الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْجَنَائِزِ)
(ثَوَابُ الْمَرَضِ وَالْمُصِيبَةِ)
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ وَجَعٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ إلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، أَوْ النَّكْبَةُ يَنْكُبُهَا» .
ــ
[طرح التثريب]
الْبَرَاءِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَرِيرِ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ بَيْنَ جَيِّدِهِ، وَهُوَ الدِّيبَاجُ وَرَدِيئِهِ، وَهُوَ الْإِسْتَبْرَقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْجَنَائِزِ]
[ثَوَابُ الْمَرَضِ وَالْمُصِيبَةِ]
[حَدِيث مَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ وَجَعٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ إلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ]
(كِتَابُ الْجَنَائِزِ)
(ثَوَابُ الْمَرَضِ وَالْمُصِيبَةِ)
(الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ وَجَعٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ إلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا أَوْ النَّكْبَةُ يُنْكَبُهَا» فِيهِ فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَرَضِ مِنْ صَحِيحِهِ، وَهُوَ قَبِيلُ الطِّبِّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَمُسْلِمٍ فِي الْأَدَبِ الثَّانِي مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بِلَفْظِ «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا» إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
«قَالَ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ «لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إلَّا قَصَّ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطِيئَتِهِ» ، وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ حَصِيفَةَ عَنْ عُرْوَةَ بِلَفْظٍ «لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ حَتَّى الشَّوْكَةُ إلَّا قَصَّ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ أَوْ كَفَّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ لَا يَدْرِي يَزِيدُ أَيَّتَهُمَا» قَالَ عُرْوَةُ، وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ بِشَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ» ، وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ «إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ «إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ» ، وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِلَفْظِ، وَحَطَّ بِالْوَاوِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمَيْهِ الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَكَفَّرَ عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ» فِيهِ رَوْحُ بْنُ مُسَافِرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ «مَا ضَرَبَ عَلَى مُؤْمِنٍ عِرْقٌ قَطُّ إلَّا حَطَّ اللَّهُ بِهِ خَطِيئَةً، وَكَتَبَ لَهُ حَسَنَةً، وَرَفَعَ لَهُ دَرَجَةً» .
(الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ الْوَجَعَ الْمَرَضَ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْوَجَعُ اسْمٌ لِكُلِّ مَرَضٍ، وَحِينَئِذٍ فَيُشْكِلُ عَطْفُهُ عَلَيْهِ بِأَوْ وَكَيْفَ يُعْطَفُ الشَّيْءُ عَلَى نَفْسِهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْوَجَعَ أَعَمُّ مِنْ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْ مَرَضٍ، وَقَدْ يَكُونُ عَنْ غَيْرِهِ كَضَرْبٍ، وَنَحْوِهِ تَقُولُ أَوْجَعَنِي الضَّرْبُ أَيْ آلَمَنِي، وَإِنْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ ذَلِكَ الْأَلَمِ مَرَضٌ، وَقَدْ قَالَ فِي الصِّحَاحِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْإِيجَاعُ الْإِيلَامُ، وَضَرْبٌ وَجِيعٌ أَيْ مُوجِعٌ مِثْلُ أَلِيمٍ بِمَعْنَى مُؤْلِمٍ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ الْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَرَضٍ وَجَعًا انْتَهَى.
وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْوَجَعَ أَعَمُّ فَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ كُلَّ أَنْوَاعِ الْمَرَضِ عَظُمَ أَوْ خَفَّ يُسَمَّى وَجَعًا، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْوَجَعَ لَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْمَرَضِ، وَآكَدُ مِنْ ذَلِكَ فِي مُوَافَقَةِ مَا قُلْته قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ «مَا رَأَيْت رَجُلًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» قَالَ الْعُلَمَاءُ الْوَجَعُ هُنَا الْمَرَضُ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَرَضٍ وَجَعًا فَقَوْلُهُ الْوَجَعُ هُنَا الْمَرَضُ يَقْتَضِي أَنَّهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنًى آخَرَ، وَحِينَئِذٍ فَعَطْفُ الْوَجَعِ عَلَى الْمَرَضِ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ فَخَصَّ الْمَرَضَ بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مُطْلَقَ الْأَلَمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمَرَضٍ كَذَلِكَ.
(الثَّالِثَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ إلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ رَتَّبَ تَكْفِيرَ جَمِيعِ الذُّنُوبِ عَلَى مُطْلَقِ الْمَرَضِ وَالْوَجَعِ لِلْعُمُومِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ لِذَنْبِهِ فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ فِي الْكَبَائِرِ بَلْ قَالُوا إنَّ تَكْفِيرَهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ، وَطَرَدُوا ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُكَفِّرَاتِ مِنْ الْأَعْمَالِ، وَالْمَشَاقِّ، وَأَصْلُهُمْ فِي ذَلِكَ وُرُودُهُ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ» فَحَمَلُوا الْمُطْلَقَاتِ الْوَارِدَةَ فِي التَّكْفِيرِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَالْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ الْمَرَضِ وَإِنْ خَفَّ، وَالْوَجَعِ وَإِنْ خَفَّ لِجَمِيعِ الصَّغَائِرِ فِيهِ بَعْدُ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الَّذِي فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَكْفِيرَ جَمِيعِ الذُّنُوبِ بَلْ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «قَصَّ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطِيئَتِهِ» صَرِيحٌ فِي تَكْفِيرِ الْبَعْضِ، وَوَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْمُكَفَّرَ خَطِيئَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ فَيُحْمَلُ لَفْظُ الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ طَرِيقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ صَالِحٌ لِتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ فَيُكَفِّرُ اللَّه بِهِ مَا يَشَاءُ مِنْهَا، وَتَكُونُ كَثْرَةُ التَّكْفِيرِ، وَقِلَّتُهُ بِاعْتِبَارِ شِدَّةِ الْمَرَضِ وَخِفَّتِهِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ تَكْفِيرَ جَمِيعِ الذُّنُوبِ بِمَرَضِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَوَرَدَ بِحُمَّى لَيْلَةٍ، وَكِلَاهُمَا لَمْ يَصِحَّ فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمَيْهِ الْأَوْسَطِ، وَالصَّغِيرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» ، وَفِي سَنَدِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْمَرَضِ وَالْكَفَّارَاتِ عَنْ الْحَسَنِ رَفَعَهُ قَالَ «إنَّ اللَّهَ عز وجل لَيُكَفِّرُ عَنْ الْمُؤْمِنِ خَطَايَاهُ كُلَّهَا بِحُمَّى لَيْلَةٍ» قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ هَذَا مِنْ جَيِّدِ الْحَدِيثِ قُلْت لَكِنَّ مُرْسَلَاتِ الْحَسَنِ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
(الرَّابِعَةُ) الْمُرَادُ بِتَكْفِيرِ الذَّنْبِ سَتْرُهُ، وَمَحْوُ أَثَرِهِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ التَّكْفِيرُ فِي الْمَعْصِيَةِ كَالْإِحْبَاطِ فِي الثَّوَابِ أَيْ إنَّ مَعْنَى تَكْفِيرِ الْمَعْصِيَةِ مَحْوُ أَثَرِهَا الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْعُقُوبَةُ كَمَا أَنَّ مَعْنَى إحْبَاطِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الطَّاعَةِ مَحْوُ أَثَرِهَا الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الثَّوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسَةُ) ظَاهِرُهُ تَرَتُّبُ تَكْفِيرِ الذَّنْبِ عَلَى مُجَرَّدِ الْمَرَضِ أَوْ الْوَجَعِ سَوَاءٌ انْضَمَّ إلَيْهِ صَبْرٌ أَمْ لَا، وَاعْتَبَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي حُصُولِ ذَلِكَ وُجُودُ الصَّبْرِ فَقَالَ لَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا صَبَرَ الْمُصَابُ، وَاحْتَسَبَ، وَقَالَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَصَلَ إلَى مَا وَعَدَهُ اللَّهُ، وَرَسُولُهُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ ذَكَرَ أَحَادِيثَ فِيهَا التَّقْيِيدُ بِالصَّبْرِ فَجَوَابُهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ أَكْثَرُهَا ضَعِيفٌ، وَاَلَّذِي صَحَّ مِنْهَا فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِثَوَابٍ مَخْصُوصٍ فَاعْتَبَرَ فِيهَا الصَّبْرَ لِحُصُولِ ذَلِكَ الثَّوَابِ الْمَخْصُوصِ، وَلَنْ تَجِدَ حَدِيثًا صَحِيحًا رَتَّبَ فِيهِ مُطْلَقُ التَّكْفِيرِ عَلَى مُطْلَقِ الْمَرَضِ مَعَ اعْتِبَارِ الصَّبْرِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ اُعْتُبِرَتْ الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ فَتَحَرَّرَ لِي مَا ذَكَرْته، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى سَلَّمَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ رَضِيَ أَوْ لَمْ يَرْضَ صَبَرَ أَوْ لَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوَابٌ إلَّا الْجَنَّةُ» ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَيُنَاقِشُ الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِهِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} [البقرة: 156] الْآيَةُ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَمْرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسَةُ) لَمْ يَذْكُرْ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ إلَّا التَّكْفِيرَ، وَفِي إحْدَى طَرِيقَيْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، وَهُوَ إمَّا شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي، وَإِمَّا تَنْوِيعٌ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِاعْتِبَارِ النَّاسِ فَالْمُذْنِبُ يَحُطُّ عَنْهُ خَطِيئَةً، وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ كَالْأَنْبِيَاءِ، وَمَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُرْفَعُ لَهُ دَرَجَةٌ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَصَائِبِ فَبَعْضُهَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حَطُّ الْخَطِيئَةِ، وَبَعْضُهَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ رَفْعُ الدَّرَجَةِ، وَفِي طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ الْآخَرِ الْجَمْعُ بَيْنَ رَفْعِ الدَّرَجَةِ، وَحَطِّ الْخَطِيئَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ كِتَابَةُ عَشْرِ حَسَنَاتٍ، وَتَكْفِيرُ عَشْرِ سَيِّئَاتٍ، وَرَفْعُ عَشْرِ دَرَجَاتٍ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ إذَا صَحَّ سَنَدُهَا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي حُصُولَ الْأُجُورِ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالُوا إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَصَائِبِ التَّكْفِيرُ دُونَ الْأَجْرِ، رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ غُطَيْفٍ قَالَ «دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ نَعُودُهُ مِنْ شَكْوَى أَصَابَتْهُ، وَامْرَأَتُهُ قَاعِدَةٌ