الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ الْأُولَى إنَّ فُسِّرَ الْخَيْرُ بِخَيْرِ الْآخِرَةِ وَإِنْ فُسِّرَ بِأَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ لِيَشْمَلَ خَيْرَ الدُّنْيَا فَيُحْتَمَلُ مُسَاوَاتُهَا لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا أَخَصُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ يَدْعُو بِشَيْءٍ لَيْسَ خَيْرًا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُوَ شَرٌّ مَحْضٌ يَحْمِلُهُ عَلَى الدُّعَاءِ بِهِ سُوءُ الْخُلُقِ وَالْحَرَجُ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
وَقَدْ وَرَدَ التَّقْيِيدُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَخْبِرْنَا عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَاذَا فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ؟ قَالَ فِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ الْحَدِيثَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ عَبْدٌ فِيهَا شَيْئًا إلَّا أَتَاهُ اللَّهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ مَأْثَمًا أَوْ قَطِيعَةَ رَحِمٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَعَطَفَ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ عَلَى الْمَأْثَمِ وَإِنْ دَخَلَ فِي عُمُومِهِ لِعِظَمِ ارْتِكَابِهِ وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ «مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا»
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ «عُرِضَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يَدْعُو عَبْدٌ رَبَّهُ بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قُسِمَ إلَّا أَعْطَاهُ أَوْ يَتَعَوَّذُ مِنْ شَرٍّ إلَّا دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ» .
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُجَابُ إلَّا فِيمَا قُسِمَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَعَلَّهُ لَا يُلْهَمُ الدُّعَاءَ إلَّا فِيمَا قُسِمَ لَهُ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الَّذِي أُطْلِقَ فِيهِ أَنَّهُ يُعْطَى مَا سَأَلَهُ وَلَكِنْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُسِمَ لَهُ دَخَرَ لَهُ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَقَوْلُهُ أَوْ يَتَعَوَّذُ مِنْ شَرٍّ إلَّا دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ دَفَعَ الْمُسْتَعَاذَ مِنْهُ فَكَأَنَّ الْمَعْنَى دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ إنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ دَفْعَ مَا تَعَوَّذَ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ لَفْظَةُ (أَوْ) وَأَنَّهُ كَانَ إلَّا دَفَعَ عَنْهُ أَوْ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَإِنَّ نُسَخَ الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ يَقَعُ فِيهَا الْغَلَطُ كَثِيرًا لِعَدَمِ تَدَاوُلِهَا بِالسَّمَاعِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ «إنَّ الدَّاعِيَ لَا يُخْطِئُهُ إحْدَى ثَلَاثٍ إمَّا أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ أَوْ يُدَّخَرَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ أَوْ يُدْفَعَ عَنْهُ مِنْ سُوءٍ مِثْلُهَا» وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ فِي مُطْلَقِ الدُّعَاءِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِلدُّعَاءِ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ مَزِيدُ مَزِيَّةٍ وَقَدْ يُقَالُ ذُكِرَ فِي مُطْلَقِ الدُّعَاءِ أَنْ يُدْفَعَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلُهَا وَذُكِرَ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ دَفْعُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَهَذِهِ هِيَ الْمَزِيَّة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة الْعَمَلُ بِالْإِشَارَةِ]
(السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ هَذِهِ الْإِشَارَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «وَوَضَعَ أُنْمُلَتَهُ عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ» وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أُنْمُلَةُ الْإِبْهَامِ وَقَدْ يُقَالُ كَيْفَ وَضَعَهَا عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ وَبَيْنَ هَذَيْنِ الْأُصْبُعَيْنِ أُصْبُعٌ أُخْرَى وَهِيَ الْبِنْصِرُ وَلَعَلَّهُ عَرَضَ الْإِبْهَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَصَابِعِ وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْبِنْصِرِ لِأَنَّهُ إذَا وَضَعَ الْإِبْهَامَ عَرْضًا عَلَى الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا عَلَى الْبِنْصِرِ أَيْضًا فَسَكَتَ عَنْهُ لِفَهْمِهِ مِمَّا ذُكِرَ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِبْهَامُ مَوْضُوعًا عَلَى اسْتِقَامَتِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا عَلَى الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعَةُ) فِيهِ الْعَمَلُ بِالْإِشَارَةِ وَأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ النُّطْقِ إذَا فُهِمَ الْمُرَادُ بِهَا وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْأُمُورِ وَإِنَّمَا اكْتَفَى أَصْحَابُنَا بِالْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعُقُودِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَخْرَسِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ إذَا كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ أَمَّا النَّاطِقُ فَلَمْ يَكْتَفُوا بِإِشَارَتِهِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا اكْتَفَوْا بِهَا فِي الْأُمُورِ الْخَفِيفَةِ.
(الثَّامِنَةُ) قَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ لَفْظًا بِقَوْلِهِ وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «ابْتَغُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي الْجُمُعَةِ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ وَهِيَ قَدْرُ هَذَا يَعْنِي قَبْضَةً» وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ ابْنِ مَاجَهْ «أَوْ بَعْضَ سَاعَةٍ» وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قِصَرِ زَمَانِهَا وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مُسْتَغْرِقَةً لِمَا بَيْنَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَآخِرِ الصَّلَاةِ وَلَا لِمَا بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ بَلْ الْمُرَادُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَعَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ أَنَّ تِلْكَ السَّاعَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ وَأَنَّهَا لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْهُ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ قُلْت لَكِنْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ يُرِيدُ سَاعَةً لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَتَاهُ اللَّهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ السَّاعَةُ الَّتِي يَنْقَسِمُ النَّهَارُ مِنْهَا إلَى اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا لِكَوْنِهِ صَدَّرَ الْحَدِيثَ بِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي آخِرِهِ «فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ» أَيْ مِنْ السَّاعَاتِ الِاثْنَيْ عَشَرَةَ.