المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المحبة المشتركة ثلاثة أنواع: - طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصلالمثال الثاني: الزهد

- ‌[قاعدة نافعة في إثبات الصفات]

- ‌فصل

- ‌أصل القولين

- ‌الوجه الثالث

- ‌ النقص في الزهد يكون من أحد وجوه ثلاثة

- ‌الوجه الرَّابع:

- ‌فصلالمثال الثالث(1): التوكّل

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الخامس:

- ‌الوجه السادس:

- ‌الوجه السابع:

- ‌[أقسام الفناء عند السالكين]

- ‌الوجه التاسع:

- ‌الوجه العاشر:

- ‌الوجه الثاني عشر:

- ‌الوجه الرَّابع عشر:

- ‌الوجه الخامس عشر:

- ‌فصلالمثال الرَّابع(1): الصبر

- ‌منازل الإيمان كلُّها بين الصبر والشكر

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرَّابع:

- ‌الوجه السادس:

- ‌الوجه السابع:

- ‌الوجه الثامن:

- ‌الوجه التاسع:

- ‌فصلالمثال الخامس: الحزن

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس:

- ‌الوجه السابع:

- ‌الوجه الثامن:

- ‌الوجه التاسع:

- ‌الوجه الثاني عشر:

- ‌الوجه الثالث عشر:

- ‌فصل [في المحبّة]

- ‌المحبّة المشتركة ثلاثة أنواع:

- ‌فصل [حدّ آخر للمحبة]

- ‌الفرق بين الإيثار والأثرة

- ‌فصل [حدّ آخر للمحبة]

- ‌فصل [حدود أخرى للمحبَّة]

- ‌فصل

- ‌ غيرة المحب

- ‌الفصل الأوَّل في حقيقته

- ‌فصل في مراتب المكلَّفين في الدار الآخرة وطبقاتهم فيها. وهم ثمانِ عشرةَ طبقةً

- ‌الطبقة الثانية: من عداهم من الرسل

- ‌الطبقة الخامسة: أئمة العدل وولاته

- ‌الطبقة السابعة: أهل الإيثار والصدقة والإحسان

- ‌الطبقة التاسعة: طبقة أهل النجاة

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌المحبة المشتركة ثلاثة أنواع:

المحبّة وموجَب من موجَباتها، لا أنَّه نفس المحبّة، فإنَّ المحبّة إذا كانت صادقة أوجبَتْ للمحِبّ تعظيمًا لمحبوبه يمنعه من انقياده إلى غيره. وليس مجرَّد التعظيم هو المانع له من الانقياد إلى غيره، بل التعظيم المقارن للحبّ هو الذي يمنع من الانقياد إلى غير المحبوب. فإنّ التعظيم إذا كان مجرَّدًا عن الحبّ لم يمنع انقياد القلب إلى غير المعظّم. وكذلك إذا كان الحبّ خاليًا عن التعظيم لم يمنع المحِبَّ أن ينقاد إلى غير محبوبه. فإذا اقترن الحبّ بالتعظيم، وامتلأ القلب بهما، امتنع انقياده إلى غير المحبوب.

و‌

‌المحبّة المشتركة ثلاثة أنواع:

أحدها: محبّة طبيعية مشتركة، كمحبّة الجائع للطعام، والظمآن للماءِ، وغير ذلك. وهذه لا تستلزم التعظيم.

والنوع الثاني: محبّةُ رحمةٍ وإشفاقٍ، كمحبّة الوالد لولده الطفل، ونحوها. وهذه أيضًا لا تستلزم التعظيم.

والنوع الثالث: محبّة أنسٍ وإلفٍ، وهي محبّة المشتركين في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر لبعضهم

(1)

بعضًا، وكمحبّة الإخوة بعضهم بعضًا.

فهذه الأنواع الثلاثة هي المحبّة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض، ووجودها فيهم لا يكون شركًا في محبَّة اللَّه. ولهذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

(1)

كذا في الأصل وغيره. وفي "ط": "بعضهم".

ص: 641

يحبّ الحلواءَ والعسل

(1)

، وكان أحبّ الشراب إليه الحلو البارد

(2)

، وكان أحبّ اللحم إليه الذراع

(3)

. وكان يحبّ نساءَه، وكانت عائشة رضي الله عنها أحبَّهنَّ إليه

(4)

. وكان يحبّ أصحابه، وأحبُّهم إليه الصدِّيق

(5)

رضي الله عنه.

وأمَّا المحبَّة الخاصَّة التي لا تصلح إلا للَّه وحده، ومتى أحبّ العبدُ بها غيرَه كان شركًا لا يغفره اللَّه، فهي محبّة العبودية المستلزمة للذلّ والخضوع، والتعظيم، وكمال الطاعة، وإيثاره على غيره. فهذه المحبّة لا يجوز تعلقها بغير اللَّه أصلًا، وهي التي سوّى المشركون بين آلهتهم وبين اللَّه فيها، كما قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة/ 165]. وأصحّ القولين أنَّ المعنى: يحبّونهم كما يحبّون اللَّه، فيسوّون

(6)

بين اللَّه وبين أندادهم

(1)

أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة (5431) وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها.

(2)

أخرجه أحمد (24100، 24129)، والترمذي (1895)، والنسائي في الكبرى (6844) من حديث عائشة مرفوعًا. وأخرجه الترمذي (1896) من حديث الزهري مرسلًا وقال:"والصحيح ما روي عن الزهرى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا". (ز).

(3)

أخرجه البخاري في كتاب التفسير (4712) وغيره، ومسلم في كتاب الإيمان (194) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

نصه في صحيح البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم (6362)، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة (2384) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.

(5)

يشهد له حديث الصحيحين المشار إليه آنفًا.

(6)

قراءة "ف": "ويسؤون"، وهي محتملة. وفي "ب، ك، ط": "وسوّوا".

ص: 642

في الحبّ. ثمَّ نفى ذلك عن المؤمنين فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة/ 165]، فإنَّ الذين آمنوا أخلصوا حبّهم للَّه لم يشركوا به معه غيره، وأمَّا المشركون فلم يخلصوه للَّه.

والمقصود من الخلق والأمر إنَّما هو هذه المحبّة، وهي أوَّل دعوة الرسل. وآخرُ كلام العبد المؤمن الذي إذا مات عليه دخل الجنَّة اعترافُه وإقرارُه بهذه المحبّة، وإفرادُ الربّ تعالى بها. فهو أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا

(1)

إلى اللَّه. وجميع الأعمال كالأدوات والآلات لها، وجميع المقامات وسائل إليها، وأسبابٌ لتحصيلها وتكميلها وتحصينها

(2)

من الشوائب والعلل. فهي قطب رحى السعادة، وروح الإيمان، وساق شجرة الإسلام. ولأجلها أنزل اللَّه الكتاب والحديد: فالكتاب هادٍ إليها، ودالّ عليها، ومفصِّل لها. والحديد لمن خرج عنها، وأشرك فيها مع اللَّه غيره. ولأجلها خلقت الجنة والنار: فالجنة دار أهلها الذين أخلصوها للَّه وحده، فأخلصهم لها؛ والنار دار من أشرك فيها مع اللَّه غيره، وسوَّى بينه وبين اللَّه فيها، كما أخبر تعالى عن أهلها أنَّهم يقولون في النار لآلهتهم:{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)} [الشعراء/ 97 - 98].

وهذه التسوية لم تكن منهم في الأفعال والصفات بحيث اعتقدوا أنَّها مساوية للَّه في أفعاله وصفاته، وإنَّما كانت تسويةً منهم بين اللَّه وبينها في المحبّة والعبودية فقط

(3)

، مع إقرارهم بالفرق بين اللَّه وبينها، فتصحيح

(1)

" ف": "الذنب"، تحريف.

(2)

"ف": "تخليصها"، خلاف الأصل.

(3)

"فقط" ساقط من "ط". وفي "ك": "فقطع" تحريف.

ص: 643

هذه المسألة

(1)

هو تصحيح شهادة أن لا إله إلا اللَّه.

فحقيقٌ بمن

(2)

نصح نفسه وأحبّ سعادتها ونجاتها أن يتيقّظ لهذه المسألة علمًا وعملًا وحالًا، وتكون أهمّ الأشياء عنده، وأجلّ علومه وأعماله؛ فإنَّ الشأن كلّه فيها، والمدار عليها، والسؤال يوم القيامة عنها. قال تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر/ 92 - 93]. قال غير واحد من السلف: هو عن قول: "لا إله إلا اللَّه"

(3)

. وهذا حقّ، فإنَّ السؤال كلّه عنها وعن أحكامها وحقوقها وواجباتها ولوازمها، فلا يسأل أحدٌ قطُّ إلا عنها وعن واجباتها ولوازمها وحقوقها.

قال أبو العالية: كلمتان يُسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟

(4)

فالسؤال عمَّاذا كانوا يعبدون هو السؤال عنها نفسها، والسؤالُ عمَّاذا أجابوا المرسلين سؤالٌ عن الوسيلة والطريق المؤدية إليها: هل سلكوها وأجابوا الرسل لما دعوهم إليها؟ فعاد الأمر كلّه إليها.

وأمرٌ هذا شأنه حقيقٌ بأن تُثنى

(5)

عليه الخناصر، ويُعَضَّ عليه بالنواجذ، ويُقبضَ فيه على الجمر. ولا يؤخذ بأطراف الأنامل،

(1)

"المسألة" ساقط من "ك، ط".

(2)

"ك، ط": "لمن".

(3)

تفسير الطبري (14/ 139 - 141).

(4)

تفسير الطبري (14/ 141)، المحرر الوجيز (3/ 375)، زاد المسير (4/ 419).

(5)

"ط": "تنعقد".

ص: 644