الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الجِناياتِ
يَجِبُ القِصاصُ على منْ قتَلَ إنساناً عمْداً مَحْضاً عُدْواناًً، لكنْ لا يَجِبُ على صبيٍّ ومجنونٍ مُطْلقاً، ولا على مُسلِمٍ بِقَتْلِ كافرٍ، ولا على حُرٍّ بقَتْلِ عبْدٍ، ولا على ذِمِّيٍّ بقَتْلِ مُرْتدٍّ، ولا على الأبِ والأُمِّ وآبائِهِما وأمَّهاتِهما بقتْلِ الولَدِ وولدِ الولدِ، ولا بقتْلِ منْ يَثْبُتُ القِصاصُ فيهِ للْولدِ، مثْلُ أنْ يَقْتُلَ الأبُ الأمَّ.
[أقسامُ الجِناياتِ]:
ثُمَّ الجِناياتُ ثلاثةٌ: خطأٌ، وعمْدٌ خطَأٌ، وعمْدٌ محْضٌ.
1 -
فالخطأُ: مثلُ أنْ يرميَ إلى حائطٍ سهْماً فيُصيبُ إنساناً، أو يَزْلِقَ منْ شاهقٍ فيقَعَ على إنسانٍ.
وضابطُهُ: أنْ يقصِدَ الفِعْلَ ولا يقصِدَ الشَّخْصَ، أو لا يَقْصِدَهُما.
2 -
وعمْدُ الخطأ: أنْ يقصِدَ بهِ الجنايةَ بما لا يَقْتُلُ غالِباً، مثلَ أنْ يَضْرِبَهُ بعصا خفيفةٍ في غيرِ مَقتلٍ، ونحوِ ذلكَ.
3 -
والعمْدُ: أنْ يقصِدَ الجنايةَ بما يَقْتُلُ غالِباً، سواءٌ كانَ مُثقَّلاً أو مُحدَّداً، فإنْ كانتِ الجنايةُ عمْداً على النَّفسِ أو الأطرافِ، وجبَ القِصاص.
فيجِبُ في الأعضاءِ حيْثُ أمْكنَ منْ غيرِ حيْفٍ، كالعَيْنِ والجِفْنِ ومارِنِ الأنفِ -وهو ما لانَ منهُ- والأذُنِ والسِّنِّ واللِّسانِ والشَّفةِ واليَدِ والرِّجلِ والأصابعِ والأناملِ
والذَّكرِ والأنْثَيَيْنِ والفرْجِ ونحوِ ذلكَ، بشرْطِ المُماثلةِ، فلا تُؤخذُ يمينٌ بيسارٍ، ولا أعلى بأسفلَ وبالعكسِ، ولا صحيحٌ بأشلَّ، ولا قِصاصَ في عظْمٍ، فلوْ قطعَ اليدَ منْ وَسَطِ الذَِراعِ اقتُصَّ منَ الكفِّ، وفي الباقي حكومةٌ.
ويُقتصُّ للأُنثى منَ الذَكرِ، وللطِّفلِ منَ الكبيرِ، وللوضيعِ منَ الشَّريفِ، في النَّفسِ والأعضاءِ.
ولا يجوزُ أنْ يُستوفى القِصاصُ إلَاّ بحَضْرةِ السُّلطانِ أو نائبهِ، فإنْ كانَ منْ لهُ القِصاصُ يُحْسِنْهُ مكَّنَهُ منْهُ، وإلَاّ أمرَ بالتوكيلِ، وإنْ كانَ القِصاصُ لاثنينِ لمْ يَجُزْ لأحدهما أنْ يَنفرِدَ بهِ، فإنْ تشَّاحَّا في منْ يَستوفيهِ أقرِعَ بينهما، ولا يُقْتصُّ منْ حاملٍ حتَّى تَضَعَ ويستغني الولدُ بلبنِ غيرِها.
ومَنْ قَطَعَ اليدَ ثمَّ قَتَلَ تُقْطَعُ يدُهُ ثمَّ يُقْتَلُ، فإنْ قطعَ اليدَ فماتَ منْ ذلكََ قُطعتْ يدُهُ، فإنْ ماتَ فهوَ، وإلَاّ قُتلَ. ومتى عفا مُستحِقُّ القِصاصِ على الدِّيَةِ سقطَ القِصاصُ ووجبت الدِّيةُ، بلْ لوْ عفا بعضُ المُستحقِّينَ مثلُ أنْ كانَ للمقتولِ أولادٌ فيعفو أحدُهُم سقطَ القِصاصُ ووجبتِ الدِّيةُ.
ومنْ قتلَ جماعةً، أو قطعَ عُضْواً منْ جماعةٍ واحدًا بعدَ واحدٍ، اقتُصَّ منْهُ للأولِ وللباقينَ الدِّيةُ، فإن جنى عليهمْ دَفعَةً أُقرِعَ.
[جنايةُ الجماعةِ]:
وإنِ اشتركَ جماعةٌ في قتلِ واحدٍ
قُتِلوا بهِ، سواءٌ اسْتَوَتْ جنايتُهُمْ أو تفاوتَتْ، حتَّى لوْ جرحَهُ واحدٌ جِراحةً وآخرُ مئةَ جِراحةٍ وماتَ، وكانتْ تِلْكَ الجِراحةُ المُفردَةُ أو تلكَ الجِراحاتُ ممَّا لو انفردتْ لقتَلتْ لزِمَهُما القِصاص، اللهمَّ إلَاّ أنْ يَقطعَ الثَّاني جِنايةَ الأوَّلِ بأنْ يَقطعَ الأوَّلُ يدَهُ ونحوَها ويَقطعَ الَّثاني رقبتَهُ أو يَقُدَّهُ نِصفينِ، فالأوَّلُ جارحٌ والثَّاني قاتِلٌ، ولوْ شاركَ العامِدُ مُخطِئاً فلا قِصاصَ على أحدٍ.
ولوْ شاركَ الأجنبيُّ أباً اقتُصَّ منَ الأجنبيِّ.
ويجبُ القِصاصُ أيضاً في كُلِّ جُرْحٍ انتهى إلى عظمٍ، كالمُوضِحَةِ في الرَّأسِ والوجهِ وجُرحِ العَضُدِ والسَّاقِ والفَخِذِ إذا انتهى الجُرحُ إلى العظمِ، والمُرادُ بالمُوضِحَةِ وبانتهاءِ الجُرحِ إلى العظمِ: أنْ يُعلمَ وصولُ السِّكِّينِ أو المِسلَّةِ مثلاً إلى العظمِ، ولا يُشترطُ ظهورُ العظمِ ورؤيَتُهُ.
فصل [في الدِّياتِ]:
إذا كانَ القتلُ خطأً، أو عَمْدَ خطأٍ، أو آلَ الأمرُ في العمْدِ بالعفوِ إلى الدِّيةِ وجبتِ الدِّيةُ. ودِيةُ الحُرِّ المُسلمِ الذَكرِ مئةٌ منَ الإبِلِ:
فإنْ كانَ عمداً فهيَ مُغَلَّظَةٌ من ثلاثةِ أوجُهٍ: كونُها حالَّةً، وعلى الجاني، ومُثلَّثةً: ثلاثينَ حِقَّةً، وثلاثينَ جَذَعَةً، وأربعينَ خَلِفَةً، أي حواملَ، في بطونها أولادُها.
وإنْ كانَ عمْدَ خطأٍ فهي مُغلَّظةٌ منْ وجهٍ واحدٍ:
كونُها مُثلَّثةً. ومُخفَّفةٌ منْ وجهينِ: كونُها مُؤجلَةً، وعلى العاقلةِ.
وإن كانَ خطأً فهي مُخففةٌ من ثلاثةِ أوجُهٍ: كونُها مُؤجلةً، وعلى العاقلةِ، ومُخمَّسَةً: عشرينَ بنت مخاضٍ، وعشرينَ بنتَ لبونٍ، وعشرينَ ابنَِ لبونٍ، وعشرينَ حِقَّةً، وعشرينَ جذعةً، اللهمَّ إلاّ أن يُقتلَ ذا رحِمٍ مَحْرَمٍ، أو في الحرَمِ، أو في الأشهُرِ الحُرُمِ - وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمُحرَّم، ورجبُ- فإنّها تكونُ مُثلَّثةً، خطأً كانَ أو عمْداً. ولا يُؤخذُ في الإبلِ مَعيبٌ، فإن تراضَوا على العِوَضِ عنِ الإبلِ جازَ.
ودِيَةُ المرأةِ في النَّفسِ وغيرها نصفُ دِيَةِ الرجلِ، وديةُ اليهوديِّ والنَّصرانيِّ ثلُثُ ديَةِ المُسلمِ، وديةُ المجوسيِّ ثُلُثا عُشرِ ديةِ المُسلِمِ، وديةُ العبدِ قيمتُهُ، وأعضاؤُهُ وجراحاتُهُ ما نقصَ منها، وفيما إذا ضَربَ بطْنها فألقتْ جنيناً ميِّتاً: غُرَّةٌ، وهي: عبدٌ أو أمةٌ سليمةٌ بقيمةِ نصفِ عُشرِ دية الأبِ أو عُشرِ ديةِ الأمِّ.
والعاقلةُ هي: العَصباتُ، ما عدا الأبَ والجدَّ والابن وابنَ الابنِ، ولا يعقِلُ فقيرٌ ولا صبيٌّ ولا مجنونٌ، ولا كافرٌ عن مُسلمٍ، وعكسهُ، فيجبُ عليهمْ ديةُ النَّفس الكاملةِ، أعني المئةَ من الإبل في ثلاثِ سنينَ، فيجبُ على كُلِّ غنيٍّ عندَ الحولِ في كلِّ سنةٍ نصفُ دينارٍ، وعلى كلِّ مُتوسِّطٍ رُبُعُ دينار، فإذا بقيَ شيءٌ أُخِذَ
منْ بيتِ المالِ، وإلَاّ فمنَ الجاني، وإنْ كانَ الواجبُ أقلَّ منْ ديةِ النَّفسِ الكاملة -كواجبِ الجراحاتِ، وديةِ الجنينِ والمرأةِ والذمِّيِّ- فمنْ كانَ قدْرَ ثُلُثِ الكاملةِ أو أقلَّ ففي سنة، وإن كانَ الثُلُثينِ أو اقلَّ فالثُلُثُ في سنةٍ والباقي في الثانية، فإن زادَ على الثُلُثينِ فالثُلُثانِ في سنتينِ والباقي في الثالثة.
وكلُّ عُضوٍ مُفردٍ فيهِ جمالٌ ومنفعةٌ إذا قُطعَ وجبت فيهِ ديَةٌ كاملةٌ مثلُ ديةِ صاحبِ العُضوِ لوْ قتلهُ، وكذا كلُّ عُضويْنِ منْ جِنْسٍ، فإذا قطعهُما ففيهما الديةُ وفي أحدهِما نصفُها، وكذا المعاني واللَّطائفُ ففي كُلِّ معنىً منها الدية، ففي قطعِ الأذنينِ الدية، وفي أحدهما نصفُها، ومثلُهُما العينانِ والشِّفتانِ واللّحيانِ، والكفَّانِ والقدمانِ بأصابعِهِما، والأليتانِ والأنثيانِ والأجفانِ وحلمتا المرأةِ وشُفراها ومارنُ الأنفِ واللِّسان، والحشَفةُ وجميعُ الذَكرِ، وكذا في شللِ هذه الأعضاء، والإفضاءِ وسلْخِ الجلدِ وكسْرِ الصُّلبِ وإذهابِ العقلِ والسَّمعِ أو الضَّوءِ أو النُّطقِ أو الشّمِّ أو الذَوقِ. وفي كلِّ أُصبعٍ عشرٌ من الإبلِ وفي كلِّ سنٍّ خمسٌ.
وأمّا الجراحاتُ في البدَنِ فالحكومةُ، وفي الرَّأسِ والوجهِ: فما دونَ الموضِحةِ فيهِ الحكومةُ، وأمّا الموضحةُ -وهي ما أوضحت العظمَ كما تقدَّم- ففيها خمسٌ من الإبلِ،
وبقيت جناياتٌ أُخَرُ آثرْتُ تركَها لئلاّ يطولَ الكلامُ. ولا تجِبُ الديةُ بقتلِ الحربيِّ، والمُرتدِّ، ومنْ وجبَ رَجْمُهُ بالبيِّنةِ، أو تَحَتَّمَ قتْلُهُ في المُحاربةِ، ولا على السيِّدِ بقتلِ عبدِهِ.
فصل [كفارةُ القتلِ]:
تجِبُ الكفَّارةُ على منْ قتلَ منْ يَحرُمُ قتلُهُ لحقِّ الله تعالى، خطأ كان أو عمداً، سواءٌ لزمهُ قِصاصٌ، أو ديةٌ -كما لو قتل ولده-، أوْ لمْ يلزمهُ شيءٌ منهما، وهو عِتقُ رقبةٍ، فإنْ لمْ يجدْ فصيامُ شهرينِ مُتتابعينِ، فلوْ قتلَ نساءَ أهلِ الحربِ وأولادهُم فلا كفارة، لأنّهُم وأن حرُمَ قتُلهُمْ لكن لا لحقِّ اللهِ تعالى بلْ لحقِّ الغانمين.
فصل [البُغاة]:
إذا خرجَ على الإمامِ طائفةٌ من المسلمينَ وراموا خَلْعهُ، أو منعوا حقّاً شرعيّاً كالزَّكاةِ، وامتنَعوا بالحربِ، بعثَ إليهمْ وأزالَ علَّتهُم إن أمكن، فإنْ أبَوْا قاتلهُمْ بما لا يعُمُّ شرُّهُ كالنّار والمنجنيقِ، ولا يَتْبعُ مُدْبِرَهُمْ، ولا يقتُلُ جريحهُمْ، وما أتلفوهُ علينا أو أتلفناهُ عليهم في الحرْبِ لا ضمانَ فيه، وأحكامُ الإسلامِ جاريةٌ عليهم، ويَنفُذُ منْ حكمِ قاضيهِم ما يَنْفُذُ منْ حكمِ قاضينا وإنْ لمْ يمتنِعوا بالحربِ لمْ يُقاتِلْهُم.