الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التسخّط والشكوى؟
الوجه السابع:
قوله: "فإنَّ حاصله
(1)
يرجع إلى كتمان الشكوى في تحمّل
(2)
الأذى بالبلوى، والاستبشار باختيار المولى".
فيقال: الذي يمكن الخروج عنه هو الشكوى، وأمّا أن يخرج عن ذوق البلوى فلا يجدَه، أو يتلذَّذ بها
(3)
، فهذا غير ممكن، ولا هو في الطبيعة. وإنَّما الممكن أن يشاهد العبدُ في تضاعيف البلاءِ لطفَ صنع اللَّه به، وحسنَ اختياره له، وبرَّه به في حمله عنه فيخفّ عنه
(4)
مؤنة حمَله؛ وتشتغل النفس باستخراج لطائف صنعِ اللَّه به وبرِّه وحسنِ اختياره عن شهود حمله، فتحصل
(5)
له لذَّة بما شهده من ذلك.
وفوق هذا مرتبة أرفعُ منه، وهي أن يشهد أنَّ هذا مراد محبوبه، وأنَّه بمرأى منه ومستمع
(6)
، وأنَّه هديته إلى عبده، وخلعته التي خلعها عليه، ليرفُلَ له في أذيال التذلّل والمسكنة والتضزع لعزّته وجلاله؛ فيعلم العبد أن حقيقة المحبّة هي موافقة المحبوب في محابّه، فيحبّ ما يحبّه محبوبُه. فيحبّ العبد تلك الحال من حيث موافقة المحبوب
(7)
، وإن
(1)
"ك، ط": "حامله"، تحريف.
(2)
في الأصل: "تحامل"، ولعله سبق قلم. فالذي تقدم في أول الفصل:"تحمّل". وهو الوارد في المجالس.
(3)
"ط": "به"، خطأ.
(4)
"فيخفّ عنه" ساقط من "ط".
(5)
"ب، ك، ط": "فيحصل". والمثبت من "ف".
(6)
"ط": "مسمع".
(7)
في الأصل: "المحبوبة"، ولعله سبق قلم، كما أشار ناسخ "ف" بكتابة "ب" فوق "به". وفي "ب":"المحبوبيّة". وفي "ك، ط": "موافقته لمحبوبه".
كرهها من حيث الطبع البشري، فإنّ هذه الكراهة لا تنافي محبّتَه لها؛ كما يكره طبعُه الدواءَ الكريه، وهو يحبّه من وجه آخر. وهذا لا ينكر في المحبّة المتعلّقة بالمخلوق مع ضعفها وضعف أسبابها، كما قال القائل في ذلك:
أهوى هواه وبُعدي عنه يعجِبه
…
فالبعدُ قد صار لي في حُبِّه أرَبا
(1)
وقال آخر
(2)
:
أريدُ وصاله ويُريد هَجري
…
فأتركُ ما أُريد لما يُريدُ
(3)
وقال آخر
(4)
:
وأهَنْتِني فأهنتُ نفسي جاهدًا
…
ما مَن يَهونُ عليكِ ممّن أُكرِمُ
(5)
وإنّه لَتبلغ المحبّة بالعبد إلى حيث يفنى بمراد محبوبه عن مراده هو منه. فإذا شهد مراد محبوبه أحبّه وإن كان كريهًا إليه. فهذا لا ينكَر ولكن
(6)
لا ينافي التألّمَ بمراد المحبوب المنافي للمحبّ وصبره عليه، بل يجتمع في حقّه الأمران.
(1)
من بيتين للقاضي أبي محمد المرتضى عبد اللَّه بن القاسم بن المظفر الشهرزوري (465 - 521 هـ) انظر: خريدة القصر - قسم شعراء الشام (2/ 310). وقد ذكرهما المؤلف في روضة المحبين (453) أيضًا.
(2)
"ب، ك، ط": "الآخر".
(3)
لابن المنجّم الواعظ. وقد سبق في ص (479).
(4)
"ب، ط": "الآخر".
(5)
لأبي الشيص الخزاعي من أبيات ستأتي في ص (659).
(6)
"لكن" ساقط من "ط".