الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَمَا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ وَأَقَرَّهُ (قُلْت) لَكِنْ إذَا قُلْنَا إنَّ الْوِتْرَ هُوَ التَّهَجُّدُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوِتْرَ أَكْثَرُهُ مَعْلُومًا لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَكْثَرِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَكْثَرَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ التَّهَجُّدِ.
(الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «فَإِذَا فَجَرَ الْفَجْرُ» كَذَا ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْجِيمِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «فَلَمَّا شَقَّ الْفَجْرُ أَمَرَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ» قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ شَقَّ الْفَجْرُ وَانْشَقَّ إذَا طَلَعَ كَأَنَّهُ شَقَّ مَوْضِعَ طُلُوعِهِ وَخَرَجَ مِنْهُ انْتَهَى وَالْفَجْرُ ضَوْءُ الصُّبْحِ وَهُوَ حُمْرَةُ الشَّمْسِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ وَهُوَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ كَالشَّفَقِ فِي أَوَّلِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ الْفُجُورُ الْعِصْيَانُ وَأَصْلُهُ الِانْبِعَاثُ فِي الْمَعَاصِي وَالِانْهِمَاكُ كَانْفِجَارِ الْمَاءِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْفَجْرُ لِانْبِعَاثِ النُّورِ فِي سَوَادِ الظُّلْمَةِ.
[فَائِدَة اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَخْفِيفُهُمَا]
1
. (الرَّابِعَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَخْفِيفُهُمَا وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ.
(الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «ثُمَّ اتَّكَأَ» مَهْمُوزٌ أَيْ اضْطَجَعَ وَالتَّاءُ فِيهِ مُبْدَلَةٌ مِنْ وَاوٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى سَرِيرٍ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ فِي جَنْبِهِ» وَلَمْ يَتَعَرَّضْ صَاحِبُ النِّهَايَةِ لِذِكْرِ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «لَا آكُلُ مُتَّكِئًا» وَقَالَ الْمُتَّكِئُ فِي الْعَرَبِيَّةِ كُلُّ مَنْ اسْتَوَى قَاعِدًا عَلَى وِطَاءٍ مُتَمَكِّنًا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «هَذَا الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ الْمُرْتَفِقُ» يُرِيدُ الْجَالِسَ الْمُتَمَكِّنَ فِي جُلُوسِهِ قَالَ وَالْعَامَّةُ لَا تَعْرِفُ الْمُتَّكِئَ إلَّا مَنْ مَالَ فِي قُعُودِهِ مُعْتَمَدًا عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلِاتِّكَاءِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَفْسِيرَ الْمُتَّكِئِ فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ فَلَمْ أَجِدْ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي اللُّغَةِ تَفْسِيرَ الِاتِّكَاءِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْلًا وَإِنَّمَا فَسَّرُوا الِاتِّكَاءَ بِالْمَيْلِ إلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ «عَلَى شِقِّهِ» بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ جَنْبِهِ وَالشِّقُّ نِصْفُ الشَّيْءِ.
(السَّادِسَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِعْلَهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ حَكَاهُ فِي كِتَابِ السَّبْعَةِ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ أَفْصِلُ بِضُجَعَةٍ بَيْنَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ النَّهَارِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وُجُوبُهَا لِأَنَّهُ لَمَّا رَوَى الْأَمْرَ بِهَا قَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ مَا يُجْزِئُ أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَلَغَنِي عَنْ قَوْمٍ لَا مَعْرِفَةَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا بِوُجُوبِهَا وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا رَآهُ يَفْعَلُهَا عَائِشَةُ وَلَمْ يَرَهُ غَيْرُهَا وَلَوْ رَآهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةِ مَوَاطِنَ مَا اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً قُلْت مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْأَمْرِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد سَاكِتًا عَلَيْهِ وَالتِّرْمِذِيُّ مُصَحِّحًا لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ» .
وَزَادَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَجَعَلَهُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا غُلُوٌّ فَاحِشٌ وَهَبْهُ تَرَكَ فَرِيضَةً أُخْرَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ هَلْ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى فِعْلِ تِلْكَ الْفَرِيضَةِ بَلْ نَفْسُ الصَّلَوَاتِ قَدْ رَتَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَوْقَاتِهَا وَعِنْدَ ابْنِ حَزْمٍ إنَّهُ إذَا تَرَكَ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَدَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى فَصَلَّى الْحَاضِرَةَ صَحَّتْ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ الْمَتْرُوكَةُ عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَكَذَا يَصِحُّ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْمَقْضِيَّةِ وَإِنَّمَا يُخَالِفُ فِي صِحَّتِهَا مَنْ يَرَى إعَادَةَ الْفَائِتَةِ الْمَتْرُوكَةِ عَمْدًا وَيَرَى وُجُوبَ التَّرْتِيبِ فِي قَضَائِهَا مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَلَوْ قَالَ إنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ الْحَاضِرَةُ وَقَدْ تَرَكَ الصَّلَاةَ الَّتِي قَبْلَهَا عَمْدًا لَكَانَ أَوْلَى مِنْ تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ عَلَى اضْطِجَاعٍ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ وَلَا تَظْهَرُ فِيهِ الْقُرْبَةُ وَإِنَّمَا يُفْعَلُ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَأَيْضًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُ الَّذِي يَلِيهِ لِأَنَّ كُلَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
يَوْمٍ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الصَّوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ وَعَلَقَةُ الصِّيَامِ بِالصِّيَامِ أَمَسُّ مِنْ عَلَقَةِ الِاضْطِجَاعِ بِالصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَرَكَ صِيَامَ رَمَضَانَ جُمْلَةً فِي سَنَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ صَوْمَ رَمَضَانَ الْمُتَقَدِّمَ قَبْلَ إيجَابِ صَوْمِ رَمَضَانَ الَّذِي يَلِيهِ وَأَيْضًا فَقَدْ «أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالتَّسَحُّرِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ تَسَحَّرُوا» .
فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ مَنْ تَرَكَ التَّسَحُّرَ عَمْدًا أَوْ نَسِيَانَا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ وَالسُّحُورُ أَعْلَقُ بِالصَّوْمِ مِنْ الِاضْطِجَاعِ بِالصَّلَاةِ وَأَيْضًا فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ صَلَاةُ الْعِيدِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ حَزْمٍ عَمَّا أَوْرَدْنَا عَلَيْهِ فِي السُّحُورِ بِأَنْ قَالَ لَا يَضُرُّ الصَّوْمَ تَعَمُّدُ تَرْكِ السُّحُورِ لِأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ اللَّيْلِ وَالصِّيَامُ مِنْ حُكْمِ النَّهَارِ وَلَا يَبْطُلُ عَمَلٌ بِتَرْكِ عَمَلٍ غَيْرِهِ إلَّا بِأَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ فَيُوقَفَ عِنْدَهُ انْتَهَى قَالَ وَالِدِي رحمه الله وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلِ اللَّيْلِ وَكَيْفَ يَقُولُ فِي تَرْكِ صَلَاةٍ مِنْ النَّهَارِ بِصِحَّةِ مَا بَعْدَهَا مِنْ النَّهَارِ أَيْضًا وَهَلْ وَرَدَ نَصٌّ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الضَّجْعَةِ أَوْ نَسِيَهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ؟
هَذَا مَا لَا يُوجَدُ أَصْلًا وَهَذَا مِنْ أَسْوَأِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي صَارَ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ وَالِدِي رحمه الله وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى كَرَاهَةِ هَذِهِ الضَّجْعَةِ وَعَدَّهَا مِنْ الْبِدَعِ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَفْعَلُهَا وَقَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ وَقَالَ لَمَّا سُئِلَ عَنْهَا تَلَعَّبَ بِكُمْ الشَّيْطَانُ وَقَالَ لَمَّا رَأَى رَجُلًا يَفْعَلُهَا احْصِبُوهُ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَا هَذَا التَّمَرُّغُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ كَتَمَرُّغِ الْحِمَارِ إذَا سَلَّمَ فَقَدْ فَصَلَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهَا وَقَالَ هِيَ ضَجْعَةُ الشَّيْطَانِ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ إذَا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ يَتَمَرَّغُ يَكْفِيهِ التَّسْلِيمُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ النَّهْيُ عَنْهَا وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يُعْجِبُهُ ذَلِكَ وَعَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ احْتَبَى.
وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنْكَارَ الضَّجْعَةِ أَيْضًا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ إنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
بِالضَّجْعَةِ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ إنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَلَوْ قَصَدَ الْفَصْلَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ فَصَلَهَا صُورَةً وَوَضْعًا وَوَصْفًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الْأَثْرَمُ سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَقَالَ مَا أَفْعَلُهُ أَنَا فَإِنْ فَعَلَهُ رَجُلٌ ثُمَّ سَكَتَ كَأَنَّهُ لَمْ يَعِبْهُ قِيلَ لَهُ لِمَ لَمْ تَأْخُذْ بِهِ قَالَ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ بَعْدَ أَنْ جَزَمَ بِاسْتِحْبَابِهِ وَرَوَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْكَرَهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَاتِّبَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ أَوْلَى مِنْ اتِّبَاعِ مَنْ خَالَفَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ انْتَهَى فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
وَهِيَ الِاسْتِحْبَابُ وَالْوُجُوبُ وَالْكَرَاهَةُ وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَنْ يَقُومُ اللَّيْلَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَغَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ وَلَا يَضْطَجِعُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَامَ اللَّيْلَ فَيَضْطَجِعَ اسْتِجْمَامًا لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَضْطَجِعُ بِسُنَّةٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَدْأَبُ لَيْلَهُ فَيَسْتَرِيحُ» .
وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْفَصْلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْفَرِيضَةِ إمَّا بِاضْطِجَاعٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إلَى أَنَّ الِاضْطِجَاعَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ النَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ ثُمَّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْفَصْلُ بِالِاضْطِجَاعِ أَوْ التَّحَدُّثِ أَوْ التَّحْوِيلِ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَالِاضْطِجَاعُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ» .
وَأَجَابَ الْمُنْكِرُونَ لِهَذِهِ الضَّجْعَةِ عَنْ فِعْلِهَا بِجَوَابَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) إنَّ مَالِكًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَإِذَا فَرَغَ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الِاضْطِجَاعَ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَرِوَايَةُ مَالِكٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ إذَا اخْتَلَفُوا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ وَالْحَدِيثُ مَخْرَجُهُ وَاحِدٌ فَإِذَا تَرَجَّحَ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ الْمَذْكُورَ فِيهِ قَبْلَهُمَا وَأَنَّ رِوَايَةَ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَهُمَا مَرْجُوحَةٌ وَلَمْ يَقُلْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
أَحَدٌ فِي الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا إنَّهُ سُنَّةٌ فَكَذَا بَعْدَهُمَا قَالَ وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ سُنَّةٌ وَجَوَابُ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ.:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ فِي هَذَا هِيَ الْمَرْجُوحَةُ فَإِنَّ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّمَا ذَكَرُوا الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَكَانَتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ شَاذَّةً لِمُخَالَفَتِهَا لِأَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَغَيْرُهُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيق مَعْمَرٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَقِبَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ انْتَهَى ثُمَّ وَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقِيمُ عُرْوَةَ رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ بِإِثْبَاتِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ كَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ أَنْكَرُوا عَلَى مَالِكٍ رِوَايَتَهُ الِاضْطِجَاعَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ كُلُّهُمْ فَجَعَلُوا الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَا بَعْدَ الْوِتْرِ.
(ثَانِيهِمَا) بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ رِوَايَةِ مَالِكٍ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَضْطَجِعُ مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْوِتْرِ لِلِاسْتِرَاحَةِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ وَالثَّانِيَةُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِلنَّشَاطِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَالتَّطْوِيلِ فِيهَا وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اضْطِجَاعُهُ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا.
(الْجَوَابُ الثَّانِي) مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُنْكِرِينَ أَنَّ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِ فِعْلِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الْقُرْبَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْجِبِلِّيَّةِ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَإِجْمَامِ الْبَدَنِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ خَاصَّةً وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهَا رضي الله عنها فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فَإِنْ كُنْت مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ سُنَّةً وَأَنَّهُ تَارَةً كَانَ يَضْطَجِعُ قَبْلُ وَتَارَةً بَعْدُ وَتَارَةً لَا يَضْطَجِعُ انْتَهَى.
وَجَوَابُ هَذَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَفْعَالِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّهَا لِلْقُرْبَةِ وَالتَّشْرِيعِ لَا سِيَّمَا مَعَ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ بَلْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِدَلَالَتِهِ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَكَوْنُهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ تَارَةً يُحَدِّثُ عَائِشَةَ وَتَارَةً يَضْطَجِعُ وَأَخْذُهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْفَصْلُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الِاضْطِجَاعُ مُسْتَحَبًّا فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ الْمُخَيَّرَ كَالْمُسْتَحَبِّ الْمُعَيَّنِ فِي الْحُكْمِ عَلَى كُلٍّ مِنْ خِصَالِهِ بِالِاسْتِحْبَابِ كَالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ كُلٌّ مِنْ خِصَالِهِ وَاجِبَةٌ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّحْدِيثِ وَالِاضْطِجَاعِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّصْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيُحَدِّثُنِي حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ» وَقَدْ أَوَّلَ النَّوَوِيُّ رحمه الله قَوْلَهَا رضي الله عنها «فَإِنْ كُنْت مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ» عَلَى مَعْنَيَيْنِ.
(أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ عليه الصلاة والسلام يَضْطَجِعُ يَسِيرًا وَيُحَدِّثُهَا وَإِلَّا فَيَضْطَجِعُ كَثِيرًا.
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْقَلِيلَةِ يَتْرُكُ الِاضْطِجَاعَ بَيَانًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا كَانَ يَتْرُكُ كَثِيرًا مِنْ الْمُخْتَارَاتِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ كَالْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً وَنَظَائِرُهُ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ الِاضْطِجَاعُ وَتَرْكُهُ سَوَاءً قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَاتِ عَائِشَةَ السَّابِقَةِ أَيْ فِي الْجَزْمِ بِاضْطِجَاعِهِ بَعْدَهُمَا وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُصَرِّحِ بِالْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ انْتَهَى قَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ فِيهِ بُعْدٌ، وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي أَقْرَبُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الِاضْطِجَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ «فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ» لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الِاضْطِجَاعَ رَأْسًا لَا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَا بَعْدَ الْوِتْرِ وَفِي حَدِيثِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ذَكَرَ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ الْوِتْرِ وَفِيهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ لَمْ يَذْكُرْ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَأَجَابَ الْمُنْكِرُونَ لِهَذِهِ الضَّجْعَةِ عَنْ الْأَمْرِ بِهَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ بِجَوَابَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَضَعَّفَهُ مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْأَعْمَشِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مُطْلَقًا وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ خَاصَّةً أَيْضًا قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
مَا رَأَيْته يَطْلُبُ حَدِيثًا بِالْبَصْرَةِ وَلَا بِالْكُوفَةِ قَطُّ وَكُنْت أَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أُذَاكِرُهُ حَدِيثَ الْأَعْمَشِ لَا يَعْرِفُ مِنْهُ حَرْفًا وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَمَدَ عَبْدُ الْوَاحِدِ إلَى أَحَادِيثَ كَانَ يُرْسِلُهَا الْأَعْمَشُ فَوَصَلَهَا بِقَوْلِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ فِي كَذَا وَكَذَا وَسُئِلَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ (ثَانِيهِمَا) إنَّهُ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ، ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَثْرَمِ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ قَالَ فَقُلْت لَهُ حَدِيثُ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا (ثَالِثُهَا) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ لَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو صَالِحٍ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَبَيْنَ الْأَعْمَشِ وَأَبِي صَالِحٍ كَلَامٌ (رَابِعُهَا) أَنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الْمَتْنَ الْمَذْكُورَ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام لَا مِنْ قَوْلِهِ فَرَجَعَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَى مَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْهِ مِنْ الْفَجْرِ وَبَيْنَ الصُّبْحِ بِضَجْعَةٍ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا لِمُوَافَقَتِهِ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ضَعْفَهُ فَإِنَّ رِجَالَهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَوَثَّقَهُ الْأَئِمَّةُ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى تَضْعِيفِ مَنْ ضَعَّفَهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سُكُوتِ أَبِي دَاوُد عَلَيْهِ وَتَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ لَهُ وَأَمَّا الْإِرْسَالُ فَإِنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي الْوَصْلِ فَالرَّاجِحُ تَقْدِيمُ الْوَصْلِ عَلَى الْإِرْسَالِ وَكَوْنُهُ رُوِيَ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام لَا يُنَافِي كَوْنَهُ رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَكُونُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ وَيَكُونُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَمْرَانِ رَوَاهُمَا عَنْهُ أَبُو صَالِحٍ. (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْهُ. (وَالْآخَرُ) وَهُوَ فِعْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَلَعَلَّ أَبَا صَالِحٍ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَمْرَيْنِ فَرَوَى لِكُلٍّ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدَهُمَا أَوْ رَوَى لِلْكُلِّ الْأَمْرَيْنِ مَعًا لَكِنْ رَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مَا حَفِظَهُ مَعَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْفِعْلِ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا صَحِيحَةٌ بِلَا شَكٍّ وَهِيَ كَافِيَةٌ