْنًا حَصِينًا قَالَ أَبُو ذَرٍّ قَدَّمَتْ اثْنَيْنِ قَالَ، وَاثْنَيْنِ فَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ قَدَّمَتْ وَاحِدًا قَالَ، وَوَاحِدٌ، وَلَكِنَّ إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ
وَرَوَى ذِكْرَ الْوَاحِدِ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَوْحَى إلَيْهِ ذَلِكَ عِنْدَ سُؤَالِهِمْ عَنْ الِاثْنَيْنِ وَعَنْ الْوَاحِدِ إنْ صَحَّ، وَلَا يُمْتَنَعُ نُزُولُ الْوَحْيِ عَلَيْهِ فِي أَسْرَعِ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ كَمَا فِي نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] «لَمَّا قَامَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
ضَرِيرُ الْبَصَرِ» .
فَنَزَلَتْ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] هَذَا عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي مَفْهُومِ الْعَدَدِ هَلْ هُوَ حُجَّةٌ أَمْ لَا، فَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ حُجَّةً لَا تَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ هَذَا الْجَوَابِ، وَيَقُولُ ذِكْرُ هَذَا الْعَدَدِ لَا يُنَافِي حُصُولَ ذَلِكَ بِأَقَلِّ مِنْهُ بَلْ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ حُجَّةً فَلَيْسَ نَصًّا قَاطِعًا بَلْ دَلَالَتُهُ دَلَالَةٌ ضَعِيفَةٌ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا عِنْدَ مُعَارِضَتِهَا.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ نَحْوَ مَا قُلْنَاهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ شِدَّةِ وَجْدِ الْوَالِدَةِ وَقُوَّةِ صَبْرِهَا فَقَدْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَنْ فَقَدَتْ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ أَشَدَّ مِمَّنْ فَقَدَتْ ثَلَاثَةً أَوْ مُسَاوِيَةً لَهَا فَتَلْحَقُ بِهَا فِي دَرَجَتِهَا قُلْت ظَاهِرُ الْحَدِيثِ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ فَاقِدِ اثْنَيْنِ، وَعَلَى كُلِّ فَاقِدِ وَاحِدٍ فَالتَّقْيِيدُ بِشِدَّةِ الْوَجْدِ الَّذِي يُصَيِّرُهُ كَفَاقِدِ ثَلَاثَةٍ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عليه السلام قَالَهُ ابْتِدَاءً لِأَتَمِّ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ ثَلَاثًا أَوَّلُ الْكَثْرَةِ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَتَّكِلَ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ عَلَى وَلَدِهِ فِي شَفَاعَتِهِ، وَسَكَتَ عَمَّا وَرَاءَهُ فَلَمَّا سُئِلَ أَعْلَمَ بِمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ، وَفِي قَوْلِهَا أَوْ اثْنَانِ بَعْدَ ذِكْرِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِعَدَدٍ مَا لَا يُنَافِيهِ مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ عَمَّا عَدَاهُ مِنْ الْعَدَدِ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إلَّا بِنَصٍّ انْتَهَى.
(الْخَامِسَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنَّمَا خُصَّ الْوَلَدُ بِثَلَاثَةٍ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ فَبِعِظَمِ الْمَصَائِبِ تَكْثُرُ الْأُجُورُ فَأَمَّا إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَقَدْ يُخَفَّفُ أَجْرُ الْمُصِيبَةِ بِالزَّائِدِ لِأَنَّهَا كَأَنَّهَا صَارَتْ عَادَةً، وَدَيْدَنًا كَمَا قَالَ الْمُتَنَبِّي
أَنْكَرْت طَارِقَةَ الْحَوَادِثِ مَرَّةً
…
ثُمَّ اعْتَرَفْت بِهَا فَصَارَتْ دَيْدَنًا
وَقَالَ آخَرُ
رُوِّعْت بِالْبَيْنِ حَتَّى مَا أُرَاعُ لَهُ
…
وَبِالْمَصَائِبِ فِي أَهْلِي وَجِيرَانِي
ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَحْرَى وَالْأَوْلَى إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ كَثُرْت مَصَائِبُهُ كَثُرَ ثَوَابُهُ فَاكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهِ قُلْت إذَا جَعَلْنَا لِمَفْهُومِ الْعَدَدِ دَلَالَةً فَدَلَالَتُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي مَنْعِ النُّقْصَانِ لَا فِي مَنْعِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ لَهُ أَرْبَعَةٌ فَبِالضَّرُورَةِ قَدْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَإِذَا أَخْبَرَ الصَّادِقُ بِأَنَّ مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَلِجْ النَّارَ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ