الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الطريقة عند المحبين المخلصين أولياءِ اللَّه الداعين إلى اللَّه عداوةٌ للَّه في الحقيقة، ومعاونةٌ للشيطان، وقعود على طريق اللَّه المستقيم الذي خلق عباده لأجله وأمرهم به. فالحذرُ من هؤلاء القطَّاع اللصوص
(1)
حمَلَ أهلَ المحبة على المبالغة في كتمانها، وإظهار التخلي منها بأسباب يُلامون عليها ظاهرًا، وقلوبهم معمورة بالمحبة مأهولة بها.
وهذا الذي ظنّوه غيرةً هو من تلبيس الشيطان، وخدعه لهم، ومكره بهم. وإنَّما هو حسدٌ حمَلَهم على أن تعدوه
(2)
وصالوا به وسموه غيرة. وإنَّما
غيرة المحب
ين للَّه أن يغار أحدهم لمحارم اللَّه إذا انتهكت، فيغار للَّه لا على اللَّه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنَّ اللَّه يغارُ، وإنَّ المؤمن يغارُ. وغيرةُ اللَّه أن يأتي العبدُ ما حرَّم عليه"
(3)
. فغيرة المحبّ هي الموافقة لغيرة محبوبه، وهي أن يغار مما يغار منه المحبوب. وأمَّا
(4)
إذا كان المحبوب يحب من يحبّه
(5)
، وهذا يغار ممن يحبه
(6)
، فهو في الحقيقة ساعٍ في خلاف مراد محبوبه وفي إعدام ما يحبّه محبوبُه. فأين هذا من الغيرة المحبوبة للَّه؟ وإنَّما هذه غيرة من أخيه المسلم كيف خصَّه اللَّه بعطائه، وألبسَه ثوبَ نعمائه، فهي غيرة منه لا غيرة على اللَّه؛ فإنَّ اللَّه لا يُغار عليه
(1)
"ب": "اللصوص القطاع".
(2)
كذا في الأصل و"ف". وضبط في "ك" بتشديد الدال. وفي "ب": "يفدوه". وفي "ط": "يردوه".
(3)
أخرجه البخاري في كتاب النكاح (5223)، ومسلم في التوبة (2761) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
"أما" ساقط من "ط".
(5)
"ط": "المحبوب ممن يحبه"، سقط وغلط.
(6)
"ك، ط": "يحبه اللَّه".
بل يُغار له.
وسنفرد إن شاء اللَّه للغيرة فصلًا نذكر فيه أقسامها وحقيقتها
(1)
.
الثالث: أنَّ المحبة التامَّة تستدعي شغلَ القلب بالمحبوب وعدمَ تفرّغه للشرح والوصف، فلو صدقت محبته لاستغرق فيها عن شرح حاله ووصفه. فهذه طريقة هؤلاء.
ومنهم من يجعل تهتكه وبَوحه بها وإعلانه
(2)
لها من تمامها وقوتها، ومن علامات قهرها له وأنَّها غلبت على سرّه حتى لم يُطِق صبرُه كتمانها، كما قال النوري
(3)
: "المحبّه هتكُ الأستار، وكشف الأسرار"
(4)
. فهذا حال
(5)
النوري وأضرابه.
وعند هؤلاء التكتُّم ضعفٌ في المحبة وخوَرٌ
(6)
فيها، وحقيقتها أن يُخلِّيها ومقتضاها من ظهور آثارها على الجوارح والبدن، فإن أثَّرت حركةً لم يسكِّنها، وإن أثَّرت دمعةً لم يمسكها
(7)
، وإن أثَّرت تنفّسًا لم
(1)
لا يوجد فصل في الغيرة في هذا الكتاب. ولكنه تكلم عليها في مدارج السالكين (3/ 5 - 14) وروضة المحبين (399، 422).
(2)
"ك، ط": "إعلامه".
(3)
أبو الحسين أحمد بن محمد النوري، خراساني الأصل، بغدادي المولد والمنشأ، من أصحاب السري السقطي وجلَّة مشايخ القوم، توفي سنة 295 هـ. طبقات الصوفية (164).
(4)
الرسالة القشيرية (324).
(5)
"ف": "كلام"، خلاف الأصل.
(6)
"ك، ط": "جور"، تصحيف.
(7)
في الأصل: "لم يرسلها"، وهو سبق قلم وكذا في "ف، ب". والمثبت من =
يكظمه، وإن أثَّرت بذلا وإيثارًا لم يمسكه. وكمال المحبة عندهم أن تنادي عليه أعضاؤه وألفاظه وألحاظه وحركاته وسكناته بالحبّ نداءً لا يملك إنكاره.
وقال علي بن عبيد: كتب يحيى بن معاذ إلى أبي يزيد: سكرتُ من كثرة ما شربتُ من كأس محبته. فكتب إليه أبو يزيد: "غيرك شرب بحورَ السماوات والأرض وما
(1)
رويَ بعدُ، ولسانه خارج وهو يقول: هل من مزيد"
(2)
. فلم ير هذان العارفان التكتّم بها وإخفاءَها وجحدها وهما هما! وكان الأستاذ أبو علي الدقَّاق
(3)
ينشد كثيرًا:
لي سَكْرتان ولِلنُّدمان واحدةٌ
…
شيءٌ خُصِصتُ به من بينهم وحدي
(4)
وجاءَ رجلٌ
(5)
إلى عبد اللَّه بن منازل
(6)
فقال: رأيتُ في المنام كأنَّك تموت إلى سنة، فقال عبد اللَّه: لقد أجَّلتني إلى أجل بعيد، أعيش
= "ك، ط".
(1)
"ك، ط": "والأرض ما".
(2)
حلية الأولياء (10/ 41)، الرسالة القشيرية (325).
(3)
شيخ أبي القاسم القشيري. توفي سنة 405 هـ. طبقات الشافعية (4/ 329).
(4)
لأبي نواس في ديوانه (27)، وفيه:"لي نشوتان". وقد أنشده المؤلف مع بيت آخر في مدارج السالكين (3/ 290). وانظر: القشيرية (71).
(5)
هو أحمد بن حامد الأسود، كما في القشيرية (335).
(6)
"ب، ك": "المبارك"، تحريف. وهو عبد اللَّه بن محمد بن منازل الضبيّ، شيخ الملامتية، توفي سنة 329 هـ. طبقات الصوفية (366)، الإكمال (7/ 204). وقد ضبط "منازل" في أصلنا وفي الطبقات بضم الميم، والصواب بفتحها كما في الإكمال وغيره من كتب المشتبه.
إلى سنة! لقد كان لي أنس ببيت سمعتُه من أبي علي
(1)
:
يا من شكا شوقه من طول فرقته
…
اصبِرْ لعلَّك تلقى من تحبُّ غدا
(2)
وقال الشبلي: "المحبّ إذا سكت هلك، والعارف إن لم يسكت هلك"
(3)
. والتحقيق: أنَّ هذا هو حال المتمكِّن في حبُّه، الذي:
تزول الجبالُ الراسياتُ، وقلبُه
…
على الودّ لا يُلوي ولا يتغيَّرُ
(4)
والأوَّل حال المزيد المبتدئ الذي قد علِقت نارُ المحبة في قلبه، ولم يتمكّن اشتعالها، فهو يخاف عليها عواصفَ الرياح أن تطفئها، فهو يخبئها ويكتمها ويسترها من الرياح جهدَه، فإذا اشتعلت وتمكن وقودها في القلب لم تزدها كثرةُ الرياح إلا وقودًا واشتعالًا. فهذا يختلف باختلاف الناس وتفاوتهم في قوَّة المحبة وضعفها.
والمقصود أنَّ من بسط لسانه بالعبارة عنها والكشف عن سرّها وأحكامها لن يؤمَن أن يكون من أهل العلم بالمحبة لا من المتّصفين بها حالًا، فكم بين العلم بالشيء والاتّصاف به ذوقًا وحالًا! فعلم المحبة شيء، ووجودها في القلب شيء. وكثير من المحبين الذين
(1)
زاد في "ط" بين حاصرتين: "الثقفي". وهو محمد بن عبد الوهاب الثقفي النيسابوري الشافعي، المحدث الفقيه العلّامة، شيخ خراسان. وهو من ولد الحجّاج، توفي سنة 328 هـ. سير أعلام النبلاء (15/ 280)، طبقات الصوفية (361).
(2)
الحكاية في القشيرية (330). والبيت أنشده المؤلف في مدارج السالكين (3/ 18)، ومع بيت آخر في روضة المحبين (581).
(3)
القشيرية (324).
(4)
في النسخ الخطية -ما عدا الأصل- والمطبوعة أثبت هذا البيت نثرًا. وقد أنشده المؤلف في بدائع الفوائد (527) أيضًا.
امتلأت
(1)
قلوبهم محبةً لو سئل عن حدّها وأحكامها وحقيقتها لم يُطِق أن يعبر عنها، ولا يتهيّأ له أن يصفها ويصف أحكامها، وأكثر المتكلِّمين فيها إنَّما تكلموا فيها بلسان العلم لا بلسان الحال. وهذا -واللَّه أعلم- هو معنى قول بعض المشايخ
(2)
: "أعظمُ الناس حجابًا عن اللَّه أكثرُهم إليه إشارة"، فإنه إنَّما حظّه منه الإشارة إليه لا عكوف
(3)
القلب عليه، كالفقير الذي دأبه وصف الأغنياء وأموالهم، ووصف الدنيا وممالكها، وهو خِلْو من ذلك.
ولا ريب أنَّ وجودَ الحبّ في القلب وتركَ الكلام فيه
(4)
علمًا خير من كثرة الكلام في هذه المسألة وخلوّ القلب منها. وخير من الرجلين من امتلأ قلبه منها حالًا وذوقًا، وفاضت على لسانه إرشادًا وتعليمًا ونصيحةً للأمة. فهذا حال الكُمَّل
(5)
من الناس. واللَّه المسؤول من فضله وكرمه.
قوله: "المحبة لا تظهر على المحبّ بلفظه، وإنَّما تظهر عليه بشمائله ونحوله". هذا حقّ، فإنَّ دلالة الحال على المحبة أعظم من دلالة القال عليها، بل الدلالة عليها في الحقيقة هو شاهد الحال لا صريح المقال. ففرق بين من يقول لك بلسانه: إنِّي أحبك، ولا شاهد عليه من حاله، وبين من هو ساكت لا يتكلَّم، وأنت ترى شواهد أحواله
(1)
"قد" ساقط من "ك، ط".
(2)
هو أبو يزيد البسطامي، ونصّ قوله في طبقات الصوفية (74):"أبعد الخلق من اللَّه أكثرهم إشارة إليه". ونحوه في صفة الصفوة (2/ 263).
(3)
"ط": "علوق"، تحريف.
(4)
"فيه" ساقط من "ك، ط".
(5)
"ط": "الكملة"، وقد مر مثل هذا التحريف من قبل.
كلها ناطقة بحبه لك. قال جعفر
(1)
: قال الجنيد: دفع السريّ إليَّ رقعةً وقال: هذه خير لك من سبعمائة قصَّة وكذا وكذا. فهذا فيها:
ولمَّا ادعيتُ الحبَّ قالت كذبتَني
…
فما لي أرى الأعضاءَ منكَ كواسيا
فما الحب حتَّى يلصَق القلبُ بالحشا
…
وتذبُلَ حتَّى لا تجيبَ المناديا
وتنحَلَ حتى لا يُبقّي لك الهوى
…
سوى مقلةٍ تبكي بها وتُناجيا
(2)
وبالجملة، فشاهد المحبة
(3)
الذي لا يكذب هو شاهد الحال، وأمَّا شاهد المقال فصادق وكاذب.
قوله: "ولا يفهم حقيقتها من المحبّ سوى المحبوب، لموضع امتزاج
(4)
الأسرار من القلوب" يعني أنَّ حقيقة المحبة وسرها لا يفهمه من المحبّ إلا محبوبه. وذلك لشدَّة الاتصال الذي بينه وبين محبوبه في الباطن، فروحه أقرب شيء إليه، وأمَّا
(5)
الغير وإن علم أنه محبّ بظهور أثر المحبة عليه وقيام شاهدها لكن لا يدرك
(6)
تلك اللطيفة والحقيقة
(1)
جعفر بن محمد بن نصير الخُلدي، صحب الجنيد وعرف بصحبته، توفي سنة 348 هـ. طبقات الصوفية (434).
(2)
في "ط": "وتبخل حتى ليس" خطأ. والحكاية في القشيرية (324)، ومصارع العشاق (1/ 109). وقد ضمن المؤلف الأبيات في قصيدة أوردها في مدارج السالكين (2/ 610).
(3)
"ط": "الحب".
(4)
رسم الكلمة في الأصل هنا أقرب إلى "اقتراح"، فإن الراء لم تنقط هنا، وكذا في "ب، ك". ولكن قول المؤلف في تفسيره: "لموضع اتصال سرّه به" يؤيد ما أثبتنا هنا وفي أول الفصل. وفي "ف": "إخراج"، خطأ. وفي "ط":"اقتداح".
(5)
"أما" ساقط من "ط".
(6)
"ف": "لا يدري"، تحريف.
التي يدركها المحبوبُ من محبّه، لموضع اتصال سرّه به
(1)
، وقرب ما بين الروحين، ولا سيَّما إذا كانت المحبة من الطرفين، فهناك العجب والمناجاة والملاطفة والإشارة والعتاب والشكوى، وهما ساكتان
(2)
لا يدري جليسهما بعجيب شأنهما
(3)
.
فصل
قال: "وأمَّا محبَّة العوام فهي محبة تنبُت من مطالعة المنَّة، وتثبتُ باتباع السنَّة، وتنمو على الإجابة للغاية
(4)
. وهي محبة تقطع الوسواس، وتُلذّذ الخدمة، وتسلِّي عن المصائب. وهي في طريق العوامّ عمدة الإيمان"
(5)
.
فيقال: لا ريب أنَّ المحبة درجات متفاوتة، بعضها أكمل من بعض، وكلّ درجة خاصَّة بالنسبة إلى ما تحتها، عامَّة بالنسبة إلى ما فوقها، فليس انقسامها إلى خاصّ وعامّ انقسامًا حقيقيًّا متميّزًا
(6)
بفصل يميّز أحدَ النوعين عن الآخر. وإنَّما تنقسم باعتبار الباعث عليها وسببها، وتنقسم بذلك إلى قسمين:
(1)
"به" ساقط من "ط".
(2)
كذا في "ب، ك". وفي "ط": "ساكنان"، وأهمل النقط في الأصل و"ف".
(3)
"ك، ط": "جليسهما بشأنهما".
(4)
كذا في الأصل والنسخ الأخرى ومطبوعة المجالس. ولعل الصواب: "الفاقة"، فإنّ ابن التعريف اعتمد على الهروي، وفي منازله:"الفاقة". وكذا في مدارج السالكين (2/ 617)، وعليه فسره ابن القيم في المدارج، وهنا أيضًا كما سيأتي في ص (695).
(5)
محاسن المجالس (91).
(6)
"ف": "مستمرًّا"، ولعله خطأ، وزاد بعدها في "ك، ط": "بالنسبة".
أحد[هما]
(1)
: محبة تنشأ من الإحسان، ومطالعة الآلاء والنعم، فإنَّ القلوب جُبلت على حبّ من أحسن إليها. وبغض من أساء إليها، ولا أحد أعظم إحسانًا من اللَّه سبحانه، فإنَّ إحسانه على عبده في كلِّ نفَس ولحظة، وهو يتقلب في إحسانه في جميع أحواله، ولا سبيل له إلى ضبط أجناس هذا الإحسان فضلًا عن أنواعه أو عن أفراده. ويكفي أنَّ من بعض أنواعه نعمةَ النفَس التي لا تكاد تخطر ببال العبد، وله عليه في كل يوم وليلة فيه أربعة وعشرون ألف نعمة، فإنَّه يتنفَّس في اليوم والليلة أربعة وعشرين ألف نفَس، وكلّ نفَس نعمة منه سبحانه. فإذا كان أدنى نعمة عليه في كل يوم وليلة أربعة وعشرون
(2)
ألف نعمة، فما الظنّ بما فوق ذلك وأعظم منه؟ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم/ 34، النحل/ 18].
هذا إلى ما يصرف عنه من المضرّات وأنواع الأذى التي تقصده، ولعلّها توازن النعم في الكثرة، والعبد لا شعور له بأكثرها أصلًا، واللَّه سبحانه يكلؤه منها بالليل والنهار، كما قال تعالى:{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء/ 42]. وسواء كان المعنى: مَن يكلؤكم ويحفظكم منه إذا أراد بكم سوءًا، ويكون "يكلؤكم" مضمَّنًا معنى "يجيركم وينجيكم من بأسه"؛ أو كانت "من" للبدلية
(3)
أي: من يكلؤكم بدل الرحمن سبحانه، أي: هو الذي يكلؤكم وحده، لا كالئ لكم غيره.
(1)
"هما" سقط من الأصل سهوًا. وانظر القسم الثاني في ص (690).
(2)
كذا في الأصل وغيره. وفي "ط": "عشرين".
(3)
"ك، ط": "البدلية".
ونظير "مِن" هذه قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)} [الزخرف/ 60] على أحد القولين، أي: عوضكم وبدلكم. واستشُهِد
(1)
على ذلك يقول الشاعر:
جاريةٌ لم تأكلِ المرفَّقا
…
ولم تذُقْ من البقول الفُسْتُقا
(2)
أي: لم تأكل الفستق بدل البقول
(3)
.
وعلى كلا القولين فهو سبحانه منعِم عليهم بكلاءَتهم وحفظهم وحراستهم مما يؤذيهم بالليل والنهار وحده، لا حافظ لهم غيره. هذا مع غناه التامّ عنهم وفقرهم التامّ إليه، فإنه سبحانه غَنيّ عن خلقه من كلّ وجه، وهم فقراءُ محتاجون إليه من كلّ وجه.
وفي بعض الآثار يقول تعالى: "أنا الجواد، ومَن أعظم منّي جودًا وكرمًا؟ أبيت أكلأ عبادي في مضاجعهم وهم يبارزوني
(4)
بالعظائم"
(5)
.
وفي الترمذي
(6)
أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا رأى السحاب قال: "هذه روايا
(1)
"ك، ط": "واستشهدوا".
(2)
هذا الرجز لأبي نُخيلة، من شعراء الدولتين. الشعر والشعراء (602). والمرفّق: الرغيف الواسع الرقيق.
(3)
وإليه ذهب ابن مالك. وقال غيره إن الراجز لم يعرف الفستق، فظنه من البقول. مغني اللبيب (422). وزعم الغندجاني أنَّ "البقول" بالباء تصحيف البقول. بالنون. فرحة الأديب (185). وانظر: الصحاح "بقل".
(4)
كذا في الأصل بحذف نون الرفع للتخفيف، وفي "ط":"يبارزونني". وفي "ف": "يبادروني"، تحريف.
(5)
انظر نحوه في الحلية (8/ 95 - 96)(11476 - 11477) عن الفضيل بن عياض.
(6)
رقم (3298). وأخرجه أحمد (8827) وابن أبي عاصم في السنة (578) =
الأرض يسوقها اللَّه إلى قوم لا يذكرونه، ولا يعبدونه"
(1)
.
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "لا أحد أصبَر على أذى يسمعه من اللَّه، إنّهم ليجعلون له الولد، وهو يرزقهم ويعافيهم"
(2)
.
وفي بعض الآثار: "يقول تعالى: ابنَ آدم، خيري إليك نازل، وشرّك إليّ صاعد. كم أتحبب إليك بالنعم، وأنا غنيّ عنك! وكم تتبغّض إليّ بالمعاصي، وأنت فقير إليّ! ولا يزال الملَك الكريم يعرج إليّ منك بعمل قبيح"
(3)
.
ولو لم يكن من تحبّبه إلى عباده وإحسانه إليهم وبرّه بهم إلّا أنّه سبحانه خلق لهم ما في السماوات والأرض وما في الدنيا والآخرة، ثمّ أقلهم وكرّمهم، وأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وشرع لهم شرائعه، وأذِن لهم في مناجاته كلّ وقت أرادوا. وكتب لهم بكلّ حسنة يعملونها عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضِعف إلى أضعاف كثيرة، وكتب لهم بالسيّئة واحدةً، فإن تابوا منها محاها وأثبت مكانها حسنةً. وإذا بلغت ذنوبُ أحدهم عَنان السماء ثمّ استغفره غَفَر له. ولو لقيه بقُراب الأرض خطايا، ثمّ لقيه بالتوحيد لا يشرك به شيئًا، لأتاه بقُرابها مغفرة
(4)
.
= وغيرهم من حديث أبي هريرة. قال الترمذي: "هذا حديث غريب من هذا الوجه. ويروى عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد، قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة". وسماع الحسن من أبي هريرة فيه خلاف. وأخرج البخاري (287)، ومسلم (348) حديثًا عن الحسن عن أبي هريرة. (ز).
(1)
الروايا من الإبل: التي يستقى عليها، شبّه بها السحاب.
(2)
تقدّم تخريجه في ص (274).
(3)
سبق تخريجه في ص (205).
(4)
قول المصنف "وإذا بلغت ذنوب أحدهم. . . بقرابها مغفرةً" حديثٌ رواه =
وشرع لهم التوبة الهادمة للذنوب، فوفّقهم لفعلها، ثمّ قبِلها منهم. وشرع لهم الحجّ الذي يهدم ما قبله، فوفّقهم لفعله، وكفّر عنهم سيئاتهم به. وكذلك ما شرعه لهم من الطاعات والقربات، هو الذي أمدّهم
(1)
بها، وخلقها لهم، وأعطاهم إيّاها، ورتّب عليها جزاءَها. فمنه السبب، ومنه الجزاءُ، ومنه التوفيق، ومنه العطاءُ أولًا وآخرًا. وهم محلّ إحسانه فقط، ليس منهم شيء، إنّما الفضل كلّه والنعمة كلّها والإحسان كلّه منه أولًا وآخرًا. أعطى عبده ماله، وقال: تقرَّبْ بهذا إليّ أقبلْه منك. فالعبد له، والمال له، والثواب منه، فهو المعطي أولًا وآخرًا.
فكيف لا يحَبّ من هذا شأنه؟ وكيف لا يستحيي العبد
(2)
أن يصرف شيئًا من محبته إلى غيره؟ ومن أولى بالحمد والثناءِ والمحبة منه سبحانه؟ ومن أولى بالكرم والجود والإحسان منه؟ فسبحانه وبحمده، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
ويفرح سبحانه بتوبة أحدهم إذا تاب إليه أعظم فرح وأكمله، ويكفّر عنه ذنوبه، ويُوجِب له محبّته بالتوبة. وهو الذي ألهمه إيّاها، ووفّقه لها، وأعانه عليها. وملأ سبحانه سماواته من ملائكته، واستعملهم في الاستغفار لأهل الأرض. واستعمل حمَلةَ العرش منهم في الدعاءِ لعباده المؤمنين، والاستغفار لذنوبهم ووقايتهم عذابَ الجحيم، والشفاعة إليه بإذنه أن يدخلهم جنّاته. فانظر إلى هذه العناية،
= أنس بن مالك. أخرجه الترمذي (3540) وقال: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه" قلت: في سنده كثير بن فائد، فيه جهالة. (ز).
(1)
"ك، ط": "أمرهم".
(2)
"ب": "كيف يليق بالعبد".
وهذا الإحسان، وهذا التحنّن والعطف
(1)
والتحبّب إلى العباد، واللطف التامّ بهم!
ومع هذا كلّه بعد أن أرسل
(2)
إليهم رسُله، وأنزل عليهم كتُبه، وتعرف إليهم بأسمائه وصفاته وآلائه؛ ينزل كلّ ليلة إلى سماء الدنيا يسأل عنهم
(3)
، ويستعرض حوائجهم بنفسه، ويدعوهم إلى سؤاله، فيدعو مسيئَهم إلى التوبة، ومريضهم إلى أن يسأله أن يشفيه، وفقيرهم إلى أن يسأله غناه، وذا حاجتهم يسأله
(4)
قضاءها كلّ ليلة. ويدعوهم سبحانه إلى التوبة، وقد حاربوه، وعذَّبوا أولياءه، وأحرقوهم بالنار. قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} [البروج/ 10]. قال بعض السلف: انظروا إلى كرمه، كيف عذبوا أولياءَه، وحرَّقوهم بالنار؛ ثُمَّ هو يدعوهم إلى التوبة!
فهذا الباب يدخل منه كلّ أحد إلى محبته سبحانه، فإنَّ نعمه
(5)
على عباده مشهودة لهم، يتقلَّبون فيها على عدد الأنفاس واللحظات. وقد روي في بعض الأحاديث مرفوعًا:"أحبوا اللَّه لما يغذوكم به من نعمه، وأحِبّوني بحبّ اللَّه"
(6)
. فهذه محبة تنَشأ من مطالعة المنن والإحسان
(1)
"ب": "التعطف".
(2)
"ف": "ومع هذا فقد أرسل"، خلاف الأصل.
(3)
سبق حديث النزول في ص (464).
(4)
"ب": "أن يسأله".
(5)
"ك، ط": "نعمته".
(6)
أخرجه الترمذي (3789)، والبخاري في تاريخه (1/ 83)، والطبراني في الكبير (2639)، والحاكم (4716). قال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب، إنَّما نعرفه من هذا الوجه" وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم =
ورؤية النعم والآلاء، وكلَّما سافر القلب بفكره
(1)
فيها ازدادت محبته وتأكَّدت. ولا نهاية لها، فيقفَ سفر القلب عندها، بل كلَّما ازداد فيها نظرًا ازداد فيها اعتبارًا وعجزًا
(2)
عن ضبط القليل منها، فيستدلّ بما عرفه على ما لم يعرفه.
واللَّه سبحانه دعا عباده إليه من هذا الباب، حتّى إذا دخلوا منه دُعُوا من الباب الآخر، وهو باب الأسماء والصفات
(3)
الذي إنَّما يدخل منه إليه خواصّ عباده وأوليائه، وهو باب المحبين حقًّا الذي لا يدخل منه غيرهم، ولا يشبَع من معرفته أحد منهم، بل كلَّما بدا له منه عَلَمٌ ازداد شوقًا ومحبَّةً وظمأ.
فإذا انضمَّ داعي الإحسان والإنعام إلى داعي الكمال والجمال لم يتخلَّف عن محبّة مَن هذا شأنه إلا أردأ القلوب وأخبثها وأشدّها نقصًا وأبعدها من كلِّ خيرٍ. فإنَّ اللَّه فطر القلوب على محبَّة المحسن الكامل في أوصافه وأخلاقه، وإذا كانت هذه فطرة اللَّه التي فطَر عليها قلوبَ عباده، فمن المعلوم أنَّه لا أحد أعظم إحسانًا منه سبحانه، ولا شيء أكمل منه ولا أجمل؛ فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صُنْعه سبحانه، وهو الذي لا يُحَد كمالُه، ولا يوصَف جلالُه وجمالُه، ولا يحيى أحد من خلقه ثناءً عليه بجميل صفاته وعظيم إحسانه وبديع أفعاله، بل هو كما أثنى على نفسه. وإذ
(4)
كان الكمال محبوبًا لذاته ونفسه وجَبَ أن يكون
= يخرجاه". وسنده ضعيف لجهالة عبد اللَّه بن سليمان النوفلي. (ز).
(1)
"بفكره" ساقط من "ط".
(2)
"ف، ب": "وعجَز"، خلاف الأصل.
(3)
وهذا هو القسم الثاني من المحبة، الذي ينشأ من مطالعة الأسماء والصفات.
(4)
"ك، ط": "إذا".
اللَّه هو المحبوب لذاته وصفاته، إذ لا شيء أكمل منه.
وكل اسم من أسمائه وصفة من صفاته تستدعي محبَّةً خاصَّةً، فإنَّ أسماءَه كلّها حسنى، وهي مشتمة من صفاته، وأفعاله دالَّة عليها، فهو المحبوب المحمود لذاته ولصفاته وأفعاله وأسمائه، فهو المحبوب المحمود
(1)
على كلِّ ما فعل، وعلى كل ما أمر؛ إذ ليس في أفعاله عبث، ولا في أوامره سَفَه. بل أفعاله كلّها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة، وكلّ واحد من ذلك يستوجب الحمد والثناء والمحبة عليه. وأوامره كلها مصلحة تستوجب الحمد والثناء والمحبة عليها
(2)
. وكلامه كله صدق وعدل، وجزاؤه كلّه فضل وعدل؛ فإنَّه إن أعطى فبفضله ورحمته ونعمته، وإن منع أو عاقبَ فبعدله وحكمته.
ما للعباد عليه حقٌّ واجبٌ
…
كلَّا ولا سعيٌ لديه ضائعُ
إن عُذبوا فبعدله، أو نُعِّموا
…
فبفضله، وهو الكريم الواسعُ
(3)
(4)
ولا يتصوَّر بشَرٌ
(5)
هذا المقامَ حق تصوّره فضلًا عن أن يوفّيه
(6)
حقَّه. فأعرَفُ خلقِه به وأحبُّهم له يقول: "لا أحصي ثناءً عليك، أنتَ كما
(1)
"لذاته. . . " إلى هنا ساقط من "ط".
(2)
"وأوامره كلها. . . " إلى هنا ساقط من "ط".
(3)
ذكرهما المؤلف في مدارج السالكين (2/ 389)، وبدائع الفوائد (645)، والتبيان (33)، والوابل الصيب (153).
(4)
في "ك، ط" هنا عنوان "فصل".
(5)
"ك، ط": "نشر"، تصحيف.
(6)
"ك، ط": "يوفَّاه"، خطأ.
أثنيتَ على نفسك"
(1)
. ولو شهد العبد
(2)
بقلبه صفة واحدة من أوصاف كماله لاستدعت منه المحبّةَ التامّةَ عليها. وهل مع المحبّين محبة إلا من آثار صفات كماله؟ فإنَّهم لم يروه في هذه الدار، وإنَّما وصل إليهم العلم بآثار صفاته وآثار صنعه، فاستدلّوا بما علموه على ما غاب عنهم، وإلا
(3)
فلو شاهدوه ورأوا جلاله وكماله وجماله
(4)
سبحانه لكان لهم في حبّه شأنٌ آخر.
وإنَّما تفاوتت مراتبهم
(5)
في محبته على حسب تفاوت مراتبهم في معرفته والعلم به، فأعرفهم له
(6)
أشدّهم حبًّا له. ولهذا كانت رسله صلوات اللَّه وسلامه عليهم أعظمَ الناس حبًّا له، والخليلان من بينهم أعظمهم حبًّا، وأعرف الأمة به أشدّ له حبًّا من غيره
(7)
.
ولهذا كان المنكرون لحبّه سبحانه من أجهل الخلق به، فإنَّهم منكرون لحقيقة إلهيته، ولملَّة
(8)
الخليلين صلَّى اللَّه عليهما وسلَّم، ولفطرة اللَّه التي فطر اللَّه عبادَه عليها. ولو رجعوا إلى قلوبهم لوجدوا حبّه فيها، ووجدوا معتقدهم وبحثهم
(9)
يكذّب فِطَرهم. وإنَّما بُعثت الرسل
(1)
تقدّم تخريجه في ص (57).
(2)
"العبد" ساقط من "ب، ك، ط".
(3)
"وإلَّا" ساقط من "ك، ط".
(4)
"ب، ك، ط": "جماله وكماله".
(5)
"ط": "منازلهم ومراتبهم". وفي "ك" ضرب على "منازلهم" وليس بعدها واو العطف.
(6)
"ب": "به". "ط": "باللَّه".
(7)
"ك، ط": ". . الأمة أشدهم له حبًّا".
(8)
"ب، ك، ط": "لخلَّة".
(9)
"ط": "معتقدهم نفي محبتهم".
بتكميل هذه الفطر
(1)
وإعادة ما فسد منها إلى الحالة الأولى التي فطرت عليها، وإنَّما دعَوا إلى القيام بحقوقها ومراعاتها لئلَّا تفسد وتنتقل عمَّا خُلقت له. وهل الأوامر والنواهي إلا خدَم وتوابع ومكملات ومصلحات لهذه الفطرة؟ وهل خلق
(2)
سبحانه خلقَه إلا لعبادته التي هي غايةُ محبته والذلِّ له؟ وهل هُيِّئ الإنسان إلا لها؟ كما قيل:
قد هيّؤوك لأمرٍ لو فطِنتَ له
…
فاربَأ بنفسك أن ترعَى مع الهَمَلِ
(3)
وهل في الوجود محبَّةٌ حقٌّ غير باطلة إلا محبته سبحانه؟ فإنَّ كلَّ محبَّةٍ متعلِّقةٍ بغيره فباطلة زائلة ببطلان متعلقها، وأمَّا محبته سبحانه فهي الحقّ التي لا تزول ولا تبطل
(4)
، كما لا يزول متعلقها ولا يفنى. فكلّ
(5)
ما سوى اللَّه باطل، ومحبّة الباطل كلها
(6)
باطل. فسبحان اللَّه كيف تُنكر المحبَّةُ الحقُّ التي لا محبَّة أحقّ منها، ويُعترَفُ بوجود المحبَّة الباطلة المتلاشية؟ وهل تعلَّقت المحبة بوجود محدَث إلا لكمالٍ في وجوده بالنسبة إلى غيره؟ وهل ذلك الكمالُ إلا من آثار صنع اللَّه الذي أتقن كل شيء؟ وهل الكمال كلّه إلا له؟ فكل من أحبَّ شيئًا لكمالٍ ما
(1)
"ك، ط": "الفطرة".
(2)
"ط": "خلق اللَّه".
(3)
للطغرائي. وهو آخر بيت من لامية العجم. انظر: الغيث المسجم (2/ 438) وفيه: "قد رشَّحوك". وقد ذكره المؤلف في زاد المعاد (3/ 73)، وروضة المحبين (619)، ومفتاح دار السعادة (1/ 431)، (2/ 113).
(4)
"ك، ط": "فهو الحق الذي لا يزول ولا يبطل".
(5)
"ب، ك، ط": "وكلّ". والمثبت من "ف".
(6)
في الأصل: "ومحبّة الباطلها" كذا، فقرأتها كما أثبت، ويؤيد ذلك تذكير الخبر، ولم يثبت "كلها" في النسخ الأخرى. وفي "ب":"ومحبّة الباطل باطلة".
يدعوه إلى محبته فهو دليل وعبرة على محبة اللَّه، وأنَّه أولى بكمال الحبّ من كلِّ شيء. ولكن إذا كانت النفوس صغارًا كانت محبوباتها على قدرها، وأمَّا النفوس الكبار الشريفة فإنَّها إنَّما
(1)
تبذل حبها لأجلّ الأشياء وأشرفها.
والمقصود أنَّ العبد إذا اعتبر كلَّ كمال في الوجود وجده من آثار كماله سبحانه، فهو دالّ على كمال مبدعه؛ كما أنَّ كل علم في الوجود فمن آثار علمه، وكلّ قدرة فمن آثار قدرته. ونسبة الكمالات الموجودة في العالم العلوي والسفلي إلى كماله كنسبة علوم الخلق وقُدَرهم وقواهم وحياتهم إلى علمه سبحانه وقدرته
(2)
وقوته وحياته. فإذن لا نسبة أصلًا بين كمالات العالم وكمال اللَّه جل جلاله، فيجب أن لا يكون بين محبته تعالى ومحبة غيره من الموجودات نسبة
(3)
، بل يكون حبّ العبد له أعظم من حبّه لكل شيء بما لا نسبة بينهما. ولهذا قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة/ 165]. فالمؤمنون أشدّ حبًّا لربهم ومعبودهم تعالى من كلّ محِبّ لكلِّ محبوب. هذا مقتضى عقد الإيمان الذي لا يتمّ إلا به.
وليست هذه المسألة من المسائل التي للعبد عنها غنًى أو منها بدّ، كدقائق العلم والمسائل التي يختصّ بها بعض الناس دون بعض. بل هذه أفرضُ مسألةٍ
(4)
على العبد، وهي أصل عقد الإيمان الذي لا يدخل فيه الداخل إلا بها، ولا فلاح للعبد ولا نجاة له من عذاب اللَّه إلا بها،
(1)
"إنما" ساقط من "ك، ط".
(2)
سقطت "قدرته" من "ف" سهوًا.
(3)
مكانها في "ط": "له".
(4)
"ط": "هذه مسألة تفرض".
فلْيشتغل بها العبد أو ليُعرض عنها.
ومن لم يتحقق بها علمًا وحالًا وعملًا لم يتحقَّق بشهادة أن لا إله إلا اللَّه، فإنَّها سرّها وحقيقتها ومعناها، وإن أبي ذلك الجاحدون، وقصَّر عن علمه الجاهلون. فإنَّ الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهُه
(1)
القلوب بحبها، وتخضع له، وتذِلّ له، وتخافه، وترجوه، وتنيب إليه في شدائدها، وتدعوه في مهمَّاتها، وتتوكَّل عليه في مصالحها، وتلجأ إليه، وتطمئن بذكره، وتسكن إلى حبّه. وليس ذلك إلا اللَّه
(2)
وحده. ولهذا كانت
(3)
أصدقَ الكلام، وكان أهلُها أهلَ اللَّه وحزبَه، والمنكرون لها أعداءه وأهل غضبه ونقمته.
فهذه المسألة قطب رحى الدين الذي عليه مداره، وإذا صحَّت صحَّ بها كل مسألة وحال وذوق، وإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في علومه، وأعماله، وأحواله، وأقواله. ولا حولَ ولا قوَّة إلا باللَّه.
فلنرجع إلى شرح كلامه.
فقوله: "وأمَّا محبة العوام فهي محبة تنبُت من مطالعة المنَّة" يعني أنَّ لهذه المحبة منشأ وثبوتًا
(4)
ونموًّا. فمنشؤها الإحسان ورؤية فضل اللَّه ومنته على عبده. وثبوتها باتباع أوامره التي شرعها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. ونموها وزيادتها يكون بإجابة العبد لدواعي فقره وفاقته إلى ربّه، فكلَّما
(5)
دعاه فقره وفاقته إلى ربّه أجاب هذا الداعي. وهو فقير بالذات،
(1)
"ف": "تأله"، سهو، وفي "ط":"تؤلّهه".
(2)
"ب": "للَّه".
(3)
يعني كلمة لا إله إلَّا اللَّه. وقد وضعت في "ط" بين حاصرتين.
(4)
"ب": إثباتًا".
(5)
"ف": "وكلّما".
فلا يزال فقره يدعوه إليه، فإذا دام
(1)
استجابتُه له بدوام الداعي لم تزل المحبة تنمو وتتزايد، فكلما أخطر الربّ تعالى في قلبه خواطرَ الفقر والفاقة إليه
(2)
بادر قلبه بالإجابة والانكسار بين يديه ذلًّا وفاقةً وحبًّا وخضوعًا.
وإنّما كانت هذه محبّة العوام عنده لأنّ منشأها من الأفعال، لا من الصفات والجمال. ولو قطع الإحسانُ عن هذه القلوب لتغيّرتْ وذهبت محبّتها، أو ضعفت، فإنّ باعثها إنّما هو الإحسان، و"من ودَّك لأمرٍ ولَّى عند إنقضائه"
(3)
، فهو برؤية الإحسان مشغول، وبتوالي النعَم عليه محمول.
قوله: "وهي محبة تقطع الوسواس، وتلذّذ الخدمة، وتسلّي عن
(4)
المصائب. وهي في طريق العوام عمدة الإيمان
(5)
". إنّما كانت هذه المحبة قاطعةً للوسواس لإحضار المحبّ قلبَه بين يدي محبوبه. والوسواس إنّما ينشأ من الغَيبة والبعد، وأمّا الحاضر المشاهد فما له وللوسواس؟ فالموسوس يجاهد نفسه وقلبه ليحضره
(6)
بين يدي معبوده، والمحبّ لم يغب قلبُه عن محبوبه فيجاهدَه على إحضاره، فالوسواس والمحبة متنافيان.
(1)
"ب، ط": "دامت".
(2)
"إليه" ساقط من "ك، ط".
(3)
سبق المثل والتعليق عليه في ص (646).
(4)
في الأصل: "على"، وكذا في غيره. وهو سهو. انظر ما سبق في أول الفصل. وسيأتي مرة أخرى على الصواب.
(5)
"ب، ك، ط": "للإيمان".
(6)
"ط": "ليحضر".
ومن وجه آخر أنّ المحبّ قد انقطعت عن قلبه وساوس الأطماع، لامتلاءِ قلبه من محبة حبيبه، فلا تتوارد على قلبه جوانب الأطماع والأماني لاشتغاله بما هو فيه.
وأيضًا فإن الوسواس والأماني إنّما تنشأ من حاجته وفاقته إلى ما تعلّق طمعه به، وهذا عبد قد جنى من الإحسان، وأُعطي من النعم ما سدّ حاجته وأغنى فاقته، فلم يبق له طمع ولا وسواس. بل بقي حبُّه للمنعِم عليه، وشكرُه له، وذكرُه إيّاه في محل وساوسه وخواطره، لمطالعته
(1)
نعمَ اللَّه عليه، وشهوده
(2)
منها ما لم يشهد غيره.
وقوله: "وتلذّذ الخدمة" هو صحيح، فإنّ المحبّ يتلذّذ بخدمة محبوبه وتصرفه في طاعته، وكلّما كانت المحبة أقوى كانت لذة الطاعة والخدمة أكمل. فليزِنْ العبد إيمانه ومحبّته للَّه بهذا الميزان، ولينظرْ هل هو ملتذّ بخدمته كالتذاذ المحبّ
(3)
بخدمة محبوبه، أو متكرّه لها يأتي بها على السآمة والملل والكراهة؟ فهذا محكّ إيمان العبد ومحبته للَّه.
قال بعض السلف: إنِّي أدخل في الصلاة، فأحمل همَّ خروجي منها، ويضيق صدري إذا عرفتُ
(4)
أني خارج منها.
ولهذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "جعلت قرَّة عيني في الصلاة"
(5)
. ومن كانت قرَّة عينه في شيء فإنَّه يودّ أن لا يفارقه ولا يخرج منه، فإن قرة عين العبد
(1)
"ف، ب": "لطاعة"، غلط.
(2)
في الأصل: "شهودها"، وهو سهو، وكذا في "ك". والمثبت من "ف، ب، ط".
(3)
"بخدمته كالتذاذ المحبّ" ساقط من "ك، ط".
(4)
"ك، ط": "فرغت"، تحريف.
(5)
تقدّم تخريجه في ص (81).
بالشيء
(1)
نعيمه وطيب حياته به.
وقال بعض السلف: "إنِّي لأفرح بالليل حين يُقبل، لما يلَذّ
(2)
به عيشي وتقَرّ به عيني من مناجاة من أحب، وخلوّي
(3)
بخدمته، والتذلل بين يديه. وأغتمّ للفجر إذا طلع، لما أشتغل به بالنهار عن ذلك". فلا شيء ألذّ للمحب من خدمة محبوبه وطاعته.
وقال بعضهم: تعذَّبتُ بالصلاة عشرين سنة، ثُمَّ تنعّمتُ بها عشرين سنة
(4)
.
وهذه اللذّة والتنعّم بالخدمة إنَّما تحصل بالمصابرة على التكرّه والتعب أوَّلًا، فإذا صبر عليه وصدق في صبره أفضى به إلى هذه اللذّة. قال أبو يزيد: سُقْتُ نفسي إلى اللَّه وهي تبكي، فما زلت أسوقها حتَّى انساقت إليه وهي تضحك
(5)
.
ولا يزال السالك عرضةَ الآفات
(6)
والفتور والانتكاس حتى يصل إلى هذه الحال
(7)
. فحينئذٍ يصير نعيمُه في سيره، ولذّتُه في اجتهاده،
(1)
"بالشيء" ساقط من "ك، ط".
(2)
"ك، ط": "يلتذ". "ب": "تلذبه عيشتي".
(3)
"ك، ط": "خلوتي".
(4)
"ف": "تغذيت"، تصحيف. وهو من كلام عتبة الغلام ابن أبيان البصري. حلية الأولياء (10/ 9). وفيه:"كابدت الصلاة. . "، وانظر: عدة الصابرين (84).
(5)
ذكره المصنف في بدائع الفوائد (1181) ضمن ما انتقاه من المدهش لابن الجوزي (463).
(6)
"ط": "للآفات".
(7)
"ط": "الحالة".
وعذابُه في فتوره ووقوفه. فيرى
(1)
أشدّ الأشياء عليه ضياعَ شيء من وقته ووقوفَه عن سيره، ولا سبيل إلى هذا إلا بالحبّ المزعِج.
وقوله: "وتسلّي
(2)
عن المصائب" صحيح، فإنَّ المحبّ يتسلَّى بمحبوبه عن كلّ مصيبة يصاب بها دونه، فإذا سلم له محبوبه لم يُبالِ بما فاته، ولا يجزع
(3)
على ما ناله، فإنَّه يرى في محبوبه عوضًا عن كلّ شيء، ولا يرى في شيء غيره عوضًا منه أصلًا، فكل مصيبة عنده هينة إذا أبقَتْ عليه محبوبه.
ولهذا لما خرجت تلك المرأة الأنصارية يوم أحد تنظر ما فعل رسولُ اللَّه
(4)
صلى الله عليه وسلم مرت بأبيها وأخيها مقتولَين
(5)
، فلم تقِفْ عندهما، وجاوزتهما تقول: ما فعل رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقيل لها: ها هو ذا حيّ، فلما نظرت إليه قالت
(6)
: ما أُبالي إذ
(7)
سلمتَ هلك مَن هلك
(8)
.
ولو لم يكن في المحبة من الفوائد إلا هذه الفائدة وحدَها لكفى بها
(1)
"ك، ط": "فترى".
(2)
"ك": "سلى". (ط): "سلا"، خطأ.
(3)
في الأصل: "ولا يجرح" بالجيم والحاء، ولعله سهو وكذا في "ف". وفي "ب":"ولم يجزع". وفي "ك، ط": "فلا يجزع".
(4)
"ك، ط": "برسول اللَّه".
(5)
في السيرة أنها أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأحد. انظر: سيرة ابن هشام (2/ 99).
(6)
في الأصل: "قال"، سهو.
(7)
"ك، ط": "إذا"، خطأ.
(8)
أخرجه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (2/ 99)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 302)، وسنده ضعيف للانقطاع. (ز).
شرفًا، فإنَّ المصائب لازمة للعبد لا محيدَ له عنها، ولا يمكن دفعها وحملها
(1)
بمثل المحبة. وهكذا مصائب الموت وما بعده
(2)
إنَّما تسهل وتهون بالمحبة. وكذلك مصائب يوم القيامة، وأعظم المصائب مصيبة النار، ولا يدفعها إلا محبَّة اللَّه وحده، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فالمحبَّة أصل كلّ خيرِ في الدنيا والآخرة، كما قال سَمنون
(3)
: ذهب المحبّون للَّه بشرف الدنيا والآخرة، فإنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"المرءُ مع من أحبّ"
(4)
، فهم مع اللَّه تعالى.
وقوله: "وهي في طريق العوامّ عمدة الإيمان" كلام قاصر، فإنَّها عمود الإيمان وعمدته وساقه الذي لا يقوم إلا عليه، فلا إيمان بدونها البتة، وإنَّما مراده أنَّ
(5)
هذه المحبة الخاصة التي تنشأ من رؤية النعم هي عمدة إيمان العوامّ، وأمَّا الخواصّ فعمدة إيمانهم محبة تنشأ من معرفة الكمال ومطالعة الأسماء والصفات
(6)
.
فصل
قال أبو العباس
(7)
: "وأمَّا محبَّة الخواصّ فهي محبة خاطفة: تقطع
(1)
"وحملها" ساقط من "ك، ط".
(2)
"ك، ط": "بعدها".
(3)
من أصحاب السري السقطي. ترجمته في طبقات الصوفية (193) وحلية الأولياء (10/ 329). ونقل المصنف قوله في روضة المحبين (553).
(4)
أخرجه البخاري في كتاب الأدب (6168)، ومسلم في البر والصلة (2640) عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه.
(5)
"أنَّ" ساقط من "ك، ط".
(6)
زاد في "ك، ط": "واللَّه أعلم".
(7)
محاسن المجالس (91 - 92).
العبارة، وتدقِّق الإشارة، ولا تنتهي بالنعوت، ولا تُعرف إلا بالحيرة والسكوت، وقال بعضهم:
تقول وقد أُلبِستُ وجدًا وحيرةً
…
وقد ضمَّنا بعد التفرُّق محضرُ
(1)
ألستَ الذي كنّا نحدث أنه
…
وَلوع بذكرانا، فأين التذكّرُ؟
(2)
فرد عليها الوجدُ: أفنيتِ ذكرَه
…
فلم يبقَ إلا زفرة وتحيّرُ
(3)
"
فيقال: ههنا مرتبتان من المحبة مختلَف في أيّتهما أكمل من الأخرى: إحداهما هذه المرتبة التي أشار إليها المصنف، وهي الدرجة الثالثة التي ذكرها شيخ الإِسلام في منازله
(4)
فقال: "والدرجة الثالثة محبة خاطفة تقطع العبارة، وتدفق الإشارة، ولا تنتهي بالنعوت. وهذه المحبة قطب هذا الشأن، وما دونها محالّ
(5)
تنادي عليها الألسن، وادعتها الخليقة، وأوجبتها العقول".
والمرتبة الثانية عند صاحب المنازل ومن تبعه دون هذه المرتبة، وهي المحبة التي تنشأ من مطالعة الصفات، فقال في منازله: "والدرجة الثانية محبة تبعث على إيثار الحقّ على غيره، وتُلهِجُ اللسان بذكره،
(1)
"ك، ط": "يقول"، تصحيف.
(2)
"ب، ك، ط": "بذكراها".
(3)
"ف": "فكرة وتحير"، خلاف الأصل. "ب":"حسرة وتحسر".
(4)
يعني شيخ الإِسلام زكريا الأنصاري في كتابه منازل السائرين (72)، وانظر: مدارج السالكين (2/ 618، 620).
(5)
كذا في الأصل وغيره. وفي المنازل: "محاب"، ولم يشر محققه إلى نسخة أخرى، وكذا في المدارج. فأخشى أن يكون ما هنا سهوًا.
وتعلق
(1)
القلبَ بشهوده، وهي محبة تظهر من مطالعة الصفات، والنظر في الآيات، والارتياض بالمقامات"
(2)
.
وإنَّما جعل هؤلاء هذه المحبة أنقصَ من المحبة الثالثة بناءً على أصولهم في أنَّ
(3)
الفناءَ هو غاية المسالك التي لا غاية له وراءَها. فهذه المحبة لما أفنَت المحبّ، واستغرقت روحه، بحيث غيبته عن شهوده، وفني فيها المحبّ، وانمحت رسومه بالكلّية، ولم يبق هناك إلا محبوبه وحده، فكأنَّه هو المحبّ لنفسه بنفسه، إذ فني من لم يكن، وبقي من لم يزل.
ولمَّا ضاق نطاق النطق بهم عن التعبير عنها عدلوا إلى التعبير عنها بكونها قاطعةً للعبارة، مدقّقةً للإشارة، يعني تدِقّ عنها الإشارة؛ لأنَّ
(4)
الإشارة تتناول محبًّا ومحبوبًا، وفي هذه المحبة قد فني المحبّ، فانقطع تعلُّق الإشارة به، إذ الإشارة لا تتعلّق بمعدوم.
وسر هذا المقام عندهم هو الفناءُ في الحبّ، بحيث لا يشاهد له رسمًا ولا محبَّةً ولا سببًا. ولهذا كانت الدرجتان اللتان قبله عنده
(5)
معلولتين، لأنَّهما مصحوبتان
(6)
بالبقاء وشهود الأسباب، بخلاف الثالثة. ولهذا قال:"ولا تنتهي بالنعوت" يعني أنَّ النعت لا يصل إليها
(1)
"ك، ط": "يلهج. . . يعلق"، تصحيف.
(2)
منازل السائرين (72). وانظر: المدارج (617).
(3)
"ط": "فإنَّ"، تحريف.
(4)
"ك، ط": "ولأنَّ"، خطأ.
(5)
"ط": "عنه"، تحريف.
(6)
في الأصل و"ف": "مصحوبان"، ولعله سهو. والمثبت مما عداهما.
ولا يدركها. وهذ ابناءً على قاعدته في كلِّ باب من أبواب كتابه بجعل
(1)
الدرجة الثالثة
(2)
التي تتضمن الفناءَ أكمل ممَّا قبلها.
والصواب أنَّ الدرجة الثانية أكمل من هذه وأتمّ، وهي درجة الكمَّل
(3)
من المحبين. ولهذا كان إمامهم وسيدهم وأعظمهم حبًّا صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا من المحبة، وهو مراع لجزئيات الأمر ولجزئيات الأمة
(4)
، مثل سماعِه بكاءَ الصبيّ في الصلاة فيخفّفها لأجله
(5)
، ومثل التفاته في صلاته إلى الشعب الذي بعث منه العينَ يتعرَّف له أمر العدوّ
(6)
، هذا وهو في أعلى درجات
(7)
المحبة.
ولهذا رأى ما رأى ليلة الإسراء
(8)
، وهو ثابت الجأش، حاضر القلب، لم يفنَ عن تلقّي خطاب ربه وأوامره، ومراجعته في أمر الصلاة مرارا. ولا ريب أنَّ هذه
(9)
الحال أكمل من حال موسى الكليم صلوات اللَّه وسلامه عليهما وعلى جميع النبيين، فإنَّ موسى خرَّ صعقًا وهو في
(1)
كذا في "ك". وفي "ط": "يجعل" ولم ينقط أوله في الأصل وغيره.
(2)
"ك، ط": "العالية"، تحريف.
(3)
"ط": "الكملة"، وقد مرّت أمثلة من هذا التغيير في "ط".
(4)
في "ب" تحرفت كلمة "الجزئيات" في الموضعين إلى "حرمات". وفي "ك": "لجريان الأمور". وفي "ط": "لجريان الأمور وجريان الأمة".
(5)
كما في حديث أبي قتادة الذي أخرجه البخاري في كتاب الأذان (707)، وحديث أنس الذي أخرجه مسلم في كتاب الصلاة (470).
(6)
أخرجه أبو داود (2501)، وابن خز يمة (487)، وأبو عوانة (5/ 98)، والحاكم (865). والحديث صححه ابن خزيمة والحاكم. (ز).
(7)
"ك، ط": "درجة".
(8)
"ك، ط": "في ليلة الإسراء".
(9)
"ك، ط": "هذا".
مقامه في الأرض لمَّا تجلَّى ربُّه للجبل، والنبيّ صلى الله عليه وسلم قطع تلك المسافات، وخرق تلك الحجب، ورأى ما رأى، وما زاغ بصره ولا طغى
(1)
، ولا اضطرب فؤاده ولا صعق، فصلوات اللَّه وسلامه عليه. ولا ريب أنَّ الوراثة المحمّدية أكمل من الوراثة الموسويّة.
وتأمَّل شأن النسوة اللاتي رأين يوسف، كيف أدهشهنَّ حسنُه وتعلّق
(2)
قلوبهنَّ به، وأفناهنَّ عن أنفسهنَّ حتَّى قطَّعن أيديهنَّ. وامرأةُ العزيز أكملُ حبًّا منهنَّ له وأشدّ، ولم يعرض لها ذلك، مع أنَّ حبها أقوى وأتمّ؛ لأنَّ حبّها كان مع البقاءِ، وحبّهن كان مع الفناءِ. فالنسوة غيَّبهنّ حسنُه وحبُّه
(3)
عن أنفسهنَّ، فبلغن من تقطيع أيديهنَّ ما بلغن؛ وامرأة العزيز لم يغيّبها حبُّها له
(4)
عن نفسها، بل كانت حاضرةَ القلب متمكّنةً في حبّها، فحالها حال الأقوياء من المحبين، وحال النسوة حال أصحاب الفناءِ.
ومما يدلّ على أنَّ حال البقاءِ في الحبّ أكمل من حال الفناء أنَّ الفناءَ إنَّما يعرض لضعف النفس عن حمل
(5)
وارد المحبة، فتمتلئ به، وتضعف عن حمله، فيفنيها ويغيّبها عن تمييزها وشهودها، فيورثها الحيرة والسكوت. وأمَّا حال البقاء فيدلّ على ثبات النفس وتمكّنها، وأنَّها حملت من الحبّ ما لم يطلق حملَه صاحبُ الفناءِ، فتصرَّفتْ في
(1)
"ب، ك، ط": "ما طغى".
(2)
"ب، ط": "تعلَّقت".
(3)
"ف": "حسن وجهه"، خلاف الأصل.
(4)
"ط": "حبه لها"، غلط.
(5)
"حمل" ساقط من "ك، ط".
حبّها، ولم يتصرّف فيها. والكامل
(1)
من إذا ورد عليه الحال تصرف هو فيه، ولا يدع حاله يتصرّف فيه.
وأيضًا فإنَّ البقاء متضمن لشهود كمال المحبوب
(2)
، ولشهود ذلّ عبوديته في محبته
(3)
، ولشهود مراضيه وأوامره، والتمييز بين ما يحبه ويكرهه، والتمييز بين المحبوب إليه والأحبّ، والعزم على إيثار الأحبّ إليه. فكيف يكون الفاني عن شهود هذا بتغييب
(4)
الحبّ له أكملَ وأقوى؟ وأي عبودية للمحبوب في فناءِ المحبّ في محبته؟ وهل العبودية كلّ العبودية إلا في البقاءِ والصحوِ، وكمالِ التمييز، وشهود عزّة محبوبه، وذلّه هو
(5)
في حبّه واستكانته فيه، واجتماع إرادته كلها في تنفيذ مراد محبوبه؟
فهذا وأمثاله مما يدلّ على أنَّ الدرجة الثانية التي أشار إليها أكملُ من الثالثة وأتم. وهكذا في جميع أبواب الكتاب. واللَّه أعلم.
وكأنِّي بك تقول: لا يُقبَل
(6)
في هذا إلا كلامُ مَن قطَع هذه المفاوِزَ حالًا وذوقًا، وأمَّا الكلام فيها بلسان العلم المجرد فغير مقبول، والمحبون أصحاب الحال والذوق في المحبة، لهم شأن وراءَ الأدلة والحجَج!
(1)
"ك، ط": "الكمال".
(2)
"ب": "متضمن لكمال المحبوب".
(3)
"ك، ط": "عبوديته ومحبته".
(4)
"ط": "التغييب".
(5)
"ك، ط": "وذله وهو".
(6)
"ب": "لا نقبل"، والأصل غير منقوط.
فاعلم أوَّلًا أنَّ كلَّ حال وذوق ووجد وشهود لا يُشرِق عليه نورُ العلم المؤيَّد بالدليل، فهو من عيش
(1)
النفس وحظوظها. فلو قُدِّرَ أنَّ المتكلّم إنَّما تكلَّم بلسان العلم المجرَّد، فلا ريبَ أنَّ ما كشفه العلم الصحيح المؤيَّد بالحجَّة أنفعُ من حالٍ يخالف العلمَ و [العلمُ]
(2)
يخالفه. وليس من الإنصاف ردّ العلم الصحيح بمجرَّد الذوق والحال، وهذا أصل الضلالة، ومنه دخل الداخل على كثير من السالكين في تحكيم أذواقهم ومواجيدهم على العلم، فكانت فتنةٌ في الأرض وفساد كبير. وكم قد ضلَّ وأضلَّ محكِّم الحال على العلم! بل الواجب تحكيمُ العلم على الحال، وردُّ الحال إليه، فما زكَّاه شاهدُ العلم فهو المقبول، وما جرحه شاهد العلم فهو المردود. وهذه وصية أرباب الاستقامة من مشايخ الطريق رضي الله عنهم، كلّهم
(3)
يوصون بذلك، ويخبرون أنَّ كلّ ذوق ووجد لا يقوم عليه شاهدان اثنان من العلم فهو باطل.
ويقال ثانيًا: ليس من شرط قبول العلم بالشيء من العالم به أن يكون ذائقًا له. أفتراك لا تقبل معرفة الآلام والأوجاع وأدويتها إلا ممَّن قد مرض وتداوى بها
(4)
؟ أفيقول هذا عاقل؟
ويقال ثالثًا: أتريد بالذوق أن يكون القائل قد بلغ الغاية القصوى في
(1)
"ط": "عبث"، تحريف.
(2)
ما بين الحاصرتين زيادة من "ط".
(3)
"كلهم" ساقط من "ب". وسقطت معه كلمة الترضي أيضًا من "ك، ط".
(4)
"وتداوى" مكتوب في حاشية الأصل، والإشارة تدلّ على أن مكانها قبل "بها" كما أثبتنا، وفي "ف":"مرض بها وتداوى"، وفي "ب، ك، ط": "مرض بها وتداوى بها".
هذه المرتبة، فلا تقبل إلا ممَّن هذا شأنه، أو تريد به
(1)
أنه لا بدَّ أن يكون له أذواق أهله من حيث الجملة
(2)
؟ فإن أردتَ الأوَّل لزمك أن لا تقبل
(3)
من أحد، إذ ما من ذوق إلا وفوقه أكمل منه. وإن أردت الثاني، فمن أين لك نفيُه عن صاحب العلم؟ ولكن لإعراضك عن العلم وأهله صرتَ تظنّ أنّ أهل العلم لهم العلم والكلام والوصف، وللمعرضين عنه الذوق والحال والاتصاف.
والظنُّ يخطئ تارةً ويُصيبُ
(4)
واللَّه أعلم.
فصل
قال أبو العباس: "فعند القوم كلّ ما هو من العبد فهو علَّة تليق بعجز العبد وفاقته. وإنَّما عين الحقيقة عندهم أن يكون قائمًا بإقامته له، محبًّا بمحبَّته له، ناظرًا بنظره له
(5)
، من غير أن يبقى معه بقيَّةٌ تُناط باسم، أو تقف على رسم، أو تتعلَّق بأثر
(6)
، أو تُنعَت بنعت، أو تُوصف
(1)
"به" ساقط من "ب، ك، ط".
(2)
"ك، ط": "يحمله"، تحريف.
(3)
"ك": "لا يقبل"، ولم ينقط حرف المضارع في غيرها. وزاد في "ط" بعده:"أحد".
(4)
صدر بيت لأبي العتاهية في ديوانه (29). وهو:
الظن يخطئ تارةً ويصيبُ
…
وجميعُ ما هو كائن فقريبُ
وقال الطغرائي من قصيدة في ديوانه (63):
غُرّتْ بترجيم الظنون فأخطأت
…
والظنّ يخطئ مرَّةً ويصيبُ
(5)
"له" تحرفت في "ك، ط" إلى "لا".
(6)
"ط": "بنظر".
بوصف، أو تنسَب إلى وقت. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، لدينا محضَرون"
(1)
.
فيقال: هذا هو مقام الفناءِ الذي يشير إليه كثيرٌ من المتأخرين، ويجعلونه غاية الغايات ونهاية النهايات، وكلُّ ما دونه فمِرقاةٌ إليه وعَيلةٌ عليه. ولهذا كانت المحبة عندهم آخرَ منازل الطريق، وأوَّلَ أودية الفناءِ، والعقبةَ التي يُنحدَر منها على منازل المحو، وهي آخر منزل يلقَى فيه مقدّمة العامَة ساقةَ الخاصَّة، وما دونها أغراض لأعواض
(2)
. فجعلوا المحبة منزلةً
(3)
من المنازل ليست غاية، وجعلوها أوَّل الأودية التي يسلك
(4)
فيها أصحاب الفناءِ، فهي أوَّل أوديتهم والعقبة التي ينحدرون منها إلى منازل الفناء والمحو. فليست هي الغاية عندهم، وأصحابها عندهم مقدّمة العامَّة، وساقةُ إصحاب الفناء عندهم متقدّمون
(5)
عليهم سابقون لهم، فإنَّهم ساقة الخاصّة، وهؤلاء مقدّمة العامّة. وهذا
(6)
كلّه بناءً على أنَّ الفناء هو الغاية التي لا غاية للعبد وراءَها، ولا كمال له يطلبه فوقها. وقد تبيّن ما في ذلك، وما هو الصواب، بحمد للَّه.
(1)
محاسن المجالس (92).
(2)
"لأعواض" بالواو. كذا في الأصل، وفي منازل السائرين الذي أخذ منه المؤلف هذه العبارة ولم يشر محققه إلى قراءة أخرى. انظر: المنازل (71)، ومدارج السالكين (2/ 614)، وفسر المؤلف فيه معنى الأعواض هنا. وفي النسخ الأخرى وفي المجالس (95):"لأعراض" بالراء. هذا، وقد كتب في الأصل بعد هذه العبارة:"هذا كلام صاحب المنازل" ثم ضرب عليه.
(3)
"ط": "منزلا".
(4)
"ك، ط": "سلك".
(5)
"ب، ك، ط": "مقدّمون".
(6)
"ك، ط": "فهذا".
فقوله رحمه الله: "كلّ ما هو من العبد فهو علَّة تليق بعجز العبد وفاقته". يقال
(1)
: إذا كان إنَّما منه
(2)
العبودية التي يحبّها اللَّه كسبًا ومباشرةً، فهو قائم بها، شاهد لمقيمه فيها، مطالع لمنّه وفضله؛ فأيّ علَّة هنا سوى وقوفه مع شهود ما
(3)
منه، وغيبته عن شهود إقامة اللَّه له
(4)
، وتحريكه إيَّاه، وتوفيقه له؟ فالعلَّة هي هذا
(5)
الشهود وهذه الغيبة المنافية لكمال الافتقار والفاقة إلى اللَّه. وأمَّا شهود فقره وفاقته في مجموع
(6)
حالاته وحركاته وسكناته إلى وليّه وبارئه مستعينًا به أن يقيمه في عبوديته
(7)
خالصةً له، فلا علَّة هناك.
قوله: "وإنَّما عين الحقيقة أن يكون قائمًا بإقامته له" إلى آخر كلامه. يقال: إن أردتَ أنَّه يشهد إقامة اللَّه له حتَّى قام، ومحبَّته له حتَّى أحبّه، ونظره إلى عبده حتَّى أقبل عبدُه عليه ناظرًا إليه بقلبه، فهذا حقّ. فإنَّ ما مِنَ اللَّه سبق ما من العبد، فهو الذي أحب عبدَه أوَّلًا فأحبه العبدُ، وأقام عبدَه
(8)
في طاعته فقام بإقامته، ونظر إليه فأقبل العبد عليه، وتاب عليه أوَّلًا فتاب إليه العبد.
وإن أردتَ أنَّه لا يشهد فعلَه البتَّة، بل يفنى عنه جملةً، ويشهد أنَّ اللَّه
(1)
زاد في (ط): "له".
(2)
"ط": "منته".
(3)
"ط": "شهودها" تحريف.
(4)
"له" ساقط من "ط".
(5)
"ك، ط": "بهذا".
(6)
"ك، ط": "فاقته ومجموع".
(7)
"ط": "عبودية".
(8)
"ك، ط": "العبد".
وحده هو الذاكر لنفسه، الموحّد لنفسه، المحبّ لنفسه؛ وأنَّ هذه الأسباب والرسوم تصير عدمًا صِرفًا
(1)
في شهوده، وإن لم تفنَ وتُعدَمْ في الخارج -وهذا هو مراد القوم- فدعوى أنَّ هذا هو الكمال الذي لا كمال فوقه ولا غاية وراءَه دعوى مجرَّدةٌ لا يستدِل عليها مدعيها بأكثر من الذوق والوجد. وقد تقدَّم أنَّ هذا ليس بغاية، وإنَّما غايته أن يكون من عوارض الطريق، وأنَّ شهود الأشياءِ في مراتبها ومنازلها التي أنزلها اللَّه
(2)
سبحانه إياها أكمل وأتم.
ويكفي في نقض
(3)
هذا الاحتجاجُ عليه بصفات الكفَّار، فإنَّ اللَّه تعالى ذمهم بأنَّهم صمّ بكم عمي، فهذه صفات نقص وذمّ، لا صفات كمال ومدحة. وهل الكمال إلا في حضور السمع والبصر والعقل
(4)
، وكمال التمييز، وتنزيل الخلق والأمر منازلهما، والتفريق بين ما فرَّق اللَّه بينه؟ فالأمر كله فرقان وتمييز وتبيين، وكلَّما
(5)
كان تمييز العبد وفرقانه
(6)
أتمّ، كان حاله أكملَ، وسيره أصحّ، وطريقه أقوم وأقرب. والحمد للَّه ربِّ العالمين.
(1)
"صرفًا": ساقط من "ط".
(2)
سقط لفظ الجلالة من "ك، ط".
(3)
"ب، ك، ط": "بعض"، تصحيف.
(4)
"ف": "القول" وهو يشبه رسم الكلمة في الأصل.
(5)
"ك، ط": "فكلما".
(6)
"ف": "فرقان العبد وتمييزه"، خلاف الأصل.
فصل [في الشوق]
قال أبو العبّاس: "وأمَّا الشوق فهو هبوب القلب إلى غائب، وإعواز الصبر عن فقده، وارتياح السرّ إلى طلبه؛ وهو من مقامات العوامّ. فأمَّا
(1)
الخواصّ فهو عندهم علَّة
(2)
عظيمة؛ لأنَّ الشوق إنَّما يكون إلى غائب. ومذهب هذه الطائفة إنَّما قام على المشاهدة، والطريق عندهم أن يكون العبد غائبًا، والحقّ ظاهرًا. ولهذا المعنى لم ينطق بالشوق كتابٌ ولا سنَّةٌ صحيحة، لأنَّ
(3)
الشوق مخبر عن بُعد، ومشير إلى غائب، وهو يطّلع إلى إدراك {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد/ 4]. وقيل:
ولا معنى لشكوى الشوق يومًا
…
إلى مَن لا يزولُ عن العيانِ"
(4)
اختلف النَّاس في الشوق والمحبَّة أيّهما أعلى؟ فقالت طائفة: المحبَّة أعلى من الشوق. هذا قول ابن عطاء
(5)
وغيره. واحتجُّوا بأنَّ
(1)
"ك، ط": "وأما".
(2)
"ط": "مخلّة"، تحريف.
(3)
"ب، ك، ط": "إلّا أنّ".
(4)
محاسن المجالس (93 - 94)، وانظر: منازل السائرين (73).
(5)
"ط": "ابن عطاء اللَّه". وهو غلط، فإنّه أحمد بن محمد بن عبد الكريم تاج الدين الشاذلي، المعروف بابن عطاء اللَّه الإسكندري المتوفى 709 هـ صاحب الحكم العطائية. وكان من أشد خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. الأعلام (1/ 221). والمذكور هنا أبو عبد اللَّه أحمد بن عطاء الرُّوذباري المتوفى في صور سنة 369 هـ. كان شيخ الشام في وقته، وهو ابن أخت أبي علي الرُّوذباري. انظر: طبقات الصوفية (497). وقوله الذي أشار إليه المؤلف هنا مذكور في الرسالة القشيرية (330).
الشوق غايته أن يكون أثرًا من آثار المحبة، ويتولَّد
(1)
عنها: فهي أصله، وهو فرعها. قالوا: والمحبة توجِب آثارًا كثيرةً، فمن آثارها الشوق.
وقالت طائفة منهم سريّ السقَطي وغيره: الشوق أعلى. قال الجنيد: سمعت السريّ يقول: الشوق أجلّ مقامات العارف إذا تحقَّق فيه. وإذا تحقَّق
(2)
في الشوق لها عن كلِّ شيء يشغله عمَّن يشتاق إليه
(3)
.
وإنَّما يظهر سرّ المسالة بذكر فصلين: الفصل الأوَّل في حقيقة الشوق، والثاني في الفرق بينه وبين المحبة. ويتبع ذلك خمس مسائل:
إحداها: هل يجوز إطلاقه على اللَّه كما يطلق عليه أنَّه يحبّ عباده أم لا؟
الثانية: هل يجوز إطلاقه على العبد، فيقال: يشتاق إلى اللَّه، كما يقال: يحبّه؟
الثالثة: أنَّه هل يقوى بالوصول والقرب، أم يضعف بهما؟ فأي الشوقين أعلى: شوق القريب الداني، أم شوق البعيد الطالب؟
الرابعة: ما الفرق بينه وبين الاشتياق، فهل هما بمعنى واحد أم بينهما فرق؟
الخامسة: في بيان مراتبه وأقسامها ومنازل أهله فيه.
(1)
"ب، ك، ط": "متولّدًا".
(2)
"فيه وإذا تحقّق" ساقط من "ب، ك، ط".
(3)
الرسالة القشيرية (332).