الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فَمَاتَ لِشَخْصٍ ثَلَاثَةٌ فَحَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْبُشْرَى ثُمَّ مَاتَ لَهُ أَرْبَعُ انْقَطَعَتْ هَذِهِ الْبُشْرَى بِمَوْتِ هَذَا الرَّابِعِ، وَصَارَ عَلَى خَطَرٍ دُخُولُهُ النَّارَ بَعْدَ تِلْكَ الْبُشْرَى، وَهَبَ أَنَّ حُزْنَهُ بِهَذَا الرَّابِعِ خَفِيفٌ لِاعْتِيَادِهِ الْمَصَائِبَ فَهَلْ يَزِيدُ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِهِ لَمْ تَحْدُثْ لَهُ هَذِهِ الْمُصِيبَةُ أَصْلًا، وَكَيْفَ السَّبِيلُ إلَى إحْبَاطِ ثَوَابِ مَا مَضَى مِنْ الْمَصَائِبِ بِهَذِهِ الْمُصِيبَةِ الرَّابِعَةِ هَذَا مَا لَا يَتَخَيَّلُهُ ذُو فَهْمٍ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ مَاتُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى خِلَافِ مَا أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ تَرَتَّبَتْ الْبُشْرَى بِعَدَمِ دُخُولِ النَّارِ عَلَى مَوْتِ ثَلَاثَةٍ، وَيُثِيبُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَوْتِ الرَّابِعِ بِمَا يَشَاءُ، وَقَدْ دَخَلَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ صَدَقَ أَنَّهُ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسَةُ) أُطْلِقَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ الْوَلَدِ، وَقَيَّدَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ بِقَوْلِهِ «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» أَيْ لَمْ يَبْلُغُوا سِنَّ التَّكْلِيفِ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ الْحِنْثُ، وَهُوَ الْإِثْمُ، وَمُقْتَضَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْأَوْلَادِ الصِّغَارِ دُونَ الْبَالِغِينَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِهَذَا الْحَدِّ لِأَنَّ الصَّغِيرَ حُبُّهُ أَشَدُّ، وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ قُلْت قَدْ يُعْكَسُ هَذَا الْمَعْنَى، وَيُقَالُ التَّفَجُّعُ عَلَى فَقْدِ الْكَبِيرِ أَشَدُّ، وَالْمُصِيبَةُ بِهِ أَعْظَمُ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ نَجِيبًا يَقُومُ عَنْ أَبِيهِ بِأُمُورِهِ، وَيُسَاعِدُهُ فِي مَعِيشَتِهِ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ مَعْلُومٌ، وَالْمَعْنَى الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِهِ ذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، وَأُمِّ سُلَيْمٍ، وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ، وَأُمِّ مُبَشِّرٍ، وَمَنْ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ إثْمٌ فَرَحْمَتُهُ أَعْظَمُ، وَشَفَاعَتُهُ أَبْلَغُ.
[فَائِدَة عَرَضَ لثلاثة مِنْ الْوَلَد الْعَتَه وَالْجُنُون قَبْل الْبُلُوغ]
1
(السَّابِعَةُ) فَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ بَالِغِينَ مَعْتُوهِينَ عَرَضَ لَهُمْ الْعَتَهُ وَالْجُنُونُ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِحَيْثُ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ تَكْلِيفٌ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِمْ إثْمٌ هَلْ يَكُونُونَ كَغَيْرِ الْبَالِغِينَ؟ هَذَا يَحْتَمِلُ، وَالْأَرْجَحُ إلْحَاقُهُمْ بِهِمْ، وَقَدْ يُدَّعَى دُخُولُهُمْ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى ذَلِكَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَقَدَّمِ ذَكَرُهُمَا فَإِنْ عَلَّلْنَا بِمَا فِي الْحَدِيثِ كَانَ حُكْمُ الْمَجَانِينِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ لَهُمْ وَاسِعَةٌ كَثِيرَةٌ لِعَدَمِ حُصُولِ الْإِثْمِ مِنْهُمْ فَصَارُوا فِي ذَلِكَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
كَالْأَطْفَالِ، وَإِنْ عَلَّلْنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ لَمْ يَطَّرِدْ ذَلِكَ فِي الْمَجَانِينِ الْبَالِغِينَ لِأَنَّ مَحَبَّتَهُمْ تُخَفَّفُ أَوْ تَزُولُ، وَيَتَمَنَّى الْأَبُ مَوْتَهُمْ لِمَا بِهِمْ مِنْ الْعَاهَةِ وَالضَّرَرِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ بِمَوْتِهِمْ تَفَجُّعٌ، وَلَا مَشَقَّةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّامِنَةُ) قَدْ يُقَالُ إنَّ سَائِرَ الْأَوْلَادِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَالِغِ مِنْهُمْ، وَغَيْرِ الْبَالِغِ، وَذَلِكَ بِأَحَدِ أَوْجُهٍ (أَوَّلُهَا) أَنْ نَقُولَ بِقَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ مَفْهُومَ الصِّفَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ لَا يُقْتَضَى أَنَّ الْبَالِغِينَ لَيْسُوا كَذَلِكَ (ثَانِيهَا) أَنْ نَأْخُذَ بِقَوْلِ مَنْ يَأْخُذُ بِالْمُطْلَقِ، وَيَرَى الْمُقَيَّدَ فَرْدًا مِنْ الْأَفْرَادِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْمُطْلَقُ (ثَالِثُهَا) أَنْ يُقَالَ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ هُنَا لَيْسَ حُجَّةً لِكَوْنِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِي مَوْتِ الْأَوْلَادِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي صِغَرِهِمْ، وَمَنْ تَأَخَّرَ أَجَلُهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَالْغَالِبُ أَنَّ أَبَاهُ يَتَقَدَّمُهُ فِي الْوَفَاةِ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ ذَلِكَ، وَالْقَاعِدَةُ أَنْ مَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ (رَابِعُهَا) أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ لَيْسَ حُجَّةً بِتَقْرِيرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالِ بِأَنْ يَكُونَ عليه الصلاة والسلام سُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ أَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِمَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ فَجَاءَ بِهَذَا الْقَيْدِ مُطَابِقًا لِحَالِهِ لَا لِأَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ لَا مَفْهُومَ لَهُ (خَامِسُهَا) قَدْ يَدَّعِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، وَأَنَّهُمْ إذَا بَلَغُوا كَانَ التَّفَجُّعُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ، وَكَانَتْ الْمُصِيبَةُ بِهِمْ أَشَدَّ فَكَانُوا أَوْلَى بِهَذَا الْحُكْمِ مِنْ الصِّغَارِ، وَيَكُونُ التَّقْيِيدُ بِالصِّغَرِ إشْعَارًا لَعِظَمِ الثَّوَابِ، وَإِنْ خَفَّتْ الْمُصِيبَةُ بِهِمْ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَبْلُغُوا مَبْلَغَ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِالْأُمُورِ فَمَا ظَنُّك بِبُلُوغِهِمْ، وَكَمَالِهِمْ فَعَلَيْك بِالنَّظَرِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي ذَكَرْتهَا، وَهَلْ تَقْوَى فَيُعْمَلُ بِهَا أَوْ تَضْعُفُ فَتَطْرَحُ فَلَسْت عَلَى ثِقَةٍ مِنْهَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ لِابْنِ مَنْدَهْ عَنْ شَرَاحِيلَ الْمُنْقِرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ تُوُفِّيَ لَهُ أَوْلَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى دَخَلَ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ حِسْبَتِهِمْ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَالِغِينَ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى غَالِبًا.
(التَّاسِعَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ شَدِيدَ الْمَحَبَّةِ لِأَوْلَادِهِ أَوْ خَفِيفَهَا أَوْ خَالِيًا مِنْ مَحَبَّتِهِمْ أَوْ كَارِهًا لَهُمْ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَظِنَّةُ الْمَحَبَّةِ، وَالشَّفَقَةِ فَنِيطَ الْحُكْمُ بِهِ، وَإِنْ تَخَلَّفَ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَقَدْ يُحِبُّ