الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومرتبة الآمر فوق مرتبة المأمور فاحترس بقوله: «غير مأمور» .
وقد يكون الاحتراس في آخر الكلام نحو قوله تعالى: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، فإن المعنى
بدون قوله تعالى: مِنْ غَيْرِ سُوءٍ موهم أن يكون ذلك البياض لمرض كالبرص أو سوء أصاب اليد، ولهذا أتى بقوله: مِنْ غَيْرِ سُوءٍ لدفع هذا الإيهام.
ونحو قول الشاعر:
وما بي إلى ماء سوى النيل غلّة
…
ولو أنه- أستغفر الله- زمزم
فالشاعر أتى بجملة «أستغفر الله» - للاحتراس، لأنه أراد أن يقول:
«ولو أنه زمزم» ، ففطن لما قد يتوهمه السامع فيه من الاستخفاف بأمر زمزم وهو الماء المبارك المقدس، فسارع إلى دفع هذا الوهم وقال:«أستغفر الله» .
فهذه الزيادات التي وردت في الأمثلة السابقة سواء كانت في وسط الكلام أو آخره هي إطناب بالاحتراس، وكذلك كل زيادة تجيء لدفع ما يوهمه الكلام مما ليس مقصودا.
…
7 - الاعتراض:
وهو أن يؤتى في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين في المعنى بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لفائدة غير دفع الإبهام.
ومن هذا يفهم أن الإطناب باعتراض يؤتى به في الكلام لفائدة أو لغرض يقصد إليه البليغ. ومن أغراض الإطناب البلاغية بالاعتراض:
أ- التنزيه: وذلك كقوله تعالى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ- سُبْحانَهُ- وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ. فجملة «سبحانه» في الآية الكريمة معترضة في أثناء الكلام لغرض بلاغي هو المسارعة إلى تنزيه المولى جل شأنه وتقديسه عما ينسبون إليه.
ب- الدعاء ومن أمثلته قول عوف بن محلم الشباني يشكو كبره وضعفه:
إن الثمانين «وبلغتها»
…
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
فقوله «وبلغتها» جملة معترضة بين اسم إن وخبرها قصد الشاعر بها الدعاء لمن يخاطبه استدرارا لعطفه عليه. ويجدر التنبيه إلى أن «الواو» السابقة للجملة الاعتراضية ليست واو الحال ولا العطف، وإنما هي «واو» الاعتراض.
ومن أمثلة الإطناب بالاعتراض أيضا قول عباس بن الأحنف:
إن تم ذا الهجر يا ظلوم «ولا
…
تم» فمالي في العيش من أرب
فجملة «ولا تم» معترضة بين الشرط وجوابه. وغرض الشاعر من وراء هذا الاعتراض هو المسارعة إلى دعاء
الله بألا يقدر وقوع هذا الهجر والتقاطع بينه وبين حبيبته.
ومنه قول أبي الطيب المتنبي:
وتحتقر الدنيا احتقار مجرب
…
يرى كل ما فيها «وحاشاك» فانيا
فقوله: «وحاشاك» إطناب بالاعتراض للدعاء كذلك وهو حسن في موضعه.
ج- التنبيه على أمر من الأمور: ومنه قول أبي خراش الهذلي يذكر أخاه عروة:
تقول أراه بعد عروة لاهيا
…
وذلك رزء «لو علمت» جليل
فلا تحسبي أني تناسيت عهده
…
ولكن صبري «يا أميم» جميل
ففي البيت الأول اعترض الشاعر بين الصفة والموصوف بقوله: «لو علمت» والغرض من الاعتراض هنا التنبيه على عظم المصاب وشدة تأثيره في نفسه وذلك لأن مفعول «علمت» محذوف تقديره: لو علمت مبلغ هذا الرزء وعظيم تأثيره في نفسي. وفي البيت الثاني اعترض بجملة النداء «يا أميم» بين اسم «لكن» وخبرها لتنبيه المخاطبة إلى جمال صبره.
ومن هذا النوع أيضا قول الشاعر:
واعلم «فعلم المرء ينفعه»
…
أن سوف يأتي كل ما قدرا
فقوله: «فعلم المرء ينفعه» جملة اعتراضية بين الفعل «اعلم» ومفعوله. وقد أتى الشاعر بهذا الاعتراض لينبه على فضل العلم وعظيم نفعه للإنسان. والمعنى هنا أن المقدر آت لا محالة وإن وقع فيه تأخير. والفاء السابقة للجملة الاعتراضية هي فاء الاعتراض.
ومنه قول كثير عزة:
لو أن الباخلين «وأنت منهم»
…
رأوك تعلموا منك المطالا
فالإطناب باعتراض هنا هو «وأنت منهم» وقد بادر به الشاعر للتنبيه على بخل المخاطبة وأن الباخلين وهي واحدة منهم جديرون بأن يتعلموا منها المطال.
د- التحسر: ومنه قول إبراهيم بن المهدي في رثاء ابنه:
وإني «وإن قدّمت قبلي» لعالم
…
بأني «وإن أخّرت» منك قريب
ففي البيت هنا إطناب بالاعتراض في كل من شطريه، هو في الشطر الأول «وإن قدمت قبلي» ، وهو في الثاني «وإن
أخرت»، والغرض البلاغي الذي قصد إليه الشاعر من وراء هذين الاعتراضين هو إظهار الأسى والتحسر على أن الموت سبق إلى ولده.
هـ- التعظيم: نحو قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ. فموضع الإطناب بالاعتراض في الآية الكريمة هو قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ- لَوْ تَعْلَمُونَ- عَظِيمٌ. وهذا الاعتراض هو في الواقع اعتراضان: أولهما «وإنه لقسم عظيم» والثاني هو لَوْ تَعْلَمُونَ. والغرض البلاغي منهما هو تعظيم القسم بمواقع النجوم وتفخيم أمره، وفي ذلك تعظيم للمقسم عليه وتنويه برفعة شأنه، وهو القرآن الكريم.