الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يُطلب على فضلة؛ بل يُجعل هو المطلب الأعظم، وما سواه إنَّما يطلب على الفضلة. واللَّه الموفق لا إله غيره، ولا ربّ سواه.
فصل [حدّ آخر للمحبة]
قال: "وقيل: المحبة إيثار المحبوب على غيره"
(1)
.
وهذا الحدُّ أيضًا من جنس ما قبله، فإنَّ إيثار المحبوب على غيره موجَب المحبة ومقتضاها
(2)
، فإذا استقرَّت المحبَّة في القلب استدعت من المحبّ إيثارَ محبوبه على غيره، وهذا الإيثار علامة ثبوتها وصحتها
(3)
. فإذا آثر غير المحبوب عليه لم يكن محبَّا له، وإن زعم أنَّه محبّ، فإنَّما هو محبّ لنفسه ولحظّه ممن يحبه، فإذا رأى حظًّا آخرَ هو أحبُّ إليه من حظّه الذي يريده من محبوبه آثرَ ذلك الحظَّ المحبوبَ إليه.
فهذا موضع يغلط فيه الناسُ كثيرًا، إذ أكثرهم إنَّما هو محبٌّ
(4)
لحظِّه ومراده، فإذا علم أنَّه عند غيره أحبَّ ذلك الغيرَ حبَّ الوسائل لا حبًّا له لذاته. ويظهر هذا عند حالتين: إحداهما: أن
(5)
يرى حظًا له آخرَ عند غيره، فيؤثر ذلك الحط، ويترك محبوبه. الثانية: أنَّه إذا نال ذلك
(1)
محاسن المجالس (90).
(2)
"ب": "ومقتضٍ لها"، وأخشى أن يكون تغييرًا من ناسخ قرأ "موجب" بكسر الجيم، وهو خطأ.
(3)
"ب": "علامة صحّتها وقبولها"!
(4)
"ك، ط": "يحبّ".
(5)
"ك، ط": "أنّه".
الحظَّ من محبوبه فترت محبّتُه، وسكن قلبُه، وترحّل قاطنُ المحبّة من قلبه؛ كما قيل: "من ودَّك لأمرٍ ولَّى
(1)
عند انقضائه". فهذه محبّة مشوبة بالعلل.
بل المحبّه الخالصة أن تحبّ المحبوبَ لكماله، وأنَّه أهل أن يُحَبَّ كمحبّته
(2)
لذاته وصفاته. وإنَّ الذي توجبه
(3)
هذه المحبة فناءُ العبد عن إرادته بمراد
(4)
محبوبه، فيكون عاملًا على مراد محبوبه منه، لا على مراده هو من محبوبه
(5)
. فهذه هي المحبّة الخالصة من درن العلل وشوائب النفس، وهي التي تستلزم
(6)
إيثار المحبوب على غيره ولا بدّ. وكلَّما كان سلطان هذه
(7)
المحبّة أقوى كان هذا الإيثار أتمّ
(8)
. وفي مثل هذا قيل:
تعصي الإلهَ وأنت تزعم حبَّه
…
هذا محال في القياس شنيعُ
(9)
لو كان حبّك صادقًا لأطعتَه
…
إنَّ المحبّ لمن يحبّ مطيعُ
(10)
(1)
في مفتاح دار السعادة (1/ 437): "مَلَّكَ"، واللفظ المشهور كما هنا. انظر: زاد المعاد (4/ 271)، والبصائر والذخائر (1/ 127). وسيأتي مرة أخرى في ص (696).
(2)
"كمحبّته"ساقط من "ب، ك، ط".
(3)
"ط": "وأنّ الذي يوجب"، وهو خطأ.
(4)
"ط": "لمراد"، خطأ.
(5)
"وإن الذي توجبه. . ." إلى هنا ساقط من "ب، ك". واستدركه بعضهم في حاشية "ك".
(6)
"ط": "تتزايد"، تحريف.
(7)
"هذه" ساقط من "ب".
(8)
"إيثار المحبوب. . ." إلى هنا ساقط من "ط".
(9)
"ب": "لعمري في الفعال". "ط": "لعمرك".
(10)
البيتان لمحمود الورّاق في الكامل (513) والزهرة (59) والعقد (3/ 215). =
وههنا دقيقة ينبغي التفطّن لها، وهي أنَّ إيثار المحبوب نوعان: إيثار معاوضة ومتاجرة، وإيثار حبّ وإرادة. فالأوَّل يؤثر محبوبَه على غيره طلبًا لحظّه منه. فهو
(1)
يبذل ما يؤثره به
(2)
ليعاوضه بخير منه. والثاني يؤثره إجابةً لداعي محبته. فإنَّ المحبة الصادقة تدعوه دائمًا إلى إيثار محبوبه، فإيثارُه هو أجلّ حظوظه. فحظّه في نفس الإيثار، لا في العوض المطلوب بالإيثار. وهذا لا يفهمه إلا النفس اللطيفة الوادعة
(3)
المشرقة. وأمَّا النفس الكثيفة فلا خبر عندها من هذا، وما هو بعُشّها فَلْتَدْرُجْ
(4)
!
فصل
(5)
والدين كلّه والمعاملة في الإيثار، فإنَّه تقديم وتخصيص لمن تؤثره بما تؤثره به على نفسك، حتى قيل
(6)
: إنَّ من شرطه الاحتياج من جهة المؤثر، إذ لو لم يكن محتاجًا إليه لكان بذله سخاءً وكرمًا. وهذا إنَّما يصح في إيثار المخلوق، واللَّه سبحانه يؤثر عبدَه على غيره، من غير احتياج منه سبحانه، فإنَّه الغني الحميد.
وفي الدعاء المرفوع: "اللّهم زِدْنَا ولا تنقصْنا، وأعْطِنا ولا تحرِمْنا،
= وينسبان إلى الشافعي. انظر: ديوان الوراق (139).
(1)
في الأصل: "فهي"، سهو. وكذا في "ف".
(2)
"به" ساقط من "ب، ك، ط".
(3)
أي: الهائة المطمئنة. وفي "ط": "الورعة"، تحريف.
(4)
انظر المثل "ليس هذا بعُشِّكِ فادرُجي" في معجم الأمثال للميداني (3/ 93).
(5)
كلمة "فصل" ساقطة من "ط".
(6)
"قيل" ساقطة من "ك، ط".